مقدمة:
يحسب للمدرسة التونسية أنها كانت عاملا رئيسيا من عوامل التغير الاجتماعي الكبير الذي عرفه المجتمع التونسي منذ الاستقلال وتحديدا منذ 4 نوفمبر 1958 تاريخ أول إصلاح تربوي عرفته البلاد التونسية المستقلة والذي أثمر حراكا اجتماعيا أعطى – بمشاركة عوامل أخرى مثل العوامل السياسية، القانونية...الخ لتونس طابعها الحداثي. ويحسب للثورة التونسية أنها أتاحت لنا فرصة التفكير في مختلف المنظومات التي بنى عليها المجتمع توازنه الظاهر خلال فترة لا يستهان بها ومنا بطبيعة الحال مؤسسة التربية. والتفكير هذه المرة أملته استحقاقات الثورة على المؤسسات المختلفة الإعلامية والأمنية والعدلية والتربوية. فمما لاشك فيه أن هذه المنظومة الأخيرة التي كان لها دور ما في الثورة في حاجة اليوم إلى البحث في التحديات المطروحة عليها والتي برزت بشكل جلي وواضح خلال الثورة وما بعدها. ومن المؤكد أيضا أن البحث في هذه الاستحقاقات والكلام عنها وفيها أمران عصيان اعتبارا لكون المسألة التربوية مسألة معقدة، لا يمكن النظر إليها إلا من زوايا مختلفة وهو أمر قد لا يكون المجال على ما هو عليه الآن مناسبا لذلك وكافيا للإلمام به. وعليه سيكون الأمر مقتصرا على ما يمكن أن نسميه بعلاقة الثورة بالمدرسة، أو بعلاقة المدرسة بالثورة. ليكون ذلك هو مدار البحث ففي تلك العلاقة تكمن بعض التحديات المطروحة على المؤسسة التربوية التونسية في هذه المرحلة. وعلى هذا الأساس سيتم التطرق إلى الاستحقاقات التربوية.
1 : في علاقة المدرسة بالثورة :
يتبادر إلى الذهن عند الكلام عن علاقة الثورة بالمدرسة أن هذه الأخيرة كانت هي محرك الثورة أو هي التي أشعلت نار الثورة، وهذا المعنى على نسبيته فإنه يحمل في طياته نوعا من الوجاهة باعتبار أن للمدرسة علاقة بالثورة وأن هذه العلاقة اتخذت طابعا غير مباشر وطابعا مباشرا. أما الجانب اللامباشر في هذه العلاقة فيختزل في مخرجات المؤسسة التربوية التي بقدر ما ازداد عددها بقدر ما صارت أكثر عرضة للتهميش. لقد وجد آلاف من خريجي المدرسة أنفسهم عاطلين عن العمل وخاضعين لقيم غير تلك اكتسبوها في المدرسة قيم تقوم على المحسوبية والرشوة والزبونية بدلا عن الجدارة والكفاءة فكان احتجاجهم من هذه الناحية رفضا لأمرين ، أولهما واقع البطالة بسلبياته الكثيرة والمعروفة ( هامشية، فقر، حرمان ،فقدان الثقة في النفس،...) وثانيهما قيم حولها الواقع الاجتماعي إلى قيم مسيطرة ومهيمنة وفي مقدمتها تهميش الجدارة والكفاءة وتغليب الزبونية والمصلحية على كل ما له صلة بالإنصاف. إن للمدرسة من هذه الزاوية علاقة بالثورة وإن بطريقة غير مباشرة. أما البعد المباشر لعلاقة المدرسة بالثورة - ولا تنفرد به المؤسسة التربوية التونسية - بل من المفترض ان تؤديه كل المنظومات التربوية فيتمثل في منظومة القيم والحقوق وطرق التفكير التي عملت المؤسسة التربوية على إكسابها للناشئة. فعلى الرغم من كل ما آلت إليه المنظومة التربوية نتيجة الزج بها في توجهات لا علاقة لها بالمرة بغائيات المنظومة التربوية إلا أنها ظلت محافظة على بعض خصائصها وهي تزويد الناشئة بمبادئ الفكر الحقوقي التي كثيرا ما نظر إليها من قبل الأولياء على أنها تكرس تمرد الأطفال والشباب على قيم العائلة والمدرسة. فمن خلال العمل على تمكين التلاميذ من معرفة حقوقهم عملت المدرسة على تزويدهم بمنطق تنسيب الأمور فلم يعد كل ما يقوم به المعلم منزها ومسلما به وكذلك الشأن بالنسبة لتصرفات الأولياء تجاه أبنائهم والأمر ينطبق على رؤية الشباب لممارسات أهل السلطة السياسية. لقد لعب منطق النقد هذا ذو الخلفية الحقوقية دورا في الثورة. لقد نزع عن قمة هرم السلطة السياسية قداسة الأب أو المعلم التي كثيرا ما احتمى بها الحكام العرب وقد عبر عن ذلك بوضوح عبد الوهاب بوحديبة بقوله " إن علاقة التسلط تترسخ في جذور مجتمعنا التقليدي، وهي التي تربط الأولياء بالأبناء والمعلمين بالمتعلمين وأرباب العمل بالعمال والحاكمين بالمحكومين"[1]. إن الفكر النقدي ذا الخلفية الحقوقية أسهم ولو إلى حد في الثورة.
ودون إطالة في علاقة المدرسة بالثورة نقول كذلك إن للمدرسة مساهمة أخرى لا تقل أهمية عن الأولى وهي دورها في نشر ثقافة التكنولوجيات الحديثة. إن أغلبية الشباب الذي أكمل دراسته أو لم يكملها تمتع بتكوين لا يستهان به التكنولوجيات الحديثة الأمر الذي جعلها إحدى الوسائل الناجعة في الثورة. طبعا لا تدعي المدرسة احتكار الثقافة الحقوقية ولا التكنولوجيا الحديثة ولكنها أسهمت بطريقة أو بأخرى في الثورة من خلال تمكينها الناشئة من زاد قيمي مضاد للقيم التي اكتسحت المجتمع التونسي والتي حولته إلى فضاء لتحقيق المصالح الشخصية على حساب المصلحة العامة. وكذلك عبر تمكين الشباب من الاستفادة من التكنولوجيات الحديثة في نشر قيمه، وخاصة في كسر الطوق المضروب عنه والذي حال لمدة غير قصيرة دون نشر ثقافة الاحتجاج الشبابية. ومن منطلق هذه المساهمة يمكن النظر إلى انتظارات المجتمع التونسي من المدرسة، ويمكن كذلك النظر إلى الاستحقاقات التربوية على ضوء ما جاءت به الثورة. فلكل ثورة تأثيرها على النظام التربوي واستتباعاته على النظام القادم الذي يؤمل دائما أن يدعم مكاسب السابق ولكن وهو الأهم أن يقدم ما يسمح بتجاوز النقائص والعيوب التي شابته.
التشغيل بين قوة الذاكرة الجماعية وتغير عالم الشغل:
مما لاشك فيه أن التحدي الأول الذي ستواجهه العملية التربوية بكل مكوناتها هو ترميم علاقتها بسوق الشغل، فالهوة بين الاثنين ما فتئت تزداد اتساعا والحال أن المدرسة الحديثة ارتبطت ومنذ نشأتها في الغرب بصورة أو بأخرى بسوق الشغل وهو ما ترتب عنه تحول المدرسة إلى مصعد اجتماعي. فمن تدرج أكثر في مقاعد الدراسة حصل على شغل أفضل وبطريقة أيسر. ظل التعليم على علاقة بالشغل وجنحت المدرسة إلى اتباع أساليب تقويم تؤسس لذلك . ولم يكن مطروحا عليها مثلا تجنب الهدر (الرسوب / الانقطاع التلقائي أو القانوني...) فهاجس المدرسة عندئذ هو التأقلم مع سوق الشغل التي لم تكن على حراك كبير وهو ما سهل على المدرسة الانسجام معها وظل الأمر على ذلك النحو لفترة طويلة نسبيا قائما على معادلة مفادها تعلم لتعرف تساوي تعلم لتعمل؛ وهو أمر مشروع. ولكن ذلك التوجه حتم اتباع مقاربة تقييمية يمكن وصفها بالانتقائية، إذ تسجل بعض الدراسات في تونس مثلا أنه في الفترة مابين 1977-1984 على كل 200 ألف تلميذ مسجلين بالسنة الأولى ابتدائي يصل إلى السنة الأولى ثانوي حوالي 60000 (33 بالمائة) ويتحصل 10000 تلميذ على الباكالوريا (5 بالمائة) و5000 على شهادة من التعليم العالي (2.5 بالمائة)[2].
لم يستمر هذا التفاعل بين المدرسة وسوق الشغل بعد التحولات التي عرفها كل منهما. فالمدرسة عرفت ما يسمى بجمهرة التعليم la massification de l’enseignement إضافة إلى ارتباطها أكثر فأكثر بمنظومة حقوق الإنسان التي تلزم الدول لا بتوفير التعليم الأساسي وإنما بجعله إلزاميا تماشيا مع ما نص عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادته عدد 26 التي تنص على أن"يكون لكل شخص الحق في التعليم، ويجب أن يكون التعليم في مراحله الأولى والأساسية على الأقل بالمجان. وأن يكون التعليم الأولي إلزاميا وينبغي أن يعمم التعليم الفني وأن ييسر القبول للتعليم العالي على قدم المساواة التامة للجميع وعلى أساس الكفاءة"[3] . فالقناعة صارت لاحقا هي التالية : إن " تعميم التعليم وضمان الالتحاق بالمدرسة للجميع لا يمثل هدفا في حد ذاته، ذلك أن الالتحاق بالمدرسة يفقد كل معانيه ودلالاته إن لم يكن مرفوقا بضمان استمرارية التمدرس إلى حد أدنى على الأقل (ضمان التمدرس في تونس إلى سن 16 سنة على الأقل)..."[4] . لقد فرضت جمهرة التعليم من ناحية وحقوق الطفل من ناحية ثانية على المدرسة أن تشمل أعدادا هائلة من التلاميذ ولفترات طويلة نسبيا (إلى نهاية مرحلة التعليم الأساسي) بحكم أن منظومة حقوق الطفل تجعل من مغادرة هذا الأخير للمدرسة في مرحلة التعليم الأساسي أمرا استثنائيا. وإذا ما ربطنا هذا بالنقد الذي كثيرا ما كانت المدرسة عموما – وليس المدرسة التونسية أو العربية فقط- عرضة له وهو أنها كانت متحيزة دوما إلى " مصلحة المهارات الذهنية والتفكير المجرد على حساب التعليم عن طريق المشافهة والتعليم بالتدريب المباشر على المهارات التقليدية من حرف وصنائع"[5] فغلبت عليها نزعة التوظيف الأمر الذي جعل "أعدادا من التلاميذ لا تذهب إلى المدرسة إلا لأجل الحصول على شهادة تمكنهم من العمل "[6] . بل إن " الألوف المؤلفة من التلاميذ الذين التحقوا بالمدارس كان يحدوهم ليس طلب العلم فقط وإنما حلم الترقي في السلم الاجتماعي عن طريق الوظيفة الحكومية، ولذلك غلبت على مخرجات التعليم فئات تسعى إلى الوصول إلى وظائف معينة كانت إما رمزا للمكانة الاجتماعية الأعلى أو مفتاحا للوصول إلى الثروة أو السلطة أو كليهما"[7]. حتى أن بعض المفكرين تحدث عن أسطورة الوظيفة العمومية ذات العلاقة بانتشار التعليم حيث يرى جون ديفينيو على سبيل الذكر لا الحصر أن هذه الأسطورة بدأت في تونس مع انتشار التعليم[8]. ولعل الامتداد الطبيعي لذلك التوجه "التوظيفي" أثمر رفض الشباب المتعلم للعمل الفلاحي مما أفقر المجال الريفي من اليد العاملة القادرة فعلا على العمل باعتبار أنه حتى " الذين تعلموا لفترة قصيرة رفضوا خدمة الأرض"[9] وكأننا بالمدرسة تنشئ نوعا من علاقة الاغتراب بين المتعلم ومحيطه الذي نشأ فيه فيقرر هذا الشباب المتعلم إما مغادرة الريف أو رفض العمل الفلاحي وهو ما يسمح لنا باستعارة عبارة عالم الاجتماع الصيني FEI " التي وصف فيها المدرسة بكونها "عامل انجراف اجتماعي" facteur d’érosion sociale وذلك بسبب مغادرة المتعلمين من أبناء الريف هذا الفضاء دون عودة إليه وكأننا بالمدرسة هي المسؤولة عن تلك القطيعة أو هي لم تفلح في شد سكان الأرياف إلى قراهم فكانت من بين عوامل الطرد. إنها مدرسة غير متصالحة مع المحلي. لقد بنت الذاكرة الجماعية صورة للمدرسة اختزلت بالأساس في الحصول على وظيفة. فاختزلت أبعاد المدرسة في تعلم لتعرف وتعلم لتعمل. وغاب البعدان الآخران وهما : تعلم لتكون وتعلم لتشارك الآخرين[10]. وستحكم هذه الذاكرة الجماعية المخيال الجماعي للناشئة حتى أنه إذا ما تم إغراء ولد ما " بالاعتقاد أنه سيصبح مديرا لبنك إذا ذهب إلى الجامعة بينما سيكون حفارا للقنوات إذا تسرب من المدرسة، ثم تدفعه الظروف إلى أن يشتغل حفارا سيشعر بشيء من الاحتقار والكراهية نحو أولئك الذين زينوا له التطلعات المضللة"[11]. ولعل التحولات التي عرفها عالم الشغل نتيجة العولمة ونتيجة التطورات التكنولوجية جعلت الخطة العربية للتربية المعروفة باسم مدرسة المستقبل[12] تدعو إلى ما أسمته بفك الارتباط بين الشهادة والوظيفة"[13] " الذي يعني " أن تتحول النظم التعليمية العربية من الإطار الضيق الذي ارتبطت به واستقر في أذهان وجدان الأفراد من طلاب ومسؤولين وأولياء أمور، والذي يربط ما بين التعليم والحصول على شهادة ومن ثم الحصول على وظيفة حكومية إلى مفهوم جديد يقوم على أن التعليم يعد للعمل المنتج المجزي الذي يمكن أن يكون خارج الأجهزة الحكومية..."[14].
وعالم الشغل بدوره عرف تغيرات فلم يعد قارا وثابتا بل عرف تحولات عديدة – نوعا وكما - و ارتبطت أساسا بمتغيرات من قبيل التطورات التكنولوجية ومن قبيل التطور الاقتصادي وبنية السكان (قاعدة سكانية شابة) فضلا عن العولمة، وهي كلها عوامل جعلت من العلاقة بين الذاكرة الجماعية وعالم الشغل تتصدع فالمدرسة لم تعد هي التي تحتكر حق الشغل أو لم يعد حق الشغل يمر وجوبا بالمؤسسة التربوية. فنحن أمام تحدي كبير : ألا وهو إعادة توطيد العلاقة بين مخرجات المنظومة التربوية وبين عالم الشغل.
إن هذا التحدي لا يواجه المدرسة لوحدها فهو تحدي يتجاوز طاقاتها، ولكنه يفرض عليها مساءلة ذاتها:
§إلى أي حد هي تربي على الإبداع؟
§إلى أي حد تؤسس شبكة التوجيه المدرسي والجامعي لشبكة من الكفايات التي تسمح لخريجيها بالولوج إلى سوق الشغل؟
§أي خريطة مهنية يمكن أن تربي عليها اليوم؟
§من هم الشركاء الذين يمكن للمدرسة أن تلتجئ إليهم حتى تتسنى لها المصالحة مع واقع الشغل؟
تفرض علينا هذه الأسئلة تعميق التفكير فيها لا تقديم أجوبة لها فمن خلال التفكير المعمق فقط يمكن أن نصل إلى طريق للحد من القطيعة الصارخة بين ما تقدمه المؤسسة التربوية وعالم الشغل. وعن طريق التفكير المعمق والمتعدد الزوايا والأطراف يمكن تجاوز الشعار الذي رفع بالموازاة مع شعار احتلوا وول ستريت ألا وهو شعار احتلوا قاعة القسم ( احتلوا الفصل) [15] باعتبار أن حل المشاكل التي يعاني منها المجتمع الأمريكي يبدأ من المدرسة ومن الفصل. لقد أبرزت دراسات أمريكية أن أكثر المهن المطلوبة في الولايات المتحدة الأمريكية من الآن حتى سنة 2018 هي صراف caissier وفي المرتبة الثانية على القائمة، بائع vendeur في المرتبة الثالثة، نادل serveur في المرتبة الرابعة مرشد (ناصح) زبائن conseiller clientèle أما الثلاث مهن الموالية فهي ممرض infirmier ومحضر غذائيpréparateur alimentaire وعامل بمكتب employé de bureau[16]. وما يلاحظ في خصوص هذه المهن وباستثناء مهنة ممرض فإن البقية لا تتطلب شهادات جامعية بل تستدعي تكوينا خاصا وأحيانا سريعا[17] أو هي تحتاج إلى اختصاصات جديدة. فمنظومة التربية لتكون على علاقة وطيدة بعالم الشغل لابد أن تكون أولا:
§متنوعة مسالك التوجيه، وهو ما لا يتوفر في شبكة التوجيه الحالية والتي إذا ما قورنت بشبكة التوجيه التي كانت سائدة لفترة طويلة في قانون 1958 تبدو محدودة بالنظر إلى الاختلاف بين أعداد التلاميذ وتنوع ملامحهم ففي الشبكة الحالية لا تتعدى الشعب المفضية إلى الباكالوريا سبع شعب هي الآداب والعلوم التقنية والعلوم التجريبية والرياضيات وعلوم الإعلامية والاقتصاد والتصرف والرياضة[18]. و لا توجد أي شهادة ختامية (باستثناء شهادة ختم التعليم الأساسي التي هي اختيارية وغير إجبارية). أما في إصلاح 1958 فإن بنية التعليم تضمنت تتويجا للتعليم الثانوي إما بالباكالوريا (آداب كلاسيكية/آداب عصرية/رياضيات/ علوم/ باكالوريا فنية رياضية وباكالوريا فنية اقتصادية) فضلا عن ذلك تضمنت هذه البنية شهادات ختامية (ترشيح المعلمين / تجارية/ صناعية) هذا دون أن ننسى شهادة التعليم الإعدادي والتي تتضمن (الصناعة والتجارة...الخ). فالانتصار إلى خيار التعليم الأساسي مثلما ذهب إلى ذلك إصلاح 1991 لا يجب أن يتجه إلى التراجع عن تنويع المسالك وخاصة إلى إبعاد الشعب القصيرة عن الخارطة المدرسية لأن هذه الشعب القصيرة التي أبعدت عن التعليم الثانوي سجلت حضورها بقوة في التعليم العالي تحت اسم المعاهد العليا للدراسات التكنولوجية ISET والتي لم تؤد إلى توطيد العلاقة بين عالم الشغل ومخرجات المدرسة لأسباب عدة منها أنها لم تحظ بجذور خاصة بها في التعليم الثانوي.ومنها كذلك محدودية سوق الشغل ذاتها مقارنةبأعداد خريجي تلك المؤسسات.
§متكاملة ومترابطة مع منظومة التكوين المهني : في الواقع لا يحتل التكوين المهني – وعلى أهميته – مكانة هامة في بلادنا إلى اليوم، ففي حديث لأحد مسؤولي هذا القطاع بث على الإذاعة الوطنية يوم 19 جانفي 2012 بلغ العرض 36 ألفا أما عدد طالبي التكوين فلم يتجاوز 25 ألفا[19]. فالتكوين المهني لابد أن يكون مرتبطا بالمنظومة التربوية وخاصة بالمدارس الإعدادية التقنية، فالتكامل بين المجالين ضروري. كما أن هذا التكوين يجب ألا يغيب عنه البعد التربوي فحصول المتكون على تكوين حقوقي وقانوني وثقافة عامة وعلى كفايات تسمح له بالتعلم مدى الحياة أصبح اليوم أمرا لا مفر منه. إن تكوينا مهنيا لا يقوم على قراءة دقيقة لتحولات عالم الشغل من ناحية، وعلى خصوصية الجهات من ناحية ثانية ومواكبة العصر من ناحية ثالثة وعلى تمكين المتكون من زاد قانوني وحقوقي ومن ثقافة عامة مناسبة لا يمكن أن يكون ناجعا. فالتكوين المهني اليوم لا يختزل في تعليم المتكون مهنة ما وإنما هو تدريب على ممارسة تلك الحرفة في إطار مجتمع يعرف تحولات وفي إطار علاقات اقتصادية تقوم على حسن الترويج وخاصة على حسن التواصل مع الحرفاء. يقتضي التكوين المهني اليوم تكاملا مع المنظومة التربوية وهو مكمل لها وليس بديلا عنها.
§مستجيبة لحراك عالم الشغل قدر المستطاع: يقتضي الأمر قراءة دقيقة للخريطة المهنية، ويقتضي كذلك الانتصار إلى تمكين المتعلم من القدرة على التكيف مع تغيرات عالم الشغل. فبهذه القدرات فقط يمكن له أن يتجاوب مع عالم سريع التغير. وتملك المتعلم لهذه القدرات هو رهين قدرة المؤسسة التربوية على تنمية مختلف ضروب الذكاء لديه. فالمعروف أن المدرسة وفي تركيزها على الجانب النظري ( والذي ارتبط إلى حد ما بالعمل في الوظيفة العمومية) قد تكون قد انتصرت إلى صنفين من الذكاء هما الذكاء اللغوي و الذكاء المنطقي – الرياضي، في حين أن الذكاء أنواع، والمدرسة كما كل المؤسسات المعنية بالتنشئة مدعوة إلى تنمية مختلف أنماط الذكاء. بلغة مغايرة الاستجابة لعالم الشغل المتحرك لا تقتصر على إعداد الشباب لمهن وأعمال معينة، فالمراهنة على ذلك قد لا تستطيع مواكبة حركية الشغل من ناحية ولا استيعاب الأعداد المتزايدة من الخريجين، وعليه يبدو من الضروري التركيز على نقاط قوة المتعلمين المختلفة والتي تسمح لهم لاحقا بالتكيف وبالتعلم على مدى الحياة وبالإقبال على التكوين والتكون الذاتي. إن فلسفة التشغيل يجب أن تتسم بالمرونة تماما مثلما يتسم عالم الشغل بالتحول والتحرك. وعليه فدور المؤسسة التربوية هو تنمية مختلف أنواع الذكاء من ناحية وتنمية الإبداع من ناحية ثانية والمقصود هنا بالإبداع " إنتاج وخلق أو تكوين استجابة جديدة وفريدة unique ou nouvelle réponse استجابة على هذا النحو الجديد لمشكلة معينة تواجه الإنسان"[20]. علما وأن "معظم التعريفات، ولكن ليس جميعها، تشترط أن تكون هذه الاستجابة الإبداعية أو هذا السلوك الإبداعي مقبولا اجتماعيا وأخلاقيا ومفيدا من الناحية الاجتماعية (...) وبذلك نستبعد من مجال الإبداع أعمال السرقة والغش والتزوير والتزييف والعدوان والجريمة"[21]. تسمح التربية على الإبداع للمتعلم باكتساب ما يطلق عليه "التفكير المتشعب أو المتباعد أو المتنوع أو الموسع أو التباعدي divergent thinking ومؤدى هذا النمط من التفكير إمكان الإنسان الإتيان بأكثر من حل ممكن للمشكلة المعروضة عليه أو للإجابة على سؤال معين، يستطيع الإنسان المبدع الإتيان بأكثر من إجابة صائبة على هذا السؤال، ويعد هذا النمط من النشاط الذهني عصب عملية الإبداع. ويقال هذا في مقابل نمط آخر من التفكير غير الإبداعي يسير في نمط واحد من التفكير وعلى ذلك يأتي الفرد باستجابة واحدة ممكنة أو حل للمشكلة المعروضة"[22].
إن مهمة المؤسسة التربوية في دعم التفكير الإبداعي لدى الناشئة كبيرة، فعن طريقها فقط يمكن لها تنمية قدراتهم في إيجاد الحلول التي تعترضهم في حياتهم اليومية. لأن التفكير الأحادي لا يمكن صاحبه من آليات متعددة لمجابهة ما قد يعترضه من مشاكل، ومما لاشك فيه أن من بين عوامل انتشار البطالة لدى أصحاب الشهادات العليا – وطبعا ليس السبب الوحيد- هو غياب الإبداع.
المدرسة وتنمية العيش المشترك:
من المؤكد أن المدرسة "ليست فقط الفضاء الذي نتعلم فيه مواد المدرسة، ولكنها كذلك الفضاء الذي نعيش فيه معا ونتعلم العيش سويا"[23] . ولا غرابة أن راهنت النخب السياسية في مطلع الاستقلال على تلك المؤسسة في بناء مجتمع متجانس وهي التي ورثت شعبا مشتتا وهذا التشتت ليس "جغرافيا واقتصاديا وإنما ثقافيا أيضا"[24]. ولئن تمت مقاومة هذا التشتت في البداية بالتنظيم الإداري (إلغاء القيادات وإحلال الولايات محلها ) فإن التشتت الثقافي شكل مصدر قلق للنخب السياسية ولذلك كان الرهان على المدرسة، الأمر الذي فرض على تلك النخبة أن تختار "بين وضع تعليم متأقلم مع مختلف الجهات وبين تعليم موحد"[25] فاختارت الطريقة الثانية، رغم عيبها البيداغوجي لأن ظروف التلاميذ تختلف من منطقة إلى أخرى ولكنها كانت تهدف من وراء ذلك إلى "توحيد التونسيين...بعد عشرين سنة نجد شبابنا متمتعا بنفس التكوين وبنفس الايديولوجيا والهيكلة الذهنية"[26]. وعلى هذا الأساس اعتبر الرئيس الحبيب بورقيبة أنه يجب "أن نبدأ بمعالجة مشاكل التعليم لأن كل ميدان يتوقف على التعليم"[27]. ومهما يكن من أمر فإن توحيد التعليم وتحديثه كان غاية النخبة السياسية ووسيلتها، فهو غاية لما له من فوائد على الناشئة وعلى المجتمع وهو وسيلة لتحقيق الهاجس الذي كان يشغل تلك النخب آنذاك والمتمثل في توحيد البنى الذهنية لسكان البلاد. فالمدرسة التي تقدم درسا واحدا لتلاميذ من نفس الفئة العمرية في ذات القاعة وفي نفس الساعة كانت تهدف إلى بناء الشخصية الأساسية للإنسان التونسي. وقد انفردت المؤسسة التربوية بهذا الدور لأنها المؤسسة التي تعلم "قيما لا نجدها في الأسرة أو في عالم الشغل مثل المساواة، العدل، الجهد، التفكير النقدي...المدرسة تعلم ذلك لأنه يدخل في صميم وظيفتها التربوية بل إن التردد عليها يشكل في حد ذاته تربية أخلاقية وفكرية"[28]. وانطلاقا من هذا الدور المهم الموكول للمؤسسة التربوية انتشرت المدارس في مختلف جهات البلاد، حيث اقتحمت الأرياف والمناطق النائية. وقد أصاب أندريه لويس حين تحدث عن ذهاب المدرسة إلى التلاميذ لا العكس[29].
لقد كان الدور الموكول إلى المنظومة التربوية لسنة 1958 يتجسد في التأسيس لقواعد العيش المشترك في إطار مشروع مجتمعي محوره مدرسة واحدة لأجل وطن واحد وشعب واحد وثقافة واحدة في إطار نظام سياسي واحد. بلغة مغايرة لقد كانت رؤية النخب السياسية لتحديث البلاد تمر وجوبا عبر إعادة بناء قواعد العيش المشترك والتأسيس لقواعد خالية من الانتماءات القبلية والعروشية والجهوية. وخالية أيضا من كل تفاوت مهما كان مأتاه وخاصة من كل تفاوت بين الجنسين. ولهذا السبب فان استرداد الحكم من الفرنسيين كان يعني لدى النخبة السياسية التونسية " قبل كل شيء استرداد جهاز التعليم لتوظيفه في تغيير ملامح المجتمع بما يتماشى والظروف الجديدة"[30]. فالمدرسة التونسية ومنذ إصلاح نوفمبر 1958 كانت تنشد التأسيس للعيش المشترك. لكن النسيج الاجتماعي التونسي وبعد مرور ثلاثة وخمسون سنة على صدور إصلاح نوفمبر 1958 بدا في حاجة إلى ترميم العقد الاجتماعي أو إلى إعادة بناء قواعد العيش الجماعي. فالعودة إلى الانتماءات الأولية سجلت ظهورها تحت عناوين مختلفة (العرش/الجهة...) كما أن الالتزام بالفضاء العام كفضاء للجميع بدا صورة مهتزة في أذهان الفاعلين المختلفين حتى أن حواراتهم ونقاشاتهم لم تتجاوز في غالب الأحيان تبادل التهم. فلهذه الأسباب وغيرها صار من الضروري بالنسبة إلى مختلف مؤسسات التنشئة الاجتماعية والتثقيف من أسرة ومؤسسات إعلام وغيرها أن تولي اهتماما كبيرا لمسألة العيش الجماعي.
يكون المطلوب من المدرسة في الوقت الحالي تفعيل مبدأ تعلم لتشارك الآخرين فتحوله إلى واقع يومي وإلى ممارسة عملية. لأن بناء مجتمع ديمقراطي يقتضي اكتساب المواقف الديمقراطية واستيعابها وهو "ما لا يمكن أن يكون ثابتا إلا من خلال تشجيع التدرب عليه في الممارسة اليومية"[31]. إن التحدي المطروح على المنظومة التربوية اليوم أساسا هو أن تتحول المدارس إلى " أماكن في المجتمع يلتقي فيها أطفال وشباب من خلفيات مختلفة. ومن ثم فهي اماكن ينبغي أن يتم فيها الاندماج والمشترك الثقافي وما يتجاوز الفواصل بين الثقافات. فالمدارس أماكن ينبغي أن يتعلم فيها التلاميذ التسامح مع المتنوع والاستفادة منه. وعليهم ان يتعلموا فيها علة وجود الديمقراطية وكيف تعمل وكيف ينبغي القبول بها" [32].
يفرض ترسيخ الديمقراطية - كأسلوب في الحياة يقوم على احترام الاختلاف ونبذ العنف والاحتكام للقانون والمساهمة في وضعه - على المدرسة أن تضع في صدارة اهتماماتها تحديد ملامح المواطن ، مواطن المستقبل وهو أمر يبدو في غاية الأهمية. فهي فضاء لممارسة الديمقراطية لا للحصول على معارف تتصل بالديمقراطية، وهي فضاء لتجسيم المواطنة في أبعادها المختلفة وليس فقط مجالا يتلقى فيه التلاميذ معارف تتصل بالمواطنة تنتهي صلاحيتها بمجرد الانتهاء من الامتحان – رغم أن تلك المعارف لازمة ولا غنى عنها -. وبتعبير ثان يفرض تحدي الانتقال الديمقراطي اليوم أكثر من أي وقت مضى على مؤسستنا التربوية، أن تولي اهتماما كبيرا للعيش الجماعي لأن "تعلم العيش معا بدءا من الصف المدرسي يشكل ضمانة للمستقبل على حد قول جاك ديلور[33].
لتكون المدرسة فضاء للتدرب على العيش الجماعي المؤسس لحياة ديمقراطية لابد أن تكون مجالا للتربية على التفاهم والتربية على حقوق الإنسان.
التربية على التفاهم :
في تحديده للمعارف السبع الضرورية لتربية المستقبل والذي قام به المفكر الفرنسي إدغار موران سنة 1999 بطلب من منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو)، صنف إدغار موران تعليم التفاهم في المرتبة السادسة وشدد هذا المفكر الكبير على أن تعليم التفاهم صار تحديا تربويا بعد أن غدا "اللاتفاهم يفتك بعلاقات الآباء بأبنائهم وبعلاقات الأزواج بزوجاتهم. إنه ينتشر في كل مكان كسرطان يسري في جسد الحياة اليومية، مخلفا الوشايات والاعتداءات والتصفيات النفسية ( التمنيات بموت الغير)، فحتى عالم المثقفين، الكتاب منهم أو الجامعيون، والذي من المفروض أن يكون عالما يحقق تفاهما أكثر هو الآخر نجده أكثر فسادا بسبب تضخم الذات والذي تنامى بسبب حاجة المثقف للتقديس وللمجد..."[34] . وبما أن "مشكلة التفاهم صارت مشكلة أساسية بالنسبة إلى الإنسان، فلابد أن يكون هذا المفهوم المشكلة ضمن تربية المستقبل وأهدافها"[35].
توكل إلى التربية إذن مهمة خطيرة وهي تنمية التفاهم أو التربية على التفاهم التي تقتضي أولا : كشف عوائق التفاهم التي قسمها إدغار موران إلى عوائق خارجية وأخرى داخلية، أما الأولى فتشمل على سبيل الذكر لا الحصر "الجهل بطقوس وعادات الغير وخاصة طقوس المجاملة والتي يمكن أن تقود لا شعوريا إما نحو التهجم على الغير أو نحو تبخيس قيمتنا تجاهه"[36]. ومنها أيضا عدم الفهم اتجاه القيم الإلزامية المتعلقة بثقافة مغايرة، مثلما هو الشأن بالنسبة لاحترام الشيوخ والتزام الأطفال بالطاعة اللامشروطة والمعتقد الديني في المجتمعات التقليدية كما هو الشأن بالنسبة لتقديس الفرد واحترام الحريات في المجتمعات الديمقراطية المعاصرة"[37]...الخ. أما الثانية (العوائق الداخلية) فيرى موران أنها لا تقتصر على اللامبالاة وعدم الاكتراث بل تشمل أيضا "نزعة التمركز حول الذاتl’égocentrisme ونزعة التمركز حول العرق ونزعة التمركز حول المجتمع ethnocentrisme et sociocentrisme وهو يعتبر أن القاسم الموحد بين النزعات الثلاث يكمن " في كونها تموقع ذاتها في مركز العالم وتعتبر كل ما هو غريب أو بعيد شيئا ثانويا لا معنى له أو شيئا معاديا لها"[38]. وتكمن خطورة التمركز حول الذات في نظره في أنها " تؤدي إلى الكذب على الذات وبالتالي إلى خداعها، وهذا ناجم عن اللجوء إلى التبرير الذاتي وإلى تزكية الذات والميل نحو جعل الغير مصدر الشرور سواء كان هذا الغير عبارة عن غريب أو قريب لنا"[39].
تتصل العوامل الداخلية المعيقة للفهم برؤية الذات لنفسها، فتضخيم الذات يجعلها تتعالى على الغير وتهمش الآخر وتقزمه. ستختزل صورته في كونه مصدر الشر. والأمر لا يخلو من خداع لأنه في حالات كثيرة يكون ناتجا عن عدم فهم الذات لنفسها. و"عدم فهم الذات هو مصدر هام جدا لعدم فهم الغير. فنحن نخفي عن ذواتنا عيوبنا ونقاط ضعفنا، الشيء الذي يجعلنا غير متسامحين مع عيوب ونقاط ضعف الغير"[40]. بلغة مغايرة يعد التمركز حول الذات عائقا رئيسيا للتفاهم ناهيك أنه فتك بكل الفئات وبمختلف العلاقات. والملفت للانتباه أن هذا العائق لا يقتصر على تمركز الأفراد حول ذواتهم بل تتجاوز ذلك إلى "نزعة التمركز حول العرق ونزعة التمركز حول المجتمع"[41]. وفي الحالتين تكون النتيجة أنواع "مختلفة من كره للأجانب ومن النزعات العنصرية التي يمكن أن تصل إلى حدود نزع صفة الإنسان عن الأجنبي"[42]. ولهذا يقدر إدغار موران أن "الصراع الحقيقي ضد النزعات العنصرية من الأفضل أن يتم ضد جذورها المتمركزة حول الذات وحول المجتمع عوض أن يتم ضد أعراضها"[43]. من هنا يكون السؤال المحوري ومثلما عبر عن ذلك بياجيه "كيف نربي على وطنية طاهرة؟patriotisme sain[44] أي تربية خالية من كل ضروب التعصب والتطرف، ومن ثمة تنمية ما يعبر عنه بالبعد العاطفي للتربية على المواطنة la dimension affective de la citoyenneté والذي من أبرز خصائصه الرغبة في العيش المشترك le désir de vivre ensemble والشعور بالانتماء le sentiment d’appartenance. وإضافة إلى نزعة التمركز حول الذات هذه والتي - كما سبقت الإشارة إليه- تعيق التفاهم لا بين الأفراد فقط وإنما بين الجماعات والشعوب والجهات والطوائف والتي تقتضي تربية على الوطنية الطاهرة أي تربية تقاوم نزعات التعصب للرأي وللجهة وللدين وللعرق. هناك عائق آخر لا يقل أهمية عن سابقه وهو ما أسماه إدغار موران بالفكر الاختزالي l’esprit réducteur والذي يعتبره مؤديا إلى "نتائج وخيمة في المجال الأخلاقي أكثر من المجال الفيزيائي"[45]. ذلك أن الفكر الاختزالي في نظره يفضي في نهاية الأمر إلى اختزال شخصية متعددة الأبعاد في بعد واحد وإذا "كانت هذه الخاصية إيجابية فمعنى ذلك أنه سيتم تجاهل الخاصيات السلبية لهذه الشخصية وإذا كانت سلبية فمعنى هذا سيتم تجاهل خصائصها الإيجابية وفي كلتا الحالتين نحن أمام عدم الفهم"[46].
يؤدي التفكير الاختزالي إلى عدم الفهم وذلك لأنه لا يسمح بالنظر من أكثر زاوية، وهو يتبنى مواقف مطلقة وحقائق نهائية. وعلى خلاف يرتكز التفاهم على نسبية الحقيقة وعلى تعدد جوانب الإنسان وعلى تنوع مكونات الظواهر البشرية. فهو يقوم على النظر من زوايا مختلفة. ولكن النظر من زوايا متعددة ليس بالأمر الهين فهو مسألة قناعة ودربة وهو بالتالي ثقافة ومن ثمة لا يمكن إلا أن يكون حصيلة تربية أي تربية على التفاهم. وبهذه التربية على التفاهم فقط يمكن النظر من زوايا مختلفة والأخذ بعين الاعتبار مختلف الأبعاد المكونة لشخصية الإنسان أو مختلف الأبعاد المكونة لهوية شعب ما أو مجتمع ما.
تقتضي التربية على التفاهم إذا تحديد عوائق التفاهم والعمل على تجاوزها وهو ما يتم عبر ترسيخ أسس عقلية وأخلاقية تشمل :
1)أخلاق الفهم l’éthique de la compréhension : وهي "عبارة عن فن العيش الذي يتطلب منا أولا أن نكون قادرين على الفهم بشكل نزيه، إنها تتطلب مجهودا كبيرا لا يمكننا أن ننتظر من الآخر أن يعاملنا بالمثل، فالشخص المتسامح عندما يكون مهددا بالموت من طرف شخص آخر متعصب يفهم لماذا يريد المتعصب قتله، مع العلم أن هذا الأخير لن يفهمه أبدا. وأن نفهم المتعصب الذي هو عاجز عن فهمنا يعني فهم جذور وأشكال التعصب الإنساني، وبالتالي فهم لماذا؟ وكيف نحقد ونحتقر؟ إن أخلاق الفهم تتطلب منا أن نفهم عدم الفهم"[47] . وحتى نتملك فن العيش هذا الذي هو أخلاق الفهم لابد من :
§التفكير الحسن le bien penser أي ذلك التفكير الذي "يسمح لنا بفهم الشروط الموضوعية والذاتية للسلوك الإنساني (خداع الذات وكل ما يستحوذ علينا من إيمان ومن أنواع الهذيانات والهستيريات)[48].
§الاستبطان l’introspection ويقصد به " الممارسة الذهنية المتجلية في الفحص الذاتي لأن فهم نقاط ضعفنا الخاصة ونواقصنا هو السبيل نحو فهم نقاط ضعف ونواقص الغير"[49]. فنحن مدعوون إلى ممارسة التأمل الذاتي أو التأمل في الذات بحثا عن نواقصنا ومنعا لنزعة التمركز حول الذات التي كثيرا ما كانت سدا منيعا بيننا وبين الآخر. وبهذه الممارسة التأملية فقط " لا ننصب أنفسنا قضاة يحكمون على الأشياء"[50].
2) الوعي بالطابع المركب للإنسان la conscience de la complexité humaine ويمكننا هذا الوعي على وجه الخصوص من تفادي الفكر الاختزالي وتجنبه "ففهم الغير يتطلب منا الوعي بالطابع المركب للإنسان"[51]. وهذا الوعي يتأتى بالرجوع إلى الآداب والسينما. وعبر تلك السبل نكتشف الجوانب المتعددة لشخصية أي كان تماما مثلما "نكتشف في أعمال شكسبير الجوانب المتعددة لشخصيات الملوك المتسلطين كما نكتشف الجوانب المتعددة لشخصيات قطاع الطرق الذين يحيون حياة الملوك كما تشخصها الأفلام السوداء"[52]
3) الانفتاح الذاتي (التعاطفي ) على الغيرl’ouverture subjective (sympathique) à autrui
غالبا ما نكون منفتحين على المقربين منا وفي المقابل غالبا ما نكون منغلقين اتجاه الغير[53]. ومرة أخرى نكون في حاجة إلى ما توفره الآداب والسينما لأنه " بينما نكون في حياتنا اليومية شبه لا مبالين بأنواع البؤس المادي والمعنوي فإننا أثناء قراءة رواية أو مشاهدة فيلم نشعر بالشفقة والعطف"[54]. فالانفتاح على الآخر والتعاطف معه يعد مكونا رئيسيا للتفاهم ودون هذا الانفتاح يظل حاجز عدم التفاهم قائما بيننا وبينه.هنا يبدو توظيف التكنولوجيات الحديثة ضروريا في تنمية نزعة التفاهم بين البشر. فهذه التكنولوجيات من الضروري أن تكون محملة برسائل إنسانية تسمح بالانفتاح على الآخر، وتزيل الحواجز بيننا وبينه. بمعنى آخر إن التفاهم ومثلما يشدد على ذلك موران هو خاصية بشرية فوحدهم البشر هم الذين يمتلكون هذه الخاصية. ولكن توظيف التكنولوجيات الحديثة والتكنولوجيات الذكية في تنميته أمر مفيد، يسمح بالتغلب على الحواجز الجغرافية ويسمح بتبادل الرأي ووجهات النظر. لكن هذا التوظيف للتكنولوجيات الحديثة لا يجب أن يقطع علاقتنا بالفنون والآداب. إن ما نلاحظه اليوم مثلا هو تراجع الإقبال على القراءة و على الكتاب وكأننا إزاء خيارين متناقضين إما التكنولوجيات الحديثة والذكية وإما الكتاب والمطالعة . ومرة أخرى نجد أنفسنا في حاجة إلى مصالحة هذه المرة ليست بين مخرجات المدرسة وسوق الشغل وإنما بين الكتاب والتكنولوجيات الحديثة أو بين الإنسانيات والتكنولوجيا والعلوم ويبدو اليوم غريبا ألا نرى في معايير التوجيه إلى شعب جامعية مثل الطب أي معيار من الإنسانيات.
4) استدخال التسامح l’intériorisation de la tolérance
في تحديده لمعنى التسامح يقول إدغار موران " لا يعني التسامح الحقيقي نوعا من اللامبالاة تجاه الأفكار أو تجاه النزعات الشكية المعمقة، بقدر ما يعني افتراض وجود قناعة أو إيمان أو اختيار عقلاني لدينا، ولكن يعني كذلك أن نقبل في نفس الوقت بالتعبير عن أفكار وقناعات واختيارات مناقضة لتلك التي لدينا نحن"[55] . ولهذا السبب يتطلب التسامح "نوعا من المعاناة في تحمل التعبير عن أفكار تبدو لنا سيئة كما يقتضي إرادة في تحمل مسؤولية هذه المعاناة"[56].
إن التسامح وفقا لهذه الرؤية هو نوع من ترويض الذات ومجاهدتها، هو صبر على تحمل الآخر الذي يعبر عن أفكار تبدو لنا سيئة وهي أفكار مناقضة لأفكارنا وقناعاتنا. فليكون الإنسان متسامحا لابد أن يحتمل وجهات النظر المختلفة حتى وإن بدت غير مهمة بل وغير منطقية.
من هذا المنطلق ، تكون التربية على التفاهم تربية على الانفتاح على الآخر وعلى التسامح وعلى نبذ الأنانية والتعصب، وهو ما يجعلها تحتاج إلى عنصر مكمل لها هو التربية على حقوق الإنسان.
التربية على حقوق الإنسان:
لتكون التربية مؤسسة للتفاهم بين أفراد المجتمع الواحد أو بين أفراد وشعوب مختلفة، يكون من الضروري أن تكون تربية على حقوق الإنسان التي تعني " كل عمل من شأنه أن يعزز حقوق الإنسان بواسطة التربية والتعليم"[57] بمعنى تربية تجمع بين معرفة حقوق الإنسان المختلفة في أجيالها الثلاثة وبين ممارستها في الفضاء المدرسي.
أن يعرف التلميذ حقوق الإنسان في مختلف أصنافها( المدنية والسياسية / الاجتماعية/الاقتصادية/ الثقافية /حقوق الطفل / حقوق المرأة / حقوق اللاجئين / حقوق المهاجرين...) وأن يعرف آليات حمايتها الوطنية والإقليمية والدولية فهذا أمر في غاية الأهمية لأن أولى خطوات التمسك بالحقوق هو معرفتها. ولكن الأهم من ذلك أن تكون أنشطة التعلم وأنشطة الحياة المدرسية (الأنشطة الثقافية والرياضية...) فضلا عن طريقة إدارة المؤسسة التربوية وتسييرها تسمح للطفل بممارسة حقوقه. فالتنظيم اليومي للمؤسسة التربوية شأن مشترك. ولعل من عيوب المؤسسة التربوية أنها يخطط لها ويضعها الكهول ليعيش فيها الصغار وقل وندر أن تتاح لهم الفرصة للإدلاء بآرائهم في ترتيبها وتنظيمها. فالتربية على حقوق الإنسان تستدعي إشراك التلميذ في تدبير الشأن اليومي لمؤسسته، وبالتالي ممارسة حقوقه والالتزام بواجباته.
تقتضي التربية على حقوق الإنسان، أن يقطع مع أسلوب التلقين أو ما يعرف بأسلوب الصم والتلقين فلابد أن يكون المتعلم شريكا في بناء المعرفة وفي بناء القانون المنظم للحياة بالفضاء المدرسي، قادرا على التعبير على مشاغله وعلى أفكاره مع احترام بقية أعضاء المؤسسة التربوية. بمعنى أنه لتقنيات التنشيط المعتمدة دور محوري في تكريس المسافة التي كثيرا ما فصلت بين عالم المفاهيم الحقوقية وبين الممارسة اليومية. إذ كثيرا ما غلب على تدريس المفاهيم الحقوقية الطابع التجريدي فنتحدث عن حقوق الإنسان وكأنها شأن مؤجل يتم الاهتمام به لاحقا - في فترات عمرية لاحقة - فعلى التلميذ معرفته اليوم فقط للاستظهار به في الامتحان فقط. فالنزعة النفعية الآنية في التعامل مع حقوق الإنسان معيقة لممارستها لاحقا. ولا غرابة مثلا ألا تؤسس لعلاقات اجتماعية قائمة عل احترام تلك الحقوق.
تبدو مسألة تجاوز الطابع المجرد والنظري مهمة لأنها تنزع عن حقوق الإنسان أمرين أولهما النزعة النخبوية فتصبح وكأنها شأن لا يهم إلا بعض المعنيين والمختصين. أو هي مسالة ترفية والحال أنها مكون ضروري للحياة الكريمة القائمة على العدل والمساواة ...الخ. أما ثانيهما فهو اقتصار دور المدرسة على إعداد التلاميذ للحياة والحال أنها جزء من الحياة ذاتها. ففي الحياة المدرسية تعرف الحقوق وتمارس ويتدرب الشباب على تبادل وجهات النظر ويمارسون حق الاختلاف فيبتعدون بذلك عن نزعة التمركز حول الذات ويستبطنون التسامح. بمعنى آخر أن تكون التربية سبيلا لبناء التفاهم وترسيخه من الضروري أن يستند الفعل التربوي في مجمله كما العلاقات بين الفاعلين التربويين داخلها على محورية حقوق الإنسان. وهي محورية تؤسس لمدرسة يكون للتلاميذ قدرة على تحمل المسؤولية في تنظيم شؤونهم الخاصة وتجريب قواعد الديمقراطية. وعن طريق ذلك يكتسب المتخرج الكفايات المدنية الأساسية للعيش الجماعي. وعن طريقها أيضا يتحول القسم "إلى فضاء مشترك نبنيه معا(...) ففي هذا العالم المشترك الذي نعيش فيه ونبنيه معا ، يستطيع كل شخص أن يتصرف بحرية ومسؤولية ويكون معترفا به في تفرده وتنوعه لأن هذا التفرد والتنوع ينخرطان في ممارسة المجتمع "[58].
تنبني التربية على حقوق الإنسان على اعتراف صريح بذات المتعلم وبإمكانياته وعلى شراكة حقيقية بين الفاعلين التربويين من ناحية وبين المدرسة ومحيطها من ناحية أخرى. إن غياب زيارات ميدانية تربوية للمواقع الأثرية بأي بلد ولمؤسساته المختلفة الإعلامية والعدلية والأمنية...الخ تجعل من هذه المؤسسات غريبة عن الناشئة وبعيدة عنهم. إن أهمية الشراكة بين المؤسسة التربوية ومختلف مؤسسات المجتمع ومنظمات المجتمع المدني أمر حيوي للتربية على الإنسان باعتباره وسيلة ترجمة المجرد إلى واقع ملموس وممارسة يومية. فترسيخ حقوق الإنسان قيما وسلوكيات مسألة أشمل بكثير من تدريس حقوق الإنسان كمادة مدرسية إنها أسلوب في العيش في الفضاء المدرسي وهي طريقة لتوطيد العلاقة بين المدرسة ومحيطها لتصبح أكثر متانة.
إن ترسيخ حقوق الإنسان كمبدأ للتفاهم بين البشر يحتاج إلى تربية أي إلى دربة، إلى ممارسة فعلية بمعنى إلى الجمع بين المعرفة وتوظيف المعرفة في الحياة اليومية وهو أمر ليس بالهين في مؤسسة اكتسبت على مر الزمان طرقا وتقاليد في إدارة شأنها اليومي ولم يتلق أغلب الفاعلين التربويين بها أي تكوين أساسي في هذا المجال، بل إن العديدين منهم يرون في ذلك انتزاعا لسلطة اكتسبوها وتهديدا لمكانة حصلوا عليها. ومهما يكن من أمر يظل تحدي العيش المشترك قائما ما لم تكن التربية على حقوق الإنسان هي جوهر التفاهم بين أفراد القسم الواحد وبين أطراف المدرسة الواحدة وبين المدرسة وبقية مؤسسات المجتمع الواحد...الخ. إن التحدي كبير ويتجاوز مسألة أن المدرسة تقدم دروسا وتمتحن تلاميذا وتعلن نتائج. نعم إن هذا في صلب مهامها وهو من نقاط قوتها، ولكنه ليس المهمة الوحيدة ولا الأساسية. فالمدرسة أمامها تحدي بناء الإنسان، بناء المواطن ومن ثمة بناء المجتمع على النحو الذي يكون فيه الجميع أحرارا ومسؤولين نابذين للتعصب وللعنف ومؤمنين بفوائد الاختلاف والتنوع ومستعدين لممارسة التعددية السياسية و الاجتماعية في إطار قانون وضع بطريقة ديمقراطية.
ملاحظات ختامية:
§التفكير في الاستحقاقات التربوية اليوم له وجاهة كبرى، فكلما حدث تحول عميق في مجتمع ما إلا وبادر ذلك المجتمع إلى إعادة النظر في منظومته التربوية ولا أدل على ذلك من حضور المسألة التربوية في مختلف البرامج الانتخابية للأحزاب وللمرشحين.
§التربية اليوم في تونس أمام تحديين أولهما المصالحة مع عالم الشغل وثانيهما تمتين قواعد العيش المشترك
§العلاقة مع عالم الشغل تمر وجوبا بتفكير معمق يأخذ بعين الاعتبار حراك عالم الشغل ومراعاة قدرات الشباب المختلفة وتنمية مختل أنواع الذكاء مما يسهم في تنمية الإبداع.
§تمتين قواعد العيش المشترك يتم من خلال التركيز على تعليم التفاهم وهو ما لا يتحقق اليوم دون أن تكون حقوق الإنسان محور العملية التربوية ومنطلق التفاعل بين المدرسة ومحيطها ودون أن نحسن توظيف التكنولوجيات الحديثة في تنمية التفاهم بين أفراد المؤسسة التربوية وبين أفراد المجتمع وبينهم وبين شعوب وجماعات أخرى.
د محمد بالراشد متفقد أول للتعليم الثانوي - تونس
[1] BOUHDIBA (A) ; Culture et société, Tunis, Pub.Univ 1978,p60
[2] ABDENNABI ( A), Pour un système éducatif efficient, Tunis, éditions ceres1993,p8
[3] الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (10 ديسمبر 1948) المادة 26 تنص أيضا في فقرتها الثانية على ما يلي : " يجب أن تهدف التربية إلى إنماء الشخصية إنماء كاملا وإلى تعزيز احترام الإنسان والحريات الأساسية وتنمية التفاهم والصداقة بين جميع الشعوب والجماعات العنصرية أو الدينية والى زيادة مجهود الأمم المتحدة لحفظ السلام".
[4] وزارة التربية والتكوين ،التطور التربوي 2004 ـــ 2008 ، ص
[5] خلدون حسن النقيب؛ المشكل التربوي والثورة الصامتة، دراسة في سوسيولوجيا الثقافة، ضمن كتابه في البدء كان الصراع، جدل الدين والاثنية ، الأمة والطبقة عند العرب، بيروت دار الساقي، 1997، ص282
[6] FOURNIER (M) ; L’école républicaine en débats, Sciences Humaines Hors- Série N34, sept- oct 2001,p33
[7] خلدون حسن النقيب، المرجع السابق، ص286
[8] للمزيد يمكن الرجوع إلى :
DUVIGNAUD (J) ; Chebika ; étude sociologique, Gallimard, Paris1978,p294
[9]MAHFOUDH (D) ; Paysannes de Marnissa, : Le difficile accès à la modernité, Chama eds, Tunis1993,p78
[10] تعتبر اليونسكو أن للمدرسة أربعة أبعاد: هي تعلم لتعرف، تعلم لتكون، تعلم لتشارك الآخرين، تعلم لتعمل أنظر اليونسكو، التعليم ذلك الكنز المكنون، مركز مطبوعات اليونسكو بالقاهرة، القاهرة 1999، ص77
[11] وردعند ديريك رونتري في تكنولوجيا التربية في تطوير المنهج، ترجمة فتح الباب عبد الحليم سيد، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم+ المركز العربي
[12] المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ؛ مدرسة المستقبل، تونس ، الألكسو، إدارة برامج التربية؛ المؤتمر الثاني لوزراء التربية التعليم والمعارف العرب، دمشق 27 ـ 28 ربيع الثاني 1421 هـ 29 ــ30 يوليو/ تموز 2000 م ،ص37
[13] المرجع والصفحة نفسهما
[14] المرجع والصفحة نفسهما
[15] MARSH(J) ;Contre les inégalités, une panacée illusoire : L’éducation suffira -t-elle ; Le Monde Diplomatique, Janvier 2012, p3
[16] المرجع نفسه الصفحة نفسهما
[17] المرجع نفسه والصفحة ذاتها
[18] كان هناك مخطط سنة 2004 لجعل عدد الشعب في التعليم الثانوي يرتفع من 5 إلى 9 بما يتلاءم أكثر مع التزايد المطرد لعدد التلاميذ وتنوع ملامحهم (أنظر في هذا السياق، وزارة التربية والتكوين ؛ الإدارة العامة للبرامج والتكوين المستمر، تونس 2004 ،ص ص ص5-6 .
[19] الحديث بثته الإذاعة الوطنية في البرنامج الصباحي المعروف " تونس هذا الصباح" وقد أكد المسؤول على بقاء 11 ألفا موطن تكوين شاغرة وأن قطاعات من قبيل صناعة الجلود لم تلق قبولا كثيرا عند الشباب الراغب في التكوين.
[20] عبد الرحمان محمد العيسوي، التربية الإبداعية في التعليم العربي، بيروت، دار النهضة العربية، 2004، ص44
[21] المرجع نفسه، ص ص 44- 45
[22] المرجع نفسه، ص45
[23] كريستين دولوري مومبرجي؛ التدريس وتعلم التنوع، ترجمة نبيل عبد اللطيف، ضمن فتحي التريكي، كريستوف فولف ، جاك بولان، التربية والديمقراطية: أقطار عربة ومسلمة وأوروبية تتحاور، بيروت ـ تونس ، الدار المتوسطية للنشر، 2010 ، ص 427
[24] عبد الباقي الهرماسي، المجتمع والدولة في المغرب العربي، بيروت مركز دراسات الوحدة العربية، ص 40 نقلا عن مقال بجريدة الإعلان بتاريخ 18 نوفمبر 1982
[25] المرجع والصفحة نفسهما
[26] المرجع والصفحة نفسهما
[27] الحبيب بورقيبة؛ انبعاثنا منذ الاستقلال، الفصل الرابع، ص 19 ــ 20
[28] أوليفي ربول؛ فلسفة التربية، ترجمة عبد الكبير المعروفي، مراجعة عبد الجليل ناظم، الدار البيضاء، دار توبقال للنشر 1994، ص 31
[29] Louis (P .A) ;La Tunisie du Sud :Ksars et villages de crêtes ;CNRS,Paris1975,p125
[30] بلقاسم بن سالم ؛التعليم العصري ونظام التوجيه المدرسي في تونس، دراسة تاريخية مؤسسية اجتماعية، تونس: الجامعة التونسية، مركز الدراسات والبحوث الاقتصادية والاجتماعية 1988 ، سلسلة علوم التربية ،ص 6
[31] إكرت ليباو، التربية والديمقراطية، آفاق بيداغوجية المشاركة، ترجمة أبو يعرب المرزوقي، ضمن فتحي التريكي وغيره، مرجع سابق، ص 435 ــ 436
[32] المرجع نفسه، ص 438
[33] جاك ديلور، نحو التربية المستديمة للجميع، ضمن جماعي : القيم إلى أين؟، باريس /اليونسكو ـــــ تونس / بيت الحكمة، 2005 ، ص 285 .
[34] إدغار موران؛ تربية المستقبل : المعارف السبع الضرورية لتربية المستقبل، ترجمة عزيز لزرق ومنير الحجوجي، منشورات اليونسكو باريس ـــ دار توبقال، الدار البيضاء، ط1 ، 2002 ، ص90 ـــ 91
[35] العربي اسليماني؛ التواصل التربوي مدخل لجودة التربية والتعليم، الدار البيضاء، مطبعة النجاح الجديدة، 2005 ، ص20
[36] إدغار موران ، المرجع السابق، ص89
[37] المرجع والصفحة نفسهما
[38] المرجع نفسه، ص 89-90
[39] المرجع نفسه، ص90
[40] المرجع والصفحة نفسهما
[41] المرجع نفسه،ص91
[42] المرجع والصفحة نفسهما
[43] المرجع والصفحة نفسهما
[44] ورد عند
XYPAS( C),direc ; Lescitoyennetés scolaires ,Paris ,PUF,2003,p290
[45] إدغار موران، المرجع نفسه، ص 91
[46] المرجع نفسه، ص92
[47] المرجع نفسه، ص93
[48] المرجع والصفحة نفسهما
[49] المرجع والصفحة نفسهما
[50] المرجع نفسه، ص94
[51] المرجع والصفحة نفسهما.
[52] المرجع والصفحة نفسهما
[53] المرجع والصفحة نفسهما
[54] المرجع نفسه، ص95
[55] المرجع والصفحة نفسهما
[56] المرجع والصفحة نفسهما
[57] عمارة بنرمضان، التربية على حقوق الإنسان في الوسط المدرسي في البلدان العربية،دراسة تأليفية،ضمن جماعي :حقوق الإنسان في المؤسسة التعليمية العربية، تونس ، المعهد العربي لحقوق الإنسان، 2004، ص432-433
[58] كريستين دولوري مومبرجي، المرجع السابق، ص428