يسود الاعتقاد في تمثلات المتعلمين والمدرسين أيضا بأن مادة الاجتماعيات ترادف الملل والنفور أثناء تقديم تعلماتها، وأن هذا ما يفسر تبرّم المتعلمين وعدم اهتمامهم بالمشاركة في بناء تعلماتها. بيد أن تجربتنا المتواضعة ما فتئت تثبت بطلان هذه التمثلات والأحكام المسبقة، وهو ما سنعرض له في هذه المقالة القصيرة.
إن الخلل الملحوظ في تدريس المادة لا يكمن في طبيعة المادة نفسها، بقدر ما هو موجود في طرائق تدريسها في الأقسام. فعلى مدى عقود وقع تكريس طرق معينة في تدريس المادة من خلال أسلوب إلقائي جامد وفاتر ويفتقد إلى الحيوية. فكان من الطبيعي أن يتسرب الملل إلى المتعلم والمدرس على حد سواء، ويترسخ النفور والصد وعدم الاهتمام.
والواقع أن مادة الاجتماعيات تعد من أفضل المواد المدرّسة في مدارسنا، إن لم نقل الأفضل على الإطلاق لعدة اعتبارات منها أنها مادة جامعة تستوعب مجموعة من العلوم الاجتماعية. فرغم أنها تتألف من مكونين هما: التاريخ والجغرافيا، فإن تعلماتها ومحتواها المعرفي والمنهجي والمهاري يمتد ليتداخل مع علوم أخرى مثل علم الاقتصاد وعلم الاجتماع وعلم الإحصاء...إلخ.
كما أن مضامين ومهارات المادة تتسم بالتميز والإثارة والجاذبية، وتعد هامة في التكوين الثقافي والمعرفي للمتعلم والتكوين الذاتي المستمر للمدرس كذلك. ولذلك، فإن مفتاح تغيير واقع تدريس المادة يتمثل أساسا في تغيير طرائق التدريس وأساليب التواصل واعتماد طرائق نشطة ومحفزة تقوم على إشراك المتعلم في بناء التعلمات وجعله في قلب العملية التعليمية التعلمية.
يضاف إلى ذلك ضرورة تقريب تعلمات المادة من حياه المتعلم ومعيشه عبر الانفتاح على البيئة القريبة والوسط الخارجي ومراعاة الانشغالات الثقافية والقيمية للمتعلم، فلا يبقى التاريخ كمجرد استذكار مكرور لأحداث من الماضي البعيد لا يقوم بينها وبين حياة المتعلم أي رابط، بل تقديمه للمتعلم باعتباره جزء من حياته وأداة منهجية تعينه على فهم الماضي وتفسير الحاضر واستشراف المستقبل، وتزوده بمهارات عرضية تفيده في تعلماته في المواد الأخرى، وفي الحياة بوجه عام، وفي حياته الشخصية بوجه خاص من خلال بناء شخصية متوازنة ومنفتحة ومسؤولة وتمتلك حس النقد والمسائلة.
نفس الشيئ ينطبق على مكون الجغرافيا، إذ لا يجب تقديم تعلماتها في صيغتها العالمة باعتبارها معارف علمية للحفظ والاسترجاع الآلي بعيدة تماما عن واقع المتعلم، بقدرما يجب تقريبها إلى انشغالات المتعلم باعتبارها في الأصل مادة تنفتح على المحيط وحاملة لقيم تربوية وبيئية ووجدانية ومجالية. ذلك أن محتويات المادة تشمل تعلمات الوسط الجغرافي الذي يعيش فيه المتعلم.
وعلى سبيل الاستنتاج، يمكن الاستخلاص بأن التصورات النمطية السلبية التي تشكلت عن مادة الاجتماعيات مردها بالأساس إلى طريقة الإلقاء التي سادت ردحا من الزمن في مدارسنا، وكان لها وقع الكارثة على المادة، فهي في نظرنا العامل الأساس المسؤول عن الجمود والفتور الذي باتت تتوارثه الأجيال وهي بصدد التعامل مع تعلمات المادة أثناء بناء الوضعيات التعليمية التعلمية.
تدريس مادة الاجتماعيات بحاجة اليوم إلى مراجعة شاملة على ضوء الأفكار النقدية المطروحة سواء على مستوى المناهج أو المقررات أو الطرق البيداغوجية.