أولا: سياق عام
يندرج أولمبياد مادة الفلسفة في المغرب ضمن الأنشطة التربوية المدرسية غير الرسمية، بحيث لا تنظمه أية مذكرة وزارية ولا يقره لا منهاج تدريس مادة الفلسفة في التعليم الثانوي التأهيلي ولا التوجيهات التربوية الخاصة بالمادة ولا اصلاحات منظومة التربية والتكوين، ولكن في الآن ذاته لا تلغيه ولا تعرقل انجازه. ويعود هذا التقليد إلى مرحلة الثمانينات من القرن الماضي حيث دشنت بعض مجلات الفلسفة مسابقات خاصة بالتلاميذ في الكتابة الانشائية ولا ادل على ذلك تجربة مجلة "الجدل". ومع مطلع الالفية الثالثة وما أقره الميثاق الوطني للتربية والتكوين من ضرورة انفتاح المؤسسات التعليمية والمنظومة التربوية ككل على الأنشطة التربوية وانشطة الحياة المدرسية وتفعيل مبدأ الشراكات كآلية للتسيير، دشن مدرسو الفلسفة أول الأمر تجارب متعددة ومتنوعة للأولمبياد منذ سنة 2009، ساهمت فيها بشكل كبير الثورة التكنولوجيا الجديدة واطلاق الانترنيت للعموم. هكذا دشنت مواقع فلسفية مغربية (نموذج فيلو مغرب سنة 2009 تحت اشراف الأستاذ سعيد إيماني وبعض معاونيه) أولمبياد الانشاء الفلسفي حيث يتم تحكيم الموضوعات واعلان النتائج. ومن تم أطلقت مبادرات الأولمبياد على شكل مسابقات في الكتابة الانشائية الفلسفية طوال سنوات عدة، توجت بمسابقات فلسفية متنوعة موجهة لتلاميذ السنة الختامية من البكالوريا. وفي ثانوية ادريس الحارثي سينطلق الاولمبياد الفعلي ليتطور في نفس المدينة الى أولمبياد جهوي ينعقد كل سنة، وأخذت جهة بني ملال خنيفرة بعد ذلك المشعل والتي دشنت هذه التجربة في نسختها الثانية في ماي 2016 (سبق وأن نظمت مسابقات الأولمبياد في العديد من المدن المغربية منها: الدار البيضاء 2009، ايت بعمران 2010، تارودانت 2012، كلميم 2014، زاكورة 2015...).
تزامن هاجس توسيع التجربة على الصعيد الوطني مع انعقاد المؤتمر الاستثنائي للجمعية المغربية لمدرسي الفلسفة (الجديدة 7 و 8 ماي 2016) بعد عقد ونصف من جمودها وركود نشاطها، بحيث خلص المؤتمر الاستثنائي إلى ضرورة صياغة مشروع وطني لأولمبياد الفلسفة مع مطلع الموسم المقبل.
ثانيا: سياق خاص
مما لا شك فيه أن للأولمبياد المدرسية تاريخا طويلا، لا يهمنا كثيرا هنا. كما أن لأولمبياد مادة الفلسفة تاريخ يشهد عليه تعدد المبادرات بحسب كل مؤسسة وطاقمها التربوي والتأطيري. ومن البيّن أن تعدد تجارب أولمبياد الفلسفة وتنوع صيغه والأشكال التي يتخذها مع كل موسم، يشكل الركيزة الأساس لأية مبادرة في هذا الباب. وبالنظر إلى الهجوم الذي شنته القوى المحافظة والسلطة السياسية على هذه المادة منذ إلغاء معهد السوسيولوجيا سنة 1986 بالرباط، وتقليص عدد ساعات تدريس المادة وادراج مادة الفكر الاسلامي قبل ذلك في منهاج المادة، ناهيك عن التمثلات السائدة حول الفلسفة، فإن الرقي بالدرس الفلسفي لا يستقيم دون البحث عن أشكال جديدة لترسيخ حضور الفلسفة في المجتمع. وقد ناضلت أجيال بكاملها في التعليم الجامعي المغربي من أجل توسيع قاعدة المهتمين بالفكر الفلسفي في مختلف المجالات: الابستمولوجيا، علم النفس، علم الاجتماعي، الفلسفة الحديثة والمعاصرة، الفلسفة السياسية، المنطق... غير أن القرار التاريخي الذي اتخذ سنة 2004 والقاضي بتعميم تدريس الفلسفة في المستويات الثلاثة من التعليم الثانوي التأهيلي ليشمل كل الأقطاب التي تجتاز البكالوريا (14 قطب: مع العلم أنها المادة التي يمتحن فيها كل المتعلمين الذين يجتازون البكالوريا الى جانب الانجليزية منذ ذلك سنة 2007)، كان له وقع كبير في صفوف مدرسي المادة، خاصة أنه اقترن بتغيير منهاج المادة وحذف الفكر الاسلامي من مقررات البكالوريا من منطلق أن الفكر الانساني واحد وأن الفلسفة هي الفلسفة.
من الناحية المنهجية صاحب تغيير برنامج الفلسفة سنة 2007 اعتماد مقاربة الكفايات (الكفايات التواصلية والثقافية والاستراتيجية...) التي تعتمد على المزاوجة بين التفلسف وتدريس تاريخ الفلسفة، وعلى الأخص التركيز على مهارات: المفهمة والأشكلة والمحاجة. بحيث صار المتعلم محور العملية التعليمية – التعلمية. ومن هذا المنطلق فإن تجربة الاولمبياد تأتي لتحقيق بعض الكفايات ولصقل قدرات المتعلمين في مجال التواصل والسجال والحوار...
ثالثا: الغايات الكبرى لأولمبياد الفلسفة
لقد بذلت جهود كبيرة في السنين الأخيرة في منظومة التربية والتكوين ببلدان، مست بالأساس توسيع العرض التربوي، والتكوين المستمر للمدرسين والمدراء والمسيرين، توفير البنيات التحتية، ادماج الوسائل التكنولوجيا الحديثة، العمل بالأندية الحقوقية والفلسفية والبيئية... خلق مراكز الاستماع لضحايا العنف والحالات الاجتماعية المستعجلة، وللمتعلمين المتعثرين لأسباب نفسية، انطلاق مشاريع المؤسسات، اعتماد الشراكات... وبطبيعة الحال لا تشكل مادة الفلسفة استثناء، إن لم نقل أنها بدورها قد استفادت بشكل كبير من مسلسل الاصلاح. إلا أن تعاقب الأجيال – حجم مدرسي الفلسفة الذين التحقوا بتدريس المادة على المستوى الوطني منذ سنة 2004 إلى اليوم – يفرض علينا السهر والحرص على الحفاظ على المكتسبات التاريخية لتدريسية المادة، وربط جسور التواصل والتبادل والتقاسم بين الأجيال المتعاقبة.
يأتي أولمبياد مادة الفلسفة – على الأقل كما نتصوره – للاستجابة لحاجيات المتعلمين من جهة، وتطوير قدراتهم ومهاراتهم المعرفية والمنهجية والتواصلية، ولحاجيات المدرسين من جهة أخرى لتحفيزهم وتشجيعهم على الاهتمام برسالتهم التربوية، والتنويه بعملهم الجبار في خدمة المدرسة العمومية وأطر مستقبل بلادنا. ولا يخفى عليكم الدور الذي يمكن أن يلعبه هذا المشروع في الرقي بالدرس الفلسفي (ومستوى التعلمات الفلسفية les apprentissages philosophiques) في المقام الأول وبالمهارات والكفايات التواصلية والتعبيرية لدى المتعلمين في المقام الثاني.
هكذا يروم أولمبياد الفلسفة تحقيق ما يلي:
• تشجيع المدرسين وتحفيز المبادرات التربوية الجادة والهادفة؛
• إعادة الاعتبار لقيمة الحياة المدرسية لما لها من أدوار لا يستهان بها في الرقي بمستوى التعليم ببلادنا؛
• تثمين تجويد التعلمات وصقل المهارات والقدرات التواصلية والإبداعية لدى المتعلمين في المستويات الثلاثة بالتعليم الثانوي التأهيلي؛
• خلق جيل النجاح بامتياز وتوسيع دائرة المهتمين بالفلسفة؛
• المساهمة في تعزيز مكانة المنظومة التربوية وطنيا؛
• إعادة الثقة في مؤهلات هيئة تدريس المادة، وفي قدرات المتعلمين من أجل تبوأ مكانة اعتبارية في نسب النجاح وطنيا، بحيث أن المشروع سيشتغل في جانب منه على الكتابة الإنشائية الفلسفية؛
• تمهير المتعلمين على الكتابة الإنشائية والتعبير الشفوي.
• تعويد المترشحين على التناظر الفلسفي وفق قواعد مضبوطة.
• استدماج قيم الحوار والتسامح والاختلاف والتعبير كسلوك يومي.
• التعود على روح المنافسة واحترام الآراء والتعبير الحر عن الرأي الخاص.
رابعا: الفترة الزمنية التي ينعقد فيها الاولمبياد
نختار دوما الأسدس الثاني (النصف الثاني من الموسم الدراسي) لاعتبارات أهمها:
يكون السادة الأساتذة قد أحزوا تقدما هاما في المقرر الدراسي؛
يمتلكون إلى حد ما تقديرات أولية عن المتعلمين وقدراتهم ومهاراتهم؛
بإمكانهم الحكم على هذا المجهود أو ذاك حكما أوليا؛
قد نسجوا علاقات تربوية مع المتعلمين تمكنهم من الاشتغال على المشاريع التربوية؛
وأن المتعلمين بدورهم قد تملكوا بعض المعارف الأولية والضرورية التي تمكنهم من المشاركة في الروائز والمباريات وفي الاولمبياد؛
يملكون حدا أدنى من التواصل الشفاهي والتعبير الكتابي.
خامسا: طرق تنفيذ المشروع
يعتبر المدرس عصب العملية من أولها إلى آخرها. ولذلك وبالموازاة مع عمل الأستاذ على مستوى المؤسسة ستخلق لجان تحكيم على المستوى الإقليمي والجهوي والوطني، لتقييم أداء المتعلمين وإعطاء الفرصة بكل موضوعية للذين يستحقون التشجيع والتنويه، تحقيقا لمبدأ الفرصة في المشاركة والتباري دون أية أحكام مسبقة.
سادسا: مراحل المشروع
1. المرحلة الأولى: التباري على مستوى المؤسسات التعليمية.
2. المرحلة الثانية: التباري على مستوى المناطق التربوية والمديريات الاقليمية.
3. المرحلة الثالثة: التباري على مستوى الجهات أي الأكاديميات الجهوية.
4. المرحلة النهائية: التباري على المستوى الوطني.
سابعا: الصيغ الممكنة لتنفيذ المسابقات
– التباري الشفاهي والكتابي والتناظر الفلسفي:
• الجذوع المشتركة والسنة الأولى بكالوريا (أي السنة 1 و 2 من البكالوريا):
تحديد المفاهيم
التعريف بالفلاسفة وانتاجاتهم وفلسفتهم
شرح الأقوال الفلسفية والكشف عن أطروحاتها واشكالاتها.
• الثانيات بكالوريا (السنة الختامية من البكالوريا)
كل الصيغ متاحة بدءا من التباري الكتابي إلى الشفوي (مسابقات في تحديد المفاهيم، التعريف بالفلاسفة وانتاجاتهم وفلسفتهم، شرح الأقوال الفلسفية والكشف عن أطروحاتها واشكالاتها)، وانتهاء بأسلوب التناظر (المناظرة الفلسفية المبنية وفق قواعد).
ثامنا: بعض آليات تجويد الأداء
- يتم الانفتاح على دعائم بيداغوجية عبارة عن أفلام للمشاهدة والمناقشة على مستوى المؤسسات والنيابات؛
- تأطير في تقنيات التناظر لفائدة التلاميذ والتلميذات المؤهلين لنصف النهاية؛
- توزيع لجان التحكيم بشكل يضمن الموضوعية والحياد، ويستحسن اشراك مدرسين في مراكز التكوين والمؤطرين التربويين والمتقاعدين وأصدقاء الفلسفة ذوو تجربة غنية لضمان الحياد في التحكيم.
1 - المفاهيم والأعلام المشكلة لموضوعات الأولمبياد الجهوي
• على مستوى السنة الأولى والثانية باكالوريا: مفاهيم وفلاسفة وأقوال لها صلة بالبرنامج من قبيل:
المفاهيم:
الوعي
اللاوعي
الإيديولوجيا
التحليل النفسي
الجهاز النفسي
الكوجيطو
الوهم
الإدراك الحسي
الإحساس
الكبت
الشهوة
السعادة
الإرادة
الحاجة
الكاريزما
العقد الاجتماعي
الحالة المدنية
حالة الطبيعة
السلطة
التنشئة الاجتماعية
الحيل النفسية الدفاعية:
الإعلاء، الإسقاط،، التقمص
الفلاسفة:
فرويد
سبينوزا
هيجل
برغسون
ديكارت
ماركس
ابن خلدون
دوركايم
رالف لينتون
ستراوس
هيوم
ريكور
شوبنهاور
سارتر
• الأقوال الفلسفية الخاصة بالسنة الأولى بكالوريا
سبينوزا الرغبة شهوة واعية بذاتها
دوركايم من المجتمع يأتينا خير ما فينا
إن المجتمع في خدمة الفرد الذي يخدم المجتمع بدوره وهما معا يحييان من أجل بقاء النوع الذي لولاه لا بقاء لكل من الفرد والمجتمع موران
دوركايم إذا تكلم الضمير فينا، فإن المجتمع هو الذي يتكلم
روسو ويل لمن لا رغبة له
مار أوريل ما الأشقى الإنسان الذي لا رغبة له
ابكتيت لا ترغب إلا فيما تقدر عليه
ابكتيت لا تنال الحرية بإشباع للرغبات وإنما بتدميرها
فرويد إن فرضية اللاشعور ضرورية ومشروعة، لأن معطيات الوعي ناقصة
ليس وعي الناس هو الذي يحدد وجودهم الاجتماعي ، بل على العكس من ذلك، إن وجودهم
الاجتماعي هو الذي يحدد وعيهم ماركس
إن من رضي لنفسه بتحصيل اللذات البدنية، وجعلها غايته، واقصى سعادته، فقد رضي باخس العبودية لأخس الموالي ابن مسكويه
مارك أوريل وباستثناء الإله فإن الذي يتمكن من تحقيق كل رغباته سيكون مخلوقا تعسا
إننا نسمي الإنسان سعيدا إذا كان مدركا للحقيقة ومتحررا من سيطرة الرغبات والأحاسيس والألم والخوف. سينيكا
بول فاليري الوعي يسود ولا يحكم
هوسرل كل وعي هو وعي بشيء ما
لوك الإنسان كائن يحس ويدرك ويدرك أنه يدرك
هوبز الإنسان ذئب لأخيه الإنسان
فرويد إن الأنا لم يعد سيدا في بيته
فرويد الطفل أب الرجل
فرويد الأحلام هي الطريق الملكي لللاشعور
فرويد إن كل حلم إنما هو تحقيق مقنع لرغبة مكبوتة
أرسطو إن الإنسان بطبعه حيوان سياسي
شوبنهاور كل رغبة تنشأ عن نقص
روسو إننا نستمتع أقل بما نحصل عليه مقارنة مع ما نتمناه
فيورباخ الدماغ يفرزالتفكير، كما تفرز الكبد الصفراء
إن الطاحونة الهوائية تعطينا مجتمع السيد الإقطاعي، والطاحونة البخارية تنتج مجتمع الرأسمالية الصناعية ماركس
سبنسر يوجد المجتمع من أجل منفعة الأفراد وليس العكس
أرسطو من يهزم رغباته أشجع ممن يهزم أعداءه لأن أصعب انتصار هو الانتصار على الذات.
أرسطو الذي يعيش خارج المدينة، إما أن يكون إلها أو وحشا
يقال كم حاجة قضيناها بتركها
يقال كل ممنوع مرغوب فيه
2 - على مستوى السنة الثانية بكالوريا:
مفاهيم وأقوال فلسفية وفلاسفة لها صلة بالبرنامج الدراسي، وموضوعات عامة للتناظر من قبيل:
هل يمكن لرجل السياسة أن يكون أخلاقيا؟
هل الواجب ذاتي أم اجتماعي؟
هل أنت مع أم ضد عقوبة الاعدام؟
هل من المبرر قبول العنف كيفما كان وكيفما كانت الجهة التي يصدر عنها؟
هل تشكل العولمة تهديدا لهوية الذات؟
تاسعا: خلاصة
يتضح بجلاء أن تجربة الاولمبياد الفلسفي قد تطور بشكل طبيعي من مبادرات فردية هنا وهناك الى مبادرة وطنية لقيت ترحابا كبيرا واستحسانا حتى لدى الاكاديميات الجهوية. لأن مقصده ورهانه تربوي بالدرجة الاولى يروم إعمال العقل وصقل مهارات وقدرات المتعلمين ونشر الفكر الفلسفي ومختلف القيم الكبرى الموجهة للانسانية جمعاء. وهو يزاوج بين حضور البرنامج الدراسي والثقافة الفلسفية العامة ومستوى التعليمي والفكر والثقافي لدى المتعلمين، مما يدل على بهتان العلاقة المتشنجة بين المتعلم والفلسفة، فالتمثلات السائدة حول هذه المادة يمكن التغلب عليها بالفعل من خلال هذه التجربة.
كما تجربة الاولمبياد تسعى إلى تنزيل مبادئ الديمقراطية وربط تدريس الفلسفة بالمجتمع وقضاياه لأن معركتها في نظرنا هي معركة الحداثة والتنوير مما يستوجب تدريب المتعلمين على قواعد النقاش العمومي: تدبير الاختلاف، قبول الرأي الآخر، الاستقلالية في التفكير، البرهان والحجة كآلية استدلالية على صحة الرأي... وذلك لرفع الوصاية عن الشباب وخندقتهم في الفكر الأحادي الدوغمائي الذي يقتل فيهم روح الابداع والابتكار والتفكير الذاتي.
• ملحوظة:
لا يخفى عليكم أننا نسعى الى تعميم هذه التجربة على الصعيد الوطني وسيكون موسم 2016 – 2017 أول تجربة وطنية اذا سنحت الظروف بذلك لأن من حسناته واستقلاليته أنه يتم عن طواعية وبامكانات بسيطة يتحملها المدرسون، ونتمنى ان تقتدي دول عربية أخرى بهذه المبادرة للمشاركة في الاولمبياد الدولية للفلسفة الذي ينعقد سنويا في دولة محتضنة، ونحن على استعداد لتقسم تجربنا المتواضعة مع الجميع.