ــ التعريف بالكاتب : هو الدكتور مخلص السبتي، أستاذ فلسفة التاريخ ومستقبل الحضارة بجامعة الحسن الثاني ، حاصل على دكتوراه الدولة في الفكر الإسلامي والحضارة من جامعة محمد الأول بوجدة سنة 2002م ، كاتب ومحاضر داخل المغرب وخارجه ومهتم بقضايا الفكر الإسلامي ، وخبير وطني في تقييم الدورات التدريبية .
ــ التعريف بالكتاب :
كتاب " الدين والتاريخ ومتطلبات المستقبل " متوسط الحجم يضم 296 صفحة، طبعته الأولى صدرت سنة 2020م عن دار العالمية للكتاب بالدار البيضاء المملكة المغربية. يضم الكتاب مقدمة وبابين وخاتمة، الباب الأول يندرج تحته أربعة فصول والثاني ستة.
ــ قراءة في مفاهيم الكتاب الأساسية :
1ـ الدين : الدين بالنسبة للكاتب هو أحكام و قوانين الله عز وجل في الوجود، ولا يكون الدين دينا حتى يكون قطعي الثبوت والدلالة واردا بصفة الرسالة والتأبيد وأن يكون مقدورا عليه غير معجز الناس ، أما ما كان ظنيا في ثبوته أو دلالته أو ما كان بغير صفة التأبيد فهو داخل في حيز التدين ، ص 149 /150
2ـ التاريخ : ضبط المؤلف مصطلح " التاريخ "في ثلاثة مفاهيم أساسية ، وهي السياق الذي تجري ضمنه الوقائع والأحداث، وأحيانا يراد بالتاريخ تلك الوقائع نفسها، وهذا معنى أضيق للتاريخ، وأحيانا يراد بالتاريخ الكليات العامة التي تحكم تلك الأحداث والسنن والقوانين التي بمعرفتها تتحقق المعرفة بالتاريخ ، وهذا هو الفهم الأعمق للتاريخ بالنسبة للكاتب. ص 11/12
3ـ المستقبل : أما لفظ المستقبل في الكتاب فهو يحيل إلى النهضة المنشودة والتطور المطلوب ، وهما مشروطان بدعم حقيقي ومستمر للبحث العلمي ، وفهم عميق لحركة التاريخ وقوانينه ، وبناء الجسور بين العلوم الإنسانية مع بعضها وبينها وبين سائر أنماط التدين الاجتماعي . ص 17
قراءة في مضامين الكتاب :
بداية لا بد أن أقر بأنني لا أزعم من خلال هذه القراءة المتواضعة في كتاب " الدين والتاريخ ومتطلبات المستقبل " للدكتور مخلص السبتي أني سأضع يدي على جوهر رسالة الكتاب وكنه مشروعه الفكري، ولكنها محاولة مدفوعة بأمل وسعي مني لتقريب هذا الكتاب النفيس للقراء ولإثراء النقاش الفكري حول أهم قضاياه وأفكاره، وهي محاولة يدفعها الأمل بقدر ما يصدها الخوف ويكتنفها التوجس من اختزال عمق الكتاب في أبعاد سطحية لم يجعلها الكاتب صلب اهتماماته. حذف
كانت قضايا التجديد والإصلاح ، والنظر في قوانين وسنن التقدم ، والتفريق بين الثابت والمتغير ، وبين الكليات والجزئيات ، وبين الأصول والفروع ،كان ذلك دوما من صلب اهتمامات المؤلف في كتاباته ومحاضراته ، وهذا الكتاب تعبير عن هذا السعي الحثيث للخروج من الأزمة الفكرية التي يعتبرها أس كل الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تعاني منها الأمة والإنسانية جمعاء .
يطرح الكاتب في مشروعه العلمي عدة قضايا في منتهى الراهنية ، من قبيل شروط التقدم وأسباب التخلف وكيفية استثمار القوانين والسنن لصالح الإنسانية جمعاء. ويمكن اعتبار سؤال كيف وبماذا يحصل التقدم والنهوض هو هاجس المؤلف ، ومن هنا ، فقد تضمن الكتاب بابين، عنون الكاتب الباب الأول ب " نحو تفسير تداولي للتاريخ، وتحدث في فصله الأول عن مسار التاريخ بين أصحاب التفسير الخطي - الذي اصطلح عليه مسار النهايات - ويضم كلا من كانط وهيغل وماركس وكونت وفوكوياما، وأصحاب التفسير الدوري الذي يضم كلا من ابن خلدون واشبنجلر وتوينبي ، وطور الكاتب تفسيرا خاصا به سماه مسار التداول، والتداول عنده لا يعني حركة التناقض المستمر بين الأفكار إلى حين الوصول إلى الروح المطلقة كما هو الحال عند هيغل ، ولا يعني الصراع الاقتصادي المستمر بين الطبقات كما هو الحال عند أصحاب التفسير المادي ، وإنما يقصد به التطور المتصاعد حيث تراكم البشرية من خلاله التجارب والخبرات بالشكل الذي يمكن توظيفه لسعادتها كما لشقائها.
يأتي بعد فهم قانون التداول، قانون التثاقف وهو التقليد المستبصر والواعي للآخر، ويتحقق بالأخذ ببصيرة مع تنسيق الوارد مع الأصيل وارتباطه به ارتباطا وظيفيا خادما ص 63 وعملية التثاقف هذه تتطلب ثلاث مراحل أولها الاستيعاب ثم التنسيق ثم الدمج ، وقد تواجه هذه العملية عقبات كالبعد عن مناطق الاختلاف والاكتفاء بالموروث أو غياب موجبات الاختلاف نتيجة للركود الاجتماعي أو الثقافي .. ومن دوافع هذا التثاقف انتشار الحريات والتعددية السياسية والثقافية وتعميق الأبحاث العلمية.
ـ قانون التدافع: يطرح الكاتب في دراسته لهذا القانون قضية مفادها أن فهم أسباب الصراع والتفريق بين الضار والنافع منها يسمح بتوظيفه لتحقيق الخير ونفع الغير، وأسباب الصراع إما اختلاف الأفهام وتضارب المصالح وهذا ضروري للتقدم. وإما التناقض في الفكر والمادة ـ وإما الرغبة في الكرامة والتقدير وإشباع رغبة الاحترام ... ويرى أن الرغبة المعنوية أكثر دافعية من المادية، فما ينفق على السمعة و الرياء وحظوظ النفس أكثر مما ينفق على الكساء والدواء .
وفرق بين صراع موضوعي وآخر ذاتي، وعلامات الأول :
ـ 1 التأجيل والإرجاء
ـ 2 التجاوز والإلغاء.
وعلامات الثاني:
ـ 1 الانتصار للمذهب أو الحزب
ـ 2 افتعال إشكالات غير مطروحة .
ثم خرج الكاتب بقانون مفاده أن الصراع الأول سبب للتماسك والثاني سبب للتفكك .
إن التقدم والنهوض عند الكاتب لا يتحقق إلا بإدراك قانون آخر وهو قانون النص والتنزيل، ولذلك عرض الكاتب لتضخم المقدس في التجربة المسيحية وبعض أمثلته ، ثم تضخم المقدس في التجربة الإسلامية ، وصولا إلى القانون الذي بفهمه وتفعيله يمكن تجاوز مختلف أشكال الصراعات الدينية والمذهبية ، وهو التفريق بين المقدس والإنساني وفق آليات استطرد في بيانها .
أما الباب الثاني فقد عنونه بعنوان التاريخ ومتطلبات المستقبل ، وتضمن فصله الأول الحديث عن مقاربة تاريخية في البحث عن المشترك. وفي الفصل الثاني واقع الفكر الانقسامي في العالم العربي وفي الثالث عن مستقبل الثقافة بين الخصوصية والطرح العالمي والرابع عن مقتضيات التراث ومتطلبات المستقبل والخامس عن الثابت والمتغير في الدين والحياة والسادس عن الإسلام والغرب وإمكانات التثاقف.
أماط الكاتب اللثام أيضا عن كثير من الأمور التي تعيق التقدم، وبحث في الأرضيات المشتركة بين الفكرين الإسلامي والعلماني، وأكد أن فهم العلمانية يكون بفهم الواقع الذي أنتجها ، مؤكدا أنه كثيرا ما عانت العلمانية بدورها من إطلاقية حرمتها من إمكانات النمو والتطور ، فأضحت تفرض شكلا من أشكال القداسة ، وإن بمصطلحات ومفاهيم مدنية ، مؤكدا أن بداية المفهوم في السياق الغربي قد رتبط بالصراع ضد الكهنوت لكي يختزل في بعض المناطق بالصراع مع الدين .
وحاصل الأمر أن العلمانية اتجاه فلسفي وآلية إجرائية تقوم على :
ـ1 عدم تدخل الكنيسة في الدولة والعلم والمجتمع .
ـ 2 نزع القداسة والإطلاقية عن تصرفات وأقوال رجال الدولة .
ـ 3 رفض تولي الدولة فرض الدين على الناس بالقوة .
ـ 4 استبعاد السلطة الدينية عن مجال التربية والتعليم .
وما دامت فكرة العلمانية في السياق العربي فكرة وافدة كان من المفترض أن تمر من رحلة الاستيعاب ثم التنسيق ثم الدمج، لكن مرحلة التنسيق شاء لها أن تكون مرحلة الأدلجة وهي المرحلة التي تم فيها إخراج العلمانية عن غاياتها ومساراتها لكي تستخدم في مناهضة الدين ، وسعيا لتصحيح مسارها أكد أن الصراع ليس قائما بين الدين والعلمانية بل بين الكهنوت والعلمانية ، وبين الدين نفسه والكهنوت.
في أصول الإنفصالية :
إن واقع الفكر الانقسامي في العالم العربي كامن في غياب البحث عن أسباب التواصل وتكوين الأرضية المشتركة بدل منطق الإقصاء والتهميش ـ ذلك أنه في الفكر العلماني ما يوافق الإسلامي وفي الفكر الصوفي ما يوافق الاشتراكي .. والوقوف على أرضية مشتركة متوقف على معرفة أسباب الانقسام وهي عند الكاتب: أسباب سياسية ترجع إلى طبيعة المسار الحزبي والتعصب له ، واجتماعية تتأثر بالنزعة القبلية وتواصلية بصدام المفاهيم وسوء تحديدها، وخارجية بدعم الفكر الانقسامي وأخلاقية بضياع البوصلة وفقد المعنى والوجهة.
أما شروط تجاوز هذه الانقسامات فحددها في :
1 ـ الانطلاق من القيم الكلية المشتركة
2 ـ الفاعلية السلمية
4 ـ الوعي بالسياقات التاريخية والمحلية
5 ـ التركيب وفق الحاجات الواقعية
6 ـ التحرر من التسميات والمشاحات الاصطلاحية في الألفاظ وتقرير المعاني أولا .
وفي الفصل الثالث عرض تصورا لمستقبل الثقافة بين الخصوصية والطرح العالمي: وفيه ذكر مآلات الصراع الثقافي بحسب التفسير التداولي للتاريخ وعرض سيناريوهين اثنين وهما : الاستمرار والتغيير .
1ـ الاستمرار في المزيد من تفكيك العالم الإسلامي وبناء عليه يتراجع إمكان التثاقف الداخلي ويتوغل الصراع الطائفي والمذهبي وصراع الحكام والشعوب وهو صراع مرشح للاستمرار لأسباب كثيرة. أنظر ص 210
2 ـ التغيير ويتطلب مزيدا من استيعاب تجارب الماضي ومعرفة العدو المشترك والوعي بالمشاكل الكبرى، كما يؤكد على محاربة الأمية باعتبارها من العوائق الأساسية للتقدم. . ص 214
وختاما ، يرى المؤلف إن التعامل مع التاريخ والتحرر من اثقاله وأوزاره يبدأ من الانطلاق من الكليات العامة الحاكمة للدين والتاريخ ، والحاكمة أيضا لمظاهر الطبيعة والحياة ، من دون ذلك يغرق الناس في جزئيات الدين والمذهب والعرق والقبيلة فيجدون أنفسهم يعاودون السقوط كلما بدت بوادر النهوض .