ا- تجربة الوحدة
من منا لا تأتيه لحظات ينقطع فيها عن الناس وعن العالم ويلوذ إلى أعماق حميميته باحثا عن مأوى امن وعن هواء نقي يبعث روح الوجود بحيث يعيد ترتيب حساباته ويراجع مدونته ومفكرته ويستنفر هممه لمواصلة المسير. فالبعض قد تستهويه تلك الحياة الهادئة وتصبح قدرا واختيارا، حصل ذلك مع العديد ممن سجلهم التاريخ وفي مجالات متعددة، أدبية وفلسفية وفنية، منهم من اعتبرها مكتوبا شان أبي العلاء المعري، ومنهم من وجد فيها لحظة للتطهير والتأمل وتحقيق الصفاء الذهني كما هو حال بعض الفلاسفة أمثال جون جاك روسو أو هايدغر في أواخر حياته. لذلك امتدح البعض تجربة الوحدة واعتبرها اختيارا إراديا وفلسفة في الحياة وتجربة خاصة لا تتأتى إلا لمن امتلك شروطا خاصة لأنها ليست في متناول عامة الناس فهي تحتاج إلى تربية خاصة وترويض للجسد حتى يمكنه التحرر من مختلف المتعلقات التي تفرضها الحياة اليومية وإكراهاتها، وانعتاق من سلطة العادة ومن الارتهان لتحديات اللحظي والعابر.
كما يمكن اعتبار تجربة الوحدة حالة ملازمة للإنسان وظاهرة تخترق المجتمعات بحيث يلاحظ حضورها في حياتنا الراهنة كظاهرة مزامنة للتحولات الكمية والكيفية التي راكمها الإنسان، وتختلف مظاهرها وأشكالها باختلاف المجتمعات وباختلاف التحولات التي عرفتها ديناميكية تلك المجتمعات. فكلما تكسرت البنيات التقليدية للأسرة ولأنماط المعيش إلا وارتفعت حدة الشعور بتلك الحالة وتفاقمت أشكال العزلة كما هو الحال في المدن الكبيرة، أو في المجتمعات الغربية حيث افرز المجتمع الصناعي أنماط معيش تقوم على الفردانية وعلى ترسيم الحدود في العلاقات الإنسانية وعلى مستوى تدبير اليومي. فالإنسان رغم انه يقضي يومه في حضرة الناس بينهم ومعهم وينسج علاقات متعددة إلا انه يظل يحس بوجود جدار بين عالمه وعالمهم وان الحياة مع الآخرين تشكل في الغالب تهديدا لخصوصيته وتتحول إلى جحيم لا يطاق. ولعل اغرب مفارقة تستدعي التوقف هو الكيفية التي يتفاقم فيها قلق الوحدة وتجربتها في ظل الانجازات التي تحققت في عالم الاتصال والتواصل مع الطفرة التقنية وما واكبها من اختزال للزمان والمكان ومن تغيير في خارطة جغرافية الكون،إذ يقر الجميع بان العالم قد تحول إلى قرية صغيرة وأصبح الإنسان يعيش في عوالم افتراضية ويقيم علاقات كونية تتجاوز بنية العائلة وحدود الوطن وتتجاوز كل الأعراف والانتماءات القبلية والدينية والثقافية. مع ذلك لانزال نسمع من يتحدث عن العزلة والوحدة وعن أمراض التوحد وعن حالات من الاضطرابات الناتجة عنها كالانفصام والانحراف والشذوذ والغربة والاغتراب. فكيف يمكن حل تلك المفارقة؟ هل تعبرعن اختلالات في أنماط المعيش وفي المنظومة القيمية والفلسفية التي تؤسس وتوجه الحياة الراهنة؟ أم تعبر عن حالة انتقال حرجة وعسيرة تمر بها البشرية وتؤشر على انتقال من نمط حياة تقليدي يقوم على منظومة قيمية تقليدية مشدودة إلى مفاهيم حول الإنسان وحول الحياة وحول العلاقة مع الأخر، لا تأخذ بعين الاعتبار وتيرة الطفرات الخطيرة والمنعطفات التي تحصل في عالم الفكر والتقنية وانعكاساتها المباشرة على الحياة، والتي تحصل بكيفية متسارعة ولا يواكبها جهد تنظيري على مستوي الفكر وفلسفة الحياة، وبيداغوجي على مستوى التربية وبناء الإنسان، وجهد وإرادة سياستين على مستوى التقعيد والتدبير وفعالية اقتصادية على مستوى استثمار الطاقات والموارد وتفعيلها وتجديدها لتجاوز مختلف أشكال الهشاشة.
ألا يمكن للمجتمعات "الثالثية" التي تتكرس فيها تلك الاختلالات بشكل فاحش أن تعيش مظاهر من العزلة والانحرافات أعمق واخطر عن غيرها من الشعوب الأخرى؟ على عكس ما تدعي الغالبية العظمى بأننا مجتمعات لا تزال تحكمها أواصر الرابطة الأسرية والاجتماعية وبان الدين يشكل سندها وعروتها الوثقى والعاصم من التفرقة والقواصم. لان المؤشرات الواقعية تؤكد عكس ذلك وتكشف على أن مظاهر العزلة والاغتراب والوحدة تتفاقم بين مختلف الفئات في مجتمعنا. ليس الغرض من هذه المحاولة مساءلة واقع العزلة والوحدة كشكل من العلاقة مع الآخر والحفر في جذور تلك الظاهرة، والإمساك بشروطها ومحدداتها وتجلياتها، وإنما نحاول الاقتراب منها كما تجلت في الكثير من الأعمال الأدبية، بحكم أنها ما تلبث تتمظهر في أعمال فلسفية رائعة مثل رسالة ابن طفيل "حي بن يقظان"، او في التأملات الفلسفية لجون جاك روسو، سواء التربوية في "إيميل أو في التربية"، أو في اعترافاته و تأملاته "أحلام مسافر وحيد" أو "هكذا تكلم زرادشت" لنتشه. كما تشكلت تجربة الوحدة في أعمال فنية رائعة "كمغامرات روبنسون كريزوي" لدانييل ديفوي سنة 1917، هذا الأخير الذي تمخض عنه نمط خاص في الكتابة الأدبية دفع البعض إلى الحديث عما يمكن نعته ب "الروبنسيات" نسبة إلى روبنسون كريزوي .
وتجلى أيضا في أعمال سينمائية متعددة مثل شريط "الطفل المتوحش" للمخرج الفرنسي، فرنسوا تيفو1970، الذي حاول فيه تناول إشكالية العلاقة مع الآخر في مختلف أبعادها النفسية والتربوية والفلسفية والسياسية وما يطبعها من توتر وصراع وتجاذبات. ويندرج عمل ميشيل تورنييه في نفس السياق، إذ يحاول صاحبه تناول تجربة الوحدة من منظوره الخاص مستلهما التجارب السابقة، معيدا صقلها بأسلوبه الخاص وانطلاقا من تجربته الحياتية والأدبية.
هل ثمة دواعي لإعادة تقديم عمل أدبي يبدو متداولا ولا يعد الخوض فيه بأفق جديد؟ ألا يمثل مجاله ورشة لاختبار أسلوبي وفني يسعف الكاتب أكثر من اقتحام جغرافية أرض جديدة؟ قد يعزى ذلك من جهة إلى توفر متن أدبي غني يمكن النهل منه والارتكاز عليه، ومن جهة ثانية تكمن في راهنية سؤال الوجود في العالم وعلاقة الإنسان بالكون وبالآخرين والتي تمثل محور الوجود واصل كل علاقة، وما ينتج عن تلك العلاقة من أنماط وكيفيات في المعيش.
إذا تبث ذلك هل في إمكان المقاربة الأدبية أن تكشف عن أسرار تلك العلاقة بكيفية أعمق مما تراهن عليه المقاربات الفلسفية والعلمية حول تلك العلاقة عموما وتجربة الوحدة بشكل خاص؟. أخذا بعين الاعتباران صاحب العمل قد جمع بين المنظور الفلسفي( كان تلميذا لعالم الانتربولوجيا الشهير ليفي ستراوس) والحس الأدبي. من مواليد 1924، بعد دراسته للفلسفة انفتح على عالم الأدب والكتابة الصحفية، كما اهتم بالفن التصويري، له مؤلفات عديدة تتوجت بعدة جوائز من أهمها حصوله على دكتوراه فخرية من جامعة لندن...ويعيش الآن في مدينة صغيرة بالجنوب الشرقي تبعد بسبعين كيلومترا عن العاصمة الفرنسية باريس تتميز بجمال طبيعتها وبهدوئها .
ب- في الحاجة إلى الآخر
لنتأمل المقطع التالي المقتبس من رواية "ميشيل تورنييه" Michel Tournier " الجمعة أو مآسي/أقاصي المحيط الهادي"، والذي اختاره الكاتب نفسه لمساءلة تجربة الوحدة والعلاقة مع الآخر:
لا تمثل تجربة الوحدة التي وجدتني مستغرقا فيها منذ غرق السفينة "لافرجينيla virginie" وضعية قارة. انه وسط مقفر يدمرني تدريجيا وبدون هوادة وبكل ما يحمله من معنى تدميري. في اليوم الأول وجدتني أتراوح بين شكلين متخيلين كلية من المجتمعات الإنسانية: طاقم السفينة المفقود وساكنة الجزيرة والتي اعتقدتها لا محالة مأهولة. لا تزال حرارة لقاءاتي برفاق السفينة تعمني وأنا أتابع في مخيلتي الحوار الذي انقطع بسبب العاصفة. تبين لي فيما بعد أنها جزيرة مقفرة، وأنا أتوغل في مكان بدون روح ولكنه ينبض حياة. ومن ورائي يتوارى رفاقي البؤساء وسط الظلام. بينما صوتي بدأ يخفت ويتعب من شدة المناجاة فان أصواتهم قد انطفأت منذ مدة طويلة. منذ ذلك الحين وأنا أتابع برهبة مثيرة صيرورة افتقاد إنسانيتي والتي أحسست بأنها مهمة جد شاقة . أدرك الآن أن كل إنسان يحمل بداخله أو على عاتقه عبئا هشا ومركبا من العادات والإجابات وردود الأفعال، من الميكانيزمات والانشغالات، من الأحلام والإلزامات التي تكونت ولا تزال في التشكل من خلال اللمسات المستمرة لبني جنسه. محروم من طعم الحياة، تلك النفحة الرقيقة والتي ما فتئت تذبل وتتلاشى. يمثل الآخر الحلقة الأساس من عالمي... في كل يوم أقيس ما أدين به للآخر مع الأخذ بالحسبان كل الاعتبارات المستجدة والتي تشكل صرحي الشخصي. اعرف ما يتهددني بفقد المقدرة على الكلام، لذا فان قلقي هذا جعلني أقاوم بشراسة تلك السقطة الأخيرة. كما أن علاقاتي نفسها بالأشياء افتقدت عفويتها نتيجة وحدتي. عندما يقحم فنان في لوحته أو نحات على هامش معلمته شخصيات فليس ذلك مجرد شغف بالإكسسوارات لأنها(الشخصيات) تضفي أفقا والاهم من ذلك تشكل نقط ارتكاز لرؤى ممكنة والتي تضيف إلى النقطة الواقعية للراصد معالم أساسية وضرورية.
في "سبرنزا Speranza " لا يوجد إلا منظور واحد، منظوري أنا، وهو متجرد من كل معيارية، ولم تحصل تلك التجردية بين عشية وضحاها. في البدء وبسبب باعث لاشعوري كنت أضع مراقبين افتراضيين لتخوم مملكتي على قمم الهضاب وخلف تلك الصخرة أو بين أغصان تلك الشجرة. هكذا صارت الجزيرة مسيجة بحقل من تداخل الأقطاب وتخارجها والذي يجعلها متميزة ويضفي عليها المعقولية. وذلك ما يصنعه كل إنسان سوي في وضعية سوية. لم اخذ في الوعي بهذه الوظيفة شانها شان وظائف أخرى إلا بعدما بدأت في التلاشي والضياع مني. واليوم أصبحت حقيقة. إن خط رؤيتي ينعكس على ذاته وكل ما لم تبصره عيناي هو بالنسبة لي مجهول مطلق... في كل مكان وحيث لا أوجد الآن يخيم ظلام يستحيل اختراقه...
اعرف الان ان الارض التي تطأها قدماي ولكي لا تهتزتحتاج لاخرين مثلي كي يعمروها. لمواجهة وهم الرؤية( الخداع) والسراب والهلوسة، احلام اليقظة والاستيهام، الهذيان واضطرابات السماع... ملاذنا الامن من كل ذلك هو اخونا، جارنا، صديقنا او عدونا، المهم احدا ما اعظم، آلهة، أحد ما.
Vendredi ou les limbes du Pacifique, collection Folio, ةd. Gallimard, 1972, pp. 53-55
ج- في البدء كانت العلاقة
ينقلنا النص في رحلة عبر متاهات الصمت الناطق الذي يجعل الموجودات تنكشف في عفويتها وتلقائيتها ويملا صداه ارجاء الجزيرة المقفرة ويبعث فيها روح الحياة، انه يشبه النور الذي يخترق المكنونات ويجليها، قبل ان تطا قدما روبنسون الجزيرة كانت لغة ابدية وخرساء وحينما فتح عليها عينيه صارت تنبض حياة وترقص حروفا، انها تشبه لحظة الولادة التي تخلق حدثيتها واحتفاليتها. رغم ان لحظة النهاية قد اعلنت الانقطاع عن الحبل السري وعن عالم الحياة الذي الفه روبنسون وعن انس رفاق طاقم السفينة فانها تعلن عن ولادة جديدة وعن حياة جديدة وعن رحلة جديدة، وترحال في عالم غريب لم يخطر بباله ولم يتخيله ، بمثابة عالم بدون خرائط عليه ان يشق فيه طريقه بنفسه ويعيد ترسيم حدوده ويخلق كائناته ويسميها ويحدد مهامها ويشرع قوانين لتدبير مملكته . قد تبدو مهمة سهلة الا انها جد مستحيلة لن ينهض بها الا اله يمتلك سلطة مطلقة على التسمية وعلى الفعل، او كائنات خارقة تسري فيها روح الكون وتتناغم فيها كل لغات العالم. تراه(روبنسون كريزوي) سينجح في مهمته تلك ؟
ذلك ما تهمس به حروف نص الكاتب من خلال هذا المقطع والذي لا يغني القارئ عن الترحال الى عالم روايته العجائبي والرومانسي الحالم لعيش تفاصيل تلك الرحلة والمكوت في احضان صورها واقتناص التماعتها ودلالالتها الفلسفية. لكي يستانف روبنسون رحلته يقتضي الحسم بين عالمه الاول والتخلص من ارثه ، من لغته وعالمه الرمزي او على الاقل استحضاره واستلهامه في رحلته الجديدة كمؤنس ورافد يمده بالحياة ويتكئ عليه في رحلته. ذلك ماحصل مع روبنسون لقد ظل يمد حبله ويرقص بين عالمين ، بين طاقم السفينة الحاضر الغائب والناطق الاصم، وعالم الجزيرة الغائب الحاضروالاخرس الهامس. كلما تعب من مناجاة رفاقه في عتمة اللامبالاة، يستيقظ فجاة على صوت الجزيرة وكائناتها وافقها الذي تلفه الغرابة وما يفتأ يجذبه باستمرار. بمن يضحي بعالمه الانساني وبرفاق السفينة الذي اصبح وقعا وقدرا ام بواقع الجزيرة الذي اضحى واقعا وافقا، فالاول لا يحيل فقط على افتقاد من نحب وعلى الحرمان من حضن ومن الفة وصحبة بل يؤشر عند روبنسون على ماساة حقيقية تكاد تكون والموت واحدا او هي الموت نفسه. أن تجرد الانسان وتحرمه من علاقته بالاخر معناه ان تجرده من مقوماته الانسانية وتحكم عليه بالهلاك والعدم . فالواحد منا يستمد لغته من الاخرين ونظرته للاشياء وللعالم ومعرفته بالموضوعات من علاقته بالاخر. فلا معنى لاحاسيس الحزن او الفرح الابوجود الاخر الشبيه او المختلف،فانا ارى احلامي في عيون الاخرين وفي تطلعاتهم. انه بمثابة مراة حقيقية للذات وللوجود، لذلك لم يسعى روبنسون الى قطع ذلك الحبل لانه يرى عمق المتاهة التي يتسبب فيها ويعتبرها اصعب تحدي يواجهه في مغامرته او ولادته التانية في حضن ارض جديدة وغريبة.
يشكل الاخر اذا روح الوجود وطعم الحياة ومتكا وسندا سيتشبث به روبنسون للمحافظة على انسانيته ولاقتحام عالم الجزيرة. لم يتنبه الى هذا الدين الذي ندين به للاخر في كل شئ الا بعد حال الغياب وغرق رفاقه في المجهول، وبقي صداهم يتردد في بواطنه، مما جعله ينفجرفي اعماقه ويتفجر امام عالم الجزيرة. ما كان ليدرك حضور الاخر واثره بدون حادث الغرق والذي قد يرمز الى غياب واختفاء الاخر او لنقل بعبارة اوجز الى الموت والذي يحمل في عمقه رسالة حياة وولادة وانبعاث" في كل يوم اقيس ما ادين به للاخر" ،" اعرف ما يتهددني بفقد المقدرة على الكلام"، و" عندما يقحم فنان في لوحته أو نحات على هامش معلمته شخصيات فليس ذلك مجرد شغف بالإكسسوارات لأنها(الشخصيات) تضفي أفقا والاهم من ذلك تشكل نقط ارتكاز لرؤى ممكنة والتي تضيف إلى النقطة الواقعية للراصد معالم أساسية وضرورية". هكذا مضى روبنسون يضفي على جزيرته روحه الإنسانية وحولها إلى مملكته الخاصة سماها( فكلمة "سبرنزا "speranza " تدل على الأمل الذي لم يفارق روبنسون طيلة رحلته وتواجده بالجزيرة أملا في معانقة العالم الإنساني وفي اللقاء بالآخر وحضوره) وسيجها ووضع معالم خريطتها وشرع قوانين عادلة لتدبيرها وتنظيم العلاقات بين كائناتها تحافظ على التناغم والانسجام ، قسم العمل وحدد الأدوار ووزعها، تلك في نظره تعتبر مهمة إنسانية، وأقل ما يمكن أن " يصنعه إنسان سوي وفي وضعية سوية".
يسلط الكاتب الضوء على الصورة المقابلة والمعكوسة للعلاقة مع الآخر حينما تتحول إلى انكفاء على الذات فإنها تتحول إلى عطالة وقوة تدميرية للذات وللعالم وللآخرين ويخيم الظلام على الكون والكائنات، " إن خط رؤيتي ينعكس على ذاته وكل ما لم تبصره عيناي هو بالنسبة لي مجهول مطلق... في كل مكان وحيث لا أوجد الآن يخيم ظلام يستحيل اختراقه..." إن العلاقة مع الآخر وحضوره تشبهان النور الذي يجعل الأشياء تنكشف والعيون تبصر والمشاعر تنجلي والفكر يستبين، وان حالات الهمجية والعماء والاضطراب والهلوسة تنتج حتما عن خلل وارتجاج والتباس في تلك العلاقة وأساسها، وان حضوره في كل الأحوال بمثابة ضرورة ويستحيل الاستغناء عنه بل أهم من الهواء والماء، "اعرف الان ان الارض التي تطأها قدماي ولكي لا تهتزتحتاج لاخرين مثلي كي يعمروها. لمواجهة وهم الخداع والسراب والهلوسة، احلام اليقظة والاستيهام، الهذيان واضطرابات السماع... ملاذنا الامن من كل ذلك هو اخونا، جارنا، صديقنا او عدونا، المهم احدا ما اعظم، آلهة، أحد ما".