برز علم النفس كعلم حديث مستقل عن الفلسفة ليشهد تراكما وتطورا كبيرا في فترة قصيرة وجاء هذا العلم لدراسة الانسان سواء من الجانب الوجداني أو السلوكي أو المعرفي . فإذا كان علم النفس يهتم بهذه الجوانب الثلاث المكونة للشخصية الانسانية . فلماذا لا يتم تفعيل الثقافة السيكولوجية في مجتمعنا على غرار ما هو سائد في المجتمعات الغربية ؟
للإجابة عن هذا الاشكال لابد من الاشارة الى البراديغمات الثلاث التي توالت على علم النفس , فهناك البراديغم السلوكي بقيادة واطسون الذي اعتمد على دراسة السلوك على أساس التعلم والإكتساب ومن ثم فالتعلم في نظره يتم عبر عملية إرتباطية بين المثير والاستجابة معتمدا المنهج التجريبي في دراسة سلوك الحيوان مقتنعا بملائمة هذا المنهج لدراسة سلوك الانسان كذلك . وهناك أيضا البراديغم الوجداني بقيادة فرويد الذي ادخل لعلم النفس مفاهيم جديدة اهمها اللاشعور والتحليل النفسي معتمدا في دراسته على المنهج الاكلينيكي الذي طبقه على مرضاه. ليأتي البراديغم المعرفي بقيادة جون بياجيه الذي جاء بمفاهيم جديدة لعلم النفس (كالادراك,والتصنيف النوعي ...) كما اشتهر بنظريته في تطور الذكاء ,وساهم في خلق فرع جديد هو علم النفس المعرفي الذي حقق نتائج علمية كبيرة في السنوات الاخيرة نتيجة استفادته من علوم مثل النورولوجيا والبيولوجيا واللسانيات...
الألسونية كما ابتكرها جاك لاكان ـ ليليان فنسلبر ـ ترجمة نورالدين بوخصيبي
تقديم: في هذه المقالة تعرض ليليان فينسلبر، و هي كاتبة و محللة نفسانية، الخطوات الأولى في طريق تعامل جاك لاكان مع لسانيات صوسير، و ابتكاره مصطلحا جديدا هو مصطلح "الألسونية" يتناسب مع التحويل أو القلب الذي قام به للإشكالية اللسانية الصوسيرية ضمن حقل التحليل النفسي. و لعل أهم ما يحسب للكاتبة فنسلبر هنا هو تتبعها للخطوات الأولى هذه لجاك لاكان انطلاقا من مواجهة استعاراته الأولى حول علاقة الدال بالمدلول باستعارت دي صوسير، مزيحة بذلك الكثير من الغموض بشأن العلاقة الملتبسة للمفكر و المحلل النفسي الشهير باللسانيات.
تجدر الإشارة إلى أن النص مقتطف من الموقع الجميل و الممتع للكاتبة فنسلبر( أنظر الرابط)، بتزكية منها، و بوعد قطعته لنا على أن تنشر قريبا تتمة لمقالتها هذه (المترجم)
التعصب ـ حميد بن خيبش
في كتابه (الهوية و العنف) يستعرض الفيلسوف الهندي " أمارتيا صن" تجربة مريرة مع التعصب الذي يضيق بهوية الآخر ومعتقده .فيحكي عن مشاهد الذبح المروعة التي رافقت أحداث الشغب بين الهندوس و المسلمين في أربعينات القرن الماضي ,و الذهول الذي اعتراه وهو يُتابع الاقتتال بين فئتين وحدهما الانتماءُ الطبقي وفرقتهما الهويةُ الدينية . وفي معرض تحليله لبواعث التعصب يكشف الكاتب النقاب عن تورط النظريات و الفلسفات الحديثة في تغذية الشعوربالاستعلاء من خلال الزج بالناس في صناديق هوية انفرادية ,و النظر للكائن البشري لا باعتباره شخصا متعدد الهويات , وإنما في الغالب كعضو في جماعة ذات هوية فريدة ," وهو ما يشطب بجرة قلم الأهمية البالغة التأثير لتآلفـاتنا ومشاركاتنا المتنوعة و الشعبية " (1) .
الضحك ـ ذ.حميد بن خيبش
لماذا نضحك ؟
ومن أين يستمد الإنسان قدرته على مواصلة الضحك في عالم تتزايد فيه الضغوط وبواعث الاكتئاب؟
هل يمكن لهذا التعبير الإنساني البسيط , و الذي يسبق كل مفردات اللغة أن يستثير الاهتمام و يكون مناط تساؤل و بحث ؟
إنه مجرد متعة , هكذا يتبادر للذهن لأول وهلة , أو رد فعل طبيعي إزاء موقف يتسم بالغرابة أو الخلل في التصرف المنطقي السليم ! لكن البحث حول ماهيته يكشف لنا قدم الانشغال الفلسفي بظاهرة يعدها فرويد " أرقى الإنجازات النفسية للإنسان" !
مفاهيم بياجية ـ البوعيادي محمد
تعايش في نسيج المُنجمعات التقليدية أشكال متفاوتة و مختلفة من التصورات التربوية التي تجعل الطفل\التلميذ محور العملية التعليمية، و هي تصورات تنهل من علوم إنسانية محددة، على رأسها السوسيولوجيا و السيكولوجيا خصوصا ...و في هذا الخط تندرج نظرية النمو المعرفي التي أولت اهتماما كبيرا للبنيات الذهنية التي تحكم عمليات التكيف و الاستيعاب و التي تؤثث عمليات التعلم ، حيث تتجاوز هذه النظرية منجزات التجريبيين و السلوكيين الذين حصروا مفهوم التعلم في فعل ميكانيكي يرتبط إما باستجابات لمؤثرات خارجية أو بخضوع لعوامل التجربة و التطبيق، و يتمثل هذا التجاوز في زاوية النظر إلى مجموعة من المفاهيم التي تركن إليها البيداغوجيا قديمها و حديثها، و هي مفاهيم : التربية،الذكاء، اللعب، التنشئة، التعلم ...
و يشكل تمثل علم نفس النمو(النماء)المعرفي لهذه المفاهيم الأساسية مرجعا و منهلا لعلم التربية الحديثة و للمدرسة الجديدة التي وضع أسسها مجموعة من علماء النفس الألمان و الفرنسيين على رأسهم بياجيه، فكيف يتجاوز علم نفس النمو المعرفي التمثلات القديمة لمفاهيم المدرسة التقليدية؟ ، و كيف تفيد البيداغوجيا من تمثلاثه؟
سنعرض هنا لأهم تمثلاث جان بياجيه للمفاهيم النفسية الأساسية التي تستفيد منها علوم التربية الحديثة ، و ذلك من خلال الاعتماد على الفصل الأخير من كتابه " سيكولوجيا و بيداغوجيا".
عن الغيرة ـ محمد البوعيادي
الإنسان كائن غيور بطبعه ، و لنا في هذا الشعور المر \الجميل تحققا آخر لإرادة الحياة بما هي تعني التوغل في الدنيوية و في حب الحياة و عيش لحظاتها بكليتها و جزئياتها ارتباطا بالآخر و تعلقا به، و شعور الغيرة منوط بالحب و معتلق به ، أي أنه مرتبط بأسمى المشاعر و أرق ما يحصل للقلب، فالحب باعث من بواعث الغيرة و هو أقواها لا شك لكنه ليس الوحيد، للغيرة بواعث عدة و طبائع مختلفة ، و قصص شتى في تراثنا الأدبي و الفقهي تكشف عن هذه البواعث ، و للمرء أن يجول في دهاليز التراث الأدبي على وجه الاختصاص ليكتشف زخم النصوص بخصوص الحب و مشاعره، فالجدود شُغلوا أيما شغل بالحب و الجنس و بما دار في فلكهما من مشاعر، و هم صنفوا في ذلك تصانيف شتى، لكن الدولة "المعاصرة" و بفعل توجهات معينة أفرزت لنا منظومات ثقافية مصكوكة تحجب هذا التراث و لا تظهر منه إلا جوانب مختارة لعلمها بثقل التراث و بأهميته عند المسلم ، و عموما لن يكون الهم هنا مرتبطا بتحليل واقع الغيرة في الفترة المعاصرة بل سنحاول الكشف عن تمظهرات هذه الغيرة في التراث الأدبي و الفقهي أساسا، و تجدر الإشارة في هذا المقام إلى أن الكلام عن الغيرة في مصنفات القدماء لم يكن مباشرا بل جاء مشتتا في أضعاف ما كتب عن الحب بشكل عام فكان علينا أن نستقي الشذرات و نتتبعها في بعض هذه المصنفات ، و قبل أن نخوض الكلام في الغيرة لا بأس بأن نحيط بمفهومها لفظا و معنى.
مشاعر ربــّان القارب الحجري - مــزوارمحمد سعيد
الإنسان، مخلوق يذرف الدمع حينا، و يرسم الابتسامة أحيانا أخرى، و هذا لا ينقص من إنسانيته شيء، بل على العكس، يزيد من شاعريته المفرطة، و المتخذة من القلب و الجوارح فرقة موسيقية، مكتملة الأعضاء و التجهيزات، عازفة بذلك أجمل و أعذب المقاطع، أين تتجلى أبهى صور امتزاج المادة بالمشاعر، و أين يجد البشري نقطة يلاقي بطرفيها الشهوة بالعقلانية، فيضبط المسار، و يغرد في ساحة السمو و الآصال.
من الواضح تماما أنّ المشاعر كيان مميّز لدراسة قيمة ألفة الجسد من الداخل، على شرط أن ندرسه كوحدة و بكل اتجاهاته و مؤثراته، إضافة إلى تأثيراته. و أن نسعى إلى دمج كل القيم بالقيمة الأسمى، التي تمثل الوحدة الأساسية.
الإحساس هو ركننا في العالم، إنه كما قيل مرارا، "كوننا الأوّل"، كون حقيقيّ بكل ما تحمله الكلمة من معنى. فلو درسنا بدايات الإحساس كظواهر عاطفية، فإنها سوف تعطينا الدليل الملموس لقيم الجسد المسكون، للأنا الذي يغلف الأنا و يحميه.
إنّ الشعور و لو من طرف واحد بالطمأنينة للطرف الثاني، هو من أهمّ العوامل التي تدمج أفكار و ذكريات و أحلام الإنسانية. و مبدأ هذا الدمج و أساسه هو أحلام اليقظة.
في حياة الإنسان تأثر على الإحساس عوامل المفاجأة، و تخلق الاستمرارية، و لهذا فبدون المشاعر يصبح الإنسان كائنا مفتتا. إنه الإحساس من يحفظه عبر عواصف الضياع و أهوال الـزوال.
توركويزا ـ مــزوار محمد سعيد
إن من جوانب القدر أن جعل الإنسان كائنا ذا إحساس يثور و يهدئ، يضحك و يبكي، يرتقي بأناه روحا إلى درجات من جهة، و ينزلها دركات من جهة أخرى.
و هذا كله خاضع لعامل مهم جدا، ألا و هو الوقت و الغرينتا المتمركزة في قلب كل إنسان، و تحرك خيوط مشاعره لتصنع منه ذاتا تغلف جوهرا يتصل في الكثير من الأحيان بروافد. تلك التي تضايق البشر في لحظات معينة، وفق ظروف متنوعة بتنوع المواقف و المؤثرات. لذا بكل اختصار ما هي الذات؟ ولماذا و بماذا تتأثر سلبا أو إيجابا؟
إن الذات البشرية عبارة عن نهر متقلب المزاج، قد يكون هادئا شتاء، و متدفقا صيفا، أو العكس. و هذا تحت سيطرة العوامل المؤثرة عليه، و المستقلة عنه، بتوجيه من الحاسم الذي يمثله الوقت و الزمن.
و عليه فإن الذات البشرية، و وفق بنياتها المائعة و المتحولة. قد تأخذ أشكالا لا بأس بها في نفس الوقت المستنسخ، عبر مدة الأيام. و هي الباقية في إطار نفس القالب البيولوجي أو الهيكلي الذي لا يتغيّر كثيرا، إلا على عتبة الكبر أو الهرم الذي لا دواء له.