تنخرط هذه القراءة في سياق الاحتفاء بالتجربة الفكرية والابداعية لعالم المستقبليات الراحل المهدي المنجرة، تجربة دوت جدران الجامعات وردهات الإعلام الحر، ورنت مسامع الحالمين بالتحرر من رقبة الاستعمار الجديد، تجربة أريد لها أن تدخل غياهب النسيان، وتطوى في مدلهمات التسطيح، في زمن بات فيه تسييج الحقائق وتنميط العقول ووأد الحقيقة شاهدا على اغتيال مثقف الكرامة والذاكرة والانصاف.
وفاة "مثقف الكرامة" وصف ب" الخسارة الفادحة" التي عرفها الوسط الاكاديمي المغربي والاقليمي والدولي قيمة وقامة، ورمزا لمناهضة الظلم والذل والفقر و"الاستعمار الناعم "، فإستطاع أن ينقل المقررات الأكاديمية من مدرجات الجامعات والمختبرات العاجية إلى ميدان الاصلاح والتقدم والنهضة، من موقع الخبير الاستراتيجي الذي لا يتوقف عند حدود التشخيص، بل يتعداه الى التوقع والتدخل لمعالجة الاعطاب التنموية التي راكمها العالم الثالث على امتداد مساره.
يأتي هذا الكتاب لسد بعض الفراغ في مجال الاهتمام بتاريخ الدراسات المستقبلية والتخطيط الاستراتيجي في السياق المغربي، إذ أن البحت في هذا الميدان لازال جنينيا، ولم يفرز بعد توجها حقيقيا تتقاطع فيه المستويات السياسية مع المستويات السوسيواقتصادية ضمن مقاربات تنموية واضحة، وتجذب اليه معارف كثيرة، كما هو الحال في الجامعات ومراكز الدراسات والابحاث الغربية.؟
كتاب المهدي المنجرة استأثر باهتمام واسع من طرف الباحثين من مختلف التخصصات، وعلى صعيد أكثر من جامعة، خلق رجة فكرية دولية، وخلخل ذهنيات سياسية اعتادت الاصطفاف الى جانب نعيم السياسة ووثيرية الكراسي، طبعاته نفدت من الأسواق في زمن قياسي في إشارة إلى تلقفه باهتمام واسع من طرف القراء، خلق أسئلة محرجة، شرح وفكك دهاليز ومخافر العلاقات الدولية والدسائس السياسية التي تحاك ضد العالم الثالث.
استعادة فكر المنجرة في ظل التحولات الراهنة التي يعيشها العالم الثالث من انتفاضات و"ثورات" ما يسمى الربيع العربي والجدل الاعلامي الذي يرافق التنظير لها، يجعلنا أمام فكر واقعي استراتيجي استشرف المستقبل، ليس من زاوية الباحث المتخصص، بل من موقع الشخص الذي تقلد مناصب سياسية داخل أجهزة المؤسسات الدولية، مما يجعل مسألة استحضار مقولاته أمرا ضروريا لفهم واعادة فهم ما يقع على المستوى الدولي.
1- بطاقة تقنية عن الكتاب:
كتاب الاهانة في زمن الميغا إمبريالية صدر عن منشورات المركز الثقافي العربي سنة 2004 في 267 صفحة من الحجم المتوسط، زينت غلافه لوحة معبرة للفنان المغربي أحمد بن يسف، عبارة عن صورة وردة ذابلة تنشد الغيث والسقاء في دلالة على واقع الحال، وهو في الأصل عبارة عن سلسلة محاورات صحفية وحوارات حية، وشهادات تاريخية مع منابر اعلامية دولية ووطنية، تغطي مساحة ما يعرف بالتاريخ الراهن، حوالي عشرين حوارا صحفيا، وستة مقالات صحفية.
أصل الكتاب مشهد طفولي ترسخ في ذهن المنجرة في زمن الحماية الفرنسية بالمغرب، مشهد ضرب ماسح أحذية من طرف أحد المعمرين الأجانب في مقهى شعبي، وعبر عنه انشائيا في إحدى الحصص المدرسية.
والواقع، أن قراءة كتاب المهدي المنجرة " الاهانة في زمن الميغا إمبريالية" لا يستقيم منهجيا دون التعمق في مختلف انتاجاته الفكرية، على مدار أزيد من خمسة عقود، ذلك أن الكتاب الذي نقدمه للقارئ يأتي كحلقة ضمن حلقات المشروع الفكري للمهدي المنجرة، مما يستدعي التقاطع بين الحين والاخر على مختلف انتاجاته الاستوغرافية وإحالة القارئ الى دراسات أخرى.
يلاحظ قارئ كتاب "الاهانة في زمن الميغا إمبريالية" تحليلا عميقا ودقيقا " لتاريخ الاهانات التي عرفتها الدول العالمثالثية، مثقلا بالتحليل الكمي الاحصائي، والتي توضح مما لا يدع مجالا للشك أن زمن الاهانة تستتبعها انتفاضات حتمية في إطار جدلية التاريخ، لأن النخب التي أوكلت إليها مهمة الترافع عن الشعوب باعت ضميرها للاستعمار الأمريكي، وما يزكي هذه الانتفاضات هو تساؤل الشعوب المستمر: اين نحن مما يقع من حولنا؟ أين حكامنا؟ أين مثقفونا؟ ما سبب هذه الاهانة الدولية؟
يقول المهدي المنجرة في تقديمه لإصداره الجديد:" إن الانشغال المركزي لهذا الكتاب يمكن تلخيصه في كلمة واحدة هي "الإهانة"، هي شر قديم يعود بقوة في هذا العالم "عالم ما بعد تفكك النظام السوفياتي" الذي اعتبره فرا فرانسيس فوكوياما "نهاية التاريخ"، وصامويل هانتغتون ب"صدام الحضارات".
تتلقى شعوب العالم الثالث إهانة مزدوجة، إهانة دولية معبرة عن الغطرسة الأمريكية الهادفة إلى أمركة العالم، وأخرى محلية مرتبطة بعلاقة الأنظمة الحاكمة بالشعوب، تنضاف إليها إهانة ثالثة عندما يمتنع المرء عن إبداء أية رد فعل، فالإهانة أضحت شكلا من أشكال الحكم واستيلاب الإرادة، وأداة لتدبير العلاقات الدولية.
2- مضامين الكتاب:
قارب المهدي المنجرة بين ثنايا الكتاب عدة قضايا جيوسياسية دولية واقليمية ومحلية، من زاوية الإهانة الدولية التي فرضها النظام الدولي الجديد على كل الأنظمة السياسية بما فيها الغرب الأوربي، واعتبر الوضع السياسي الجديد بعد تفكك المنظومة الاشتراكية السوفياتية منذرا بظهور الحروب الحضارية بين الشرق والغرب، حروب قيمية، هوياتية، سيلعب فيها الإعلام دورا اساسيا، مستدلا بحديث زعيم الحركة الصهيونية دافييد بن غوريون إلى اثرياء اليهود عشية الإعلان عن قيام اسرائيل بالشرق الاوسط1948م.
حين نضع هذا الكتاب في سياق التأليف التاريخي المغربي، فهو يتميز منذ الوهلة الأولى بثلاث ايجابيات لا جدال فيها:
أولا: استثمر المهدي المنجرة تجربة خمسين سنة من المحاضرات الجامعية والبحت العلمي والحوارات الإعلامية في مختلف الجامعات الغربية والعربية، وتراكمات الخبرة الدولية في مراكز البحت الاستراتيجي لمقاربة موضوع "الاهانة" كتيمة كونية عابرة للقارات ومخترقة للفضاءات.
ثانيا: خاض المؤلف تجربة كتابة التأريخ للعلاقات الدولية والنظام العالمي الجديد ونظام العولمة من زاوية المحلل الناقد المتتبع لسير الأحداث والمجريات والمتوقع لمآلاتها المستقبلية، وفي هذا الصدد نحن أمام مساهمة فكرية تغني المكتبة المغربية بل العالمية بشكل أعم، لأن جل المؤلفات المتوفرة حول موضوع الإهانة والكرامة الانسانية في عالم اليوم تغلب عليها السطحية والمعالجة الضحلة، وتعتمد على مراجع متقادمة ومعطيات رقمية تضليلية تخدم أجندات سياسية معروفة، والواقع أن المؤلف وإن عبر في السنوات الاخيرة من حياته عن اهتمامه بموضوع الاهانة في زمن الميغا إمبريالية فان انشغالاته الكبرى كانت لم تنفك عن مناصرة قضايا الأمة الاسلامية والعالم الثالث وإشكالية العطب التنموي واستمرارية الفعل الاستعماري.
ثالثا: اتبع المؤلف منحى التركيب الذي لا يخلو من صعوبة، تركيب يجده القارئ حاضرا في تناول قضايا متعددة ومركبة، تمزج بين ما هو محلي خاص " ميكروسياسي" وبين ما هو كوني عام " ماكروسياسي"، ولا يعني التركيب في هذه الحالة، الاقتصار على الايجاز واختزال مراحل تاريخية كبرى في تأليف صغير الحجم، بل هناك خيطا رابطا يصل بين مختلف مقالات وحوارات الكتاب، وهو إعادة النظر في التصور الذي ما زال شائعا عند عموم القراء، وعدد لا يستهان به من الباحثين، مؤداه أن الدراسات التركيبة تحجب مساحات مهمة عن التحليل والتدقيق.
يتمحور فكر المنجرة حول تحرّر الجنوب من هيمنة الشمال عن طريق التنمية، وذلك من خلال محاربة الأمية ودعم البحث العلمي واستعمال اللغة الأم، إلى جانب دفاعه عن قضايا الشعوب المقهورة وحرياتها، ومناهضته للصهيونية ورفضه للتطبيع، وسخر المنجرة كتاباته ضد ما أسماه بـ"العولمة الجشعة". وألف المهدي المنجرة العديد من الدراسات في العلوم الاقتصادية والسوسيولوجيا وقضايا التنمية، أبرزها "نظام الأمم المتحدة" (1973) و"من المهد إلى اللحد" (2003) و"الحرب الحضارية الأولى" (1991) والإهانة في عهد الميغا إمبريالية (2004).
وجاء في تقديم هذا الكتاب أن ظاهرة العولمة من وجهة نظر المهدي المنجرة، بصرف النظر عن كل المقاربات والتأويلات، مرحلة من مراحل الاستعمار الجديد الذي تعمل القوى الكبرى على التأسيس والترويج لها، ليس فقط على مستوى الممارسة والتطبيق، ولكن أيضا على مستوى الثقافة والفكر.
إن العولمة في نظر المهدي المنجرة هي فرض لنمط معين من القيم من لدن دول الشمال على دول الجنوب، ولا ينتفض المهدي المنجرة، وهو السابر لأغوار العلاقات الدولية والعارف بمعظم تفاصيلها، ضد العولمة كظاهرة استعمارية جديدة فحسب، بل وأيضا كتوظيف لغوي يحرم الدول والشعوب من حقها في اختيار مصطلحاتها ومفاهيمها ومفرداتها للتعبير عن واقعها وآمالها في التحرر والاستقلال والكرامة.
ويضيف التقديم أن رفض المؤلف لظاهرة العولمة السائدة، إنما هو رفض لحمولتها الاستعمارية الجديدة، لبعدها الاقتصادي والإقصائي، ولمحتواها الفكري المتمركز حول المنظومة الغربية، ولتطلعها إلى صهر كل ثقافات العالم في بوثقة واحدة ، ولرفضها مبدأ التعدد والتنوع اللذين لا مستقبل للبشرية بدونهما، "يرى المهدي المنجرة الذي أهدى الكتاب إلى والديه اللذين قال عنهما إنهما "علّماني قيمة الكرامة "أن تاريخ العالم الثالث في الخمسين سنة الأخيرة عبارة عن سلسلة متناهية من المهانات والمذلة والانحدار على كافة المستويات، والانهيار هو المستديم وليس التنمية".
وحتى يشخص المهدي المنجرة المسألة استعمل مجموعة من العبارات التي اختارها مثل "الكذبوقراطية" و"الخوفقراطية" "والرهابقراطية" وهي مصطلحات جديدة لخّصت المأساة العالمثالثية التي تعيش شعوبها مرحلة الاستعمار الذكي بعد طرد الاستعمار المباشر.
ويتساءل الدكتور المهدي المنجرة وهو يشخص الأزمة "أين مثقفونا ومبدعونا؟ ما الذي حدث لمناضلينا المدافعين عن "القضايا الكبرى؟! أين هم المتحدثون باسم المجتمع المدني؟ إلى أي حد ستصل بهم الوشاية وتجارة المخابرات؟ كيف نفسر سكونيتنا الخاصة والقبول بمذلة وطنية ودولية كهذه؟
ويضيف في موضع آخر: " نحن نعرف من يموّل هذه النخب "الحركات الثقافية/ صالونات النخبة" موجها سهام نقده نحو الإعلام الذي وصفه بأنه "سطحي، إذ يقول " إني لم أعرف يوما ما الإعلام العربي، فهو سطحي محكوم بتبعية وبضغوط رئيسية، مثل غياب الديموقراطية في البلاد العربية، والضغوط الخارجية نتيجة للهيمنة على منابع الإعلام، إضافة إلى التمويلات الأجنبية لتطوير الإعلام عندنا الذي يفتقر إلى الامكانات والوسائل المتطورة، مما يفتح باب تلقي المساعدات، وما يتبع ذلك من وصاية.
ويسلط المهدي المنجرة بعض الضوء على ما أسماه ب"الكذبقراطية" مستدلا بمقولة فرنسوا مورياك الكاتب الفرنسي الحاصل على جائزة نوبل 1952 فقد قال سنة 1941": إن الدخول في السياسة ظل يعني دائما التخلي عن الآداب".
المنجرة تفطن إلى دور الكتاب والاعلاميين في صناعة الرأي العام الدولي، مستشهدا بحوار أجراه دافييد بن غوريون مع أثرياء يهود العالم بأحد الفنادق الفخمة بأمريكا عشية الإعلان عن قيام دولة اسرائيل بمنطقة الشرق الأوسط " أنا ذهبت إلى أمريكا سنة 1948 وعمري 15 سنة بالصدفة وصلت في نفس الشهر الذي خلقت فيه الأمم المتحدة إسرائيل بقرار أممي، بعد مدة جاء بن غوريون وعقد اجتماعا مع أثرياء اليهود بفندق ضخم وقال لهم: "أنا لا أريد مالكم أريد أن يشتري كل واحد منكم محطة تلفزة أو إذاعة واستديو للأفلام أو جريدة"."
هي وسائل الإعلام لفرض الأفكار والقيم الصهيونية ألم يقل بوش ذات يوم: " لا يمكن أن نسمح لأي كان أن يمس قيمنا ونوعية حياتنا".
ألا تسمح لغيرك أن يغير قيمك يعني أن تفرض ثقافتك وأسلوبك ولونك، وهذا مشروع غربلة، ألم يقل ابن خلدون حين تتغلب قبيلة على أخرى تفرض عليها طرق عيشها ولباسها ولغتها وسلاحها".
كان الإستعمار ولا يزال يتحرك بمنطق "وحدانية السوق" التي تحدث عنها روجي غارودي، وحدانية تجعل الإنسان متحكما فيه من طرف الشركات متعددة الجنسيات.
المهدي المنجرة حمل على اليونسكو والجامعة العربية مسؤولية اندحار العالم الثالث التي رأى أنها ملحقة بالبنتاغون وضواحيه.
كما شن هجوما على بعض المفكرين الذين يوصفون ب"الإسلاميين" مؤكدا أن الصفة الأخيرة دخيلة ولا وجود لها عبر التاريخ الاسلامي، متتبعا عبر متون ومضان التاريخ لحظة تشكلها، وإنما جاؤوا بها لإحداث الفرقة بين المسلمين، كما سخر المنجرة من مصطلح "الحداثة" التي رأى أنها فارغة من أي مدلول وأنها الى اللغو أقرب. وأن بعض المفكرين الاسلاميين رضعوا الإسلام من بعض المستشرقين وتعرفوا عليه، عن طريق الرموز في الغرب مثل لويس ماسينيون وميشو بليير وادموند دوتي وجاك بيرك وغيرهم.
لم يغفل المنجرة عن الحديث عما أسماه ب"الحرب الحضارية" سنة 1991 مؤكدا ريادته في هذا المجال قبل صامويل هانتنغتون بعامين: "لقد استعملت تعبير الحرب الحضارية في حوار مع مجلة ديرشبيغل الألمانية يوم 15 فيفري 1991 التي جعلت منه عنوانا على صدر غلافها المخصص لحرب الخليج، وقد قلت حينها بالحرف: "هذه هي الحرب الحضارية الأولى، ليس لي أن أقارن نفسي بهانتنغتون لأن أطروحاتنا ليست متماثلة فأطروحتي استشرافية أما أطروحته فتوجيهية".
ويمكن تلخيص مقاربتي على الشكل التالي "إذا لم تنتبه للقيم الثقافية فسيقودك ذلك نحو النزاع... أطروحتي تأخذ شكلا استباقيا لتفادي النزاعات على عكس هانتنغتون الذي يعتبر أن البذرة الوراثية للعنف توجد في الحضارات".
المهدي المنجرة كرر أكثر من مرة مقولة أنطونيو غرامشي التي آمن بها فهو ليس متفائلا تفاؤلا اعتباطيا، وليس متشائما لكنه يميل للتسلح بـ "عقلانية التشاؤم وتفاؤل الإرادة".
القراءة النقدية للكتاب:
تجدر الإشارة الى أن كتاب "الاهانة في زمن الميغا إمبريالية" للمهدي المنجرة ينتمي حسب المختصين بدراسات الابستمولوجيا ضمن خانة "نظرية الخطاب ما بعد الكولونيالي" تلك النظرية التي صاحبت لحظة الانتشاء بالاستقلال الشكلي لدول العالم الثالث في سياق المواجهة النظرية مع نظرية الهيمنة المركزية الغربية التي برزت في العلوم الانسانية. ويعد ادوارد سعيد الذي دشن حقل هذه النظرية بكتابه الإشكالي والصادم حول "الاستشراق" واحدا من أبرز منظريها.
فالنظرية تلامس مشكلات الاستعمار ومعيقات التنمية واستمرار الامبريالية الامريكية وتزايد الصدامات الحضارية وتكريس التباعد الثقافي والانقسام السياسي بين فرقاء اللعبة السياسية، وقد برز عدة مثقفين منافحين عن هذه النظرية مثل فرانز فانون- البير ميمي – ليو بورد سيدار سنغور المهدي بن بركة...
يستند المهدي المنجرة إلى المستقبليات التي يعد من بين المتخصصين الأوائل فيها، وكل ذلك في المدار الذي لا يفارق النقد، النقد المتعدد الاوجه المصوب نحو الغرب الامبريالي، وانطلاقا مما يمكن نعته ب "المثقف الثالتي" المهموم ب " اقتصاد التنمية وقول الحق في وجه السلطة وبنوع من الانفعال والغضب"، بل إنه ينتقد صمت المثقفين، واضرابهم عن الخوض في الأسئلة الحارقة، يقول المهدي المنجرة في كتابه الحرب الحضارية الكبرى:
" لقد هالني سكوت عدد كبير من المثقفين أو المعارضين في العالم الثالث" (ص24 ).
تقتضي الكتابة التركيبة بالضرورة إنتقاء المعطيات والأمثلة والارقام ، ومن الصعب أن تخلو هذه الكتابة من الثغرات، ومع ذلك أود أن اشير إلى بعض الجوانب التي لم يعالجها الكتاب بالرغم من أنها تنسجم مع منطقه العام، ففيما يخص تحليل مرحلة التناوب التوافقي ومفهوم العهد الجديد وتجربة العدالة الانتقالية التي شهدها المغرب منذ التسعينات ومطلع الالفية الثالثة، وهي قضايا سياسية لم تخضع لمجهر المنجرة تحليلا وتشخيصا، وتنسجم مع منطق الكتاب، مما يجعل القارئ يجد صعوبة في ربط الكوني بالمحلي المغربي.
توحي قراءة كتاب المهدي المنجرة بضرورة قيام بتتبع شامل لمفهوم لعلاقات الدولية والنظام الدولي الجديد والاستناد الى المرجعية الأحادية.
وأخيرا يبدو لي أن كتاب الاهانة يتمتع براهنية ذات فائدة تنويرية بالنسبة للقارئ العادي والنبيه، فمن جهة يساعدنا الكتاب على فهم التجربة التاريخية الملموسة التي أنتجت عددا من المفاهيم الكونية ذات الصلة بحراك الربيع العربي، وأعني المفاهيم المرتبطة بحقوق الانسان، الديموقراطية، الحرية المدنية، مسالة العلاقة بين السلطة السياسية والدينية، ثم إن فهم أحداث الحراك العربي في ظل فوضى الإعلام يدعونا إلى قراءة واعادة قراءة مضامين المشروع الفكري للمهدي المنجرة.
الإهانة في زمن الميغا امبريالية كتاب يقرأ مرات ومرات... ويعتد به لرجل صارت محاضراته عابرة للحدود والقارات، إستفاد منه العالم كله إلا بلده.
المنجرة يكوي بعباراته من هم فوق، لكنه ينشد الشفاء متسلحا بمقولة غرامشي " عقلانية التشاؤم وتفاؤل الارادة".
ما تنبأ به حصل. أمريكا على حافة الافلاس وهيمنتها على العالم قيد التصدّع تعلن قدوم قوى عالمية اخرى على استحياء.
الوضع العربي يزداد سوءا... الانظمة العربية تترنح والنخب المثقفة ان الأوان لها ان تخرج من دائرة الارتزاق والانتهازية والوصولية.
من مؤلفات المهدي المنجرة:
. من المهد الى اللحد، القاهرة، 1981
. الحرب الحضارية الأولى، الرباط ، 1991
القدس العربي، رمز وذاكرة، مطبعة وليلي 1996
حوار التواصل، منشورات شراع، طنجة ، 1996
مسار فكر، منشورات وليلي، مراكش 1997
عولمة العولمة، منشورات الزمن، الرباط، 1999
انتفاضات في عهد الذلقراطية، منشورات البوكيلي، القنيطرة، 2002.