يقترح الباحثون مجموعة من المفاهيم نستطيع من خلالها الربط بين تعاريف المصطلحات والمجال البيداغوجي الذي تتأسس عليه كل مقاربة للتقويم التكويني تستهدف إشراك المتعلم بجعله فاعلا في سيرورة التقويم . "فالمعارف الموجودة بمجال معطى تنتظم وتصطف انطلاقا من رصيد اصطلاحي يغطي مجموع المفاهيم المرتبطة" (1) . لذلك كان الوعي بهذه المقاربة يقتضي التحكم بالرصيد الاصطلاحي والفهم الجيد له والتوظيف المفاهيمي الخاص بالمقاربة . من هنا ركزنا على أهم المصطلحات التي بدت لنا ضرورية لتعميق فهمنا ووعينا بهذه المقاربة:
1ـ التقويم الذاتي (L’Auto-évaluation):
يراد به تقويم العمل الذي أنجزه المتعلم و الذي يقوم بمراقبة نفسه - طيلة مراحل الفعل - وإلى أي حد يتوافق إنتاجه مع مواصفات الإنتاج ، انطلاقا من نظام داخلي يقوده المتعلم نفسه أثناء فعله . حيث يقارن "التصميم المتبع بالتصميم المقترح ، المنتوج المحصل عليه بالصورة الأولية (L’image Intiale) للمنتوج ، العمليات المنجزة بالأفكار التي ترسم طريقة الفعل بكل عملية . إنه نشاط تعديلي ذاتي يتوقف نجاحه على مدى تماسك النموذج الداخلي للمقوّم والجهاز التقويمي الموظف"(2).
وينبغي التشديد على أن هناك فرقا بين المراقبة الذاتية والتصحيح الذاتي ، ففي الأولى يظهر المتعلم مدى توافق عمله مع المعايير الموضحة له طيلة مراحل الفعل ، بينما في التصحيح الذاتي يكون المتعلم مطالبا بمراقبة ما إذا أعطى الإجابات الصحيحة.
2 ـ قاعدة التوجيه (Base d’orientation):
مجموع التوجيهات والتعليمات والأدوات التي يوظفها المتعلم أثناء الإنجاز الفعلي للمهمة ، فمن أجل بناء قاعدة التوجيه ينبغي بداية التعرف على مختلف أنواع المشاكل التي يمكن مواجهتها (كتابة قصة، تحليل نص، بناء حوار، إنجاز تقرير...الخ) ، حيث يمكن تخيل نوع المنتوج وطبيعة الفعل الذي يفترضه مع الإجراءات التي تمكن من إنجازه. كما يستلزم بناء القاعدة، التوظيف الأداتي لمجموع المعارف المساعدة على إنجاز المهمة (تخيل تتمة لحكاية انطلاقا من الخطاطة السردية) . مع تحليل شروط التحقق والإنجاز انطلاقا من تحديد الثابت والمتغير الخاص بكل مهمة (تحويل نص شعري إلى نص نثري ليس هو تحويل نص شعري بعينه إلى نص نثري).
ويرى كالبيرين (Galpérine) أن قاعدة التوجيه العقلية (Rationnelle) "تسمح بنقل الإستراتيجيات المبنية لإنجاح مهمة ما شريطة امتلاك المتعلم لمعايير الإنجاز والتحقق التي تشكل متغيرات كل مهمة . من هنا ، يمكن أن نقول أن التقويم هو أداة للتعلم"(3).
3 ـ خريطة الدراسة Carte d’étude
تمثل تصميما للمهمة المطلوب إنجازها، وترجمة فعلية لتمرين تركيبي انطلاقا من قاعدة التوجيه . تبين الطريقة التي يتصور بها المتعلم العمل ، وينظم سيرورة توظيف المعارف والمهارات المنتقاة . يمكن للمدرس مطالبة المتعلمين بتقديم خريطة الدراسة شريطة الالتزام بالخطوات التالية والمرتبطة بقاعدة التوجيه :
-" تحديد نوعية العمل المطلوب.
- تحديد الهدف من المهمة بتعيين المكتسبات المراد التحقق منها.
- كتابة الشروط الخارجية للإنجاز: المدة، عمل فردي أو جماعي...
- كتابة الشروط الداخلية للإنجاز: الموارد الموظفة، المعايير، الإجراءات...
- الممارسة المنتظمة للتقويم الذاتي بدفع المتعلم إلى تحديد الفارق بين الإنتاج والمنتوج المنتظر"(4).
4 ـ معايير التقويم ((Critères d’évaluation:
تعتبر المعايير أدوات مميزة لمعرفة صفات إنجاز المتعلم ، يتم تحديدها عند صياغة الكفاية أو الوضعية المشكلة . ولعل الإشكالية الأساسية التي تواجه المدرس ، هو كيفية جعل هذه الأدوات فاعلة في بناء التعلمات ، مادام الحديث عن "التقويم التكويني يعني أن المعايير ليست فقط أدوات للمراقبة بل فاعل تركيبي ينتمي إلى مجال المعارف الآداتية التي تسمح بإنجاح المهمة"(5) . ويمكن تقسيم المعايير إلى مجموعتين أساسيتين:
-" معايير التحقق أو المعايير الإجرائية.
- معايير النجاح"(6).
تحدد معايير التحقق الأفعال الملموسة المنتظرة من المتعلم والخاصة بكل مهمة من المهام ، مع العلم أن هناك ستة عوامل ينبغي أخذها بعين الاعتبار عند صكّ معايير التحقق:
-" الهدف البعيد المدى الذي نستحسنه.
- هدف التعلم الآني.
- نوعية المهام.
- النموذج الديداكتيكي المعتمد والمحدد لطبيعة المهمة وإجراءاتها.
- شروط التحقق التي تفرض تراتبية على مستوى المعايير.
- قيمنا الخاصة والتي – برأي Bonniol- تعكس إجاباتنا اليومية بخصوص الأسئلة الثلاثة الآتية : ما الصواب ؟ ما الجميل ؟ ما الحسن ؟ "(7).
إن تعيين القيم الأخيرة يؤثر في تراتبية الأهداف والمعايير، فحين أحدد مثلا تنمية الذوق الجمالي لدى المتعلم كهدف بعيد المدى ، فإن الجميل - آنذاك - يهيمن على قيمتي الحسن والصواب.
أما معايير النجاح فتخص نتائج العمليات وعتبات النجاح على أن تتسم بالصفات الآتية:
الملاءمة: مدى توافق جواب المتعلم مع الأسئلة المطروحة.
الانسجام: كل الأجوبة المنتظرة موجودة.
الدقة: انعدام الأخطاء.
الإتقان: جدة المنتوج ، يبدع المتعلم في أفكاره وفي المفردات التي يستعملها.
5 ـ الكفاية (compétence)/القدرة(capacité) :
إن دلالة المصطلحين من وجهة نظر كارديني (Jean Gardinet) تظل غير ثابتة حتى على المستوى العلمي ، وبالعودة إلى الدلائل المرجعية يدل مصطلح قدرة على مقولات الفعل (تواصل ، إقناع ، اختيار...).
فالقدرة تعني مجموع "العمليات المعرفية الشاملة Opérations cognitive globales "(8) كعمليتي التحليل والتركيب المستثمرتين خلال إنجاز مهمة ما.
بينما تعني الكفاية "القدرة على التصرف الفعال أمام فئة من الوضعيات ، التي يمكن التحكم فيها نظرا لامتلاك المعارف اللازمة وفي الوقت نفسه القدرة على تعبئتها بدراية وروية ، وفي الوقت المناسب ، وذلك لتحديد وحل مشاكل حقيقية "(9).
1 -- Georgette Nunziati : (pour construire un dispositif d’évaluation Formatrice). Cahiers pédagogiques N°280-Janvier 1990 - ص: 53.
2 - المرجع نفسه ص: 54.
3 - المرجع نفسه ص: 54.
4 -المرجع نفسه ص: 54.
5 -المرجع نفسه ص: 55.
6 -المرجع نفسه ص: 55.
7 -المرجع نفسه ص: 56.
8 -المرجع نفسه ص: 55.
9 -Philippe Perrenoud: Invie pédagogique, N°112 : Septembre-octobre 1999,(page :17).