يميز الأستاذ عبد الفتاح كليطو في كتابه "الأدب و الغرابة " بين النص و اللانص ، انطلاقا من استحضار ثنائية الثقافة و اللاثقافة ، فالثقافة (الرسمية) عند هذا الباحث هي بمثابة الجمركي المُحْتكم إليه لمنح تأشيرة النصية للنصوص .
إذ يعدو القول( نصا )عندما تسخر الثقافة أساليب معينة للاهتمام به .وذلك من خلا ل تدوينه والاحتفاظ به خشية ضياعه . بل إن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد وفقط ، بل يصل بالثقافة إلى درجة إقراره في التعليم . يعلق "كليطو" على هذا الكلام قائلا «النص لا يدون فقط بل يحرص على تعليمه .فالمقررات المدرسية و الجامعية لا تتضمن إلا الأقوال التي يجب الاستشهاد بها و النسخ على منوالها
و العمل بمقتضاها » [1].
يتضح من هذا الكلام إذن ، أن العلاقة التي تجمع بين النص والتعليم هي علاقة تقريرية بامتياز . فالنص الذي لم يقرر في البرامج المدرسية هو بمثابة اللانص بالتعبير الكليطي ويكون مآله آنئذ هو الضياع و التهميش ... . وتلك في الحقيقة وضعية يعانى منها أدبنا الشعبي مع برامجنا المدرسية . فالمتصفح للكتب المدرسية يجدها تهمش ما تحبل به الثقافة الشعبية المغربية من فنون أدبية متنوعة . وهو ما يؤكه الباحث المغربي د.جميل حمداوي في سياق دراسته لمنهاج اللغة العربية بالسلك الثانوي التأهيلي. - باعتبارها المادة المدرسية الأقرب إلى احتواء الأدب الشعبي في هذا السلك- من خلال ملاحظة مفادها « نلاحظ على المنهاج غياب فن الزجل و الأدب الشعبي»[2] .
و يتناول الناقد محمد الداهي هذه المسألة واسما إياها بعولمة الأدب ، حيث تتسم تمثيليته في المدرسة بسيادة النموذج الواحد ، وضعف التنوع الأجناسي والجغرافي .
تصطنع المدرسة لنفسها حواجز ومبررات و اهية كي لا تدرج الأدب الشعبي في برامجها متذرعة بمعيار اللغة مرة وبالذوق التخلف و مرة أخرى....
غير أنها غفلت أو تغافلت أن هذا الأدب الشعبي هو انعكاس لحيتنا، لأفكارنا ، قيمنا ،أخلاقنا ، و هويتنا، تاريخنا ،(لغتنا)...فهذا ما استطعنا إليه سبيلا. و به نحفظ لأنفسنا احترام الأجيال المتعاقبة وعن طريقه نلتقي بهم عبر الزمن متفاخرين ومعتزين بإنتاجاتنا ، وبه نضمن موطن قدم في الثقافة العالمية بالتميز و الانفراد و الاختصاص بأدوات تعبيرية وليدة الجغرافية المغربية لا تنفسنا فيها ثقافات أخرى ، فبإقراره إذن ، في التعليم نكون قد حكمنا عليه بالاعتناء و التدوين و النقد ...و الوصول به إلى مراتب "النص" وما يليق بمقامه. و إذا كانت وظيفة المدرسة تعليم الحياة كما يقول "جون ديوي ". فعليها أن تضمن لهذا الأدب حيزا مهما في برامجها و أنشطتها المختلفة ،اعتبارا لكونه الحياة نفسها التي يعيشها مختلف أفرد هذا المجتمع .
لقد امتعضت كثيرا عندما سمعت مترجما في برنامج إعلامي يقول أنه ترجم قصائد من الملحون إلى اللغة الفرنسية ، و بعد أيام تلقى رسالة من وزارة التعليم الفرنسية تستأذنه من أجل إدراج بعض هذه القصائد المترجمة في البرامج التعليمة لهذا البلد.و نحن و يا للأسف ما زالت برامجنا تمارس على تراثنا المحلي خاصة الأدبي منه حظرا متواصلا .
و لنتخيل انعكاسات مقرر دراسي يدمج ضمن محاوره ما تزخر به الثقافة الشعبية المغربية من حكايات خرافية شعبية ، ملحون ،زجل عامي، شعر أمازيغي مترجم إن دعت الضرورة لذلك ... .على المتعلمين من تحصين وجدان الطفل المغربي و تعزيز قيم المواطنة الحقة و التسامح و التضامن ... وما له انعكاسات ايجابية للحياة العامة في البلد بصفة عامة . فالدول التي تحترم نفسها تعلم أن التطوير و الازدهار إنما يبدأ من الداخل .
على أن لا يفهم من كلامنا هذا أنه دعوة إلى الانغلاق و الانطواء على الذات و التضخيم من انجازاتها . فبقدر ما ندعو إلى الالتفات إلى الخصوصية الأدبية المحلية ، بقدر ما ندعو أيضا إلى الانفتاح على روائع الأدب العربي والعالمي .
إن ما يعرفه عالمنا الذي نحياه اليوم ، من تغيرات في الخريطة الجغرافية والسياسية ، يدعونا أكثر من أي زمن مضى إلى الالتفات إلى خصوصياتنا المحلية(أدب شعبي ، فلكلور...) باعتبارها إنتاجا مشتركا . يذكي و حدتنا تماسكنا في إطار جماعة منسجمة يحكمها التضامن و الانتماء . لمواجهة عدو قد تخول له نفسه في يوم من الأيام أن يتربص بنا فنكون له بالمرصاد .
[1] عبد الفتاح كليطو ، الأدب و الغرابة ، ص 18.
[2] د جميل حمداوي ، من قضايا التربية و التعليم .ص142.