الحديث عن ظاهرة الانتحار في المغرب حديث ذو شجون..لكن بعد التطرق لهذا الجانب، يستحسن القيام بإطلالة على هذه الظاهرة على المستوى العالمي. في وسط هذا المقال، سوف أخصص بعض الفقرات لعرض رأي باحث سوسيولوجي مغربي.
المغرب: أعلى معدل انتحار في العالم العربي
لفت آخر تقرير لمنظمة الصحة العالمية مؤخراً حول الانتحار في المغرب الانتباه إلى الاتجاه السائد في معدلات الانتحار في المغرب، الذي سجل أعلى معدلات الانتحار في العالم العربي.
خلال المدة الفاصلة بين 2000 و2012، ازداد عدد حالات الانتحار في المغرب بنسبة 97٪، وارتفع من 2،7 الى 5،3 لكل 100،000 من المغاربة. ويبرز هذا التقرير أن 800 مغربيا يقدمون على الانتحار سنويا، أي ما يعادل نسبة 5 إلى 10 لكل 100،000 من المغاربة، وهي نسبة كبيرة تتطلب اهتماما عاجلا ورصدا دؤوبا من قبل السلطات الصحية في بلادنا.
وقال التقرير إن معدل الانتحار في المغرب أعلى أيضا من أرقام منطقة مينا (الشرق الأوسط وشمال أفريقيا) التي تسجل عموما معطيات أقل من 5 لكل 100 ألف. وسجل أدنى معدل للانتحار في المملكة العربية السعودية (0.4) ، أي أقل بكثير من المتوسط العالمي البالغ 11.4 لكل 100.000.
وفيما يتعلق بالأساليب الأكثر شيوعا للانتحار في المغرب، يظهر هذا التقرير أن بلادنا في المراتب الأولى ضمن البلدان التي يتم فيها الانتحار عن طريق تجرع المبيدات التي على السلطات وضع الكثير من القيود للحصول عليها في أفق الحد من هذا العدد المفجع.
باحث: هذه هي الدوافع
جعل الباحث السوسيولوجي عياد أبلال في مقدمة أسباب الانتحار، التفكك الأسري، والبطالة والفقر، والأمراض النفسية، والإدمان على المخدرات، مؤكدا على أن المقاربة السوسيولوجية للظاهرة تبقى ضرورية، باعتبار أن مختلف الاضطرابات النفسية سببها اجتماعي، ومن بينها عدم تمكّن نسق الشخصية من تلبية الحاجيات الأساسية التي تضمن للمرء الاستقرار والتوازن، أو وقوع خلل على مستوى النسق الثقافي أو الاجتماعي.
وأشار أبلال إلى أن الانتحار محرم في الإسلام، ومنبوذ في المجتمع، لكن حين يصل الخلل الوظيفي في أداء مختلف الأنساق إلى مستوى حرج، يصل نسق الفعل إلى رفض المجتمع، ومن ثم إلى رفض ثقافته ومعاييره، أو الشعور، في حالة تفكك الأسرة، بغياب الدفء الأسري والمساندة الوجدانية والحاجيات المعنوية والرمزية التي تجعل الفرد يتمسك بوجوده الذاتي، مؤكّدا أن كل خلل في الأداء النسقي للشخصية يصيب الفرد باضطرابات نفسية وعصبية، قد تجعل مسألة الانتحار لديه جد بسيطة.
وتؤكّد الأرقام والدراسات، بحسب أبلال، على ارتفاع حالات الانتحار ومحاولات الإقدام عليه في صفوف المراهقين من الجنسين، وبشكل أكبر في صفوف الذكور، كما تقل النسب في صفوف المتزوجين في مقابل ارتفاعها عند العزّاب. وبالعودة إلى المراهقين، فالأمر يمكن شرحه بكون أن هذه المرحلة جد حساسة ضمن مراحل نمو الفرد الثقافي والاجتماعي والبيولوجي، وهي مرحلة تعرف بطور بناء الشخصية.
الانتحار عبر العالم
بمناسبة اليوم العالمي لمنع الانتحار الموافق لـ10 شتنبر، قالت منظمة الصحة العالمية في تقرير لها هو الأول من نوعه إن ما يقرب من 800 ألف شخص ينتحرون سنوياً ويقوم كثيرون آخرون بمحاولة انتحارية. بصيغة أخرى، تحدث عملية انتحار كل 40 ثانية في العالم. فوفقاً لمنظمة الصحة العالمية ، فإن الانتحار يحدث في أي مرحلة من مراحل الحياة، ويمثل السبب الرئيسي الثاني للوفاة بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 29 سنة في جميع أنحاء العالم في عام 2015.
يشير التقرير أيضا إلى أن هذه ظاهرة عالمية، حيث أن أكثر من 78 من حالات الانتحار وقعت في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل في نفس السنة. في حين أن الصلة بين الانتحار والاضطرابات النفسية (وخاصة اضطرابات الاكتئاب وتلك الناجمة عن استهلاك الكحول) راسخة في البلدان ذات الدخل المرتفع ، يشير التقرير إلى أن العديد من حالات الانتحار تحدث بشكل مندفع في لحظة الأزمة وفشل القدرة على التعامل مع ضغوط الحياة ، مثل المشاكل المالية ، القطيعة ، المرض أو الألم المزمن.
بالإضافة إلى ذلك، يرتبط الصراع والكوارث والعنف وسوء المعاملة والفجيعة والعزلة بقوة بالسلوك الانتحاري. ويقول التقرير إن معدلات الانتحار مرتفعة أيضاً بين الفئات الضعيفة التي تواجه التمييز، مثل اللاجئين والمهاجرين والسكان الأصليين والمثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية أو ثنائيي الجنس والسجناء.
كما تلاحظ المنظمة أن ما يقرب من 30 في المائة من حالات الانتحار في العالم ناجمة عن التسمم بالمبيدات، ومعظمها وقع في المناطق الزراعية أو الريفية في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، بينما تشمل الطرق الأخرى الشائعة الاستخدام الشنق والأسلحة النارية.و تعتقد منظمة الصحة العالمية أخيرا أن الانتحار، الذي يمثل "مشكلة صحية عامة خطيرة، يمكن تجنبه من خلال التدخلات في الوقت المناسب".
التسمم بالمبيدات الحشرية والشنق والأسلحة النارية هي أكثر الطرق شيوعًا في جميع أنحاء العالم. وتظهر المعطيات الواردة من أستراليا وكندا والولايات المتحدة واليابان ونيوزيلندا والعديد من البلدان الأوروبية أن تقييد الوصول إلى هذه الوسائل يمكن أن يساعد في منع الوفيات من الانتحار. والطريقة الأخرى لتحقيق ذلك هي التزام الحكومات الوطنية بوضع وتنفيذ خطة عمل منسقة. واليوم ، هناك 28 دولة فقط لديها استراتيجيات وطنية للوقاية من الانتحار.