"الفن علاج شأنه أن يشفي من فرط المعرفة"
فريديريك نيتشه
"الفن هو الشيء الوحيد الذي يقاوم الموت"
أندريه مالرو
"على الفيلسوف أن يصير لا فيلسوفا حتى
تصير اللافلسفة أرض الفلسفة وشعبها"
جيل دولوز
مقدمة
لم يُخف جيل دولوز امتعاضه من الحالة التي أصبح يتخبّط فيها الفن بقوله:"أصبح كل فن اليوم أكثر طفولية كل يوم. كل شخص لديه رغبة مجنونة في أن يكون طفوليا قدر الإمكان. أنا لا أقول سخافة: صبيانية.. الفن اليوم إما شكوى plainte أو قسوة cruauté. لا يوجد تدبير آخر: إما أن يشتكي المرء، أو يقوم أحدهم بممارسة القسوة الصغيرة دون مبرر"(1). تزامن هذا التخبّط الفني مع تصاعد الهجوم على الفلسفة والتشهير بنهايتها وموتها، وتخوف دولوز من أفول نجمها، الشيء الذي دفعه إلى الإنفتاح على حقول فنية كالرواية(2) والرسم والسينما والموسيقى والمسرح... . وإذا كان إسم دولوز قد اقترن بتعريفه الشهير ل"الفلسفة كإبداع للمفاهيم"، فإن اهتمامه بالفنون كفيلسوف -وليس كناقد- مكّنه من تعيين مهمة الفن باعتباره إبداعا ل"المؤثرات الإدراكيةles percepts " و"المؤثرات الإنفعالية les affects" ول"الإحساسات les sensations ". إن هدف الفن بما لديه من وسائل مادية، هو أن يُعرّي المؤثر المدرك من إدراكات الموضوع ومن حالات الذات المُدركة، وأن يُعرّي المؤثر الإنفعالي من المشاعر كمعبر من حال إلى أخرى. فاستخراج كتلة من الإحساسات [يعادل] كائن حسّي خالص(3).
إن رهان دولوز على الفن تعكسه تصريحاته حول المنافسة المفتوحة بين الفلسفة والفنون؛ فقد كتب أن الفلسفة بكل منهجيتها، وإرادتها الطيبة، لا تساوي شيئا وهي تواجه الضغوط السرية للعمل الفني. هكذا فضل دولوز الشاعر على الفيلسوف، وجعل من النقد عند الروائي الفرنسي مارسيل بروست Marcel Proust نقدا فلسفيا، وأشاد بحلم فريدريك نيتشه Frédéric Nietzsche ب"الفيلسوف-الفنان". يتعلّق الأمر في التصور الفلسفي الدولوزي للفن بمفهوم "صورة الفكر"، وبدور فن الصورة في ملإ هذه الصورة بشكل إيجابي كما يقول ريمون بيلور Raymand Bellour(4).
1- جيل دولوز: مسار فلسفي ورهان على الفن
تعرّف القارئ على اهتمام جيل دولوز بالفن منذ بداية الستينات من القرن العشرين مع نشر كتابه حول الروائي الفرنسي الكبير مارسيل بروستMarcel Proust : "بروست والعلامات" سنة 1964، والرسام البريطاني فرانسيس باكون Françis Bacon: "فرانسيس باكون - منطق الإحساس" سنة 1981، وكتاب "حوارات" مع كلير بارني سنة 1977، ومؤلفين حول السينما: "السينما : الصورة-الحركة" سنة 1983، و"السينما : الصورة-الزمن" سنة 1985، ومؤلف حول ساشي مازوش: "الحرج والسريرة" سنة 1993، وكتاب "ما هي الفلسفة ؟" بالإشتراك مع فليكس غتاري سنة 1991، وكتاب "نقد وعيادة" سنة 1993، إضافة إلى مقالات ودراسات حول أدباء وفنانين آخرين... .
وجب التنبيه إلى أن اهتمام دولوز بالفن تأسس على رؤية فلسفية أصيلة للحياة، تكونت بعد لقائه مع كتابات فريديريك نيتشه؛ مع فلسفته ومفاهيمه وشخصياته المفهومية، حيث أسفر اللقاء عن كتابة مؤلفين: "نيتشه والفلسفة" سنة 1962، و"نيتشه" سنة 1965. وجد دولوز عند هذا الفيلسوف الألماني قدسية للحياة، جعلته يعترف بتأثيره القوي عليه، يقول :" كان تأثيره علي بمثابة التيار الهوائي الدافع من الخلف عند قراءته، وكان بمثابة مكنسة ساحرة تحلق بمتناوله"(5). ارتبطت رؤية دولوز للحياة بتعريفه الخاص للتفكير ك"اكتشاف لإمكانات جديدة للحياة واختراع لها"، مانحا لحيواة المفكرين أهمية أسطورية حيث الإحساس بالفرح والقوة بمجرد سردها. هكذا مثّل نيتشه معبرا نحو الحياة الفاعلة، حيث الحياة تتخطى الحدود التي تضعها المعرفة والفكر يتجاوز الحدود التي تحددها له الحياة. كما أن تصور نيتشه التراجيدي للفن وتعيينه له ك"مثير للإرادة" و"حفّاز لإرادة القوة"، دفع دولوز إلى الإنفتاح على مجالات إبداعية أخرى كالأدب والرسم والسينما والموسيقى. إذ وجد في الفن فضاء لخلق لقاءات جديدة ووسيلة فعّالة لتنشيط الوجود مع العالم، كما وفّر له إمكانية رحبة للتفكير والإبداع والمقاومة.
شكّلت إذن، لقاءات جيل دولوز مع أعمال فلاسفة وأدباء وفنانين مُنفلتين ومُميّزين تاريخيا وإبداعيا، رغبة في تحقيق حُلم عبرّ عنه بقوله:"أحلم بنوع من دورة هذه الأبعاد داخل بعضها البعض، بين المفاهيم الفلسفية، والمُدركات التصويرية، والمُنفعلات الموسيقية"(6). ففوق خط لقاء هذه الأبعاد، تُولد وتُنتج الفلسفة من الخارج من طرف الكاتب، الرسام، والموسيقي. إنها تُنتج بالضرورة هناك حيث يعمل كل نشاط على رسم خطه المُؤدي إلى المغادرة الموطنيةdéterritorialisation (7). الشيء الذي يعني أن مسعى الفلسفة والفنون يتجسّد في تحقيق التحول والتغيّر والصيرورة؛ فكل ما يصير هو موضوع الكتابة، أو الفن التشكيلي، أو الموسيقى(8). في الوقت ذاته؛ يُحفّز الفن والفلسفة على القيام بالمغامرة واختراق الأفق، ومغادرة الأراضي المنغلقة والآمنة المُسيّجة باليقينيات والعادات الفكرية الثابتة والمعتقدات والموروثات الرّاسخة والصّلبة.
استهدف انفتاح دولوز على الفنون، تركيب "آلة حرب" لتقويض "الصورة الوثوقية للفكر"(9)؛ أي جملة التصورات القبلية ونماذج الفهم والتمثل التي تنسلّ إلى أنساق الفكر والمعرفة، لتأخذ فيها صورة "المسلمات" والمبادئ المؤسسة للتفكير(10). إنها التصورات والمسلّمات والمبادئ والمُثل التي صمدت في وجه مختلف التيارات والمذاهب الفلسفية التي عبرت تاريخ الفكر.
2- خصوصية الإبداع الفني من منظور جيل دولوز
منح جيل دولوز الفن l’art مهمة المشاركة في خلق أرض جديدة مع شعب جديد، وابتكار أساليب جديدة للحياة، في حين طالب الفنان l’artiste بالبحث عن صور وأفكار مغايرة والعمل على إنتاج الجديد والمُهم والمُتفرّد. لكن تحقيق هذه المهمة، يتطلب من الفنان التحلّي بالشجاعة والإيمان بضرورة تخطّي الحدود وإبعادها وتجاوزها؛ فمواجهة الآراء والأساليب والمذاهب السائدة، وإحداث الخروقات وإجراء التدميرات الضرورية هي من أولويات ومهام الفنان العظيم. فالرسام مثلا، لا يرسم على خامة خاوية عذراء، بل هي مغطّاة بكليشيهات موجودة وقائمة من قبل، مما يتوجب أولا محوها وتنظيفها وترقيقها، وحتى تقطيعها، كيّما يمرّ تيار الهواء الآتي من السديم الذي يحمل إلينا الرؤية(11).
تشكل هذه الكليشيهات les clichés مجموع الآراء والإعتقادات الراسخة والمُتصلّبة التي تسود مرحلة تاريخية تطول مدتها في أغلب الأحيان، وتنشر فاعليتها بين ثنايا الجسم الإجتماعي وتوجّه سلوكات الأفراد والجماعات. راهن دولوز على الرسام لمواجهة هذه الآراء عن طريق تسريع أشكال الهدم وإنتاج إحساس يتحدى كل رأي وكل كليشيه(12)، على اعتبار أن "تعاسة الإنسان لا تأتي إلا من الرأي"(13). إن الصراع ضد الرأي هو مهمة الفن الأساسية، لكنها مهمة تتطلب صرامة وعناء ومثابرة في الوجود؛ ذلك أن الأعمال الإبداعية les œuvres d’arts تحتوي على قدر يصعب تخيّله من الآلام والمعاناة.
منح دولوز مفهوم التنسيق l’agencement مكانة مُتميّزة في عرض مهمة الفن ودوره، ذلك أن الوحدة الواقعية الدنيا ليست هي الكلمة، ولا الفكرة أو المفهوم، ولا الدال، وإنما هي التنسيق(14). يدل مفهوم التنسيق على عملية الـتأليف بين عناصر مجموعة غير متجانسة وجعلها تعمل فيما بينها، إن التنسيق عمل مشترك، إنه "تعاطف" وتركيب. فالرسام يقوم بتنسيقات بين عدة عناصر تهم العلاقة مع الوسط والمواد والأسلوب ويجعلها تتوحد في لحظة معيّنة مانحة فرصة لحلول الجديد والبارز والهام وإضافة متغيّرات إلى العالم.
يعكس الإبداع الفني علاقة مُتميّزة بالعالم وأشيائه، لكنها علاقة مطبوعة بالتوتّر؛ حيث يمر الفنان عبر الأشياء "كشفرة تمر عبر كل الاشياء" بتعبير دولوز، وفي الوقت ذاته يسمح للأشياء أن تمر من خلاله. عبر هذه الحالة فقط يستطيع الفنان أن يلتقط المعنى، ويصل به إلى حالة التعبير. ومن خلال الصيرورة يستطيع الفنان أن يستخرج الشيء من نقيضه، يقول جيل دولوز: "نحاول أن نستخرج من الجنون الحياة التي يتضمنها، مع كرهنا للمجانين الذين لا يتوقفون على قتل هذه الحياة وعن توجيهها ضد نفسها. نحاول أن نستخرج من الكحول الحياة التي يتضمنها دون تناولها. إن الصيرورة هي الإستغناء عن الكحول والمخدرات والجنون، من أجل حياة غنية بشكل متزايد(15).
3- مهمة الفنان وغاية الفن: إبداع المدركات والإنفعالات
خصّ جيل دولوزالفن بإبداع المؤثرات الإدراكية les percepts (المُدركات) والمؤثرات الإنفعالية les affects (الإنفعالات)، وقال بأن المؤثرات الإدراكية ليست إدراكات، فهي مستقلة عن حالة الذين يعانونها، والمؤثرات الإنفعالية لم تعد أحاسيس أو مشاعر، فهي تتعدّى قوة الأشخاص الذين تعبر بهم. فالإحساسات، والمؤثرات الإنفعالية، هي كائنات تحمل قيمتها بذاتها وتتعدى أي معاش. يمكننا القول إنها تقوم بدون الإنسان، لأن الإنسان سواء كان منحوتا في الحجر، أو مرسوما على خامة، أو مُدوّنا عبر كلمات، فإنه يبقى مركّبا من المدركات والإنفعالات. إن الأثر الفني كائن إحساسي، ولا شيء غير ذلك؛ فهو موجود بذاته(16). لهذا، يصير الفنان المُثير والبارز هو من يُبدع كتلا من المدركات والإنفعالات(17).
اعتبر دولوز فن الرواية شكلا تعبيريا خصبا لإبداع المؤثرات الإدراكية (les percepts)، يقول:"لقد نهضت الرواية غالبا إلى المُدرك: ليس إدراك البور [في الطبيعة]، وإنما الأرض البور كمؤثر إدراكي عند هاردي (Hardi)؛ وكذلك تنهض إلى المؤثرات الإدراكية المحيطية البحرية عند ملفيل (Melville)؛ والمؤثرات الإدراكية المدينية أو المؤثرات الإدراكية للمرآة عند فرجينيا وولف (Woolf). فالمنظر يرى. بصورة عامة، من هو الكاتب الذي لم يستطع أن يُبدع الكائنات الحسية هذه التي تحفظ في ذاتها ساعة من يوم، ودرجة حرارة لحظة معينة (تلال فولكنير Faulkner)، سهوب تولستوي أو سهوب تشيخوف)؟ فالمؤثر الإدراكي هو المنظر الآتي قبل الإنسان، وفي غياب الإنسان(18). أما بالنسبة لفن الموسيقى، فأكّد دولوز على تفوقه على باقي الفنون في إبداع المؤثرات الإنفعالية (les affects) وإبرازها.
على طول العملية الإبداعية، يحتاج الفنان إلى الأسلوب؛ إلى الأنماط والأنغام عند الموسيقى، والسمات والألوان عند الرسام، وذلك للإرتفاع من الإدراكات المُعاشة إلى المؤثر الإدراكي، ومن المشاعر المُعاشة إلى المؤثر الإنفعالي(19). لهذا نبّه دولوز إلى خصوصية الصورة الجمالية (والأسلوب الذي يُبدعها)، إذ لا علاقة لها إطلاقا بالبلاغة، فتلك هي إحساسات: مؤثرات إدراكية وانفعالية، مشاهد ووجوه، رؤيات وصيرورات(20). كما ميّز مهمة فن الرسم والموسيقى قائلا:"...، والرسم والموسيقى لا ينتزعان أقل من الألوان والأصوات، التوافقات الجديدة، والمناظر التشكيلية أوالنغمية، والأشخاص الإيقاعيين الذين ينهضون بها إلى مستوى نشيد الأرض وصيحة البشر؛ مما يشكل النبرة والصحة والصيرورة والكتلة البصرية والصوتية(21).
4- إبداع الأحاسيس والكائنات الإحساسية: مهمة الفن النبيل والمُجدّد
اعتبر جيل دولوز الفن لغة الإحساسات أكانت بالكلمات أم بالألوان أم بالأصوات أم بالأحجار(22)، وربط نجاح الفنان بإبداع الأحاسيس والكائنات الإحساسية. لكن تحقيق هذا النجاح، يتطلب المرور عبر كارثة catastrphe، أو من خلال حريق قبل التمكن من إبراز رؤية تُنير لحظة، وإبراز إحساس مُتميّز(23). إن منح رؤية أو خلق إحساس جديد هو نتيجة عملية مواجهة وإبداع؛ مواجهة لأساليب سابقة وكليشيهات موجودة وقائمة من قبل، وتقاليد متوارثة ومذاهب وآراء سائدة، وإبداع ل"تنويعات جمالية" و"أفكار حيوية".
أعطى دولوز للإحساس مكانة متميزة ضمن العملية الإبداعية؛ إذ اعتبر الإحساس تأمل خالص، لأنه بالتأمل نُجمّع ونُدغم، متأملين ذاتنا، بقدر ما نتأمل العناصر التي نستخدمها. فالـتأمل هو الخلق، وسر الإبداع المُنفعل، هو الإحساس. فالإحساس يملأ مسطح التركيب ويمتلئ من ذاته، عندما يمتلئ مما يتأمل: إنه "إنتشاء" و"انتشاء بالذات". إنه ذات، أو بالأحرى ذات داخلية inject(24). إن إبداع الإحاسيس وخلقها هو الأمر المثير والمهم في عمل الفنان، أكان رساما أو نحاتا(25)، أو مؤلفا أو كاتبا(26)؛ إننا نرسم، ننحت، نؤلف ونكتب أحاسيس(27)، كما أن استخراج كتلة من الأحاسيس [يعادل إبداع] كائن حسّي خالص(28). يؤكد دولوز على أن هذه الكائنات من الإحساس هي التي تدل على العلاقة بين الفنان والجمهور؛ فيمكن للمؤثرات الإنفعالية الكبرى الخلاقة أن تترابط أو تُشتق في مركبات من الإحساسات التي تتحول وتهتزّ، تتعانق أو تتصدع(29)، وعلى علاقة أعمال الفنان نفسه فيما بينها، أو حتى على التناغم المحتمل بين عدد من الفنانين فيما بينهم. فالفنان يضيف دائما متغيّرات جديدة إلى العالم. وكائنات الإحساس هي مُفردات متنوعات (des variétés)(30)، كما يجعل أثاره الفنية مستقلة وقائمة بذاتها، وقادرة على الإنتصاب لوحدها بالإرتكاز على الأحاسيس المحفوظة داخلها، بحيث يشهد الإحساس على قدر من سنوات ’’العمل الدؤوب المثابر والمحتقر’’(31). لهذا اعتبر جيل دولوز الفنان الحق هو من يرسم أو ينحث أحاسيس عبارة عن مُدركات، في حين أكد على أن الفن بما لديه من وسائل مادية، هو أن يُعرّي المؤثر المدرك من إدراكات الموضوع ومن حالات الذات المُدركة، وأن يُعرّي المؤثر الإنفعالي من المشاعر كمعبر من حالة إلى أخرى(32).
5- الإبداع الفني في الطبيعة: حيوانات جيل دولوز وحشراته
يقف جيل دولوز منبهرا أمام العمل الذي تقوم بعض الحيوانات والحشرات (العنكبوت l’Araignée، القملة/القرادة/حشرة الفاسوق l’Atique، عصفور الغابات الممطرة في أستراليا Scenopoïetes dentirostrès، السلطعون الناسك Bernard-l’hermite، اللانغوست la Langouste، العصفور le Pinson)، ويربط بداية الفن مع الحيوان الذي يقتطع قطعة أرض ويصنع بيتا(33). إن تأسيس موطن، يعني تقريبا مولد الفن(34).
يتناول جيل دولوز العمل الذي تقوم به بعض هذه الحيوانات كالتالي:
- عصفور الغابات الممطرة في أستراليا (Scenopoïetes dentirostrès):
يقول دولوز عن هذا العصفور: "يُسقط من الشجرة الأوراق التي قطعها كل صباح، ويقلبها لكي يتعارض وجهها الداخلي الأكثر شحوبا مع الأرض، وهو بذلك يبني نوعا من المسرح كعلامة فارقة [خاصة به]، ولا يُغرّد إلا وهو في الأعلى، فوق عارشة أو غصن، أغنية معقدة مركبة، من أنغامه الخاصة ونغمات عصافير أخرى، يقوم بتقليدها خلال الفواصل ببين أغنية وأخرى] محاولا دائما إبراز الجذر الأصفر من ريشه تحت منقاره، إنهة فنان حقّ. فليست تلك الأغنيات مجرد تداعيات، ولكنها هي هذه الكتل من الإحساسات المرتبطة بأرض [المؤرضنة]، من الألوان، والأوضاع الجسدية والأصوات، التي تلخص عملا فنيا كاملا. هذه الكتل الصوتية هي لازمات [موسيقية]؛ ولكن هناك أيضا لازمات في الوضعيات الجسدية، والألوان؛ وكذلك هناك وضعيات وألوان تتداخل دائما في اللازمات. إنها انحناءات واستقامات، حلقات وسمات ألوان. فاللازمة بكاملها هي كينونة الإحساس"(35). يرى دولوز أن أغنية العصفور ليس لها فقط علاقاتها الطباقية الإختلافية المرافقة، وإنما بإمكانها أن تجد الطباق مع أغنية لأنواع، أخرى، وبإمكانها أن تُقلّد الأغاني الأخرى، وكأن الأمر يتعلق باشتغال أقصى ما يكون من الوثائر(36).
- السلطعون الناسك Bernard-l’hermite:
تصير الصدفة بعد موت المحارة منزلا للسلطعون الناسك، الذي يجعل منها مسكنه الخاص به، بفضل ذنبه الذي لا يُستخدم في السباحة وإنما في الإلتقاط، إذ يمكنه من التقاط الصدفة فارغة(37). هكذا تصبح الصدفة الطباق الإختلافي لهذا الحيوان البحري.
تعكس حياة هذه الحيوانات وسلوكها "الفن في حالته الخالصة"؛ إذ تؤسس مواطن(38)، تحوز ممتلكات(39)، تكون في حالة ترصّد aux aguets ولا تسترخي أبدا، تُنتج علامات(40)، تبتكر أشكال ووظائف وتخلق عوالم. فالعصفور والسلطعون يُبدعان تناغما هارمونيا وعلاقات طباقية تصل فيما بين المسطحات، وتشكل تراكيب إحساسات وكتل، وتحدد صيرورات(41).
تتميز هذه الحيوانات بخاصيتي الحركة والحيوية؛ والتي تعكس شكلا تعبيريا يجمع بين معالجة للمواد وتدفّق للسمات والألوان والأصوات والصرخات، كما تعكس حياتها تناغم الكون وصيرورته.
6- دور الفن في خلق الصور الجمالية وربط الزمن بالأبدية
أكّد جيل دولوز على خصوصية عمليتي التركيب والتأليف في كل عمل فني، ويقول بأن التركيب جمالي وبأنه عمل الإحساس، ويعتبر أن كل ما ليس مُركّبا ليس عملا فنيا(42). فالفن لا يحوي مسطحا آخر غير التركيب الجمالي، والذي يُعبّر عن العمل االحق للفنان. هكذا نجد أن ثالوث الفن هو الإحساس المركّب والصورة الجمالية ومسطّح التركيب. يبدع الفن كائنات إحساسية، أي أداريك وأشاعير، على مسطّح التركيب بتوسّط الصور الجمالية(43). تلك الصور هي إحساسات: مؤثرات إدراكية وانفعالية، مشاهد ووجوه، رؤيات وصيرورات(44). إن إبداع هذه الصورة يُماثل إقامة نصب، ولكن النصب هنا ليس ما يحيي ذكرى ماض، بل إنه كتلة من الأحاسيس الحاضرة لا تدين إلا لنفسها في حفظ ذاتها، وتمنح الحدث، المركّب الذي يُشهره. إن فعل النصب هنا ليس الذاكرة دائما، وإنما الإبهار(45). يُشيد دولوز بدور الفنان في إبداع مؤثرات إدراكية وانفعالية وأحاسيس وجعلها تثبت من تلقاء ذاتها وتُحفظ بذاتها. وهنا يُقدّم دولوز مثال الرسم، ويتساءل: كيف يمكن للإحساس أن يُحفظ بدون مواد قابلة للدوام، ومهما كان زمنُها قصيرا فهو يعتبر كديمومة (...). حتى ولو كانت المواد لا تدوم إلا بضع ثوان، فإنها تُعطي للإحساس القدرة على الوجود وحفظ ذاته، في الأبدية التي تتعايش مع هذه المدة القصيرة. فما دامت المواد مستمرة في الوجود فإن الإحساس هو الذي يتمتع بأبدية في هذه اللحظات بالذات(46). هكذا تصبح " الأبدية l’éternité" هي ما يُميّز العمل الفني بحسب دولوز؛ وتتمثل أساسا في استقلالية المُدركات والإنفعالات والأحاسيس واستمرارها، فهي كائنات تحمل قيمتها بذاتها وتتعدى أي معاش. يمكن القول أنها تقوم بدون الإنسان، لأن الإنسان سواء كان منحوثا في الحجر، أو مرسوما على خامة اللوحة (...)، فإنه يبقى مُركّبا من المدركات والإنفعالات(47). إن هذه الرغبة القوية بل "المستحيلة" في تحقيق الأبدية، هي ما يحرّك عمل الرسام، ويمنحه مشروعية تكرار صيحة جيل دولوز: كيف نجعل لحظة من العالم دائمة، أو نجعلها توجد بذاتها؟(48).
خاتمة
لماذا الحاجة إلى الفن؟
سؤال نطرحه مع الفيلسوف الفرنسي جيل دولوز لفتح الفلسفة على خارجها وتوسيع آفاقها وتأكيد وجودها واستحالة موتها. ذلك أن الجهد الرامي لأن تصير الفلسفة اللغة الرسمية لدولة خالصة، والحكم المُعلن عن "نهايتها" و"موتها"، أوجعلها تأملا وتفكيرا وتواصلا، وبالتالي تشكيل كليات (universaux) في كل الميادين، يمثل الجرح النازف للفلسفة. هكذا تكونت عبر التاريخ صورة عن الفكر تدعى الفلسفة تمنع الناس تماما من التفكير(49). ول"مداواة هذا الجرح"، انفتح دولوز على أشكال تعبير جديدة، وأقام لقاءات مع فنون مختلفة كالرواية، المسرح، السينما، الرسم، والموسيقى...، حيث اكتشف أن هناك نفس القدر من الإبداع في فلسفة مثلما في لوحة أو قطعة موسيقية(50)، وأن ثمة بين مفهوم وبين عمل فني، أي، بين نتاج عقلي وبين آلية مُخيّة، ثمة تماثلات بالغة الإثارة(51).
اعتبر دولوز الفن آلة حرب ومقاومة ضد التصورات الإرتكاسية للفكر والحياة، وصرخة ضد التأويلات الجاهزة سواء أكانت صورا أو آراء، والتي تجرّنا على أقل تقدير إلى الخطإ وإلى الإبتذال أو إلى التعميم. بالمقابل، أكّد على قدرة الفن على إبداع صورة جديدة للفكر وعلى الكشف عن الصيرورات الواقعية للإنسان وعن الأشياء العظيمة في الحياة، وتأسيس واقع جديد قائم بذاته، بما يتجاوز الإدراكات والإنفعالات والآراء والأحاسيس السائدة والشائعة.
الهوامش:
1- Gilles Deleuze : les Intercesseurs, http://lesilencequiparle.unblog.fr/2010/02/23/les-intercesseurs-gilles-deleuze/
2- انظر ادريس شرود: دولوز وفن الرواية، موقع أنفاس من أجل الثقافة والإنسان، 02 أبريل 2016.
3- جيل دولوز وفيلكس غتاري: ما هي الفلسفة؟، ترجمة مطاع صفدي وفريق مركز الإنماء القومي، مركز الإنماء القومي، الطبعة الأولى، 1997، ص175.
4- Raymond Bellour : « L’art est ce qui résiste si ce n’est pas la seule chose qui résiste », in : « Agencer les multiplicités avec Deleuze », les collogues CERISY, sous la direction de : Anne Guerrien, Anne Sauvagnargues et Arnaud Villani, Université Paris 8, Université Paris Nanterre, Hermann Édition, 2019, p243 .
5- جيل دولوز وكلير بارني: حوارات في الفلسفة والأدب والتحليل النفسي والسياسة، ترجمة عبد الحي أزرقان-أحمد العلمي، أفريقيا الشرق، الدار البيضاء-المغرب، 1999، ص14.
6- جيل دولوز وكلير بارنت: الألف لام، I مثلما في Idée [الفكرة]، ترجمة أحمد حسان، المحروسة، ص86.
يقول دولوز:"إنه يمكن للمفهوم بما هو كذلك أن يغدو مفهوم الإنفعال، كما أن الإنفعال يغدو انفعال المفهوم. ويمكن لمسطح التأليف الفني ومسطّح المحايثة الفلسفي أن ينزلق أحدهما فوق الآخر بحيث أن كيانات من الواحد يمكن أن تشغل جوانب من كيانات الآخر". (...)، إن مفكرا يمكنه إذا أن يُغيّر بصورة حاسمة ممّا يعنيه التفكير، فيبني صورة جديدة للفكر. ويقيم مسطّح محايثة جيّدا. ولكن بدلا من أن يُبدع مفاهيم جديدة تُشغل هذا المسطّح فإنه يُعمّره بمراتب أخرى وكيانات أخرى، شعرية، وروائية أو حتى بإنتاجات فنية (رسم) أو موسيقية". وبالعكس كذلك."، جيل دولوز وفيلكس غتاري: ما هي الفلسفة؟، ص
7- جيل دولوز وكلير بارني: حوارات في الفلسفة والأدب والتحليل النفسي والسياسة ، ص94.
8- جيل دولوز وكلير بارني: حوارات في الفلسفة والأدب والتحليل النفسي والسياسة، ص95.
9- يحضر مفهوم الصورة الوثوقية للفكر، عند دولوز، بصيغ مختلفة وفي مواقع متعددة من المتن، فهو في ’’الإختلاف والتكرار’’ يأتي بمسمى ’’الصورة الأرتودكسية’’ أو ’’الأخلاقية’’ l’image orthodoxe – l’image morale؛ وفي ’’نيتشه والفلسفة’’ و’’ألف بساط’’ و’’ما هي الفلسفة؟’’ يحضر بصيغة ’’الصورة التقليدية’’ l’image classique، وفي ’’بروست والعلامات’’ يأتي باسم ’’اللوغوس’’ أو ’’الفكر العضوي’’ logos, pensée organique؛ وفي ’’النقد والعيادة’’ نجده يحضر تحت مسمى ’’نظام الأحكام الأخلاقية’’ système des jugement moraux، عادل حدجامي: فلسفة جيل دولوز في الوجود والإختلاف، ص85.
10- عادل حدجامي: فلسفة جيل دولوز في الوجود والإختلاف، ص86.
11- جيل دولوز وفيليكس غتاري: ما هي الفلسفة؟ ص210.
12- جيل دولوز وفيليكس غتاري: ما هي الفلسفة؟، ص210.
13- جيل دولوز وفيليكس غتاري: ما هي الفلسفة؟ ص212.
14- جيل دولوز- كلير بارني: حوارات في الفلسفة والأدب والتحليل النفسي والسياسة، ص69.
15-. جيل دولوز- كلير بارني: حوارات في الفلسفة والأدب والتحليل النفسي والسياسة، ترجمة عبد الحي أزرقان-أحمد العلمي، أفريقيا الشرق، 1999، ص71 و72.
16- جيل دولوز وفيليكس غتاري: ما هي الفلسفة؟ ص171 و172.
17- جيل دولوز وفيليكس غتاري: ما هي الفلسفة؟ ص 172.
ربط جيل دولوز غاية الفلسفة بإبداع للمفاهيم création des concepts، والرسم والسينما بابتكار كتل من الخطوط-الألوان bloc de lignes-couleurs وكتل من الحركة-الديمومة bloc de mouvement-durée"، أما الموسيقى، فقال بأنها تشترك مع الفنون الأخرى في إبداع المؤثرات الإنفعالية les affects والمؤثرات الإدراكية les percepts. وقد عبّر دولوز عن رغبته في تحقيق تكامل بين هذه المجالات الإبداعية بقوله:"أحلم بنوع من دورة هذه الأبعاد داخل بعضها البعض، بين المفاهيم الفلسفية، والمُدركات التصويرية، والمنفعلات الموسيقية، وليس ثمة ما يُدهش في وجود هذه الأصداء، لأنها مهما كانت مستقلة، فهناك جُهد أناس مختلفين تماما، لكن هذا لا يكف أبدا عن التداخل"، جيل دولوز وكلير بارنت: الألف لام، I مثلما في Idée [فكرة]، ترجمة أحمد حسان، المحروسة، ص86.
18- جيل دولوز وفيليكس غتاري: ما هي الفلسفة؟ ص176.
قدم دولوز أمثلة على هذا الإبداع المثير للإدراكات والإنفعالات والأحاسيس، يقول:" هناك صفحات بقلم تولستوي تصف كما لا يستطيع رسام، أو بقلم تشيخوف، بطريقة مختلفة، وهو يصف حرارة السهوب. إنه، إذن، شبكة مركبة كاملة من الأحاسيس، الأحاسيس البصرية، السمعية، الذوقية تقريبا، شيء يدخل الفم، كل هذا... ومن ثم، من ثم ماذا؟ حاول أن يمنح هذه الشبكة المركبة من الأحاسيس استقلالا جذريا في علاقتها بالشخص الذي خبرها: تولستوي أيضا وصف أجواء؛ فوكنر، في الصفحات العظيمة لفوكنر...، توماس وولف Thomas Wolfe، يقول في قصصه الصغيرة: شخص ما يخرج في الصباح، ويستنشق بعض الهواء النقي، ويصادفه عبق، لأي شيء، عبق خبز مُحمّص، لنقل، هناك شبكة معقدة من الأحاسيس، طائر يحلق في السماء... هناك شبكة معقدة من الأحاسيس. فماذا يحدث حين يموت شخص خبرها، أو يمضي ليصنع شيئا آخر؟ ماذا تصبح هذه [الشبكة من الأحاسيس]؟ هذا تقريبا هو السؤال الذي يطرحه الفن، الفن يقدم إجابة على هذا. المسألة هي منح ديمومة أو أبدية لهذه الشبكة المعقدة من الأحاسيس التي لم تعد مفهومة باعتبار أن شخصا يخبرها، أو في الحد الأقصى، يمكن فهمها باعتبار أن شخصا في رواية يخبرها، تخبرها شخصية مختلقة fictional "، جيل دولوز وكلير بارنت: الألف لام، Iمثلما في Idée [فكرة]، ترجمة أحمد حسان، المحروسة، ص85.
19- جيل دولوز وفيليكس غتاري: ما هي الفلسفة؟ ص178.
20- جيل دولوز وفيليكس غتاري: ما هي الفلسفة؟ ص185.
21- جيل دولوز وفيليكس غتاري: ما هي الفلسفة؟ ص185.
22- جيل دولوز وفيليكس غتاري: ما هي الفلسفة؟ ص184.
23- جيل دولوز وفيليكس غتاري: ما هي الفلسفة؟ ص210.
24- جيل دولوز وفيليكس غتاري: ما هي الفلسفة، ص217.
يقول دولوز-غتاري:"كان أفلوطين Plotin يستطيع تحديد كل شيء باعتبارها تأملات، ليس فقط الناس والحيوانات، بل النباتات والتراب والصخور. إنها ليست المُثُل التي نتأملها بواسطة المفهوم، وإنما هي عناصر المادة، بواسطة الإحساس. فالنبتة تتأمل مُجمّعة مُدغمة العناصر التي تنشأ منها، أي النور والفحم والأملاح، وتمتلئ ذاتيا بالألوان والروائح التي تميز في كل مرة تنوّعها، وتركيبها: فهي إحساس بذاتها. وكأن الأزهار تشمّ ما يكوّنها، بما هو أشبه بمحاولات رؤية وشمّ أوليّة وقبل أن تُدرك، أو حتى قبل أن يُحس بها بواسطة عامل عصبي ودماغي"، جيل دولوز وفيليكس غتاري: ما هي الفلسفة، ص217 و218.
25- يُميّز دولوز بين نماذج كبرى من الأنصاب أو من "تنويعات" مركبات الإحساس: مثل [نموذج] الإهتزاز، ونموذج المعانقة أو الملامسة الجسدية، ونموذج الإنسحاب، فالإنقسام، فالتنائي. ويخص النحث بإبداع هذه المركبات، يقول:" فالنحث هو الذي يقدم هذه الأنماط، تقريبا في حالتها الخالصة، بما تتضمنه من أحاسيسها المنصبّة في مادة الحجر والرخام أو المعدن، التي تتموج وتهتزّ، وفق نظام من الإيقاعات القوية، والإيقاعات الضعيفة، من النتوءات والفجوات، وما تتضمنه من الملامسات الجسدية القوية التي تشبك تلك الأحاسيس، وما تنظمه من الفراغات الكبيرة ما بين فئة وأخرى منها، أو داخل الفئة الواحدة، حيث لا نعود نعرف إن كان هو الضوء، أو الهواء الذي ينحث أم هو المنحث، جيل دولوز وفيليكس غتاري: ما هي الفلسفة، ص176.
26- يقول دولوز-غتاري:"المواد الخاصة بالكتّاب هي الكلمات وبناء العبارة، والعبارة المُبدعة التي تتصاعد بشكل لا يقاوم في أعمالهم وتمر عبر الإحساس"، جيل دولوز وفيليكس غتاري: ما هي الفلسفة، ص175.
27- جيل دولوز وفيليكس غتاري: ما هي الفلسفة، ص173.
28- جيل دولوز وفيليكس غتاري: ما هي الفلسفة، ص183.
29- جيل دولوز وفيليكس غتاري: ما هي الفلسفة؟، ص183 و184.
30- جيل دولوز وفيليكس غتاري: ما هي الفلسفة؟، ص184.
31- جيل دولوز وفيليكس غتاري: ما هي الفلسفة؟ ص172.
32- جيل دولوز وفيليكس غتاري: ما هي الفلسفة؟ ص175.
33- جيل دولوز وفيليكس غتاري: ما هي الفلسفة؟ ص191.
34- جيل دولوز وكلير بارنت: الألف لام، A مثلما في Animal [الحيوان]، ترجمة أحمد حسان، المحروسة، ص6.
يقول دولوز-غتاري:"الفن يبدأ، ليس مع اللحم [الجسم]، وإنما مع البيت؛ ولذلك فالعمارة هي أوّل الفنون. عندما حاول دوبوفيه (Dubuffet) أن يميّز حالة معيّنة من الفن الخام، توجّه أول الأمر نحو البيت، فكان عمله يقوم بين العمارة والنحث والرسم"، جيل دولوز وفيليكس غتاري: ماهي الفلسفة، ص194.
35- جيل دولوز وفيليكس غتاري: ماهي الفلسفة، ص192.
36- جيل دولوز وفيليكس غتاري: ما هي الفلسفة؟ ص193.
37- جيل دولوز وفيليكس غتاري: ما هي الفلسفة؟، ص193.
38- يقول دولوز:"ما يُبهرني تماما هي أمور الموطن territoire. الحيوانات ذات الموطن – حسنا، هناك حيوانات دون موطن، جميل – لكن الحيوانات ذات الموطن، الأمر مدهش لأن تأسيس موطن، بالنسبة لي، يعني تقريبا مولد الفن. كيف يسم بها حدود موطنه، الجميع يعرفون، الجميع يستحضرون دائما قصصا عن الغدد السرجية، عن البول، التي يسم بها حدود موطنه. لكن الأمر أكثر من ذلك بكثير: فما يتدخل في وسم تُخوم موطم موطن ما هي أيضا سلسلة من الأوضاع، مثلا، خفضُ الكائن لنفسه/رفع الكائن لنفسه؛ سلسلة من الألوان، قردة البابون، مثلا، لون إليات قردة البابون التي تستعرضها عند حدود مواطنها ... اللون، الأغنية، الوضع: هذه هي مُحدّدات الفن الثلاثة: أعني، اللون والخطوط – أحيانا تكون أوضاع الحيوانات خطوطا حقيقية – اللون، والخط، والأغنية – هذا هو الفن في حالته الخاصة"، جيل دولوز وكلير بارنت: الألف لام، A مثلما في Animal [الحيوان]، ترجمة أحمد حسان، المحروسة، ص6.
39- يقول دولوز:"...، حين تغادر موطنها أو تعود إلى موطنها، يقع ذلك في نطاق الإمتلاك والملكية، أعني أن الأمر بالغ الغرابة أن يقع هذا في نطاق الإمتلاك والملكية. "ممتلكاتي"، على طريقة بيكيت Beckett أو ميشوه Michaux. الموطن يؤسس ممتلكات الحيوانات، وبتركها لموطنها، تخاطر بهذه الممتلكات، وهناك حيوانات تتعرّف على شريكها، تتعرف عليه في الموطن، لكن ليس خارج الموطن"، جيل دولوز وكلير بارنت: الألف لام، A مثلما في Animal [الحيوان]،
ترجمة أحمد حسان، المحروسة، ص6 و7.
40- يقول دولوز:"ما هو مُبهر بوجه عام هو مجمل مجال العلامات. الحيوانات تبُثّ علامات، تبُثّ علامات دون انقطاع، تُنتج علامات. أعني، بالمعنى المزدوج، أنها تقوم برد فعل للعلامات – فالعنكبوت، مثلا، يقوم برد فعل لكل ما يلمس شبكته، يقوم برد فعل لأي شيء، يقوم برد فعل للعلامات –وتنتج علامات-"، جيل دولوز وكلير بارنت: الألف لام، A مثلما في Animal [الحيوان]، ترجمة أحمد حسان، المحروسة، ص7.
41- جيل دولوز وفيليكس غتاري: ماهي الفلسفة؟ ص193.
42- جيل دولوز وفيليكس غتاري: ما هي الفلسفة؟، ص199 و200.
43- محمد نعيم: دولوز وتجديد الفلسفة، ص494.
44- دولوز وفليكس غتاري: ما هي الفلسفة؟ ص185.
45- جيل دولوز وفيليكس غتاري: ما هي الفلسفة؟، ص175.
46- جيل دولوز وفيليكس غتاري: ما هي الفلسفة؟ ص174.
47- جيل دولوز وفيليكس غتاري: ما هي الفلسفة، ص171 و172.
48- جيل دولوز وفيليكس غتاري: ما هي الفلسفة، ص180.
49- جيل دولوز- كلير بارني: حوارات في الفلسفة والأدب والتحليل النفسي والسياسة، ص23.
50- جيل دولوز وكلير بارنت: الألف لام، I مثلما في Idée [فكرة]، ترجمة أحمد حسان، المحروسة، ص84.
يقول دولوز:"الفلسفة تُولد أو تُنتج من الخارج من طرف الفنان التشكيلي والموسيقي والكاتب، كلما ترتبت عن الخط النغمي الرنة، أو عن الخط المحظ المرسوم اللون، و عن الخط المكتوب الصوت الواضح. ليست هناك أي حاجة إلى الفلسفة: إنها تنتج بالضرورة هناك حيث يعمل كل نشاط على رسم خطه المؤدي إلى المغادرة الموطنية. ينبغي الخروج من الفلسفة والقيام بأي شيء كان للتمكن من إنتاجها من الخارج. لقد كان الفلاسفة دائما شيء آخر، ولقد عرفوا دائما نشأتهم انطلاقا من شيء آخر"، جيل دولوز- كلير بارني: حوارات في الفلسفة والأدب والتحليل النفسي والسياسة، ترجمة عبد الحي أزرقان-أحمد العلمي، أفريقيا الشرق، 1999، ص94 و95.
51- جيل دولوز وكلير بارنت: الألف لام،N مثلما في Idée [Neurologie]، ترجمة أحمد حسان، المحروسة، ص114
ملاحظات حول ترجمة بعض مفاهيم جيل دولوز إلى اللغة العربية:
- ترجم مطاع صفدي وفريق الترجمة بمركز الإنماء القومي percept ب"مؤثر إدراكي" /جمع "مؤثرات إدراكية" (أو مدركات) وaffect ب"مؤثر انفعالي" /جمع"مؤثرات انفعالية" (أو انفعالات)، وفي سياقات أخرى، يترجم affect ب"مؤثر إحساسي" /جمع "مؤثرات إحساسية" (أو أحاسيس)، جيل دولوز وفليكس غتاري: ما هي الفلسفة؟، ترجمة مطاع صفدي وفريق مركز الإنماء القومي، مركز الإنماء القومي، الطبعة الأولى، 1997.
- ترجم أحمد حسان percept ب"مُدرك" /جمع "مُدركات" وaffect ب "مُنفعل" جمع "مُنفعلات"،
جيل دولوز وكلير بارنت: الألف لام، ترجمة أحمد حسان، المحروسة.
- ترجم محمد نعيم percept ب"أدروك" /جمع "أداريك"و affect ب"أشعور" /جمع "أشاعير"، جمال نعيم: جيل دولوز وتجديد الفلسفة، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء-المغرب، الطبعة الأولى، 2010.