توجد فوارق في قدرات الأطفال على الحس بالمسؤولية اتجاه مراقبة المحيط وإدراكه ، أي القدرة على الانتباه إلى المحيط وفهمه والفعل فيه . وترتبط هذه الفوارق بداية بإدراك الأطفال وتقييماتهم لهذا المحيط، حيث إن من يعتبره قابلا للتغيير ليس كمن يعتبره ثابتا ولا يمكن تغييره. ويبدو أن الانتماء السوسيو- ثقافي للأسرة يقف ، في جانب هام منه ، وراء هذا التباين، ذلك أن الأطفال المنحدرين من أوساط اجتماعية ميسورة يفترضون إمكانية الفعل في المحيط وتغييره من خلال الجهد. غير أن الأطفال الفقراء عكس ذلك لا يضعون هذه الفرضية نظرا لإشاعة القدرية في أوساطهم.
ترتبط هذه الفوارق ثانيا بالقيم التي تروج لها هذه الأوساط الأسرية، حيث إن القيم التي تثيرها وتتمسك بها غالبا الأوساط المستضعفة تشدد على الطاعة والخضوع والامتثال للمعايير السائدة، في حين تستند غالب الأوساط الراقية على القيم التي تؤكد على المبادرة الذاتية وعلى المحددات الفردية للطفل. ذلك أن الأسر التي تؤكد على الطاعة والخضوع، فإنها تثمن بذلك الأنشطة التي تدعم التبعية. وعكس ذلك فإن الأسر التي تحاول تنمية الفضول والفكر النقدي فإنها تثمن الأنشطة الذاتية للطفل. وندرك الدور المحرك الذي تلعبه الأنشطة الذاتية للطفل (بياجي) في تطوير بنياته الفكرية والرفع من استعداده وقدراته لإدراك ذاته ومحيطه وقدراته على الفعل فيه.
هكذا يتبين أن الانتماء السوسيو- ثقافي للأطفال عامل من العوامل الوازنة التي تقف وراء هذا التفاوت في الحس بالمسؤولية اتجاه مراقبة المحيط. كيف يمكن إذن تنمية هذه القدرات والمواقف في المدرسة والحد من آثار الانتماء السوسيو- ثقافي للأطفال في أفق إقامة عدالة في تكافؤ الفرص؟
ينبغي ، من جهة، العمل على التقليص من الفوارق الاجتماعية لإقامة عدالة في تكافؤ الفرص وعدالة اجتماعية، وهذا صلب العمل السياسي. غير أنه من المفروض ، من جهة أخرى، أن تتدخل المدرسة أيضا لمحاربة هذا التفاوت في تنمية الموارد البشرية وإقامة دمقرطة حقيقية في تنمية كل القدرات والطاقات والتخفيف من آثار وثقل الانتماء السوسيو- ثقافي للأطفال، وذلك بالاشتغال على الجانب الإرادي على الأقل، أي جعل الطفل يتحرر من قيود تلك الحتمية الاجتماعية، ويوسع من مجال اختياراته وطموحاته ويقوي إرادته في إمكانية تغيير وضعيته والتأثير في مآلها، وإمكانية الانفلات من آثار عالمه الاجتماعي والعائلي والشخصي المهزوم.