" لم يحدث يوما ، ان تمتعت ،ايها الرجل الصغير ، بسعادتك في حرية ، لذلك فانك تلتهمها بجشع .لم تتعلم قط ان تعتني بسعادتك كما يفعل البستاني بوروده ." ( ويليام رايش ، خطاب الى الرجل الصغير )
مفهوم السعادة بالنسبة لاغلبية المغاربة ، مفهوم هلامي فنتاسمي ، لا يصلح الحديث حوله سوى كترف فكري او شطحة نخبوية . انه اشاعة ، فلقداكتسبوا في صيرورة حياتهم البئيسة كفاية التعاسة .فشبه الحياة التي يشاهدونها تمر امامهم ، هي نسخة متكررة من لحظات يعيشونها في تطبيع غريب مع التعاسة . لقد خضعوا بكل مازوشية ، لمصاصي الدماء بمختلف انواعهم : الاقتصاديين والسياسيين و الفكريين و العاطفيين . لقد افهموهم ان التعاسة حق طبيعي ، وان " السعادة " إشاعة كالعيش الكريم و العقل المتنور و الجسم الجميل . لقد تم تحويلهم الى هياكل عظمية جسدا وعاطفة و فكرا .
المغاربة لم يتجاوزوا مرحلة الحاجيات البيولوجية حسب " هرم ما سلو" ،و لم يحن الوقت بعد كل هذه السنوات من التواجد البئيس، ان يتخطوا حاجيات الماكل والمشرب و حاجات البقاء الضرورية . لقد مسخوا الحقوق ليحولوها الى احلام : عمل ولو بمدخول بئيس ، زوج(ة)،قبر الدنيا. من كثرة سباحتهم في مستنقعات البؤس و القهر ، حولوا العالم الشاسع الى فضاء ضيق من الروتين القاتل، في سبيل انتاج واعادة انتاج ، التعاسة والهدر. لقد تكالب عليهم الاسياد الجدد ليجعلوا منهم اموات احياء وبقايا بشر : فالاسياد الجدد ساديون في متعهم ، يمصون كل ماهو جميل في هذه الحياة ليتركوا بدون ندم اوسخ ما يوجد في هذه البلاد للعبيد الجدد من عيشة قذرة وفكر متخلف و بدن مريض و معذب و جميع انواع المكبوتات .
المؤسسون للولايات المتحدة الامريكية، وضعوا ثلاث حقوق اساسية لا يمكن التفريط فيها وهي : الحق في الحياة ، الحق في الحرية ، والحق في السعي نحو السعادة . في المغرب، استبدلت الفئات الحاكمة هذه الحقوق بثلاثي القهر : الحق في الموت الوجودي ، الحق في العبودية المختارة ، والحق الاكبر في التعاسة . هذا الثلاثي إمتزج ،عبر تدجين مباشر وغير مباشر، بوعي زائف يستعمل كميكانيزم دفاعي نفساني ثقافي لايجاد توازن وهمي لوجود مقهور . فصنع من الفرد المغربي، وحشا مفترسا لكل من يحاول ان يغير واقعه و عبدا مطيعا لخفافيش الاستبداد والفساد و التخلف و متاجري الاديان .
مختلف المؤشرات المرتبطة بالسعادة ترتب المغرب في المؤخرة : الرفاه ، السعادة ، الاضطرابات النفسي ، الصحة ، الدخل ، الحرية ...، حتى اصبح مصابا بفوبيا المؤخرات . اليست المؤخرة وجها ثانيا للفرد؟ اليس الخوف منها هو في حد ذاته رعاب من مواجهة كل الخواء الداخلي " المزوق " بالفضائل ،"فنحن نعاقب اشد العقاب من طرف فضائلنا"( نيتشه ، ماوراء الخير والشر). الطهرانية المزيفة هي في حقيقتها غطاء متسخ ساكن لنظافة ذاتية حقيقية تعج حياة و نشاطا ،" يمكن للاشمئزازمن الوسخ ان يصل حد منع النظافة عن انفسنا" ( نيتشه ، نفس المرجع). الم يحن الوقت لاعلان جنازة المؤخرات ؟
التزييف الذاتي يمارس فعله على ثلاث اشياء اساسية للوجود السعيد وهي: العمل ، الحب ، المعرفة . فعلاقة المغربي بالعمل هي علاقة استلاب واضطرار بدل ان تكون علاقة تمتع و اختيار ( هذا ان وجد العمل اصلا و مدى تحقيقه للعيش الكريم ) . اما الحب فانه في نظر المغربي اما ضعفا او عهارة او اغتصاب للفحولة ؛ فهو يعبر قليلا عن الحب وان عبر ، فيتم ذلك بخشونة او حياء ، وان احب فيمكن ان يحول هذا الشعور الجميل الى منتوج خرافي (سحر ) او ممارسة ذاعرة محرمة .كما ان اغلب الاسر المكونة هي نتيجة للقاء مريضين بفوبيا العنوسة ، او هروب من حرمان جنسي و مراقبة اجتماعية. علاقة المغربي بالمعرفة هي الاكثر لبسا و فقرا ، فالمعرفة وتملك العالم فكريا و ملكة روح النقد والاكتشاف و تجويد الحياة واحترام العلم و اعتماده كثقافة هي خارج الاهتمام و التقدير و الفضول . فالمغربي يتحين الفرص لللشماته بالعلم والمعرفة ، وليس صدفة ان يطلق كلمة "المثقف " على العاجز جنسيا ،ويتجه للمشعودين في مواجهة مشاكله .
المغاربة هم ضحايا وجلادين في نفس الوقت : ضحايا انظمة استبدادية عصاباتية ، وجلادين لذاتهم عبر كفايات الخنوع و العبودية الذين تربوا عليها و والتي يجتهدون في الابداع في اعادة انتاجها. وبالتالي فهم مسؤولون عن تعاستهم ، فالسعادة تبتدأ بتحمل المسؤولية الذاتية وتبني مغامرة التغيير و تكره الجبناء والعبيد .
على قبر كزنتزاكيس ، مؤلف الرواية الرائعة زوربا اليوناني ، كتبت الجملة التالية :" لا اطمع في شيء ....لا اخاف من شيء...انا حر " و هي جملة يجب ان تكتب بسكين حاد على جبين كل مغربي .