يتساءل المربون المجددون عن مدى قدرة المؤسسة التعليمية على أداء رسالتها إذا ظلت معزولة عن المحيط الذي يكتنفها، كما يعبر علماء الاجتماع عن انشغالهم العميق بموضوع انفتاح هذه المؤسسة الاجتماعية الفرعية على المجتمع الذي خرجت من رحمه، وهذا الانشغال وجيه وقلق يستحق الوقوف المتأني والتأمل العميق في أسباب هذه الأزمة.
ويستطيع أي واحد منا، وبسهولة، أن يرصد المخاوف التي تكتنف العاملين بقطاع التعليم، والمحافظين منهم على وجه الخصوص، من نتائج انفتاح المؤسسة التعليمية على المجتمع وإشراك المجتمع المحلي وهيئاته في تسيير المؤسسة التعليمية وتدبير الشأن التربوي، ومن نتائج وانعكاسات التدخل والإشراف على التعليم المدرسي، بدعوى عدم أهلية المجتمع للنظر في التعليم المدرسي، لذلك يزيدون في اقتراحهم على أن تظل وظيفة الفاعلين وأعضاء مجلس تدبير المؤسسة التعليمية استشارية، ويقتصر دورهم على تمويل أنشطة المؤسسة وتغطية النفقات المالية التي تتطلبها الحياة التعليمية المدرسية، كما تلقى فكرة تمثيلية التلاميذ في مجالس المؤسسة معارضة ورفضا بدعوى قصور التلاميذ وعدم أهليتهم.
إن المضمون الواضح والبارز للخطاب الإصلاحي في وقتنا الراهن يولي أهمية كبرى لقضية انفتاح المؤسسة التعليمية على مجتمعها المحلي، وهذا ليس بدعة جديدة تدعو للتوجس والخوف، وإنما هي تصحيح لوضع خاطئ ساد نظامنا التربوي. فالتعليم كان يتم في الماضي عن طريق المشاركة الفعلية للمجتمع في شؤون الحياة المدرسية، إلا أنه مع تعقد الحياة والتطور واتساع المعارف الإنسانية وتدوينها وظهور الحاجة إلى التخصص والكفاءة، نشأ التعليم النظامي ونشأت المدرسة وقد أخذت على عاتقها وظائف عدة منها تجزئة المعارف وتبسيطها ووضعها بنظام متدرج بحسب سنين الدراسة ومراحلها المتعددة وملاءمتها للعمل العقلي والعمر الزمني، وكان المعلم الساهر على تعليم الأطفال يخضع في وظيفته لمراقبة الجماعة وإشرافها، فهي التي تتعاقد معه عن طريق الشرط، كما كان المنهاج المدرسي ترجمة عملية لأهداف التربية واتجاهاتها في المجتمع ومنبثقا عن حاجات البيئة التي يعيش فيها الأفراد ومن متطلبات تنميتهم، بل كان العرف جاريا على أن يضع الأب الخطوط العامة في طريق تعليم ولده وتهذيبه، بتحديد المواد التي ينبغي دراستها وتحديد طرق ووسائل تأديب الصبي. وقد ظل هذا الوضع قائما حتى نشأت المدارس النظامية، وعم انتشارها البلاد العربية، وأصبح المعلمون يعينون من قبل السلطة التي لها حق الإشراف على التعليم والتحكم في المناهج والعلوم الملقنة للناشئة، وتقلصت فرص إشراف المجتمع المحلي على التعليم المدرسي النظامي، ورغم ما قيل حول الموضوع، فإنه لا يمكن أن ننكر الدور الذي قامت به هذه المدارس في تشييد صرح المدنية العربية الإسلامية وفي النهضة العلمية والارتقاء بأحوال المجتمع المسلم، بنشر العلم والمعرفة وبث الثقافات البانية في النسيج الاجتماعي، إذ كانت هذه المؤسسات مفتوحة في وجه العموم، لا تضع قيودا ولا شروطا أما الراغبين في التعلم، كما كانت كثير من العلوم تدرس تلبية لطلب اجتماعي أو نزولا عند رغبة أبداها المتعلمون.
وهذه الظرفية التي تجتازها مؤسساتنا التعليمية اليوم هي حصيلة ناتجة عن تفاعل جملة من العوامل المتداخلة، إذ كان التوجه السليم الذي كانت تقتضيه الأحوال والمطالب الاجتماعية وشروط التغيير الاجتماعي يحتم على المؤسسة التعليمية وسائر المؤسسات الاجتماعية الفرعية الأخرى أن تنخرط كفاعل في النشاط السياسي والاجتماعي المهيكل حول التكوين الإيديولوجي، فتبلورت في المؤسسات التعليمية ديناميكية استراتيجية النضال الديمقراطي باعتبارها فعلا سلميا وتدريجيا نحو الديمقراطية، وكان يعتمد انصهار المؤسسة التعليمية بمختلف مكوناتها في المجتمع وتفاعلها معه وقيادتها له، وهذا التوجه كان يغذيه ويؤججه أيضا الصراع الداخلي في المؤسسة التعليمية نفسها وسائر المؤسسات الاجتماعية بين التيارات السياسية والثقافية التي اختلفت وتباينت وعبرت عن اختلافها بالتكتلات النقابية والحزبية المتنوعة التي كانت تعبر عن نفسها باختلاف وجهات النظر وحيوية النقاش الذي كان يدور بين مختلف العناصر المؤلفة للقطاع التعليمي (أساتذة وتلاميذ وآباء) وكان يفرز ركاما ثقافيا يحمل شعارات وأهدافا مختلفة، فالانخراط في النضال السياسي والاجتماعي كان يشترط التثقيف والتكوين العميقين والتسلح بالمعرفة النظرية كأداة ضرورية ولازمة للفهم والإقناع وتنظير الممارسة.
كان التوجه الإداري يقتضي تأكيد الالتزام "بالتقاليد التربوية الأصيلة والصارمة" لصيانة البنيان الاجتماعي وحمايته، وحماية المجتمع من "شر الأفكار الدخيلة الهدامة" و "حماية المؤسسة التعليمية من التأثير السلبي لمجتمع تسوده الأمية والجهل" وكان ذلك يقتضي بطبيعة الحال تحديد قنوات ضيقة للتواصل بين المؤسسة التعليمية والمجتمع تمر عبر طريق إدارة أخرى متحكمة في تدبير المجتمع وهي قناة وزارة الداخلية وهياكلها الإدارية التي حققت في ظرف وجيز إشرافا عاما وشاملا على سير مختلف المرافق وأفلحت في إحكام حراسة دائمة على كل الدواليب. هذه الهيمنة المقيتة والمخيفة لهذا الجهاز الإداري وضعت كل قرارات ومبادرات وأنشطة القطاعات الأخرى في حجر مستمر وأضفت على سير الدولة العامة نكهة التحكم والتسلط، أفلحت إلى حد بعيد جدا في أن تصبح جهازا عازلا بين المجتمع وبقية مؤسساته الفرعية، وأصبحت معبرا ضروريا وإجباريا لمرور الملفات والمطالب والرسائل وراعيا نشيطا لمشروع السلام الاجتماعي والسياسي، فتمت مخزنة المؤسسات الاجتماعية الفرعية لتهجين ومسخ الاستراتيجية التي تبرعمت في أحضان المؤسسات التعليمية، واقتنعت الفعاليات الاجتماعية بلا جدوى العمل النضالي والمبادرة السياسية الحرة، وفقدت الثقة في التنظيمات السياسية وسائر مؤسسات المجتمع المدني، بل وتم تجريم كثير من الأنشطة السياسية والثقافية والفكرية والإبداعية وتجريح ومضايقة المفكرين والمثقفين المتنورين والمناضلين، وانعكس ذلك على الوسط التعليمي الذي صادر حق التلاميذ في الاختلاف في الرأي وفي التعبير بكل حرية عن الآراء والأفكار وفي الإبداع والابتكار، ووئدت كل جرأة على اتخاذ أي قرار وتحمل المسؤولية والمبادرة، وضيق الخناق على هامش الحرية وازداد الاتكال على الدولة والانصياع لها.
وأضحت المقاربة الأمنية حاضرة في حياة هذه المؤسسة ونشاطها ووظيفتها، بغية التحكم في نتاجها، وهكذا سيتم عزل المؤسسات الاجتماعية الفرعية عن بعضها، وقطع كل علاقة تواصلية يمكن أن تقوم بينها وبين المجتمع، وتولد عن هذه الوصاية والحجر يأس شامل في كل تغيير، وفقد الثقة في كل قيم التضحية والنضال والتضامن، مما زرع جوا من عدم الثقة، وجعل فاعلية هذه المؤسسات التعليمية ودورها في التغيير الاجتماعي محدودة جدا، لا تتعدى تخريج المتعلمين وفق مواصفات محددة مرسومة بدقة، وكانت المقاربة الأمنية على الدوام هي المتحكمة في النظرة الإدارية لعلاقات المدرسة بالمجتمع والتي أدت إلى تضييق هذه العلاقة إلى أقصى الحدود وتقنينها، تعزز ذلك بالعلاقات والتفاعلات الاجتماعية التي طبعتها الأنانية والحذر والتزام الصمت.
وما زالت مدارسنا تؤسس رؤيتها للوسط من منظور متعال تحكمه المقاربة الأمنية ذات الأفق الضيق، وهذا يصادر حق المجتمع في الانتفاع من المؤسسة التعليمية والاستنارة بها، وحق المتعلم في الإدلاء برأي مخالف ويفرض عليه الامتثال كما يحدده الجهاز الإداري المدرسي الذي أصبح نائبا عن السلطة المخزنية المتحكمة في دواليب المجتمع، وأصبحت السمة الطاغية في نظامنا التعليمي قيامه على علاقات إدارية وتربوية أحادية الجانب تكرس الاتجاه التسلطي السائد فيه، وتقوي لغة التلقين، وهذه العلاقات الأحادية الجانب المرتبطة بالمدرسة في مجتمعنا المتخلف تعتمد في دعم تحكمها وسيطرتها على آليات متنوعة، ومنها طرق التعليم التلقينية وتحقير الطفل المتعلم وطغيان الجانب الإداري على القيادة التربوية.
فالطرق التعليمية السائدة في مدارسنا لم تعد بمنأى عن المقاربة الأمنية، فقد ساد التلقين الذي هو في حقيقة أمره الشكل الأكثر تنظيما من أشكال فرض السلطة لا يترك للطفل مجالا للفهم والإدراك والتساؤل، فهو لا يسمح بتبادل العلاقات بين الطرفين، بل يجعل دور المعلم يقتصر على الإلقاء الذي يسمح لخطابه بالسيطرة والهيمنة على جو الفصل ويعلي موقع المعلم ويمنع مشاركته في موقعه أو مناقشته، وهذا ما سينعكس لاحقا على مواقفه من مختلف القضايا بما في ذلك إسهامه في تدبير الشأن المحلي وعلاقته بالسلطة.
إن دعوى الإصلاح أضحت قوية، وشروطه تلوح في الأفق، وأصبح التغيير ممكنا، بل ومطلوبا للانخراط في مسيرة التنمية وتأهيل المجتمع وأفراده للألفية القادمة، ومن شروط هذا الانخراط العمل على أن تصبح المؤسسة التعليمية فاعلة ومنفتحة على المجتمع ومتجاوبة مع المحيط الذي يكتنفها والانفتاح على سائر المؤسسات والهيئات الاجتماعية الفرعية الأخرى.
فيجب النظر إلى المدرسة باعتبارها مؤسسة اجتماعية فرعية خادمة للمجتمع وأداة فعالة في تنميته بترقية أحواله وبتكوين الناشئة، واعتبار التلميذ هو سيد المؤسسة ومخدومها، وهذا يستلزم مشاورة جمعيات الآباء وإشراكهم في مجالس تدبير المؤسسات والاستماع إليهم، مع تحسين أساليب استقبالهم والتعامل معهم، وتطوير آليات التعامل التربوي داخل المؤسسات التعليمية بما يخدم هذا الهدف ويرتقي بأحوال المتعلمين وظروفهم، وتأسيس العلاقات التربوية مع المتعلمين على احترام حقوقهم في المشاركة وإبداء الرأي وتأكيد الذات والاحترام، بدل العلاقات القائمة التي همها الأول إخضاع المتعلم وكسر شوكة فضوله.
فالتلميذ يشكل القطب الأساسي في العملية التعليمية وأحد أهم أطرافها، إلا أنه رغم الأهمية والعناية التي حظيت بها المواضيع المرتبطة به في الأدبيات التربوية والدراسات الديداكتيكية، ورغم تطور الخطاب التربوي النظري، فإن كثيرا من التصورات التقليدية لدى الفاعلين في الحقل التعليمي مازالت تشكل مراكز لمقاومة التغيير، ومازالت الثقافة الحقوقية الصاعدة لم تجد بعد تربتها المناسبة داخل مؤسساتنا، وكذلك مازالت حقوق الإنسان عامة وحقوق الطفل خاصة لم تستوعب بعد من قبل كثير من المدرسين بسبب العوائق الثقافية، إذ ما زالت النظرة الدونية الاستصغارية للطفل سائدة، فكل ما يأتي منه أو به أو له لا يلقى العناية والتقدير.
إن الاهتمام المستمر والمتزايد بالمتعلم هو في العمق اهتمام بالفرد والمجتمع، ووضعية ومكانة التلميذ في المؤسسة تعكس بوضوح مدى اهتمام طاقم المؤسسة بالتلميذ مفرد وككائن تكفل له القوانين والمواثيق الدولية التمتع بكامل حقوقه المشروعة، وذلك يتحقق من خلال وضع أنظمة تعليمية تكون منسجمة مع طبيعة المرحلة القابلة التي نعلق عليها آمالنا في التحرر والرقي وإشاعة قيم الحق والخير والجمال.
كان التوجه الإداري يقتضي تأكيد الالتزام "بالتقاليد التربوية الأصيلة والصارمة" لصيانة البنيان الاجتماعي وحمايته، وحماية المجتمع من "شر الأفكار الدخيلة الهدامة" و "حماية المؤسسة التعليمية من التأثير السلبي لمجتمع تسوده الأمية والجهل" وكان ذلك يقتضي بطبيعة الحال تحديد قنوات ضيقة للتواصل بين المؤسسة التعليمية والمجتمع تمر عبر طريق إدارة أخرى متحكمة في تدبير المجتمع وهي قناة وزارة الداخلية وهياكلها الإدارية التي حققت في ظرف وجيز إشرافا عاما وشاملا على سير مختلف المرافق وأفلحت في إحكام حراسة دائمة على كل الدواليب. هذه الهيمنة المقيتة والمخيفة لهذا الجهاز الإداري وضعت كل قرارات ومبادرات وأنشطة القطاعات الأخرى في حجر مستمر وأضفت على سير الدولة العامة نكهة التحكم والتسلط، أفلحت إلى حد بعيد جدا في أن تصبح جهازا عازلا بين المجتمع وبقية مؤسساته الفرعية، وأصبحت معبرا ضروريا وإجباريا لمرور الملفات والمطالب والرسائل وراعيا نشيطا لمشروع السلام الاجتماعي والسياسي، فتمت مخزنة المؤسسات الاجتماعية الفرعية لتهجين ومسخ الاستراتيجية التي تبرعمت في أحضان المؤسسات التعليمية، واقتنعت الفعاليات الاجتماعية بلا جدوى العمل النضالي والمبادرة السياسية الحرة، وفقدت الثقة في التنظيمات السياسية وسائر مؤسسات المجتمع المدني، بل وتم تجريم كثير من الأنشطة السياسية والثقافية والفكرية والإبداعية وتجريح ومضايقة المفكرين والمثقفين المتنورين والمناضلين، وانعكس ذلك على الوسط التعليمي الذي صادر حق التلاميذ في الاختلاف في الرأي وفي التعبير بكل حرية عن الآراء والأفكار وفي الإبداع والابتكار، ووئدت كل جرأة على اتخاذ أي قرار وتحمل المسؤولية والمبادرة، وضيق الخناق على هامش الحرية وازداد الاتكال على الدولة والانصياع لها.
وأضحت المقاربة الأمنية حاضرة في حياة هذه المؤسسة ونشاطها ووظيفتها، بغية التحكم في نتاجها، وهكذا سيتم عزل المؤسسات الاجتماعية الفرعية عن بعضها، وقطع كل علاقة تواصلية يمكن أن تقوم بينها وبين المجتمع، وتولد عن هذه الوصاية والحجر يأس شامل في كل تغيير، وفقد الثقة في كل قيم التضحية والنضال والتضامن، مما زرع جوا من عدم الثقة، وجعل فاعلية هذه المؤسسات التعليمية ودورها في التغيير الاجتماعي محدودة جدا، لا تتعدى تخريج المتعلمين وفق مواصفات محددة مرسومة بدقة، وكانت المقاربة الأمنية على الدوام هي المتحكمة في النظرة الإدارية لعلاقات المدرسة بالمجتمع والتي أدت إلى تضييق هذه العلاقة إلى أقصى الحدود وتقنينها، تعزز ذلك بالعلاقات والتفاعلات الاجتماعية التي طبعتها الأنانية والحذر والتزام الصمت.
وما زالت مدارسنا تؤسس رؤيتها للوسط من منظور متعال تحكمه المقاربة الأمنية ذات الأفق الضيق، وهذا يصادر حق المجتمع في الانتفاع من المؤسسة التعليمية والاستنارة بها، وحق المتعلم في الإدلاء برأي مخالف ويفرض عليه الامتثال كما يحدده الجهاز الإداري المدرسي الذي أصبح نائبا عن السلطة المخزنية المتحكمة في دواليب المجتمع، وأصبحت السمة الطاغية في نظامنا التعليمي قيامه على علاقات إدارية وتربوية أحادية الجانب تكرس الاتجاه التسلطي السائد فيه، وتقوي لغة التلقين، وهذه العلاقات الأحادية الجانب المرتبطة بالمدرسة في مجتمعنا المتخلف تعتمد في دعم تحكمها وسيطرتها على آليات متنوعة، ومنها طرق التعليم التلقينية وتحقير الطفل المتعلم وطغيان الجانب الإداري على القيادة التربوية.
فالطرق التعليمية السائدة في مدارسنا لم تعد بمنأى عن المقاربة الأمنية، فقد ساد التلقين الذي هو في حقيقة أمره الشكل الأكثر تنظيما من أشكال فرض السلطة لا يترك للطفل مجالا للفهم والإدراك والتساؤل، فهو لا يسمح بتبادل العلاقات بين الطرفين، بل يجعل دور المعلم يقتصر على الإلقاء الذي يسمح لخطابه بالسيطرة والهيمنة على جو الفصل ويعلي موقع المعلم ويمنع مشاركته في موقعه أو مناقشته، وهذا ما سينعكس لاحقا على مواقفه من مختلف القضايا بما في ذلك إسهامه في تدبير الشأن المحلي وعلاقته بالسلطة.
إن دعوى الإصلاح أضحت قوية، وشروطه تلوح في الأفق، وأصبح التغيير ممكنا، بل ومطلوبا للانخراط في مسيرة التنمية وتأهيل المجتمع وأفراده للألفية القادمة، ومن شروط هذا الانخراط العمل على أن تصبح المؤسسة التعليمية فاعلة ومنفتحة على المجتمع ومتجاوبة مع المحيط الذي يكتنفها والانفتاح على سائر المؤسسات والهيئات الاجتماعية الفرعية الأخرى.
فيجب النظر إلى المدرسة باعتبارها مؤسسة اجتماعية فرعية خادمة للمجتمع وأداة فعالة في تنميته بترقية أحواله وبتكوين الناشئة، واعتبار التلميذ هو سيد المؤسسة ومخدومها، وهذا يستلزم مشاورة جمعيات الآباء وإشراكهم في مجالس تدبير المؤسسات والاستماع إليهم، مع تحسين أساليب استقبالهم والتعامل معهم، وتطوير آليات التعامل التربوي داخل المؤسسات التعليمية بما يخدم هذا الهدف ويرتقي بأحوال المتعلمين وظروفهم، وتأسيس العلاقات التربوية مع المتعلمين على احترام حقوقهم في المشاركة وإبداء الرأي وتأكيد الذات والاحترام، بدل العلاقات القائمة التي همها الأول إخضاع المتعلم وكسر شوكة فضوله.
فالتلميذ يشكل القطب الأساسي في العملية التعليمية وأحد أهم أطرافها، إلا أنه رغم الأهمية والعناية التي حظيت بها المواضيع المرتبطة به في الأدبيات التربوية والدراسات الديداكتيكية، ورغم تطور الخطاب التربوي النظري، فإن كثيرا من التصورات التقليدية لدى الفاعلين في الحقل التعليمي مازالت تشكل مراكز لمقاومة التغيير، ومازالت الثقافة الحقوقية الصاعدة لم تجد بعد تربتها المناسبة داخل مؤسساتنا، وكذلك مازالت حقوق الإنسان عامة وحقوق الطفل خاصة لم تستوعب بعد من قبل كثير من المدرسين بسبب العوائق الثقافية، إذ ما زالت النظرة الدونية الاستصغارية للطفل سائدة، فكل ما يأتي منه أو به أو له لا يلقى العناية والتقدير.
إن الاهتمام المستمر والمتزايد بالمتعلم هو في العمق اهتمام بالفرد والمجتمع، ووضعية ومكانة التلميذ في المؤسسة تعكس بوضوح مدى اهتمام طاقم المؤسسة بالتلميذ مفرد وككائن تكفل له القوانين والمواثيق الدولية التمتع بكامل حقوقه المشروعة، وذلك يتحقق من خلال وضع أنظمة تعليمية تكون منسجمة مع طبيعة المرحلة القابلة التي نعلق عليها آمالنا في التحرر والرقي وإشاعة قيم الحق والخير والجمال.