مما لا شك فيه أن العرب استفادوا من التراث الدخيل الذي يضم بين طياتة تراث الفرس، والهند، واليونان، إلخ. ولم يقلد العرب هذا التراث وبخاصة اليوناني منة تقليداً أعمى بل إنهم تلقوه بعين المتفحص المدقق، لذلك استخرجوا ما فيه من أخطاء ومفاسد لا تتفق مع عقيدتهم ولا مع المشاهدة والتجربة والعقل السليم، ولأجل ذلك كانت انتقاداتهم واعتراضاتهم وشكوكهم على هذا التراث. وهذا ما حدث لما ورثة العرب من تراث طبي عن اليونان، فقد خطأ غير واحد من العرب أساطين الطب اليوناني أمثال أبقراط Hippocrates (460 ؟ ـ 377 ؟ ق. م)، وجالينوس Galen (129 ـ 199؟ م)، ويبدو ذلك بوضوح في مؤلفـات كثير مـن العرب أمثـال: أبو بكـر محمد بن زكريا الرازى
( تـ 313هـ /925م)،وعلى بن العباس المجوسى ( تـ 994 م )، وأبو على محمد بن الحسن بن الهيثم (تـ432 هـ / 1047 م)،والمختار بن الحسين بن عبدون البغدادي المعرف بابن بطلان (ت 458 هـ / 1066م )، وعلى بن رضوان بن على بن جعفر المصري المعروف بابن رضوان (تـ 460 هـ)، وأبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الله بن إدريس المعروف بالشريف الإدريسي (تـ 560 هـ / 1165 م)، وموفق الدين أبو محمد عبد اللطيف بن يوسف بن محمد بن على بن أبى سعد البغدادي المعروف بعبد اللطيف البغدادي ( تـ 629 هـ / 1231 م) وعلاء الدين على بن أبى الحزم القرشي المعروف بابن النفيس (تـ 687 هـ / 1288م)، وداود بن عمر الأنطاكى (تـ 1008 هـ/1600 م)، إلخ. وفيما يلي سنذكر أمثلة على انتقادات العرب واعتراضاتهم وشكوكهم على اليونان وعلى بعضهم بعضا
Δ المجوسى:
أشار على بن العباس المجوسي في مؤلفه " كامل الصناعة الطبية " المعروف بـ"الملكي" إلى انتقاداته واعتراضاته على اليونان والعرب، ونبه إلى اعتراضاته عليهم بإيجاز في صدر مؤلفه، وفيما يلي سنذكر نماذج من هذه الاعتراضات:
■ ينوه إلى فضل ابقراط فى الطب، ومع ذلك ينبه إلى أن أسلوبه يعتريه الإيجاز والغموض، يقول:
... (فأما أبقراط) الذى كان إمام هذه الصناعة وأول من دونها فى الكتب فقد وضع كتبا كثيرة فى كل نوع من أنواع هذا العلم منها كتاب واحد جامع لكثير مما يحتاج إلية طالب هذه الصناعة ضرورة وهذا الكتاب هو كتاب الفصول وقد يسهل جمع هذه الكتب حتى يصير كتابا واحداً حاويا لجميع ما قد يحتاج إلية في بلوغ غاية هذه الصناعة إلا أنه استعمل فيه وفى سائر كتبه الإيجاز حتى صارت معان كثيرة من كلامه غامضة يحتاج القاري لها إلى تفسير000
■يعترف بفضل جالينوس في الطب، ولكنة يرى أنة في نفس الوقت لم يبين طرق الوقوف على صناعة الطب في كل ما وضع من مؤلفات، يقول:
... (وأما جالينوس) المقدم المفضل في هذه الصناعة فإنة قد وضع كتبا كثيرة كل واحد منها مفرد فى نوع من أنواع هذا العلم وطول الكلام فيه وكرره لما احتاج إلية من الاستقصاء في الشرح وإقامة البراهين والرد على من عاند الحق وسلك سبيل المغالطين ولم أجد له كتابا واحداً يصف فيه جميع ما يحتاج إلية في درك هذه الصناعة وبلوغ الغرض المقصود إليه منها للسبب الذي ذكرته أنفا...
■أما اعتراضاته على العرب، فإنه يذكر أن يوحنا بن سرابيون(*) في مؤلفه عن الطب لم يذكر كثيراً من المسائل الطبية، وما ذكره جاء غير مرتب. يقول:
... ( وأما ) يوحنا بن سرابيون فإنة وضع كتابا لم يذكر فيه شيأ سوى مداواة العلل والأمراض التي تكون بالأدوية والتدبير ولم يذكر العلاج الذي يكون باليد وترك أشياء كثيرة من العلل لم يذكرها... ولم يذكر في علاج العين مداواة المدة الحادثة من غير قرحة ولا مداواة الأثر والبياض ولا مداواة النتو على ما ينبغي... وذكر ما ذكره على غير ترتيب حتى أنه ذكر أمراضا كثيرة كان ينبغي له أن يذكرها على ترتيب الأعضاء التي في باب علل الأعضاء الباطنة وذكرها في باب الأمراض الحادثة في ظاهر البدن من ذلك أنه ذكر مـداواة عـلل الرحم ومـداواة نقـصان الباه وسـيلان المـنى في باب العـلل الحـادثة في سطح البدن...
■ ذكر ما لكتابي أبي بكر محمد بن زكريا الرازى " المنصورى" و " الحاوي " من فضائل ثم نبه بعد ذلك إلى أن الكتاب الأول يعيبه عدم التوضيح، والإيجاز، والاختصار، أما الثاني فيعيبه صغر مادته، وعدم ترتيبه، وعدم تنظيمه، يقول:
... ( وأما ) محمد بن زكريا الرازى فإنة وضع كتابه المعروف بالمنصورى، وذكر فيه جملا وجوامع من صناعة الطب ولم يغفل عن ذكر شيء مما يحتاج إليه إلا أنه لم يستقص شرح ما ذكره لكنه استعمل فيه الإيجاز والاختصار وهذا كان غرضه وقصده فيه فأما كتابه المعروف بالحاوي فوجدته قد ذكر فيه جميع ما يحتاج إلية المتطببون من حفظ الصحة ومداواة الأمراض والعلل التي تكون بالتدبير بالأدوية والأغذية وعلاماتها ولم يغفل عن ذكر شيء مما يحتاج إلية الطالب لهذه الصناعة من تدبير الأمراض والعلل غير أنه لم يذكر فيه شيئا من الأمور الطبيعية كعلم الاسطقسات والأمزجة والأخلاط وتشريح الأعضاء ولا العلاج باليد ولا ذكر ما ذكره من ذلك على ترتيب ونظام ولا على وجه من وجوه التعاليم ولا جزأه بالمقالات والفصول والأبواب على ما يشبه عمله ومعرفته بصناعة الطب و تصنيف الكتب إذ كنت لا أنكر فضله ولا أدفع علمه بصناعة الطب وحسن تأليفه للكتب000
Δ ابن الهيثم:
استفاد أبو على محمد بن الحسن بن الهيثم من التراث اليوناني ولكنه فحص في نفس الوقت ما وقع بين يديه منه وأعمل فيه عقله، وبين ما فيه من مفاسد، وذلك رغبة منه في رفض سلطة القديم، وبهدف اظهار الحقيقة، وهذا النقد العقلاني الذي يهدف إلى الوصول إلى حقيقة الأشياء نقد موضوعي وليس نقداً من أجل النقد. ومن هذا المنطلق وجه أبو على محمد بن الحسن بن الهيثم انتقاداته وشكوكه تجاه ثلاثة مؤلفات للرياضى، والفلكي، والجغرافي اليوناني بطليموس ptolemy ـ القرن الثاني الميلادي ـ، وهذه المـؤلفات هي: "المـجسطى" و"الاقـتصاص"،"والمناظر"، وهدف أبى على محمد بن الحسن بن الهيثم من شكوكه تجاه هذه المؤلفات الثلاثة هو توجيه اعتراضاته وانتقاداته تجاه المواضع المشكلة الموجودة بها، تلك المواضع التي تورط فيها بطليموس. وذلك لا يعنى أن أبا على محمد بن الحسن بن الهيثم يقلل من شأن بطليموس في ميادين الفلك والبصريات، فأبو على محمد بن الحسن بن الهيثم يعرف قدر بطليموس من خلال المنافع القيمة التي تركها في هذه الميادين.
■ يصدر أبو على محمد بن الحسن بن الهيثم مؤلفه " الشكوك على بطليموس" بمقدمة يبين فيها وجهته العلمية ـ السالفة الذكر ـ بعبارة أخرى يوضح فيها موقفه من القدماء وبخاصة بطليموس، فهو يريد الحق لذاته، ويرفض أن نحسن الظن بالعلماء لأن ذلك سيجعلنا نقلدهم، هؤلاء العلماء الذين يقعون في الزلل مثل غيرهم. يقول:
الحق مطلوب لذاته، وكل مطلوب لذاته فليس يعنى طالبه غير وجوده، ووجود الحق صعب، والطريق إلية وعر، والحقائق منغمسة في الشبهات، وحسن الظن بالعلماء في طباع جميع الناس، فالناظر في كتب العلماء إذا استرسل مع طبعه، وجعل غرضه فهم ما ذكروه، وغاية ما أورده. حصلت الحقائق عنده هي المعاني التي قصدوا لها، الغايات التي أشاروا إليها. وما عصم الله العلماء من الزلل، ولا حمى علمهم من التقصير والخلل. ولو كان ذلك كذلك لما اختلف العلماء في شيء من العلوم، ولا تفرقت آراؤهم في شيء من حقائق الأمور، والوجود بخلاف ذلك000
■ يصف أبو على محمد بن الحسن بن الهيثم طالب الحق بأنه لا يقلد السابقين ولا يحسن الظن بهم، بل يأخذ عنهم بحجة وبرهان، يقول:
... فطالب الحق ليس هو الناظر في كتب الأقدمين، المسترسل مع طبعه في حسن الظن بهم، بل طالب الحق هو المتهم لظنه فيهم، المتوقف فيما يفهمه عنهم، المتبع الحجة والبرهان، لا قول القائل الذي هو إنـسان، المـخصوص في جبلته بـضروب الخـلل والنقصان000
■ طالب الحق على هذا النحو علية أن يخاصم ما يقع بين يديه من العـلوم، ويعـمل عقله في كل ما ينظر فيه، ولا يقلد غيره من العلماء، وإذا فعل ذلك وصل إلى حقيقة الأشياء، يقول:
... والواجب على الناظر في كتب العلوم، إذا كان غرضه معرفة الحقائق، أن يجعل نفسه خصماً لكل ما ينظر فيه، يجبل فكره في متنه وفى جميع حواشيه، ويخصه من جميع جهاته ونواحيه، ويتهم أيضا نفسه عند خصامه فلا يتحامل عليه ولا يتسمح فيه. فإنه إذا سلك هذه الطريقة انكشفت له الحقائق، وظهر ما عساه وقع في كلام من تقدمه من التقصير والشبه...
■ ينوه أبو على محمد بن الحسن بن الهيثم إلى فضل بطليموس، فهو يعرف قدره المتميز، ولكنه رغبة منه في إنصافه واظهار الحق سيذكر ما يعترى أعماله من أخطاء، وسيحاول تصحيحها، وكل ذلك بهدف إظهار الحقيقة، يقول:
... ولما نظرنا في كتب الرجل المشهور بالفضيلة، المتفنن في المعاني... الرياضية، المشار إليه في العلوم الحقيقية، أعنى بطليموس القلوذى، وجدنا فيها علوم كثيرة، ومعاني غزيرة، كثيرة الفوائد، عظيمة المنافع، ولما خصمناها وميزناها، وتحرينا إنصافه وإنصاف الحق منه، وجدنا فيها مواضع مشبهة، وألفاظ بشعة، ومعاني متناقضة، إلا أنها يسيرة في جنب ما أصاب فيه من المعاني الصحيحة. فرأينا أن في الامساك عنها هضما للحق، وتعديا عليه، وظلما لمن ينظر بعدنا في كتبه في سترنا ذلك عنه. ووجدنا أولى الأمور ذكره هذه المواضع، وإظهارها لمن يجتهد من بعد ذلك في سد خللها وتصحيح معانيها، بكل وجه يمكن أن يؤدى إلى حقائقها...
Δ عبد اللطيف البغدادي
اعتمد موفق الدين أبو محمد عبد اللطيف بن يوسف بن محمد بن على بن أبى سعد البغدادي المولد والموصلي الأصل المعروف بعبد اللطيف البغدادي في ما وضع من مؤلفات على المشاهدة والملاحظة الحسية، ولم يقلد ـ مثل غيرة من العرب ـ القدماء تقليداً أعمى بل إنه اختبر آرائهم، أعنى أنه عرض آرائهم على المشاهدة والحس ليتأ كد من صحتها أو كذبها. وهذا ما صنعه مع آراء جالينوس حيث اختبرها فوجد بعضها يكذبه الحس والملاحظة، يقول:
■... إن جالينوس وإن كان في الدرجة العليا من التحري والتحفظ فيما يباشره ويحكيه فان الحس أصدق منة000
ولم يقف عند ذلك بل إنه أشار إلى بعض مثالب جالينوس، نذكر منها ما يلى:
■ وصف جالينوس للأعضاء الداخلية للحيوان يعتريه كثيراً من الخطأ، يقول:
وأما باطن الحيوان وتجويفاته وما فيها من العجائب التي تشتمل على وصفها كتب التشريح لجالينوس وغيره وكتاب منافع الأعضاء له، فان أيسر اليسير منه يبهت دونه المصور حسيراً ولا يجد له على ذلك ظهيراً ويعلم مصداق قولة تعالى " وخلق الإنسان
ضعيفا " ...
■يذكر جالينوس أن عظم الفك الأسفل عظمان لكن ذلك غير صحيح لأمر المشاهدة الدقيقة والمتكررة تبين أنه عظم واحد فحسب، يقول:
... ثم بعد ذلك يتخيل لقوله مخرج إن أمكن فمن ذلك عظم الفك الأسفل، فان الكل قد أطبقوا على أنه عظمان بمفصل وثيق عن الحنك وقولنا الكل إنما نعنى به ها هنا جالينوس وحده فإنه هو الذي باشر التشريح بنفسه وجعله دأبه وتصب عليه وصنف فيه عدة كتب معظمها موجود لدينا والباقي لم يخرج إلى لسان العرب. والذي شاهدناه من حال هذا العضو أنه عظم واحد وليس فيه مفصل ولا درز أصلا فلم نجده إلا عظما واحداً من كل وجه، ثم أننا استعنا بجماعة مفترقة اعتبروه بحضرتنا وفى غيبتنا، فلم يزيدوا على ماشاهدوه منة وحكيناه وكذلك في أشياء أخرى غير هذه وليت مكنتنا المقادير بالمساعدة ووضعنا مقالة في ذلك تحكى ما شاهدناه وما علمنا من كتب جالينوس. ثم انى اعتبرت هذا العظم أيضا بمدان بوصير القديمة المقدم ذكرها، فوجدته على ما حكت ليس فيه مفصل ولا درز ومن شأن الدروز الخفية والمفاصل الوثيقة إذا تقادم عليها الزمان أن تظهر وتتفرق وهذا الفك الأسفل لا يوجد في جميع أحواله إلا قطعة واحدة000
■ بالنسبة للعجز يذكر جالينوس أنه يتألف من ستة أعظم لكن لم يظهر ذلك، فهو يتألف من عظمة واحدة لكن المشاهدة لا تؤكد ذلك على نحو ما تؤكد أن عظم الفك الأسفل عظمة واحدة لا عظمان. يقول:
... وأما العجز مع العجب ذكر جالينوس أنه مؤلف من ستة أعظم ووجدته أنا عظما واحداً واعتبرته بكل وجه من الاعتبار فوجدته عظما واحداً، ثم أنى اعتبرته في جثة أخرى فوجدته عظما واحداً، ثم أنى اعتبرته في جثة أخرى فوجدته ستة أعظم كما قال جالينوس وكذلك وجدته في سائر الجثث على ما قال إلا في جثتين فقط فاني وجدته فيها عظما واحداً وهو في الجميع مـوثق المـفاصل ولسـت واثقا بـذلك كـما أنا واثق باتحـاد عظم الفك الأسفل...
يتضح مما سبق أن أعمال العرب ليست امتداداً لتفكير اليونانيين كما يزعم أحد الباحثين000 بل إنهم أخذوا عليهم كثيراً من الماَخذ في مجال الطب مثلما هو الحال في كل ما نقل العرب عن اليونانيين. ولم يقف دور العرب بالطبع عند الإشارة إلى هذه المثالب بل إنهم أضافوا إلى ما ورثوه عن اليونان في الطب ـ وفى غيرة من العلوم ـ كثيراً من الإضافات000.
وفيما يلى سنشير إلى نماذج من الاعتراضات والانتقادات التي وجهها أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن رشد (تـ595 هـ/1198م) إلى جالينوس من خلال مؤلفه الكليات في الطب. ولكن قبل أن نشير إلى تلك الانتقادات والاعتراضات من الضروري أن ننوه إلى أن أبا الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن رشد يدعو إلى إعمال النظر العقلي سواء في الموجودات أو في الموروث من الآراء. فعنده معرفة الموجودات تكون بالنظر العقلي، فالـشرع أوجـب الـنظر العقـلي فـي كثير من آيات الذكر الحكم. ويدعو أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن رشد كذلك إلى إعمال النظر العقلي في كتب القدماء، فما كان منها موافقا للحق قبلناه والعكس صحيح، يقول: (...فقد يجب علينا أن ألقينا لمن تقدمنا من الأمم السالفة نظرا فى الموجودات واعتباراً لها بحسب ما اقتضته شرائط البرهان أن ننظر فى الذى قالوه من ذلك، وما أثبتوه فى كتبهم، فما كان منها موافقا للحق قبلناه منهم وسررنا به وشكرناهم عليه، وما كان منها غير موافق للحق نبهنا عليه وحذرنا منه وعذرناهم...)
ويبدو منهج أبى الوليد بن محمد بن أحمد بن محمد بن رشد العقلي النقدي واضحاً فى نقده للسابقين عليه والمعاصرين له كالمتكلمين والفلاسفة والمتصوفة. وهذا المنهج الرشدى العقلي يدل على أنه لا يقلد آراء الآخرين ولا يتابعها.
ولقد وجه أبو الوليد بن محمد بن أحمد بن رشد كثيراً من الانتقادات والاعتراضات على الآراء الطبية لجالينوس، نذكر منها ما يلى:
■ يرفض توهم جالينوس أنه يوجد جسمان مستويان فى الحرارة أحدهما أيبس من الثاني، يقول:
000 ومن تلك الأصول تبين أن الأمزجة خمسة فقط معتدل، وأربعة مزدوجة، وأنه ليس يمكن أن يوجد جسمان مستويان 000 فى الحرارة وأحدهما أيبس من الثاني، كما يتوهمه 000 جالينوس على مفرده فى الشاب والصبى وقد بينا هذا فى غير هذا الموضع، وجملة الأمر فى ذلك أن مقادير الكيفيتين الفاعلتين تتبعها مقادير الكيفيتين المفعلتين، فان للصور الخاصة مواد خاصة 000
■ يرى أن قسمته لأنواع الصحة أولي أن يأخذ بها بدلا من قسمة جالينوس لها، يقول:
000 وأنت قد سلف لك مما ذكر 000 فى التشريح كيفية كل عضو كميته، ووضعه ووجه مشاركته لغيره 000 فى حالي اتصاله وانفصاله وترتيبه 000 فلامعنى لاعادة ذلك 000 هاهنا 000 وأنت فلا يخفى عليك إن كنت نظرت فى كتب جالينوس، و000 كتب المتبعين له من الأطباء أن ما قلناه فى قسمة أنواع الصحة هاهنا هو 000 أولي مما قاله 000 الرجل وبخاصة إن كنت قد ارتضت فى العلوم 000
■ جميع الآراء التى قيلت عن منفعة العصب بما فيها آراء أرسطاطاليس Aristotles
( 384 – 322 ق0 م ) وجالينوس فيها شكوك، يقول:
000وأما العصب ففي منفعتها شكوك كثيرة، أما جالينوس فيرى أن منفعتها إنما هي لتؤدي الحس والحركة الإرادية الى جميع الأعضاء 0 وأما اللازم عن رأى أرسطو فإن العصب إنما جعل لموضع تعديل الحرارة الغريزية حتى يكون بها الحس، وذلك تابع لرأيهما 000 فى منفعة الدماغ، وأما كونه اَلة الحركة الإرادية ففيه نظر أيضا 000 وما يحتج به 000 جالينوس فى اثبات وجود الحس والحركة عن الأعصاب من أن بارتفاع العصب يرتفع الحس والحركة فموضع غير برهاني، وقد قيل ذلك فى كتاب المنطق، لكن يظهر بالجملة أن منفعتها من جنس منفعة الدماغ، ومن هنا يظهر كل الظهور إنها نابتة منه، لا من كونها مغروزة فى الدماغ كما يقول 000 جالينوس 000
■ يعترض على رفض جالينوس قول أركغانس أن القوة الذاكرة تكون فى القلب، يقول:
000 فالقلب 000 إذا يفيد سائر الأعضاء قوة التغذى لا الكبد، وإلا كانت تلك الشرايين عبثا، مع أن الكبد ليس يظهر فيها بالتشريح روح 000 ينفذ منها فى الأوردة إلى سائر البدن، بل فى الأوردة من الدم هو دم غير نضج، وانما مطية الروح الدم 000 الشرايينى 000 وما تسمع 000 جالينوس يهزأ فيه بأركغانس 000 عند معالجته القوة الذاكرة ويقول له يا هذا إن كنت تزعم أن القوة الذاكرة فى القلب فما بالك 000 لم تعلق المحاجم (**) على القلب وتقصده بالمعالجة فليس الأمر على ما يقوله جالينوس 000
■ يفيد المنى فى الجنين حرارة ذات كيفية، ولذلك جانب جالينوس الصواب فى اعتراضه على أرسطاطاليس فى المرأة التى أخبر أبقراط أنها أسقطت فى اليوم السادس، يقول:
وليس لقائل أن يقول: أن الحرارة الغريزية تتولد فى الجنين من ذاتها فانه لا يولد الحرارة الغريزية إلا حرارة غريزية كالحرارة الغريزية التى فى المتغذي 000 وعلى هذا فليس ينبغي أن تتوهم 000 أن المنى إنما يفيد كيفية فقط بل حرارة ذات كيفية 000 ولذلك 000 لاحجة لجالينوس ولأبقراط على أرسطو فى الرقاصة التى أخبر أبقراط أنها أسقطت فى اليوم السادس، والمنى قد احتوى عليه أحد الأغشية المحيطة بالجنين 000 ولا ينبغي أيضا أن يطالب 000 أرسطو كما يفعل جالينوس أين ينفش المنى ويتحلل، وأنا أعلم ضرورة أن هذا الفحص غير مهم فى صناعة الطب، لأن أولى المواضع به هو القول فى ولادة الحيوان، لكن اَثرنا ذكره ها هنا لينقله من شاء إلى
ذلك الموضع، فانه 000 بعد لم يتهيأ لنا فراغ لتلخيص 000 تلك المقالات 000
■ يرجح رأى أرسطاطاليس وأبى نصر محمد الفارابي ( تـ 339هـ / 950م ) على رأي جالينوس فى تفسير كيفية الشم، يقول:
000 وهذا 000 أيضا ظاهر أن اَلة الشم هي الأنف وأن ذلك يكون فى الحيوان المتنفس بالاستنشاق، وفى غير المتنفس بغير استنشاق كالزنابير وغير ذلك من الحيوان الذي ليس بمتنفس، وأرسطو فيما أحسب يرى أن الموضع الذي به يكون 000 هذا الادراك، هما المجريان الظاهران فى الأنف، وجالينوس يرى أن هذا الإدراك إنما يكون بمقدمتى الدماغ بالزائدتين اللتين هنالك، المشبهتين لحلمتي الثدي 000 ويقول أن لبعد هذا الموضع احتيج إلى الاستنشاق، وأنا أقول أنه لو كان الأمر كما يقول جالينوس لكنا متى سددنا أنوفنا واستنشقنا الهواء على الفم أحسسنا بالروائح 000 ضرورة، إذ كان الحنك منفوذاً إلى الأنف 000 وليس يلفى 000 الأمر كذلك، وكان يلزم أيضا كما يقول أبو نصر 000 أن نحس بروائح الأطعمة عندما تبتدى تنطبخ فى المعدة، وليس الاستنشاق دليلا على أن بتلك الزائدين يكون الشم، ولو كان ذلك كذلك لما أمكن أن يشم الحيوان الذي لا يستنشق بل إنما جعل الاستنشاق لمكان الشم لأحد أمرين: إما من جهة الأفضل، وإما لغلظ هذه الحاسة فى الحيوان المستنشق 000
■ يرى جالينوس أنه لاحركة دون عضل، ومن هذا المنطلق يتحرك اللسان إلى الخارج ولكن الأمر لا يكون على هذا النحو، يقول:
فهذه العضلات هي أول شيء يتحرك عن الحار الغريزي 000 وينبغى أن تعلم أنه 000 غير ممتنع أن تكون ها هنا حركات إرادية بغير هذا العضل، بل بنفس الحار الغريزي أو ما يقوم مقامه فى الحيوان الذي ليس بدمى، وإنما هذه العضلات لاشك فى الحيوان الكامل، ولهذا اعتاص على جالينوس أعضاء عضل يحرك اللسان إلى خارج 000 وحركة الانعاظ، لأنه رأي قطعا أنه لا تكون حركة إلا بعضل، بل ليس الأمر كذلك، وإذ قلنا فى منافع أعضاء الحركات الإرادية، فينبغي أن نقول فى التنفس وأعضائه فإن جالينوس يرى أنه داخل فى الحركات الإرادية 000
■ يعتبر قول جالينوس أن القوة الغاذية إراديه محضة قولا لا حجة عليه، وهو موضع مختل، يقول:
وأما ما يحتج به جالينوس على أن هذه القوة – يقصد القوة الغاذية – إراديه محضة من أنها تبطل بقطع العصب فليس فى هذا 000 حجة وهو موضع 000 مختل كما قيل غير ما مرة، فإنه إذا ارتفع العصب فارتفع بارتفاعه حركة ما فليس يلزم ضرورة إذا وجد العصب أن توجد تلك 000 الحركة حتى يكون العصب هو السبب الخاص فى ذلك الفعل، وقد شوهد 000 أن من شد له عرقا السبات الصاعدان إلى الدماغ أنه 000 تختل 000 أفعاله الإرادية كلها، ولذلك سمى هذان العرقان بهذا الاسم 000
■ يرفض رأى جالينوس أن يكون للقلب مدخل فى عمل القوى الرئيسية المشتركة الحساسة فيما يتعلق بأعراض حس اللمس، يقول:
000 والقوة الرئيسية 000 المشتركة الحساسة 000 وإن كانت فى القلب كما قلنا فإنه لايتم فعلها إلا بالدماغ، والنخاع، والعصب، ولما كانت هذه الأعضاء أعنى الدماغ، والنخاع، والعصب، باردة المزاج بالطبع، رطبة سهلة الانفعال، ولم تكن رئاستها فى شرف رئاسة القلب، كانت الأعراض الداخلة على هذه القوى إنما تكون 000 أكثر ذلك من جهة الدماغ 000 أو النخاع، أو العصب النابت منهما 0 وأما القلب فليس يحتمل أن يلقى 000 من الآفات والأمراض ما يكون عنه تعطل هذه القوى بل الموقف يبادر قبل ذلك، وإن كان ليس ممتنعا أن يعرض عنه ضعف فى هذه الحواس، والدليل على ذلك أنه متى 000 قطع شريان كبير من بعض الشرايين التى تأتي الأعضاء عسر حس ذلك العضو، وما يعترى 000 عند الغشى من ذهاب الحس والحركة شاهد على ذلك، وكذلك ما يعترى عند الفزع من الرعشة، ، وليس استعمالنا هذا الموضع على الجهة التى استعملها 000 جالينوس فى الأعصاب...لأنه قد بين 000 بالقول أن للقلب مدخلا فى فعل هذه القوى، وإنما 000 استعملنا ها هنا موضع الوجود والارتفاع 000 على جهة الاستظهار، ولما كان الأمر على ما قلنا كان توفيه الأطباء أسباب دخول 000 الأعراض على هذه 000 القوى إنما هي فقط من جهة الدماغ، والنخاع، والعصب، وأنت فينبغي لك أن تفهم الأمر على ما قلناه، متى قصدت بالعلاج إلى 000 هذه الأعضاء فلا تهمل أمر القلب على ما سنقوله فى الجزء العلاجي 000
■ ليس سبب الوجع تفرق الاتصال كما يقول جالينوس، ولا يرد كذلك إلى تفرق الاتصال بالإضافة إلى الحرارة أو البرودة كما يقول أبو على الحسين بن عبد الله بن سينا، يقول:
فأما الاحساس الرديء وهو المسمى وجعا / فان سببه إما سوء مزاج حار، وإما بارد مادي أو غير مادي 000 والوجع إنما يحدث متى لم يغلب مثل هذا المزاج على جملة العضو، وهو الذي يعرفه الأطباء بسوء المزاج المختلف، وأما متى غلب على جميع العضو هذا المزاج فإنه لا يحسه 000 بتة 000 أو يعسر حسه، والسبب فى ذلك أن العضو إنما يحس بمزاجه الطبيعي، فمتى كان فيه سوء مزاج خارج عن الطبع فإنما يحسه بمزاجه الطبيعي، فإذا أفرط سوء المزاج حتى يتغير 000 جملة مزاجه الطبيعي لم يحس به أصلا، كان ذلك شبه موت للعضو 000 والكيفيات المنفعلة التى هي الرطوبة واليبوسة تقبل 000 حدوث مثل هذا العرض عنها مفردة 000 إذ كانت هذه الكيفيات إنما من شأنها فى الأكثر أن تنفعل 000 لا أن تفعل، بخلاف الأمر فى البارد الحار، فإن الفعل فى هذه أكثر، كما أن الانفعال فى تلك أكثر 000 وليس سبب الوجع تفرق الاتصال كما يقول ذلك جالينوس بل تفرق الاتصال هو سبب فى المزاج 000 الذي يحدث الوجع، فإن تفرق الاتصال 000 إنما يكون بحركة، والحركة من شأنها أن يتبعها سوء مزاج، ولا أيضا يكون سبب الوجع من الأمرين معا أعني التفرق 000 أو الحرارة 000 أو البرودة كما يقول ذلك ابن سينا 000
■ لا يجب أن تكون الرطوبة فى الأدوية المصلبة كما يقول جالينوس بل من الضروري أن تكون باردة، يقول:
وأما الأدوية المصلبة فانه يلزم ضرورة أن تكون باردة إذ كانت الصلابة إنما هي جمود، والجمود إنما للبرد، فأما اشتراط الرطوبة فى هذه الأدوية كما يقول جالينوس فلا معنى له، لأن الرطوبة إنما شأنها أن ترطب فقط لا أن تصلب، ولو اشترط مع البرد اليبوسة لكان أجدره لكن هذه000 الكيفيتان 000 أكثر ذلك هي منفعلة، لا فاعلة، وانما الكيفيتان الفاعلتان للحرارة 000 والبرودة وإن كانت أفعالهما 000 قد تختلف بمعاونة 000 اليبوسة لهما أو 000 الرطوبة، وقد استقصى أفعال هذه الكيفيات وانفعالاتها فى الرابعة من الآثار، ولهذه الأدوية أيضا عرض، ومثال هذه الأدوية على ما يقول جالينوس هي الطحلب، وحي العالم، والبقلة الحمقاء والبزرقطونا، وهذه وإن كـانت مصلبة فبالبرودة لا بالرطوبة 000
■ أدلة جالينوس وغيره من الأطباء على أفعال الأدوية أدلة ظنية، وأطالوا كذلك فى التفرقة بين قوتي القياس والتجربة، وأدلتهم فى ذلك قليلة جداً، يقول:
وأما الدواء فمن حيث أنه يفعل بالأبدان 000 كيفيات أول 000 ظن أن ذلك قد يدرك بالقول، لكن مع هذا كله نجد جالينوس وسائر الأطباء قد راموا أن يضعوا قوانين يستدل منها على أفعال الأدوية فى الأبدان الإنسانية وهى و إن كانت كما قلنا أدلة ظنية بل إن 000 ذهبنا بها 000 مذهب الترفيع نقول 000 أنها أكثرية لا ضرورية، فإن لها منافع احداها أنها تنبه الإنسان إلى التجربة، فإن ساعدته التجربة على ظنه قطع على ذلك، ولهذا ما نسمع جالينوس / يقول: أن...الا َلتين اللتين 000 استنبطت بهما هذه الصناعة هما التجربة والقياس، وأيضا فإن هذه الدلائل 000 نافعة بالمقايسة 000 بين الأشياء التى شهدت التجربة أنها غذائية أو 000 دوائية 0
مثال ذلك انه متى كان غذاءان أحدهما هش، والآخر لزج قطعنا بسرعة 000 استحالة الهش، إذ كان تقسمه عن الحرارة أسرع، وبالجملة انفعاله، وأيضا متى ارتضنا فى هذه الأشياء ورمنا أن نعطى فيها الوجود ولسبب معها وعسر ذلك، كان 000 سهلا علينا إذا شهدت التجربة بشيء 000 ما أن نعطى السبب فى ذلك، وبالجملة فبهذا النظر تكون هذه الصناعة قياسية، ويمكننا أن ننتقل من دواء إلى دواء، ومن غذاء إلى غذاء عندما نقصر 000 عما قصدنا منه 000 فى المعالجة، وأما من ليس عنده من معرفة الأدوية إلا التجربة فقط، فليس يمكنه ذلك، وقد أطال جالينوس فى الفرق بين القوتين، إلا أن الأدلة والسبارات التى أعطاها جالينوس ومن تبعه 000 من الأطباء فى ذلك نزرة، بالإضافة إلى ما يمكن أن يقال فيها ها هنا 000 وذلك أنهم إنما اقتصروا من معرفة طباع الأدوية من جهة الطعوم والروائح، وسرعة الاستحالة إلى النار فقط، وهذه كلها إذا جعلت دلائل فإنها ضرورة أخص من الطبائع التى تلزم عنها هذه الأفعال فى بدن الإنسان، والدلائل الذاتية، فينبغي أن تكون مساوية للطبائع الدالة عليها 000
■ لم يذكر جالينوس فى مؤلفاته الطبية دواء الغاريقون، يقول:
الغاريقون: هذا الدواء لم يدرجه جالينوس 000
■ دواء الراوند ليس حابسا للبطن كما يزعم جالينوس وغيره من الأطباء بل إنه مسهل لها، يقول:
الراوند 000 وجالينوس وغيره من الأطباء يصف الراوند بأنه حابس للبطن ونحن نجده اليوم مسهلا، وهو من أغرب الأدوية المسهلة حجابه فيه، فإن جميع الأدوية المسهلة إنما / هي سموم ما إلا هذا الدواء خاصة، فإنه مع أنه مسهل هو 000 مقو للأعضاء كلها، ولذلك قد يمكن أن يحجب به الدواء المسهل فيعاضده فى فعله ويحجب مضرته000
■ يذكر جالينوس دواء العناب دون أن يبين منافعه فى حين نجد أطباء العراق يذكرون كثيرا من منافعه، يقول:
عناب: هذا الدواء ذكره جالينوس، ولم يقف له على منفعة خاصية 000 وأما أطباء العراق فيذهبون به كل مذهب فى قمعه 000 حدة الدم، والصفراء ونفعه من خشونة الصدر، والرئة، حتى أنهم يرون أنه نافع لها 000 بجملة جوهره، مزاجه بارد فى الأولي، رطب فى الثانية، ويشبه أن يكون قمعه الدم إنمـا هو بترطيبه 000
■ يشكك على جالينوس فى رأيه أن الدواء الأقل حرارة ينقص من حرارة الأزيد حرارة، يقول:
000 وهذا 000 القانون أعنى الدواء الأقل 000 حرارة ينقص / من الحرارة الأزيد يصححه جالينوس، ويستشهد فى ذلك بالماء الحار 000 والفاتر، فإنه متى مزج الحار بالفاتر نقصت حرارته ضرورة، وقد يشكك 000 عليه بأنا نرى أمراضا هي فى الدرجة الرابعة أو الثالثة من الحرارة متى اسقينا 000 صاحبها دواء هو من الحرارة 000 الثانية أضره، وقد كان ينبغي على هذا أن يبرده، مثال ذلك أنا إذا أسقينا 000 من به حمى محرقة عسلا فإنا على المقام نضره 000 مضرة عظيمة، وكذلك من أصابة برد شديد فى رأسه فنطلناه 000 بدهن الورد 000 أضررناه به مضرة كبيرة، فنقول نحن: أما إن كان الأمر كذلك 000 فإن الدواء الآخر هو الذي نسبة الجزء الحار فيه إلى البارد أعظم نسبة من الجزء الحار إلى البارد فى الدواء الذي هو أقل حرارة،وأمر البارد فيهما بالعكس أعني أنه فى الآخر 000 أصغر نسبة، وفى البارد أعظم مثال 000 ذلك أن درهما واحدا من الفلفل نسبة الحار فيه إلى البارد أعظم نسبة منه فى الدرهم من الفلفل كأنك قلت خمسة أجزائه حارة، وواحد بارد والدرهم من السنبل جزءان منه حاران وواحد بارد فمتى خلطنا ضرورة الدرهم من السنبل إلى الدرهم من
الفلفل كانت نسبة البارد إلى الحار فى المجتمع من ذلك أعظم نسبة منها فى الفلفل، وهو إذا تؤمل ظهر000
■ يتحدث عن المزاج، فيبين متطلبات المزاج المعتدل، وأثناء ذلك يعرض لاَراء جالينوس وأبى مروان بن أبى العلاء بن زهر، ثم يذكر أحوال أبدان أصحاب المزاج المعتدل، فمنذ الطفولة يكون لهم تدبيرما، ويذكر عند ئذ اَراء جالينوس، وأبى مروان اَبن أبى العلاء بن زهر كذلك، تلك الآراء التى يعترض عليها، يقول:
000 قال أبو مروان بن زهر: دهن البلوط يفعل هذا الفعل من غير أن يلذع، ويكون غذاء هذا الطفل اللبن فقط، إلى أن تطلع أسنانه، فإذا طلعت 000 درج فى الأغذية 000 الرطبة شيئا فشيئا وذلك أن اللبن شبيه 000 بمزاج الطفل، والغذاء كما قيل 000 ينبغي أن يكون شبيها، وأيضا فانه الغذاء الذي أعدته الطبيعة لذلك، وهذا أن تكون المرأة المرضعة محتفظة فى الغذاء 000 مرتاضة، متجنبة للجماع، فإن الجماع يثور دم الحيض، ويغير رائحة اللبن، ثم يحمم 000 هذا الطفل كل يوم فى الماء الفاتر، فى هواء معتدل، لئلا يقشعر جسمه عند خروجه من الماء 000
وجالينوس يرى أن يكون ذلك 000 فى الحمام، وأنا أرى أن الهواء إذا كان معتدلا فلا حاجة بهم إلى الحمام، والاستحمام 000 ينبغي أن يتوخى به 000 خلو معدهم من اللبن 000 لئن لا ينتشر الغذاء فى أعضـائهم غير منهضم، وذلك يكون فى أثـر طـول نـوم ينامونه 000
■ المزاج الحار الرطب ليس هو المزاج المعتدل كما يظن جالينوس، يقول:
000 وأما 000 الأمزجة الحارة الرطبة فأصحابها تعتريهم أمراض العفونة، وسيلان الفضول، وبخاصة فى سن الحداثة، فلذلك ينبغي لهولاء أن يستعملوا من الرياضة، والرياضة 000 القوية السريعة، ومن الدلك 000 للكثير، الصلب، ويستحموا قبل أخذ غذائهم 000 مرتين وثلاثا 000 وبالجملة فينبغي أن يعنوا بأمر معدهم فإنه متى استحالت الأطعمة فى المعدة كانت سبب الاستحالة الأخلاط فى جميع البدن، وأما أغذيتهم فيجب أن تكون مائلة إلى البرد واليبس، وليس هذا المزاج هو المزاج المعتدل كما يظن ذلك جالينوس بالقدماء حين قالوا أن المزاج الطبيعي / هو الحار الرطب، وذلك أن المزاج الطبيعي إذا قيس من حيث هو وسط بالأطراف قيل فيه أنه معتدل، و000 أعنى بالأطراف الأمزجة الثمانية، وإذا قيس بحسب غلبة الاسطقسات قيل أنه حار، رطب، بمعنى أن الحرارة والرطوبة فيه 000 أغلب من البرودة واليبس 000 وأما هذا المزاج الذي نقول فيه هاهنا حار، رطب، فهو بالمقايسة إلى المعتدل أنه حار، رطب، وفى هذا المزاج حار رطب هو باشتراك الاسم 0 وجالينوس يأخذ أن الطبيعي هو المزاج الذي يقال بالمقايسة للأطراف 000 والحار الرطب هو 000 الذي يقال بالإضافة إلى المعتدل، فيلزمهم إلا مزاج 000 هاهنا معتدل 000
■ إن الحمى تصيب البدن عن التخمم وبخاصة الحارة، وذلك لأصحاب الأبدان الحارة اليابسة، وقد يصيب أحدهم استفراغ فى البطن، وينوه إلى أن الحدث من الأطباء يعالجون استفراغ البطن الشديد بإدخال الحمام، ومتى عرض لهم سقوط الشهوة يعطيهم جالينوس دواء لا يناسب بلاد الأندلس، لذلك فهذا الدواء غير مفيد فيها، يقول:
000 وأما إن كان الاسهال قد انقطع فحسو فتات الخبز جيد لهم، ومتى عرض لهؤلاء سقوط الشهوة 000 فقد ينبغي أن يعطوا جوارش السفرجل، مع يسير مصطكى، وشيء من أطراف الكرم، وجالينوس يطعمهم فى هذه الحال الدواء المتخذ من السفرجل الذي وصفه تركيبه فى آخر كتابه 000 " فى تدبير الصحة "، وهو دواء يقع فيه فلفل وأشياء حارة 000 ينبغي أن تتجنب 000 فى إقليمنا، وبخـاصة فى زمـان الصيف فى المحرورين000
■ يستطرد جالينوس موضحا أن من احتبست من هولاء المحرورين طبيعته يعطى دواء من الثلاثة فلافل لكن ذلك خطأ بين لأن هذا الدواء يؤدي إلى الحموضة، يقول:
000 فأما من احتبست منهم طبيعته – يقصد المحرورين - 000 فقد ينبغي أن ننظر أين وقوف الطعام منهم، فى معدهم 000 أو فيما دون المعدة من الأمعاء ؟ فإن كان وقوف الطعام فى المعدة، فإن جالينوس يأمر أن يعطى الدواء المتخذ بالثلاثة الفلافل 000 ولا يكون من الكثير 000 الأدوية، القوى، لكن 000 من الذي يذكرنا 000 تأليفه فى كتاب تدبير الأصحاء، وهذه المعالجة لعمـري هي 000 الاستحـالة إلى الحموضة معالجة مطابقة 000
■ يرى جالينوس أن الدلك يستفرغ به الحمى الكائنة عن الخلاط الخامية، لكن ذلك غير صحيح لأن الدلك هنا يسبب أمراضا، يقول:
وأما الدلك فإن جالينوس يستفرغ به فى الحمى التى تكون عن الأخلاط الخامية، وفى ذلك موضع نظر، فإن الدلك لا يؤمن منه 000 أن يستثير 000 الأخلاط فى البدن، وقد أمر هو فى كتاب الصحة لمن به إعياء وجسمه مملوء من هذه الأخلاط ألا يستعمل حركة أصلا0 لا استحمام، ولا دلك 000 ولا غير ذلك، وأيضا فإن الدلك إنما يستفرغ من الأخلاط 000 ما تحت الجلد، وفى الفصل، وأما ما كان من ذلك فى العروق، فيعسر ذلك، إلا على جهة جذب الطباع، وأيضا فما أظن أن صحيحا أن دلك ذلك الدلك الذي يصفه هو إلا اصابة إعياء ضرورة، وتورم جلده لأنه ذلك خشن، فى نهاية الكثرة، وكيف وأصحاب هذه الأمراض لا ينفكون من وجود مس الاعياء ؟ فهذا ما كان ينبغي أن يقوله 000 فى مداواة الحميات العفونية باطلاق، وينبغى أن نسيـر 000 إلى مـداواة واحدة، واحدة منها 000
■ يرى جالينوس أن من بين وسائل علاج الحميات التى تكون عن البلغم النى شرب ماء الشعير، لكن ذلك غير محمود لأنه يسبب بعض الأمراض، يقول:
وأما الحميات التى تحدث من البلغم النى، وهذه حميات ينتفخ فيها الوجه والبطن، وتصير ألوان أصحابها رصاصية أو جصية، فإن جالينوس يرى استفراغهم بالدلك، وذلك ما داموا مستيقظين بأن يقسم نصف زمانهم 0 حتى يكون نصفه النوم، ونصفه الدلك 000 وقد قلنا ما فى الدلك، ويسقوا ماء العسل بالزوفاء، وعروق السوس، وجالينوس يسقيهم ماء الشعير، ولست أحمده فى هؤلاء، لأنه يخل بمعدهم، ويجمد طبائعهم 000 اللهم إلا أن يوضع فيه مصطكى، ويسير فلفل، وأصل رازيانج، وليس ينبغي أيضا أن يتركوا بلا غذاء ألبتة، وإن كان يظن بهم أنهم يحتملون 000 الصبر على التجويع 000 لمكان الأخلاط الخامية المجتمعة فى أبدانهم، فإن مثل هذه الأخلاط عسيرا 000 ما تتحول إلى الدم، والجزء الغاذى فيها ليس يكثر 000 وهم من ضعف القوى بحيث يشرف أصحاب هذه القوى على الغشى فى أكثر أحوالهم، ويجب أن تكون أغذيتهم لباب الخبز مقوعا فى ماء العسل، او النبيذ الجلابى إذا استجازوا ذلك000
■ ليس له نصيب من الحقيقة ما يزعمه جالينوس أنه يستدل من فعل العضو على إبراء سوء المزاج فحسب، وكذلك يستدل منه على إفراغ الفضل، يقول:
000 وقول جالينوس أنه يستدل من فعل العضو على إبراء سوء المزاج فقط، كما يستدل منه على افراغ الفضل لا معنى له، فإنا 000 كما نتخوف عند افراغ الفضل منه أن يخل بالقوة 000 وذلك بأن تكسبه سوء مزاج، كذلك نتخوف 000 من ادخال الضد عليه، وبخاصة من تبريده 000 وهى الجهة التى منها يدخل على أعضاء القوة الغاذية أكثر ذلك فساداً 000
تعقيب:
1- استفاد العرب من الطب اليوناني كثيرا فيما وضعوه من مؤلفات طبية، ولكنهم على الرغم من ذلك لم يقلدوا اليونانيين تماما بل إنهم وجهوا كثيرا من الاعتراضات إليهم هذا إلى جانب إضافاتهم إلى ما تركه أهل اليونان فى مجال الطب 0
2- لم تقف اعتراضات العرب على أساطين الطب اليوناني بل إنهم وجهوا انتقاداتهم إلى بعضهم بعضا كذلك، وذلك يؤكد أنهم لم ينقدوا اليونانيين من أجل النقد بل من أجل الوصول إلى الحقيقة، وهذا هو الهدف من وراء نقدهم لبعضهم بعضا أيضا 0
3- يعتبر المنهج النقدي العقلي عند أبى الوليد محمد بن أحمد بن رشد واحدا من المناهج التى استخدمها فى كل مؤلفاته الفلسفية والعلمية، ويبدو هذا المنهج واضحا فى انتقاداته واعتراضاته على اليونان والعرب فى مؤلفه " الكليات فى الطب " 0
4- إذا كان أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن رشد وجه انتقاداته واعتراضاته تجاه اليونانيين، فإن بنى جلدته من العرب لم يسلموا من هذه الانتقادات والاعتراضات على الرغم من استفادته منهم جميعا – سواء اليونان أو العرب – فى ما وضعوه من مؤلفات طبية وكذلك فلسفية 0
قائمة المصادر والمراجع
1- ابن رشد: فلسفة ابن رشد 1- فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال، 2- الكشف عن مناهج الأدلة فى عقائد الملة صححه وراجعه وضبط أصوله مصطفى عبد الجواد عمران ط3 1388هـ 1968 المكتبة المحمودية التجارية.
2- ابن رشد: الكليات فى الطب تحقيق وتعليق د. سعيد شيبان، ود. عماد الطالبى مراجعة د. أبو شادى الروبى تصدير د. ابراهيم بيومى مدكور 1989 م المجلس الأعلى للتقافة بالتعاون مع الاتحاد الدولى للأكاديميات.
3- د. أحمد شوكت الشطى: العرب والطب. 1970م دمشق منشورات وزارة الثقافة.
4- أرنست رينان: ابن رشد و الرشدية نقله الى العربية عادل زعتير 1957 م طبع بدار احياء الكتب العربية عيسى البابى الحلبى وشركاه .
5- ج.د. برنال:موجز العلم فى التاريخ اعداد: سعد الفيشاوى طـ1 1982م دار الفارابى ببيروت.
6-جان شارل سورينا: تاريخ الطب من فن المداواة إلى علم التشخيص ترجمة د. إبراهيم البجلاتى، سلسلة عالم المعرفة (281) سلسلة كتب ثقافية شهرية يصدرها المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب- الكويت 2002م.
7-جمال الدين أبو الحسن على بن القاضى الأشرف يوسف القفطى: كتاب أخبار العلماء بأخبار الحكماء مكتبة المتنبى القاهرة.
8-جوزيف شاخت وآخرين: تراث الإسلام ترجمة د. حسين مؤنس، و د. إحسان صدقى العمد مراجعة د. فؤاد زكريا، سلسلة عالم المعرفة (234) سلسلة كتب ثقافية شهرية يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب – الكويت 1998م.
9- الحسن بن الهيثم: الشكوك على بطليموس تحقيق د. عبد الحميد صبره، و د. نبيل الشهابى تصدير د. ابراهيم مدكور 1971م مطبعة دار الكتب جمهورية مصر العربية دار الكتب والوثائق القومية، مركز تحقيق التراث.
10- د.عاطف العراقى: المنهج النقدى فى فلسفة ابن رشد طـ3 1995م دار المعارف.
11- د0عبد الحليم منتصر:تاريخ العلم ودور العلماء العرب فى تقدمه ط8 دار المعارف.
12-عبد اللطيف البغدادي: رحلة عبد اللطيف البغدادي فى مصر أو كتاب الإفادة والاعتبار فى الأمور المشاهدة والحوادث المعاينة بأرض مصر أشرف على إعداد هذه الطبعة وقدم لها د. عبد الرحمن عبد الله الشيخ ط2 1998 م الهيئة المصرية العامة للكتاب.
13- على بن العباس المجوسى: كامل الصناعة الطبية وبها مشه كتاب مختصر تذكرة الإمام السويدي فى الطب للإمام الشعراني بدون.
14- ل. أ. سيد يو: تاريخ العرب العام: امبراطورية العرب، حضارتهم، مدارسهم الفلسفية والعلمية والأدبية نقله إلى العربية عادل زعيتر ط2 1389 هـ / 1969 م عيسى البابى الحلبى وشركاه.
15- د ماكس ما يرهوف:: العلوم والطب بحث منشور ضمن كتاب تراث الاسلام تأليف سيرتوماس أرنولد وجمهرة من المستشرقين عربه وعلق حواشيه جرجيس فتح الله طـ2 1972م دار الطليعة للطباعة والنشر.
16- محمد بن إسحاق النديم: الفهرست تحقيق محمد أحمد أحمد المكتبة التوفيقية مصر.
17- موفق الدين أبى العباس أحمد بن القاسم السعدى الخزرجى المعروف بابن أبى أصبيعة: عيون الأنباء فى طبقات الأطباء ضبطه وصححه ووضع فهارسه محمد باسل عيون السود طـ1 1419هـ/1998م منشورات دار الكتب العلمية ببيروت- لبنان
18- Hoodbhoy (Pervez): Islam and science, Religious orthodoxy and the battle For rationality, Forward by Mohammed Abdus Salam , copyright 1991 - Zed Books Ltd, U.S.A, London and New Jersey p 113.
19- Artz (Frederick, B.): The Mind Of The Middles Ages: A. D 2000 - 1500, On Historical survey, first edition, 1953, Alfred A. Knopf: New York. P163.