يقول انطون تشيكوف أحد ألمع آبائها الروحيين بأن القصة القصيرة كذبة متفق عليها ضمنيا بين القاص/الكاتب والمتلقي/القارئ، لكن هذه الكذبة ليست من نوع الأكاذيب العادية التي تعرفها الحياة اليومية، ويتقن الجميع إبداعها وحبكها، بل هي كذبة يضاهي صدقها وسموها ربما الحقيقة ذاتها، باعتبار أن الفن الذي هو لحمتها هو التجسيد الأسمى للحقيقة، والرئة التي بها تتنفس، كلما تكاثف الزيف والكذب والخداع، حيث يؤكد تشيكوف على ان الفن لا يطيق الكذب،وان الانسان يستطيع ان يكذب في الحب والسياسة والطب وان يخدع الناس كلما أراد، الا انه لا يستطيع أن يلجأ الى الخداع في الفن.
وقد أكد نفس الكلام أحد النقاد الانجليز حين قال بان الحقيقة شقيقتها الكبرى الحكاية.
ان الكذبة/الحكاية التي تسمى اصطلاحا القصة القصيرة تحولت من كونها "مصنعا للأكاذيب" الى كونها "مصنعا للحقائق" وأصبحت كما يقول "نجيب العوفي" احدى أهم نوابض عصرنا واحدى اكثر ظواهرنا الثقافية شفافية وحساسية، وذلك منذ أن وضع لها "ادكار الان بو" القواعد النظرية الأولى كجنس أدبي يساوق ويسابق اعرق الأجناس الأدبية وأرقاها، وفي العالم العربي اصبحت القصة القصيرة ومنذ بداية هذا القرن، آية على التململ الوطني/القومي وعلى السيرورة الاجتماعية التاريخية، ومؤشرا ثقافيا بالغ الدلالة على ما يسمى "النهضة" او "المعاصرة" او "الحداثة".
هكذا اصبحت هذه الكذبة الفنية الصغيرة كما يوضح الأستاذ العوفي أداة لهتك الأكاذيب الكبيرة التي تخنق الضمير،وتعرية هذا السكوت عنه الذي هو الحقيقة.
يقول القاص والروائي المغربي "محمد زفزاف" عندما يفقد القاص الصلة بينه وبين ما حوله يشعر أنه منفي ويتحول انطباعه من مجرد انطباع الى موقف من العالم، لذلك كانت القصة العربية هي في أغلبها قصة مثقفين، لا قصة مليون عربي.