كثيرة هي الدراسات التي تناولت موضوع الكتابة الإنشائية وسعت جاهدة إلى مقاربة هذا الموضوع والكشف عن أهمية الكتابة الإنشائية في تقويم تعلمات المتعلم في مادة الفلسفة وعن أهم الصعوبات التي تواجه المتعلم أثناء الكتابة الإنشائية ، فجدير بالذكريات بأن مختلف الدراسات التي تناولت موضوع الكتابة الإنشائية وناقشتها من زوايا مختلفة ارتكزت كلها حول جرد أهم الصعوبات التي يواجهها المتعلم لكن دون تقديم حلول ناجعة كمحاولة لتجاوز مختلف الصعوبات التي تطرحها هذه العملية في حين لازالت أمام المتعلم صعوبات تواجهه أثناء الكتابة الإنشائية ، وهي صعوبات تمزج بين ما هو معرفي وما هو منهجي وبين ما هو ذاتي مرتبط بشخصية المتعلم مع العلم بوجود صعوبات ترتبط بمحيط المتعلم السوسيو - اقتصادي ورأسماله الثقافي .
إن الحديث عن الكتابة الإنشائية الفلسفية هو حديث عن لحظة فن وإبداع ، إنها لحظة للمسائلة والنقد والحوار، وليس فضولا فكريا الشيء الذي يجعل منها في جانب أول أداة لتقويم تعلمات المتعلم وفي جانب آخر ممارسة فعل التفلسف والرغبة في امتلاك فكر نقدي وجرأة في اتخاذ المواقف في الحياة ،فليست الكتابة الإنشائية الفلسفية لحظة فضول فكري وليست كنزا من الأسرار يستعصى على العقل الإنساني فهمه ، إنما هي مسألة طريفة وشائكة سواء تعلق الأمر ببعدها المنهجي أو المعرفي أو اتخذت بعدا آخر يرتبط بما هو ذاتي فإذا تأملنا طرافتها فإنها تفتح لنا الباب للخلق وحرية الإبداع إنها فن المسائلة والنقد والحوار، تمنحنا الجرأة في اتخاذ المواقف وتقييمها والنقد والتعبير عن موقف ، إنها حرية إبداع تنأى عن المحاكاة والتقليد ، وإذا ما بحثنا في وجوه التباسها بدت لنا الفكرة عن المفهمة و الأشكلة والبرهنة والنقد والحجاج من بين أهم المسائل الفلسفية استعصاء للفهم ، لذلك فإنجاز كتابة سليمة يتطلب امتلاك أدوات منهجية للممارسة الفعلية الفلسفية ، لذلك يجب الوعي بضرورة التمييز بين المقال الفلسفي والإنشاء الفلسفي كتمرين تعليمي تعلمي يطلب فيه من المتعلم كتابة إنشاء فلسفي بغاية تقويمية .
غير أن تدريس الفلسفة لتلامذة الثانوي التأهيلي تطرح معها العديد من المشكلات ، قد تفقد الفلسفة مهمتها العامة باعتبارها تفكيرا نقديا متجها إلى الحوار والإبداع والخلق متوجها نحو الحياة ومشاكلها التي تستلزم معالجتها ، ومن مظاهر ذلك نسجل صعوبة الفصل بين فعل التفلسف والرغبة في امتلاك أدوات منهجية لمواجهة الامتحان لأن ما يشغل بال التلميذ ويؤرقه هو هاجس الامتحان الوطني وإشكالية تجاوزه عبر ضبط الخطوات المنهجية الصحيحة في كتابة الإنشاء الفلسفي . لذا فإن جوهر الممارسة الفعلية الفلسفية يجب أن يكون حاضرا في منهجية الإنشاء الفلسفي فلا وجود لمنهجية نموذجية بمعزل عن التأهيل التدريجي والمنتظم لإكساب المتعلم الكفايات الضرورية للكتابة الفلسفية وكذلك لممارسة التفكير الفلسفي لذلك على المدرس العمل على تمكين المتعلم من منهجية تكون في نفس الوقت شرطا لتملك القدرة على ممارسة التفكير الفلسفي النقدي وتحقيق الرهان المدرسي ( الاستعداد الجيد لاجتياز الامتحان ) غير أن كتابة الإنشاء الفلسفي ككل متكامل لا يتحقق إلا بالانتقال بالتدرج في كتابة الإنشاء الفلسفي عبر ممارسة الكتابة الجزئية ، ويمكن التساؤل عن قيمة هذه التمارين الجزئية مثل التمرن على كتابة تقديم عام أو صياغة الإشكالية...
إن مدرس الفلسفة يجد نفسه ملزما ببذل جهود متوالية من أجل ضبط الشروط المطلوبة في الكتابة الإنشائية والخطة التي يتخذها شخصيا لتحقيق الهدف ولو بشكل نسبي ، هو استقراء لما يكتبه التلاميذ أنفسهم ، حتى يتم الوقوف على مكامن الخلل والتساؤل عن أسبابها والبحث لها عن حلول ممكنة باختصار، غير أنه لا ينبغي أن نتحدث عن الكتابة الإنشائية الفلسفية من منطلقات نظرية جاهزة ولا ندري بالضبط مسوغاتها ، بل نريد أن نصل إلى خلاصات نظرية خاصة بنا ، نصل إليها من خلال عمل استقرائي لما هو موجود في الواقع الفعلي ، أقصد واقع الكتابة الإنشائية الفلسفية نفسها .
لا نجزم القول بأن التلميذ لا يستطيع الإبداع في الكتابة الإنشائية الفلسفية لأن هذا مجرد تحصيل حاصل ، فما يجب على مدرس الفلسفة بالضبط هو بدل مجهودات في حدود ما يستطيع من أجل خدمة الدرس الفلسفي ومساعدة المتعلم على تخطي الصعوبات عن طريق استقراء أعمالهم ومشاركتهم معاناتهم وكأنها معاناتنه لأنه بدون هذا التعاطف لا يمكن أن يأخذ بأيديهم لتحقيق ما هو أفضل .
باختصار إن الساحة الديداكتيكية تعاني من فراغ مهول في الأبحاث النظرية الخاصة بالكتابة الإنشائية الفلسفية وهذه التراكمات هي التي تخلق ما هو نوعي وتقود إلى الوصول إلى خلاصات ونتائج مفيدة ، ولعل هذا هو ما فعلته مجموعة ميشيل طوزي في فرنسا وتمخضت عنها نتائج واعدة .
يمكن القول إذن إن واقع التدريس نفسه هو واقع الكتابة الإنشائية الفلسفية لدى المتعلمين فبينهما أواصر وروابط لا يمكن إزالتها ، فالإشغال على الكتابة التلاميذية هو في أخر المطاف يستهدف خدمة الدرس الفلسفي ، مادام أن ما يكتبه المتعلم يعكس ولو بشكل نسبي ما قدم له أثناء الدرس فالمدرس مثلا يشتغل على النصوص ويحللها وينجز تمارين ، ويشتغل على وضعيات ويتدارس مع التلميذ المقتضيات الخاصة بالمنهجية...، كل ذلك وغيره يجب أن يقوم به من خلال إنجازه للدرس داخل الفصل والهدف الأخير منه هو تمكين المتعلم من كتابة مقال فلسفي تتوفر فيه المواصفات المطلوبة لذلك فالكتابة الإنشائية هي من صلب الدرس الفلسفي وليست مجرد نتيجة خارجية عنه ... تتمة في مقال أخر قادم .
- عبد المجيد انتصار الأسلوب البرهاني و الحجاجي في الفلسفة
- إبراهيم السهلي منهجية الكتابة الإنشائية لتلاميذة البكالوريا
- منهجية المقال في البكالوريا : محمد الغنوشي الحبيب اكتيكيتة
- طريقة المقال : محي الذين الكلاعي
- بناء القدرات و الكفايات في الفلسفة مشيل طوزي
- جاكين روس المناهج الفلسفية
- مخطط التكوين المستمر لأساتذة الفلسفة 2009