الملخص
شهدت بدايات القرن الحادي والعشرين، تقدماً هائلاً في مجال تكنولوجيا المعلومات، وحولت الوسائل التكنولوجية الحديثة العالم الى قرية كونية صغيرة. وانعكس هذا التطور في مجالات متنوعة كالتعليم؛ فظهرت أنماط وصيغ جديدة للتعليم ومنها الجامعات الافتراضية، التى انتشرت فى العديد من دول العالم، وحققت العديد من الإنجازات، وفى هذا المقال عرض لنشأة الجامعة الافتراضية، وخصائصها، وتطورها، ومجموعة من المقترحات حول كيفية تبنى تلك الصيغة فى التعليم الجامعى العربى.
* * *
حتى سنوات قليلـة, لـم تكن مصطلحات الجامعة الافتراضية (Virtual University)، وجامعة الإنترنت (Online University) وغيرها شائعة في أوساط التعليم الجامعي والعالي، ولكنها ظاهرة حديثة تزامنت مع التنامي المتسارع في إمكانات تقنية المعلومات والاتصال خصوصاً تقنية الإنترنت وتطبيقاتها في أواسط وأواخر التسعينات الميلادية في القرن الماضي.
وتعرف الجامعة الافتراضية على إنها مؤسسة تُقدم خدمة تعليمية غير مباشرة تُلبِّي حاجات متعلمين ذوي رغبة في تعليم يُحاكي ما تقدمه الجامعات التقليدية،أولئك المتعلمون لم تتح لهم فُرصُ الالتحاق بها؛ نتيجة ظروفهم الحياتية، وتستند هذه الخدمة الافتراضية على التعلم الإليكتروني عن بُعد خلال بنية تكنولوجية متقدمة تُبَثُّ عبر الانترنتOnline مُتخَطِّية حدود المكان و الزمان ، يحدث التفاعل والتحاور بين المتعلمين و المعلم، وبين المتعلمين أنفسهم وقتما شاءوا وحيثما كانوا.
وبدأت الجامعات الافتراضية فى الظهور في جامعة نيويورك بكلية افتراضية واحدة من كليات الجامعة، وكانت تجربة مشجعة جداً مما حدا بالعديد من مؤسسات التعليم العالي إلى خوض التجربة نفسها.وفي أوائل عام2000 صدر تقرير يوضح أن هناك أكثر من300 مؤسسة متخصصة مكرسة للتدريب عبر الاتصال المباشر في الولايات المتحدة وحدها Online Training .
ونمو الجامعات الافتراضية ليس ظاهرة مقتصرة على الولايات المتحدة الأمريكية، ففي عام 1998م تأسست جامعة كوريا الافتراضية Virtual University Korean كصيغة من صيغ إصلاح التعليم العالي ، وبعد ثلاث سنوات بلغ عدد البرامج التي تقدمها نحو (66) برنامجًا تعليميًا لنيل شهادة بكالوريوس ، استفاد منها زهاء 14,550طالبٍ. كما قدمت جامعة سول الافتراضية Seoul National University Virtual Campus (SNU) حوالي عشرين مقررًا إليكترونيًا كما أنشأت كندا الحرم الجامعي افتراضي المكون من (11) جامعة يُقدم فيها ما يزيد على 350 درجة علمية، و2500مقررًا إليكترونيًا يَخدم ما يزيد عن100,000 طالبٍ .
كما حدث نمو هائل في مبادرات التعليم الجامعي الافتراضي، ففى عام2002م درس أكثر من (350.000) طالب في الولايات المتحدة من خلال تعلم جامعي افتراضي بالكامل للحصول على درجات علمية ،وقامت الجامعات المرموقة كجامعة هارفارد (Harvard) بتقديم برامج أكاديمية افتراضية ، وحققت حوالي (150) مليون دولار من عائدات برنامج التعليم عن بعد الذي يخدم حوالي (60.000) طالب وطالبة متفرغين جزئياً؛ ومن جهـة أخـرى, أسس الاتحـاد الأوروبي خطـة إلكترونيـة بعنـوان "جامعات القرن الحادي والعشرين", وهي عبارة عن ائتلاف جامعات أوروبية لنقل التعليم الجامعي إلى الطلاب في أسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية رصد لها (13.3) بليون دولار.
وقد ساعد على انتشار الجامعات الافتراضية عالميًا وجود العديد من العوامل يتمثل أبرزها فى:
• زيادة الطلب على التعليم العالي, فقد أشار البنك الدولي إلى أن حوالي (150) مليون شخص سيحتاجون تعليماً جامعياً في العام 2025م.
• التطور الهائل في إمكانات تقنية الإنترنت الذي فتح أبواب التعليم العالي إلى جمهور جديد ومتنوع, وشجع الجامعات على تأسيس أسواق جديدة في مواقع جغرافية بعيدة، وقدرت مؤسسة البيانات الدوليةIWS أعداد مستخدمى الانترنت عالميًا فى 30 يونيه 2014 بحوالى ثلاث مليارات فرد.
• رغبة العديد من الدول توسيع فرص التعليم الجامعي وتحسين جودة التعليم وتقليل التكلفة.
ولحاقًا بركب التطور التعليمي سعت بعض الدول العربية للاستفادة من التعليم الإليكتروني عن بُعد ؛ أنشأت سوريا، وتونس والمغرب الجامعة الافتراضية ،كما أنشأت المملكة العربية السعودية عمادات التعلم عن بُعد ، والمركز الوطني للتعليم الإليكتروني، وبدأت الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ببث دروسها عبر الجامعة الافتراضية -مقرها في ماليزيا- لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها ،ودعم تعليمها في منطقة جنوب شرق آسيا.
وتبين الدراسات أن الجامعة الافتراضية تحقق المزايا الآتية :
1. الإتاحة Accessibility :أي إن المتعلم يستطيع الالتحاق بالجامعة الافتراضية من أي مكان في العالم دون قيود روتين الجامعات التقليدية 0
2. المرونة Flexibility : فالمتعلم لا يتقيد بزمان التفاعل والتواجد في بيئة التعلم ، فهو مَنْ يُحدد متى و أين يتفاعل مع بيئة التعلم الافتراضية التي تلبي احتياجاته وتشبع رغباته0
3. المعايشةpresence و الاستغراق Immersion.
4. التفاعل Interaction :إن استخدام الإنترنت في التعلم والتدريس يوفِّر البيئة المثلى للتعلم من حيث توفير التفاعل المطلوب للتواصل من خلال برامج الدردشة (messenger) بالبريد الإلكتروني الذي كان يضمن التفاعل الصوتي والمكتوب. كما أنها تدعم المعلمين في جعل التعلم أسرع وأسهل فالمتعلم فاعل نشط وليس سلبيًا0
5. التكلفة أقل في العديد من أوجه الإنفاق عن التعليم التقليدي وخفض التكاليف غير المباشرة مثل:انعدام تكاليف المدينة الجامعية لسكن الطلاب، وانعدام نفقات سفر ، وانعدام إشغالات فيزيقية لمباني التعليم الجامعي ، بالإضافة إلى ندرة نفقات المواد المطبوعة فالمقررات تقدم في صورة إليكترونية تفاعلية وهي أكثر تشويقًا.
6. الاستيعاب :لا حدود لاستيعاب الجامعة الافتراضية فى حين أن التعليم الجامعي تحدد نِسب استيعابه وفقًا لإمكاناته .
7. التعامل مع الحواس المتعددة : إن المعايشة والاستغراق والتفاعل تعد نتيجة حتمية لكون هذا النوع من التعليم يخاطب حواس المتعلم كافة، وهذا ما يفتقده التعليم التقليدي .
ويمكن القول بالحاجة لتبنى مثل تلك الصيغة ونشرها فى التعليم الجامعى العربى للتغلب على كثير من المعوقات والمشكلات التى يعانى منها، وذلك بحسبانها، واحدة من أبرز نماذج التعليم الجامعى عن بعد، وما تحققه من مزايا وفوائد وتلبية للطلب الاجتماعى المتزايد على التعليم الجامعى، ولكن يجب أن يسبق ذلك كله الإعداد الجيد وتهيئة المتطلبات الأساسية لنجاحها، ونشر الوعى بأهميتها للتغلب على المقاومة وتوفير البيئة التكنولوجية التى تسهم فى نجاحها، فمجرد نقل تلك الصيغة لا يضمن نجاحها، ولكن الأهم هو إعداد السياق المناسب لتبنيها والإفادة منها، وفى نفس الوقت يجب دراسة جدوى إنشاء تلك الجامعات ونماذجها، لتحقيق أقصى فائدة مرجوة منها. وعليه فإن هناك حاجة إلى :
• تشجيع جامعات التعلم المفتوح والتعليم عن بعد التقليدية على التحول إلى جامعات افتراضية تستخدم الشبكة العنكبوتية بشكل كامل أو مدعماً بوسائط أخرى.
• تفعيل الشراكة بين الجامعات العربية والقطاع الخاص لتقديم برامج افتراضية بهدف مقابلة حاجات هذه القطاع ودعم الاقتصاد الوطني.
• دراسة تجارب جامعات افتراضية عالمية معتمدة وناجحة لاستخلاص الدروس والتوصيات المطلوبة لمبادرات التعليم الجامعي الافتراضي.
• دراسة التجربتين السورية والتونسية في التعليم الجامعي الافتراضي كونهما مبادرتين رائدتين.
• دراسة مدى جودة التعلم الجامعي الافتراضي.
• دراسة مدى رضا الطلاب وهيئات التدريس في الجامعات الافتراضية.
المراجع
- البنك الدولي (2003). بناء مجتمعات المعرفة تحديات جديدة تواجه التعليم العالي، القاهرة: مطبوعات الشرق الأوسط0
- الخناق ، سناء كمال الدين (2010) هندسة المعرفة و دورها في التعليم الافتراضي ، مجلة الباحث العدد (7) كلية العلوم الاقتصادية، جامعة قاصدي مرباح ورقـلة http://rcweb.luedld.net/art.htm
- الدهشان،جمال (2007) الجامعة الافتراضيـة أحد الأنماط الجديدة في التعليم الجامعي، ورقة عمل مقدمة إلى المؤتمر القومي الرابع عشر لمركز تطوير التعليم الجامعي"أفاق جديدة في التعليم الجامعي العربي في الفترة من25ـ 26نوفمبر2007بدار الضيافة بجامعة عين شمس، (ص - ص 1-46)0
- الزهراء،فاطمة (2006) دور التعليم الإليكتروني في تطوير التعليم عن بعد ،المجلة الإليكترونية، العدد الثاني ،كلية التربية جامعة المنصورة، www.emag,man.edu.eg
- الصالح، بدر عبد الله (2006م).التعلم عن بعد: إشكالية النموذج. المؤتمر الدولي للتعلم عن بعد. مسقط/سلطنة عمان.
- جورج ، دميان ،جورجيت (2008) الجامعة الافتراضية مدخل لمواجهة الطلب الاجتماعي على التعليم الجامعي "رؤية تربوية معاصرة، المؤتمر العلمي السنوي السادس عشر - التعليم من بعد في الوطن العربي-مصر:ص ص 314 - 386.
- خليل،نبيل سعد(2008). المنظومة التعليمية بين التقليدية والافتراضية،المؤتمر العلمى السنوى السادس عشر - التعليم من بعد في الوطن العربى - مصر .
- موسوعة ويكيبديا (2015) ، http://www.wikipedia.org
- Alhabshi, S. O. & Hakim, Hasnan (2003). University Tun Abdel Razak (UNITAR). In: S. D,Antoni: The Virtual University: Models & Messages, Lessons from Case Studies UNESCO: International Institute for Educational Panning. (http://www.unesco.org/iiep/virtualuniversity/home.php)
- Anstine, J.&Skidmore, M. (2005). A small sample study of traditional and online courses with sample selection adjustment. Journal of Economic Education. Vol. 36(2), 107-128.
- Canadian Virtual University (2005). Frequently Asked Questions (http://www.cuv-uvc.ca/faqs.htm).
EduSpecs (2004). A Canadian Virtual University: Options for Media and Approaches for an online National Learning Network. (http://www.eduspecs.cal/pub/e-learningresources/doc_virtualuniversity/pagc_03.html). Retrieved: 25/3/2005
Epper, R. M. & Garn, M. (2004). Virtual Universities: Real Possibilities. Educause Review, Vol. 39(2), 28-39.