لكل حقيقة معنى في عصرها تنتشر لتأخذ أبعادها الكاملة في الوعي و السلوك الإنساني مهما تراكم عليها الزمن , فالأبعاد الخفية لمسائل موضوعة للتداول والتطبيق مرتبطة بمظاهر الحياة في واقعها الفاعل ضمن تأثيرات من الآراء والمقترحات الإنسانية , فكل منظومة مرتبطة بوعيها الخاص ومتأثرة بمضمونها التفاعلي , ومجمل الأبحاث والمقترحات والتأويلات تتبع وجودها كظاهرة في متناول الوعي والممارسة مدرجة لتأمين واقع مرتبط بمضمونها مؤسس ضمن منظومة بشرية ناهضة بواقع تاريخي يعطيها القدرة والإمكانية لأن تكون رائدة في تعميم مضمونها على الواقع البشري .
واقع اتصف بظهور تجربة معينة وضعت كاحتمال أساسي لإنقاذ العالم من ارتباطه بالمشاكل العامة والعالقة في بنيته السياسية والاجتماعية وغيرها يمكن أن تكون معيقة لنموه وتغيير مضمونه , وتزايد العجز المتراكم في بنيته الناشئة عن نمطية إيديولوجية أخذت بالتراجع أمام فكر انقلب على مضمونها نظراً لعدم مواكبتها لمسائل الوجود المتغيرة والأساسية , فالحلول القادرة على إحداث نقلة نوعية غير قابلة للتراجع ضمن بنية اجتماعية واقتصادية متوافقة مع مضمونها , فالمشروع السياسي القائم على إحداث وجود مرتبط به كأرضية قابلة للتراكم والبناء عليها يمكن أن يزيد الوعي المتفاعل معها بشكل تجديدي ويهجر وعي محدد بنظريات مسبقة الصنع مجهزة لتغطية نظام الوعي بمضمنها السياسي يمكن أن يرافقه واقع مضاد يعمل لإفشال هذه المضامين ويمنع جريانها من تعميق مجراه لأن وجوده الفاعل من خلال تأثيره يمكن أن يهدد البناء القادر لإنشاء دولة بمفاهيم متطورة ومبنية لتأمين استمرارها الحيوي في الوجود دولة تبتعد في وجودها عن ارتباطها بمنظومة فكرية أو مؤثرات شخصية تؤطر الدولة في علاقة معها أو تنشئ دولة بناء على مقياس الشخصية الخاص بما يهدد زوال ال
دولة بزوال الشخصية المرتبطة بها عندها يقوم المجتمع على تهديم نفسه ,
وعندما تعمل الدولة على حبس العقل ضمن أطار ما وصلت إليه وما تحلم به يظهر الواقع السياسي ضمن مظهر إيديولوجي حالم بتحقيق مقولاته الغائية في مدى بعيد جداً ويبقى المهم التمحور والتمسك بهذه المقولات , وعندما تتصف المقولات بعدم قدرتها على تحقيق أهدافها السياسية يبدأ الفكر بالهجرة من برامجها المضللة للوعي ويبدأ الواقع بالتأزم وتزايد النقائض في بنيته فالحركة الشعبية تنحرف وتهتز المعتقدات السياسية لتصبح أقوال غوغائية مضللة للوعي فتنعدم القراءة الرائدة لحركة المجتمع التفاعلية ويتراجع النضال عن المطالبة بإجراء تغييرات تتفق مع مطالب الناس وإرادتهم , عندها تظهر المؤسسات المرتبطة بالشعب وكأنها قائمة لمنعة من تحقيق أحلامه في بناء دولة تتفق مع تطلعاته الحقيقية .
ومن خلال قراءة معمقة لمقولة الديمقراطية نجدها تمر بثلاث مستويات مؤثرة في البناء العالمي والأنظمة الاجتماعية المختلفة بطريقة بنائها السياسي .
المستوى الأول : مستوى عالمي تفاعلي بين جميع الدول على اختلاف أنظمتها السياسية والاقتصادية , يمكن أن يظهر من خلال مسائل تهم الوجود البشري
(كبرامج التسلح النووي والمنتدى الاقتصادي العالمي ومؤتمر الحد من التلوث البيئي والأوبئة البشرية الخطيرة وغيرها من المسائل المدرجة في لائحة الاهتمام بالمسائل الأكثر خطورة على الوضع العالمي)
تظهر الديمقراطية كقضية تفاعلية بين الدول وبطريقة انتقائية حسب قوة الدول وقدرتها في طريقة الإسهام في صنع القرارات الدولية بما يتفق مع مصالح الدول الأقوى ويمكن الارتقاء أحياناً من خلال التوجيه للوصول بالمسائل الحيوية إلى مستوى المسؤولية في تحقيق التوافق بين الآراء لتأمين موقف موجه لخدمة القضايا الحساسة ,
والديمقراطية في واقع التعارض الدولي غير مؤهلة لأن تكون قوة فاعلة تؤسس عليها البرامج والمهام الدولية الأساسية , فالدولة المهيمنة والقوية تفرض برامجها أو تتنصل من أي برامج مطروحة على أرضية التطبيق العملي . فالعالم أجمع لم يستطع إلزام الولايات المتحدة الأمريكية من الانضمام لاتفاقية الحد من انبعاث الغازات المؤدية للاحتباس الحراري , فالديمقراطية العالمية غير قادرة على توجيه الدول وفق مسارات تتفق مع المصالح البشرية وهذا ما يؤثر على الواقع الديمقراطي الداخلي لبنية هذه الدول , فالعقل البشري لايوافق على تجزئة المفاهيم التي تتعرض لمواقف وأراء متضاربة تجاه مسائل الوجود الإنساني , لأن طريقة توظيف المفاهيم الموضوعة لإحداث تغيرات حقيقية في بنية الأنظمة المختلفة المعادية للطريقة الديمقراطية في إدارة هذه الأنظمة وغيرها من الأنظمة المدارة بالطريقة الديمقراطية المتفق عليها كنظام لم تصل لحد وقاية هذه الأنظمة من التفكك والانهيار .
فالتعامل الديمقراطي الدولي يعطي صورة واضحة للعقل المتجه نحو الديمقراطية بأنها لعبة سياسية غايتها تأمين مصالح حيوية لأنظمة اقتصادية فاعلة في الواقع الدولي , فتظهر الديمقراطية كأسلوب غائي يتم ترويجه للحصول على المزيد من المكاسب على حساب الأنظمة الضعيفة .
المستوى الثاني : مستوى مرتبط بطبيعة الأنظمة المختلفة في توجهاتها وبرامجها وطريقتها في إدارة المجتمعات التابعة لنظامها الخاص , فالكثير من الأنظمة العالمية شهدت تحولاً يرتبط بتوسع المساحة المتاحة على أرضية التفاعل الداخلي وطريقة الانخراط في واقع قادر على تجاوز الكثير من السلبيات المعترضة للحقوق الأساسية للمجتمع , وتزايد المشاركة في إدارة وتنظيم الواقع الاجتماعي والسياسي بما يتفق مع التطلعات الحضارية في إحراز تقدم منفتح على كافة الاتجاهات والميول السياسية والاجتماعية وتعدد وسائل التعبير في إخراج المضمون الفعلي للديمقراطية كنظام للمشاركة الحيوية لكافة القوى والعقول الفاعلة في بناء المجتمع وترقية دوره المتزايد في تقوية روح الفهم والانفتاح الواضح لطريقة فهم الأخر وسلوكه وإتاحة جميع القنواة المؤثرة في أيدي الجميع لبناء أمة منفتحة تعمق دورها في عكس طموح أبنائها وإصرارهم على التعايش في وطن حر ومزدهر يسوده الانفتاح واحترام الوجود الإنساني بكل أطيافه وأشكاله , أنظمة قادرة على فتح جميع المعابر للمشاركة في بناء الحياة الخاصة بهم بما يتفق مع المصلحة الأساسية لوجودهم في بنية الدولة وقيادتها على أساس الحرية في إخراج المكونات القادرة على بناء مجتمع ترتقي فيه العدالة إلى مستوى مقبول من الجميع .
في جانب آخر تتفاعل دول وأنظمة مع الديمقراطية وكأنها أسلوب لتخريب وتمزيق بنائها الداخلي نظرا للضعف الجاري في عملية فهمها وتطبيقها لأن كثرة المعوقات المتواجدة في بنية المجتمع يمكن أن تؤدي إلى الإساءة إلى الطبيعة الديمقراطية في تأسيس نظام منفتح على الكل والكل منفتح على النظام فالوعي الديمقراطي وعي تفاعلي وتصالحي وإن طريقة التعبير عن الهموم والمشاكل تكون صادقة بالتزامن مع الوضع في إتاحة الفرصة بالتعبير عنها بحرية فإذا كانت الديمقراطية حق مكتسب للوجود الاجتماعي ضمن بناء تعددي فإن هذا الحق يمكن أن يساء إليه من جوانب معادية يعتبر وجودها انتهاكا لمشروعه في السيادة والتفوق فالكل يعلم بأن الوعي المنخرط ضمن معرفة مؤطرة وجاهزة لا تفهم غير الإملاءات وغير قابلة للتكيف مع جو يسوده احترام الرأي واحترام المبادرة والإبداع لأن طريقة الوعي الجامد والمحافظ على دوره القيادي الهش يدون جذور فاعلة في الواقع الاجتماعي سيخسر هذا الوجود عندما يبدأ التطبيق الديمقراطي يأخذ مجراه العملي في بناء المؤسسات والمنظمات المدنية والأحزاب وعندما يتحرر الوعي من التبعية بالنقد المتواصل للقوى القائمة على الوهم والحفاظ على مراكزها الوهمية .
هناك مرض خطير في أنظمة اللون الواحد يكشف مدى الخطورة في بناءه العام لأن الحاشية التابعة له والمسئولة عن إدارة المؤسسات المختلفة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية تهّول وتنظر بشكل مريع مدى الخطورة في إطلاق الحريات العامة والاتجاه نحو الوعي الديمقراطي و تنصب نفسها حريصة على النظام ومؤسساته العامة عندها تقوم بفعل تخريبي بقصد أو بدون قصد وكثيرا ما يقودها وعيها اللاشعوري في اتخاذ مواقف تسيء لوجودها بالذات .
عندما تنصب نفسها حكما مدافعا على المنجزات العامة تحاول إبعاد أي بنية جديدة ناهضة وقادرة على تحقيق المزيد من المتغيرات القادرة بالنهوض بالواقع الاجتماعي ورفده بطاقة فتية ومتجددة تعزز وحدة المجتمع وانسجامه الداخلي وعندما يتم العمل لمنع العقول الجديدة في اتخاذ مواقعها في بنية المجتمع التفاعلية يضمحل المجتمع أو يموت .
المستوى الثالث : ينطلق من بنية الفرد النفسية في مجتمع ينتمي إليه ويتفاعل معه ضمن معايير وأفكار مختلفة مترافقة مع بنية تاريخية وتأثرات متنوعة لتشكيل منظومة عقلية مؤثرة وفاعلة في البناء الاجتماعي .
فالمعارف المكتسبة كثيرا ما تؤثر على منحى واتجاه العقل وطريقة تفاعله مع وجود يتغير بتغير المعطيات المرتبطة به والمؤثرة على بقائه أو انهزامه والمهم في الأمر هو طريقة التعاطي مع تنوع الأفكار وطبيعة الممارسة الاجتماعية لطبيعة الأفراد النفسية في المجتمع .
ليس من المهم الترويج للأفكار الديمقراطية بمقدار الالتزام بمضمونها العملي وكأن الديمقراطية موضى عالمية تغزو الوعي البشري طبقا لسرعة ترويجها , يتكلم المثقفون كثيرا عن الديمقراطية ويحتكرون مفاهيمها من خلال منع الآخر من التعبير عن مضمونه الفكري وثقافته مهما كانت بسيطة , ويمكن أن تتحول الديمقراطية إلى نظام للمتاجرة بالكلام فقط , فالمضمون النفسي وطريقة التعاطي مع الآخر إما أن يعبر عن مضمون ديمقراطي أو عدمية هذا المضمون , فالديمقراطية نظام حياة الأفراد والمؤسسات وجميع البنى القائمة عليها الدولة وفق منهج ديمقراطي موحد. فالوعي والثقافة الفردية عندما تقف حاجزا أمام إمكانية الآخر عن التعبير عن معطياته الداخلية يكون معادي بطبيعته للديمقراطية مهما تكلم وشرح المفاهيم والمنطلقات الأساسية للديمقراطية , كيف نسمح لأنفسنا في التعاطي مع جميع المسائل والأفكار المرتبطة بحياة الآخرين ولا نتذمر من التعاطي مع مفاهيمنا بالنقد ؟ كيف نسمح لأنفسنا في بناء ثروة ثقافية ونعمل على منعها عن الآخرين ونعمل على بناء ثروة مادية وقصور فخمة ونمنع بناءها للآخرين ؟ كيف نعمل بكافة أنواع الدس والخداع للوصول إلى منصب سياسي ونتبع كافة أنواع الدس والخداع لمنع الآخر من الوصول إلى مناصب مشابهه ؟ فالبناء الداخلي غالبا ما يكون أناني غير قادر على التكيف مع البناء الديمقراطي ويعمل لمنع أي توجيه ديمقراطي حقيقي فالترابط الوثيق بين جميع المعطيات القادرة على إحراز تقدم في البناء الديمقراطي العام يجب أن تكون فاعلة وقادرة على تأمين واقع ديمقراطي يتفق ومضمونها الأساسي .
المستوى الأول : مستوى عالمي تفاعلي بين جميع الدول على اختلاف أنظمتها السياسية والاقتصادية , يمكن أن يظهر من خلال مسائل تهم الوجود البشري
(كبرامج التسلح النووي والمنتدى الاقتصادي العالمي ومؤتمر الحد من التلوث البيئي والأوبئة البشرية الخطيرة وغيرها من المسائل المدرجة في لائحة الاهتمام بالمسائل الأكثر خطورة على الوضع العالمي)
تظهر الديمقراطية كقضية تفاعلية بين الدول وبطريقة انتقائية حسب قوة الدول وقدرتها في طريقة الإسهام في صنع القرارات الدولية بما يتفق مع مصالح الدول الأقوى ويمكن الارتقاء أحياناً من خلال التوجيه للوصول بالمسائل الحيوية إلى مستوى المسؤولية في تحقيق التوافق بين الآراء لتأمين موقف موجه لخدمة القضايا الحساسة ,
والديمقراطية في واقع التعارض الدولي غير مؤهلة لأن تكون قوة فاعلة تؤسس عليها البرامج والمهام الدولية الأساسية , فالدولة المهيمنة والقوية تفرض برامجها أو تتنصل من أي برامج مطروحة على أرضية التطبيق العملي . فالعالم أجمع لم يستطع إلزام الولايات المتحدة الأمريكية من الانضمام لاتفاقية الحد من انبعاث الغازات المؤدية للاحتباس الحراري , فالديمقراطية العالمية غير قادرة على توجيه الدول وفق مسارات تتفق مع المصالح البشرية وهذا ما يؤثر على الواقع الديمقراطي الداخلي لبنية هذه الدول , فالعقل البشري لايوافق على تجزئة المفاهيم التي تتعرض لمواقف وأراء متضاربة تجاه مسائل الوجود الإنساني , لأن طريقة توظيف المفاهيم الموضوعة لإحداث تغيرات حقيقية في بنية الأنظمة المختلفة المعادية للطريقة الديمقراطية في إدارة هذه الأنظمة وغيرها من الأنظمة المدارة بالطريقة الديمقراطية المتفق عليها كنظام لم تصل لحد وقاية هذه الأنظمة من التفكك والانهيار .
فالتعامل الديمقراطي الدولي يعطي صورة واضحة للعقل المتجه نحو الديمقراطية بأنها لعبة سياسية غايتها تأمين مصالح حيوية لأنظمة اقتصادية فاعلة في الواقع الدولي , فتظهر الديمقراطية كأسلوب غائي يتم ترويجه للحصول على المزيد من المكاسب على حساب الأنظمة الضعيفة .
المستوى الثاني : مستوى مرتبط بطبيعة الأنظمة المختلفة في توجهاتها وبرامجها وطريقتها في إدارة المجتمعات التابعة لنظامها الخاص , فالكثير من الأنظمة العالمية شهدت تحولاً يرتبط بتوسع المساحة المتاحة على أرضية التفاعل الداخلي وطريقة الانخراط في واقع قادر على تجاوز الكثير من السلبيات المعترضة للحقوق الأساسية للمجتمع , وتزايد المشاركة في إدارة وتنظيم الواقع الاجتماعي والسياسي بما يتفق مع التطلعات الحضارية في إحراز تقدم منفتح على كافة الاتجاهات والميول السياسية والاجتماعية وتعدد وسائل التعبير في إخراج المضمون الفعلي للديمقراطية كنظام للمشاركة الحيوية لكافة القوى والعقول الفاعلة في بناء المجتمع وترقية دوره المتزايد في تقوية روح الفهم والانفتاح الواضح لطريقة فهم الأخر وسلوكه وإتاحة جميع القنواة المؤثرة في أيدي الجميع لبناء أمة منفتحة تعمق دورها في عكس طموح أبنائها وإصرارهم على التعايش في وطن حر ومزدهر يسوده الانفتاح واحترام الوجود الإنساني بكل أطيافه وأشكاله , أنظمة قادرة على فتح جميع المعابر للمشاركة في بناء الحياة الخاصة بهم بما يتفق مع المصلحة الأساسية لوجودهم في بنية الدولة وقيادتها على أساس الحرية في إخراج المكونات القادرة على بناء مجتمع ترتقي فيه العدالة إلى مستوى مقبول من الجميع .
في جانب آخر تتفاعل دول وأنظمة مع الديمقراطية وكأنها أسلوب لتخريب وتمزيق بنائها الداخلي نظرا للضعف الجاري في عملية فهمها وتطبيقها لأن كثرة المعوقات المتواجدة في بنية المجتمع يمكن أن تؤدي إلى الإساءة إلى الطبيعة الديمقراطية في تأسيس نظام منفتح على الكل والكل منفتح على النظام فالوعي الديمقراطي وعي تفاعلي وتصالحي وإن طريقة التعبير عن الهموم والمشاكل تكون صادقة بالتزامن مع الوضع في إتاحة الفرصة بالتعبير عنها بحرية فإذا كانت الديمقراطية حق مكتسب للوجود الاجتماعي ضمن بناء تعددي فإن هذا الحق يمكن أن يساء إليه من جوانب معادية يعتبر وجودها انتهاكا لمشروعه في السيادة والتفوق فالكل يعلم بأن الوعي المنخرط ضمن معرفة مؤطرة وجاهزة لا تفهم غير الإملاءات وغير قابلة للتكيف مع جو يسوده احترام الرأي واحترام المبادرة والإبداع لأن طريقة الوعي الجامد والمحافظ على دوره القيادي الهش يدون جذور فاعلة في الواقع الاجتماعي سيخسر هذا الوجود عندما يبدأ التطبيق الديمقراطي يأخذ مجراه العملي في بناء المؤسسات والمنظمات المدنية والأحزاب وعندما يتحرر الوعي من التبعية بالنقد المتواصل للقوى القائمة على الوهم والحفاظ على مراكزها الوهمية .
هناك مرض خطير في أنظمة اللون الواحد يكشف مدى الخطورة في بناءه العام لأن الحاشية التابعة له والمسئولة عن إدارة المؤسسات المختلفة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية تهّول وتنظر بشكل مريع مدى الخطورة في إطلاق الحريات العامة والاتجاه نحو الوعي الديمقراطي و تنصب نفسها حريصة على النظام ومؤسساته العامة عندها تقوم بفعل تخريبي بقصد أو بدون قصد وكثيرا ما يقودها وعيها اللاشعوري في اتخاذ مواقف تسيء لوجودها بالذات .
عندما تنصب نفسها حكما مدافعا على المنجزات العامة تحاول إبعاد أي بنية جديدة ناهضة وقادرة على تحقيق المزيد من المتغيرات القادرة بالنهوض بالواقع الاجتماعي ورفده بطاقة فتية ومتجددة تعزز وحدة المجتمع وانسجامه الداخلي وعندما يتم العمل لمنع العقول الجديدة في اتخاذ مواقعها في بنية المجتمع التفاعلية يضمحل المجتمع أو يموت .
المستوى الثالث : ينطلق من بنية الفرد النفسية في مجتمع ينتمي إليه ويتفاعل معه ضمن معايير وأفكار مختلفة مترافقة مع بنية تاريخية وتأثرات متنوعة لتشكيل منظومة عقلية مؤثرة وفاعلة في البناء الاجتماعي .
فالمعارف المكتسبة كثيرا ما تؤثر على منحى واتجاه العقل وطريقة تفاعله مع وجود يتغير بتغير المعطيات المرتبطة به والمؤثرة على بقائه أو انهزامه والمهم في الأمر هو طريقة التعاطي مع تنوع الأفكار وطبيعة الممارسة الاجتماعية لطبيعة الأفراد النفسية في المجتمع .
ليس من المهم الترويج للأفكار الديمقراطية بمقدار الالتزام بمضمونها العملي وكأن الديمقراطية موضى عالمية تغزو الوعي البشري طبقا لسرعة ترويجها , يتكلم المثقفون كثيرا عن الديمقراطية ويحتكرون مفاهيمها من خلال منع الآخر من التعبير عن مضمونه الفكري وثقافته مهما كانت بسيطة , ويمكن أن تتحول الديمقراطية إلى نظام للمتاجرة بالكلام فقط , فالمضمون النفسي وطريقة التعاطي مع الآخر إما أن يعبر عن مضمون ديمقراطي أو عدمية هذا المضمون , فالديمقراطية نظام حياة الأفراد والمؤسسات وجميع البنى القائمة عليها الدولة وفق منهج ديمقراطي موحد. فالوعي والثقافة الفردية عندما تقف حاجزا أمام إمكانية الآخر عن التعبير عن معطياته الداخلية يكون معادي بطبيعته للديمقراطية مهما تكلم وشرح المفاهيم والمنطلقات الأساسية للديمقراطية , كيف نسمح لأنفسنا في التعاطي مع جميع المسائل والأفكار المرتبطة بحياة الآخرين ولا نتذمر من التعاطي مع مفاهيمنا بالنقد ؟ كيف نسمح لأنفسنا في بناء ثروة ثقافية ونعمل على منعها عن الآخرين ونعمل على بناء ثروة مادية وقصور فخمة ونمنع بناءها للآخرين ؟ كيف نعمل بكافة أنواع الدس والخداع للوصول إلى منصب سياسي ونتبع كافة أنواع الدس والخداع لمنع الآخر من الوصول إلى مناصب مشابهه ؟ فالبناء الداخلي غالبا ما يكون أناني غير قادر على التكيف مع البناء الديمقراطي ويعمل لمنع أي توجيه ديمقراطي حقيقي فالترابط الوثيق بين جميع المعطيات القادرة على إحراز تقدم في البناء الديمقراطي العام يجب أن تكون فاعلة وقادرة على تأمين واقع ديمقراطي يتفق ومضمونها الأساسي .