ضمن سياق تحليلنفسي امتد من عام 1919 إلى حوالي عام 1930، ظل فرويد يرى في وليام رايخ (1897-1957) طالبا متميزا، واعدا، ويحميه من هجمات المحللين الآخرين. عندما أعطاه رايش كتابه الأول "وظيفة هزة الجماع " (1970)، صرخ فرويد: "هذا عمل عظيم"! الذي يفيد به هذا التعجب هو أن فرويد درس الجنسانية (النشاط الجنسي)، ولكن لم يسبق له أن درس هزة الجماع، حيث بدت له ظاهرة ثانوية تختتم النشاط الجنسي، أي ظاهرة إفرازات، لن يكون لها في حد ذاتها سوى تأثير فسيولوجي ونفسي ضئيل أو منعدم.
تسمح لنا دهشة فرويد هذه بفهم أين وكيف يتموقع رايخ إزاء عمله: استكشاف ما لم يصل إليه المؤسس. لأنه إذا كان فرويد هو بالفعل المخترع الثوري للجنسانية الطفولية، مستكشف آلياتها وتأثيراتها النفسية المرضية، لم يقترب حقا من التتمة، ما نسميه الجنس التناسلي، الذي يتم إحلاله منذ سن البلوغ، والذي اهتم به رايخ.
من جانب آخر، إذا تحرر فرويد تدريجيا من الأسس العصبية الحيوية للأداء النفسي وكذلك من القواعد الجسدية، فسوف يعود رايخ إليها لتعميقها، لا سيما من خلال رد الاعتبار للجسد وعلم وظائف الأعضاء وإحلاله (الجسد) مكانا مهما في العلاج التحليلنفسي: الجسد له لغته الخاصة، ولكنه أيضا ذاكرة، وبالتالي فهو محاور مهم.
علاوة على ذلك، إذا كان فرويد قد أشار إلى آثار الحضارة على النشاط الجنسي البشري من خلال التنازلات التي تفرضها (فرويد، 1969)، ومساهمته بالتالي في تكوين "الباثولوجيات" (علم الأمراض)، فإن رايخ سيذهب بتفكيره أبعد من ذلك، خاصة مع فكرة الطاعون العاطفي* (emotional plague).
وهكذا تتماشى تماما الفترة الأولى من عمل رايخ - الفترة الفيينية من 1920 إلى 1930 - مع امتداد ابحاث مؤسس التحليل النفسي، وبهذا المعنى كان فرويد يدعم رايخ الشاب.
إذا قمنا بتصفح منشورات التحليل النفسي الحالية، ندرك بسرعة مفرطة أن الجسد غالبا ما كان غائبا، على غرار الجنسانية التناسلية، التي لا تعتبر سوى مرحلة نهائية من التطور الجنسي للفرد، ولا تستفيد من أي تعليق أو دراسة.
والأسوأ من ذلك، أن البعض لا يزال يؤيد الخطاب الطبي النفسي للقرن التاسع عشر الذي أكد على أن النشاط الجنسي التناسلي في خدمة تكاثر النوع، ماحيا ما أشار إليه فرويد بكونه خصوصية النشاط الجنسي البشري: تحرر من حتمية التكاثر لحساب خدمة التمتع (فرويد، 1905).
قاد مثل هذا التوجه رايخ إلى طرح سؤال مركزي عن الوظيفة الطبيعية لهزة الجماع، سواء من جانبها الفسيولوجي أو من جانبها العلائقي التبادلي، وتظهر أدنى ملاحظة هذه الأهمية المركزية لهزة الجماع لدى الكائن البشري، سواء كان خصما شرسا لها أو باحثا متعصبا عنها.
ملاحظة أخيرة وهي من الواضح أن كلا من فرويد ورايخ - ولكن بشكل مختلف - يؤيدان الجنسانية باعتبارها خيرا وليس شرا، مثلما تتصوره الدول والأديان والأخلاق البرجوازية.
فضلا عن ذلك، كان الاستهلال الذي خص به رايخ مقاله لعام 1927 فرويديا للغاية: "الحب، العمل، المعرفة هي مصادر حياتنا. ولذلك يجب أن يحكموها" (« La Génitalité dans la théorie et la thérapie des névroses », dans Premiers Écrits, t. 2, Paris, Payot, 1982, p. 7).
بالنسبة لهذين المحللين، يعتبر النشاط الجنسي مركز الحياة الاجتماعية والنفسية للفرد. منذ اللحظة التي نصنف فيها ضمن هذا الخيار للجنس على أنه جيد، يتم تصنيفنا بحكم الأمر الواقع ضمن خيار آخر، خيار الفرد ضد الجماهير، ما يضعنا في مواجهة الأخلاق الجنسية المتحضرة أو البرجوازية التي تحولنا في الواقع إلى موبوئين أو متمردين. ولأن الجنس في حد ذاته أمر فردي - ولهذا السبب بالتحديد نتعرض الجنسانية للهجوم من قبل الأخلاق.
من الواضح أن رايخ احتفظ بهذه التسمية للمتمرد الموبوء، وكذلك أولئك الذين مددوا بعض جوانب فكره مثل هربرت ماركوز. فرايخ موبوء، وبالتالي سيرفضه الجميع وفي كل مكان. سهل الرفض تطوره النفسي ونهايته الحزينة التي تقدم حجة مريحة تسمح بإخفاء كل أعماله. ومع ذلك، فمن المثير للاهتمام تسليط الضوء على بعض ميزاتها، سواء بالنظر إلى إبداعيتها أو إلى نصيبها من الحقيقة.
اعتبر رايخ موبوء، وتلك طريقة لقلب ما وصفه بأنه "طاعون عاطفي"، طاعون أفرزته الحضارة والأخلاق القمعية. كمثال على ما قصده رايخ بهذا الوصف، دعونا نقتبس من الملخص الذي قدمه روجر دادون (1975: 351) هذه الفقرة: "أولئك الذين ألقوا الحجارة الأولى، والذين أطلقوا الشائعات القاتلة، والذين أطلقوا الشرطة والقضاة والكلاب والحشد والأطباء النفسيين في أعقاب السارق، المتشرد، اليهودي، الأسود، المهاجر، المهمش، وأولئك الذين يطلقون بصرخات صوفية عالية "حقائقهم" الدينية، السياسية، العلمية الغاضبة، كل هؤلاء الذين لا حصر لهم والذين يندفعون في الجوقة - من الكنيسة أو الحزب أو الطائفة - خلف الفوهرر، يتجمعون معا ويشكلون حشدا لتذوق الافتراء، ونشر الشائعات، والنفخ في الكتائب بالتصفيق، وتغذية الرهانات، والركض إلى الإعدام خارج نطاق القانون، والتأكد من حسن إدارة المصحات والسجون والمعسكرات، والكتلة الهائلة التي يفترض أنها صامتة والتي تتمتع دائما برمي الحجارة الأخيرة - هذه بعض النماذج المصابة بالطاعون الشخصي الاجتماعي الذي وصفه رايخ مطولا تحت عنوان 'الطاعون العاطفي'".
ذلك لأن هذه الحضارة التي يظهرونها لنا، ما هو وجهها الآخر، أي واقعها اليومي؟ رايخ يجيب: "القتل الجنسي والإجهاض الإجرامي، الحرمان الجنسي للمراهقين، اغتيال القوى الحيوية لدى الأطفال، كثرة الانحرافات، فرق الإباحية والرذيلة، استغلال توق الإنسان للحب من قبل الشركات والإعلانات التجارية، وآلاف الأمراض النفسية والجسدية، الشعور بالوحدة والانهيار المعمم، وفوق كل ذلك، الضجيج العصابي لمنقذي البشرية الناشئين - كل هذه الأشياء بالكاد يمكن اعتبارها زينة الحضارة" (رايخ، 1970: 182).
وحتى المثل الأعلى للمجتمع الماركسي سيثبت أنه مخيب للآمال (سيطلق عليه رايخ "الديكتاتورية الحمراء") عندما أدلي بالملاحظة التالية: "بالنسبة للماركسيين: المسببات الجنسية للعصاب هي خيال برجوازي، أصلها يكمن في الحاجة المادية" (رايخ، 1970: 68). هنا، يرد رايخ بأن الحاجة الجنسية هي حاجة مادية، ولهذا تم طرده من الحزب الشيوعي.
المجتمع، مهما كان، يعارض الرغبة الانتعاظية الأصيلة، من أجل تكريس الإنسان للعمل القهري والمرهق. هذه هي الأطروحة التي نجدها عند فرويد في "محاضرات تمهيدية في التحليل النفسي" من 1915 إلى 1917 (Œuvres complètes de Sigmund (Freud, t. 14, PUF, 2000.
يفرض المجتمع أهدافا معادية للميول الجنسية ولكنه يستثمر بقوة في الإثارة الجنسية السابقة على التناسل كتعويض عن الحرمان المفروض: الشذوذ المنتصر، الفموية الغامرة، السادية المؤسسية، عرض الاستهلاك والتلصص، تمائم وفتيشيات طقوسية مرتبطة بالمال، بالسلطة، وبالتراكم. هكذا يوجه شهوانية الإنسان نحو أهداف التخدير والتضخيم تلك، وإذا انحرفنا عن هذه القاعدة، يظهر عندئذ كرب شديد.
يعتمد تفكير رايش على ازدواجية أساسية: المتعة والتوسع، أو القلق والتقلص. يتعلق الامر بتأثيرين ونتائجهما، سواء كانت نفسية أوفسيولوجية.
تصطدم سيرورة الحضارة برمتها بالفعل الانتعاظي، وتنتج بالتالي عصابا جماعيا كبيرا، لدرجة أنها نجحت في إنتاج صورة خاطئة عن القوة الانتعاظية التي من بين عناصرها: سرعة العلاقة، إهمال الآخر، كبت الحنان والشهوانية، النزعة القضيبية، ارقام قياسية جنسية، وبالتالي اعتبار هزة الجماع كشيء مكمل.
هذا الهدف من مسيرة الحضارة يذكرنا بالشعار الشمولي الذي أطلقه جورج أورويل في روايته "1984": "لنلغ هزة الجماع!" (أورويل، 1972). وهكذا، بالنسبة لرايخ، فإن صيغة هزة الجماع هي صيغة الحياة. وإذا كانت هزة الجماع تجعل الناس يتحدثون، فذلك لأجل كبتها وإساءة فهمها أكثر فأكثر، لأن المشكلة تكمن في هذه الواقعة وهي أن الحضارة تتكون ضد إيروس. ولا يتعلق الأمر بالنسبة إلى رايخ - مثل ماركوز - بأداء دور إيروس ضد الحضارة، ولكن بابداع الحضارة في الشهوانية.
لفهم صيغة هزة الجماع، سنقلب الأمور رأسا على عقب من خلال وصف تأثيرات الطاعون العاطفي، وفقا لملاحظات رايخ عن النشاط الجنسي البشري:
- التمهيدات إما غائبة أو لا نهاية لها؛
- غياب الحنان، الاحترام والاستماع إلى لآخرين؛
عدم اكتمال التفريغ النهائي (ما يؤدي إلى "احتباس") ؛
انتصاب "بارد"، شبه ميكانيكي؛
- فروج جافة ومقاومة؛
- تخيلات الذكور من الثقب والكسر، إلخ.. ؛
- هواجس أو استيهامات الاغتصاب لدى النساء؛
- فرك خشن وجاف ومتسرع لا يتوافق مع تحركات الشريك؛
- غزو التخيلات غير الجنسية المرتبطة بالصور الطفولية والعواطف السابقة (مثل علاقات الهيمنة والخضوع، إلخ..) ؛
- البحث عن الأداء، الاستغلال أو الفشل؛
- المثابرة على السيطرة الطوعية؛
- الحفاظ على الإثارة في منطقة واحدة مثيرة للشهوة الجنسية وليس الإثارة الجنسية للشخص كله؛
- غياب انحلال الوعي (وبالتالي استحالة الوصول إلى حالة التمتع؛
- وجود أحكام أخلاقية (حياء، اشمئزاز، إلخ..) ؛
-'هزة جماع مقيدة وإفرازات غير مكتملة أو مخيفة تسبب العصبية؛
- الشعور بالتعب أو الاشمئزاز تجاه النفس أو الآخرين؛
أخيرا، شعور نهائي بالمرارة وهو شعور ثقافي: Omne animal post coitum triste est
(كل حيوان حزين بعد التزاوج).
هذه المجموعة هي مصدر عدم الإشباع الذي يصفه رايخ تحت المصطلح الطبي "الاحتباس اللبيدي". إذا لم يتم تفريغ الطاقة الجنسية بالكامل من خلال هزة الجماع في علاقة جنسية مرضية تماما، فهناك "بقية" تتراكم وتتعفن مع "البقايا" الأخرى: هذا هو الاحتباس الليبيدي، الذي يصبح شيئا فشيئا مصدرا للأمراض الجسدية والليبيدية، أو الذي يفسر الشبقية والشبق الرجولي.
إن التناسلي والجنسانية التناسلية بالنسبة لرايخ هما علاقة تبادل بين الأنا والآخر وليسا علاقة قوة، صادرة عن عصاب. تبادل الامتلاء في احترام للآخر، co-ire (سير جنبا إلى جنب) (رايخ، 1982ب: 88) لا يمكن تحقيقه إلا من خلال تجاوز النشاط الجنسي الطفولي، وهو مصدر لإشكاليات (انظر الأمثلة في "الكتابات الأولى"، مرجع سابق، ج 2، ص: 337) فموية، شرجية، قضيبة، تلصصية، استعراضية، سادومازوشية، إلخ..
وإذا كان القضيب عضوا مركزيا في النشاط لجنسي، أو فتيشة أو موضوعا نرجسيا، وبالتالي منافسا لجنس المرأة، فمن المستحيل بالتالي الوصول إلى الامتلاء، الذي هو راع وتصالحي في آن واحد. من هنا تأتي أهمية الهجر التام للذات بالنسبة إلى الفعل الانتعاظي. لكن بشرط صريح أنه أثناء الجماع، يحدث ارتداد من إثارة الأعضاء التناسلية نحو سائر الجسم والجهاز النفسي حتى يتمكن هذا المجموع من تفريغ كل توتراته: هذه هي القوة الانتعاظية التي يحدثنا عنها رايخ.
وهكذا نرى أن الانتعاظ الجسدي الناجح لا ينحصر في منطقة واحدة مثيرة للشهوة الجنسية، ولكن يعود الفضل في ذلك إلى الكائن كله، على وجه الخصوص، إلى انحلال الوعي، وهو شرط لتفريغ التوترات بشكل تام.
في الواقع، بالنسبة إلى رايخ، فإن الإشباع الانتعاظي يجنب العصاب، الذي قد يكون اضطرابا في التناسل (يضطرب بسبب النشاط الجنسي الطفولي)، وليس اضطرابا في النشاط الجنسي بشكل عام: هذه في الواقع مساهمة مهمة لرايخ في التمييز داخل النشاط الجنسي بين البعدين الطفولي والتناسلي. لأن "الصحة النفسية تتوقف على القوة الانتعاظية، أي على القدرة على العطاء خلال ذروة الإثارة الجنسية. وإلا فإن تثبيط الطاقة الانتعاظية ينتج عنه تأثيرات "الاحتباس" وتشكيل مقاومات نفسية جسدية مجمعة تحت اسم "درع الشخصية" (أو الدرع العضلي).
هكذا، يكون الميل التناسلي مصدر شفاء، وحيوية بشكل عام؛ إذ يسمح لنا بالتوجه نحو الآخر والعالم الخارجي. سيكون الانتعاظ التناسلي بمثابة ترياق مضاد للسم، وبهذا المعنى، يندرج رايخ ضمن تيار فكري يضم، من بين آخرين، اوتو غروس وماكس إيتينغون.
على سبيل الاستنتاج الحاسم، فسر رايخ كل السلوك البشري من خلال الفعل الانتعاظي والتناسلي فقط، خاصة منذ الثلاثينيات ومنافيه (برلين، الدنمارك، الولايات المتحدة الأمريكية)، مع تقعيد مفهوم "الأورغون" باعتباره الليبيدو الأعلى والطاقة الوحيدة للإنسان. أن يصبح هذا تفسيرا أوحد ووحيدا، مفتاحا كونيا، فذلك أمر بارانويدي، من ترتيب جنون الارتياب العلمي (فضلا عن ذلك، تصبح الأطروحة هوية)، لكن هذا لا ينبغي أن يلعي الجوانب المهمة من مساهمته.
يرتبط هذا التفسير الوحيد بإنكار القطبية الثنائية، مثلا إنكاره لوجود غريزة الموت.(بينما في الواقع تجد امتدادها، بشكل آخر، في مفاهيم مثل مفهوم الطاعون العاطفي").
ولكن إذا كنا منتبهين إلى فكر رايخ، نجد فعلا أن غريزة الموت "تقوم بالعودة بلا وعي" إلى مفهومه عن المجتمع، لدرجة أن المجتمع أصبح غريزة موت. هذه الفكرة مدين بها كثيرا لجان جاك روسو ومبدئه "الإنسان خير بطبيعته" المجتمع هو الذي أفسده، المبدإ الذي أصبح عند رايخ: الإنسان عدواني ومدمر لأنه يعيش في مجتمع يعوق الإشباع الحر للغرائز الجنسية.
لكن، شيئا فشيئا، تقوم النظرية الرايخية بإجلاء العالم النفسي (اعتبار الاستيهامات أعراضا، استبدال الأنا الأعلى بالمجتمع، إلخ..) نحو تفسير ميكانيكي وجسدي لكل شيء. التناقض بين النشاط الجنسي التناسلي والجنس الطفولي سيكون مقاومة معينة للأخير، أو سوء فهم معين من جانب رايخ. مثلا، يجعل الاستمناء بطريقة ممنهجة فعلا تناسليًا ... وبالتالي يتجاهل الشبقية الذاتية وعملها النفسي. ورغم أنه، في دفاعه، يميز بشكل مثير للاهتمام بين الفعل وتشخيصه (هذه هي التفاصيل التي تشهد على النشاط الجنسي الطفولي). أما البظر فيبقى إما غائباً أو ذكريا عند رايخ.وأخيرا، دعونا نلاحظ عليه غلبة الحاضر كما لو أن الأفعال في الحاضر يمكن أن تشفي جراح الماضي.
في الختام ، لا ينبغي للنهاية المأساوية لرايخ أن تلقي بظلالها على مساهمته في عشرينيات القرن الماضي. سيكون هذا في الواقع رفضا للاستماع إلى محاولة صياغة سؤال مركزي وأبدي: "كيف تكون فردا ضمن مجموعة؟"؛ أي كيف نكون مع الآخرين دون أن نتنازل عما يشكلنا.
وإذا كان رايش قد ركز مفاهيمه على الجنسي، جنسي بيولوجي وجسدي أكثر مما هونفسي (كفرويد، مثلا)، فذلك لأن إيروس، كما تبين الملاحظة - بالمعنى الجنسي وليس الغرامي - هو قوة تدفع نحو التفرد، نحو اللااغتراب. هنا يكمن بلا شك سبب عودة مؤلف مثل رايخ إلى الظهور في الستينيات (عبر ماركوز)، وسيعود إلى الظهور مرة أخرى كلما ظهر سؤال الفرد في مواجهة الجماهير. لأن هذه هي النقطة المشتركة في عشرينيات وستينيات القرن الماضي: الفرد أم الحشد؟ سؤال أبدي.
_________________________
(*) رجل رأى ولدا وبنتا يتبادلان القبل يجانب الشارع بالليل، جري بسرعة نحو عسكري ليبلغ بهما، فيتم القبض عليهما بتهمة ارتكاب فعل فاضح في الطريق العام. لما نوقف المشهد ونرجعه إلى الوراء، نجد أنه مواطن نموذجي (شريف وصالح) لا يعرف لا الولد ولا البنت، لكن عندما كان يسير في طريقه إلى البيت، فجأة رآهما يتبادلان القبل. لما نسرَّع المشهد ﻵخره ونرى العسكري ماسكا الولد والبنت وهو يحاول جرهما إلى القسم ليحرر لهما محضرا، سوف تجد المواطن واقفا يتلصص عليهما من بعيد بتشف رهيب وانتصار عظيم. هذا الشعور بالتشفي سماه المحلل النفسي وليام رايش الطاعون العاطفي.