"التعليم ان لم يكن تحويلا اصبح موتا للعقل و السلوك و الابداع " ( هكذا تكلم عبد الله القصيمي ، ع اللطيف الصديقي)
لقد تحولت المدرسة العمومية المغربية عبر مسلسل من " الاصلاحات" الى مؤسسة مسخ تحتوي على جميع العوامل لإنتاج الفشل . فمنذ " الاستقلال " ، اعتمد المغرب لمقاربة قضية التعليم على رؤية ترتكز على تضخيم مفاهيمي بدون قوة مادية له و على تصور ليبرالي متوحش بدأ خجولا ثم تطور حتى اصبح في المرحلة الاخيرة منتفخا ووقحا .اما على مستوى المناهج والبرامج و طرق التدريس فقد تم التأسيس المعرفي والسلوكي لفصام ثقافي ووجودي ،عبر مقولة الاصالة والمعاصرة، و الذي برمج المتعلم المغربي وحوله الى كائن بدماغين ؛ احدهما عميق ذو برنام تقليداني ، والآخر سطحي تابع للأول ذو شكل حداثي. فالتعليم المتخلف "يشوه المتعلمين و يحولهم الى عاهات انسانية و تعبيرية شاملة ضاجة بالقبح و العجز و السخف "( القصيمي، المرجع السابق ).
إن الإصلاحات التي عرفتها المدرسة المغربية منذ 1957 والتي كان الهدف منها تأسيس المدرسة الوطنية عبر المبادئ الاربعة المعروفة : التعميم ، التعريب ،المغربة و التوحيد ، مرورا بمختلف الاصلاحات الاخرى خاصة محطة الميثاق الوطني للتربية والتكوين والذي يعد خارطة الطريق بالنسبة للمسؤولين على هذا المجال و مختلف المحطات البعدية الاخرى وو صولا للتدابير ذات الاولية ، تتقاطع جميعها في خيط ناظم لعل حلقاته المهمة هي :
اولا : خضوع هذه الاصلاحات لرؤية سياسية ايديولوجية في محاولة لإرضاء المكونات السياسية المهيمنة لكل مرحلة ، ولو على حساب التصور العلمي للاصلاح ، والذي ينطلق من مقاربة واقعية و شمولية وواضحة و متعددة الابعاد تحدد للحاجيات الحقيقية للبلاد في مجال التربية والتكوين و تسطر اهداف و طرق و ادوات لانجاح هذا الاصلاح ضمن منظور يعتبر المدرسة المغربية ليس مجرد كمية مال تنفق، بل إستثمار في العنصر البشري وبالتالي في التنمية ؛
ثانيا : اعتماد هذه الاصلاحات على جهاز مفاهيمي مضخم خاصة في مراحلها التأسيسية ، في طقوس من تقديم الولاء للمفاهيم وكأنه يعتقد في راي القائمين على الاصلاح انه بترديد المفهوم سيصبح له فعل في الواقع . في تكريس لماركة مسجلة في الخطاب السائد في المغرب سياسيا وثقافيا واجتماعيا يمكن تسميتها " بشعوذة المفاهيم " عبر الاعتقاد بوجود قوى خارقة في المفاهيم ، يكفي ترديدها لتصبح واقعا بالفعل ؛
ثالثا : الحب الباتولوجي لإعادة انتاج ظروف افشال مشاريع الاصلاح ، حيث يتم وضع هذه المشاريع و تغييب الادوات الحقيقية لانجاحها ،فيتم بذلك افراغها وتحويلها الى مجموعة نوايا او مشاريع فشل باحتمالية عالية . وهذا ما يفسر كثرة المشاريع وبؤس النتائج ؛
رابعا : حول مرضي في الاصلاح ، وذلك بترك الاولويات والحاجيات الحقيقية والتسويق لأوهام مرتبطة اكثر بحسابات إقتصادوية ضيقة اكثر منها مجالات حقيقية للاصلاح؛
خامسا : مقاربة الاصلاح بتصور نيوليبرالي متوحش اقتصاديا و برؤية متخلفة للبرامج والمناهج وانظمة التقويم وطرق التكوين والتدريس ....
سادسا : السعي المرضي للحصول على درجات في المؤشرات الكمية للتعليم ( هناك فشل ذريع رغم كل الادعاءات ) على حساب النوع والكيف ؛
سابعا : عدم وجود براديغم للاصلاح يكون هدفه تحويل المدرسة الى مشتل لانتاج التنمية و سيادة الثقافة العلمية لمحاربة التخلف و الرداءة الفكرية عبر تعليم يعلمنا كيف نفكر ونتحرك ونتساءل و نتغير و نشك في بداهاتنا لنبدع و نتجدد ، وليس تعليما تنميطيا حشويا يقينيا يكسب المتعلم كفايات السكون و معاداة السؤال والشك والخوف من الجديد والتقدم والتغيير .
إن المتأمل لتاريخ الاصلاح في المغرب و تطور المدرسة المغربية سيلاحظ لامحالة ، تدهور المدرسة العمومية و تكاثر جراحها من بؤس في البنيات التحتية و تخلف على مستوى البرامج والمناهج وتقهقر المخرجات و عدم مسايرتها للتطورات التي فرضتها التحولات العالمية وبالتالي تحويلها شيء فشيء الى مؤسسة مثخنة بالأمراض تنتظر دورها لتحتضر . حيث ستكون الاصلاحات المطروحة اخيرا، بمثابة رصاصات اللعبة الروسية المعروفة، لما تبقى من المدرسة العمومية و ذلك عبر الوقاحة الاستعراضية للتفرس النيوليبرالي الذي تعرفه : الكلام على الغاء المجانية ، مبدا التعاقد في التوظيف في المجال ، الانسحاب من الادوار الاجتماعية للدولة ، بؤس البنيات التحتية والخدماتية للمدرسة ،الاكتظاظ في المدارس، سيادة العنف المدرسي ، غياب الدافعية لدى لمدرسين والمتعلمين ، انسدادا الآفاق ...
ان التعليم هو احد المفاتيح الاساسية لتقدم المجتمعات ، وكل تأخر في اصلاحه اصلاحا حقيقيا مبنيا على تصور يعتبره ضرورة وجودية للتنمية و التطور باعتباره احد مصانع إنتاج الثروات البشرية ، بدل التفكير النيوليبرالي المشوه والضيق والذي تعتمده سلطات التربية والتكوين ببلادة لدينا ، سيقامر بالوطن والمواطنين ليربح تجمعا لأغلبية من الرعايا المعوقين نفسيا و معرفيا ووجوديا ، واقلية من المفترسين الذين يجدون متعة باتولوجية للعيش من دماء هذه الاغلبية ماديا ومعرفيا ووجوديا عبر المتاجرة بالبؤس والتخلف والتجهيل .