معروض للبيع، فمن يشتري؟
وطن عمره آلاف السنين، كتبت فيه أول أبجدية، في قلبه بنيت حضارة صحرواية، أعمدة طويلة، مسارح رومانية قديمة، أسواق عريقة رائعة، مدفن أول نبي.
بحرٌ جميل، جبل شامخ، أنهار طويلة، وسهول خيرة.
وطن قدماه سومريتان، قلبه عربي، ورأسه تائه بين الأمم.
فقد نصف أرضه في صراع الأمم، ينتظر ضياع النصف الآخر في فتنة الأهل.
من يشتري وطنا؟
غلبه التنافر والتناقض، كفرت به الأديان، و جننته الأفكار، وثملت عينيه القوميات.
من يشتري وطنا؟
أرضه غنية بالنفط، وبحره يطفو على الغاز، وشعبه جائع، ضائع.
فيه ألف قبيلة، ولا يوجد فيه مواطن واحد.
حدوده الرماح المتصارعة، والدماء المسفوكة.
من يشتري وطنا؟
باع أبناءه في سوق نخاسة الأمم، وعرضوه هم في ذات السوق، من يشتري أولا، من يبيع أخيرا؟
من يشتري وطنا؟
أهم وثيقة فيه جواز السفر، كأنه صك غفران من ذنب الإقامة القاتل على أرضه.
من يشتري وطنا؟
بسعر الكلفة، قابل للمساومة.
من يشتري وطنا؟
تستيقظ فيه على صوت نائحة، وتنام فيه على قهر مقيم.
من يشتري وطنا؟
بيعه صار ضرورة، وتصفيته قضية عاجلة فهي حل لكل مشكلاته.
من يشتري وطنا؟
شهداؤه عالة عليه، قتلته مكرمون.
من يشتري وطنا؟
يحلم أبناؤه بحلم السفر الوحيد، البقاء فيه ضرب من الموت غير المعلن، والعودة إليه كابوس دائم.
من يشتري وطنا؟
يصلح أن يكون جنة، ولكنه الآن جحيم أرضي.
من يشتري وطني؟
ليس فيه إلا علة واحدة، أنه حزين، بل هو الحزن ذاته،
من يملك ثمنا لوطني فليشتريه بفيء السنديان، ورائحة الريحان، بصباغ الزعفران، وأرواح الأحبة.
من يبدلني عنه بوردة، وظل دافئ يجمع أشتات أهله من بقاع الدنيا، وأشلاء شهدائه في باطن الأرض.
