ولد بيير لويس التوسير يوم 16 أكتوبر 1918 في بلدة بيرمندريس، بالقرب من الجزائر العاصمة، وتوفي يوم 22 أكتوبر 1990 في عيادة دي لا فيريير (إيفلين). فيلسوف، محاضر في الفلسفة بالمدرسة العليا للأساتذة (1948-1980)، التي أصبح سكرتيرا لها في عام 1950؛ عضو في الحزب الشيوعي ابتداء من عام 1948، دون أن يشغل أي منصب قيادي، المنشط الرئيس ل"حلقة بوليتسر" في المدرسة العليا للأساتذة ابتداء من عام 1948؛ مدير مجموعة "Theory" بدار النشر ماسبيرو (1965-1980).
تميزت إلى الابد حياة لويس ألتوسير، المولود لأبيه شارل ألتوسير (1888-1975) وأمه لوسيان ألتوسير (1899-1995)، بطابع المأساة: مقتل زوجته هيلين ريتمان بخنقها يوم 16 نوفمبر 1980.
كانت هيلين ريتمان رفيقته منذ عام 1946، وتزوجها في عام 1976. تبدو محاولة تتبع قصته بأثر رجعي من الصعوبة بمكان، خاصة أنه لن يكون من الصعب على أي شخص أن يجد ما يبحث عنه من علامات أولية على هذا الفعل الذي لا يمكن إصلاحه: في رسالة إلى فرانكا مادونيا بتاريخ 25 أكتوبر 1961، أدلى لويس ألتوسير بهذه الملاحظات المرعبة حول هيلين: "كانت تعاني، تطلب إنقاذها من كل معاناتها، وفي نفس الوقت ترفض المساعدة التي تقدم لها بعنف مهول، كانت تدافع عن نفسها ضد الشخص الذي طلبت مساعدته كما لو أنها تدافع عن نفسها ضد الرجل الذي سيأتي باتجاهها ليخنقها ".
في الواقع، لا شيء سلم من التوظيف: اختزال ألتوسير إلى حالة نفسية، محاولة شفافة إلى حد ما لجعلها رمزا لجنون الماركسية أو الشيوعية أو كآبة القرن، وتحليل القتل باعتباره موتا للشيوعية، بل مجرد ومحض هذيان تأويلي يتجلى في الأحرف الأولى AIE لعبارة Appareils Idéologiques d Etat (الأجهزة الأيديولوجية للدولة) مثل الصدى المتوقع لصرخة هيلين الأخيرة (نحن لا نخترع أي شيء!).
سنكون على حق دائما عندما نرفض هذا القصة "في الزمن المستقبل السابق" والإعلان عن عدم اختزال النظري والسياسي في السيرذاتي. ومع ذلك، بأحد المعاني، يسلط الحدث النهائي بالفعل الضوء على المصفوفة الأساسية للمشروع الألثوسيري: التوتر الذي لا يطاق بين الحجز المنهجي في مجموعة من البنيات الخانقة بشكل متزايد والمطالبة المتزايدة بحرية لا تخضع لمساءلة أي شخص.
عاش لويس ألتوسير في الجزائر العاصمة حتى سن الثانية عشرة. استقر فلاح مورفانديو المتواضع، جده لأمه بيير بيرغر (1856-1934)، الذي تمت ترقيته إلى حارس غابة، في الجزائر حوالي عام 1870 مع زوجته مادلين (توفيت عام 1951). وإذا تمكنت ابنتهما الصغرى، جولييت، من ممارسة مهنة التدريس، فقد اضطرت ابنتهما الكبرى لوسيان (1899-1985) إلى التخلي عنها عندما تزوجت في يناير 1918 من شارل ألتوسير.
بعد اختيار الجنسية الفرنسية في وقت جرى فيه ضم الألزاس من قبل ألمانيا، اضطرت عائلة ألتوسير الكاثوليكية والمحافظة للغاية إلى الهجرة إلى الجزائر عام 1871، حيث كان جد الفيلسوف المستقبلي، جوزيف، الموظف في المياه والغابات كولمار (أعالي الرين)، حصل على وظيفة معادلة. بعد شهادته المدرسية، أصبح شارل، الابن الأكبر، ساعيا لدى شركة البنك الجزائري. كان لا يزال يعمل أمين الصندوق في عام 1914، وعُيِّن مديرا للفرع في الجزائر العاصمة، قبل أن تتم ترقيته في مرسيليا (بوش دو رون)عام 1930، ثم في ليون (رون) عام 1936، حيث قام بجلب أسرته تباعا.
باعتباره طالبا لامعا، تابع لويس، شقيقه الأصغر، دراسات ذات نفس طويل، محاطا بهالة أسطورة عائلية حقيقية بموجبها كان سيجتاز امتحان القبول في المدرسة العليا للأساتذة بسانت كلود: مما لا شك فيه أن المسار المستقبلي للفيلسوف لويس ألتوسير ليس غريبا عن هذه الأسطورة العائلية، تماما مثل الاحتراز العميق لدى طالب المدرسة العليا للأساتذة بزنقة أولم إزاء المدرسة العليا للأساتذة بسانت كلود. لأن وجود لويس ألتوسير يرجع فقط إلى وفاة عمه الحامل لنفس الاسم والذي قُتل في الحرب عام 1917.
عندما أبلغ شارل ألتوسير لوسيان بيرغر باختفاء هذا الخطيب المحبوب، اقترح عليها فورا الزواج منه؛ من هذا الاتحاد ولد لويس وجورجيت على التوالي (1921-1991)؛ سيظل الأخ والأخت دائما قريبين جدا من بعضهما البعض، حتى اثناء التوترات الكبيرة التي غالبا ما يتأثران بها في وقت واحد. لم يعد لويس ألتوسير أبدا إلى الأماكن التي أمضى فيها طفولته، ولا يمكن إلا أن نصدم بصمته العميق المستقبلي بشأن الحرب الجزائرية، حتى في مراسلاته الخاصة.
بعد الانتقال إلى مرسيليا في عام 1930، استمرت دراسات لويس ألتوسير في الاستجابة بالكامل لانتظارات الأسرة. في عام 1936 حصل على البكالوريا في الرياضيات والفلسفة. بين 1936 و1939، كان في القسم الدراسي التحضيري بثانوية بارك بليون، حيث تلقى تعليما خاصا من جان غيتون وجان لاكروا في الفلسفة، و من جوزيف اورز في التاريخ.
بعد أن أصبح "أمير تالا" في عام 1937، أي ممثلاً لتلاميذ الأقسام التحضيرية الكاثوليكيين، سعى إلى إنشاء قسم من الشباب الطلابي المسيحي من بينهم. لكن لو لم يكن غير حساس لما أطلقت عليه الكنيسة آنذاك "المسألة الاجتماعية"، لكان في الوقت الحالي متموقعا إلى اليمين ولأكد نفسه كملكي، دون الانتماء إلى أي تنظيم.
في يوليو 1939، احتل الرتبة السادسة في لائحة الناجحين في امتحان الولوج إلى المدرسة العليا للأساتذة، لكن دراسته لم تبدأ إلا بعد التحرير.
من يونيو 1940 إلى ماي 1945، كان أسير حرب في ألمانيا، حيث يبدو أنه ولج لأول مرة إلى المستشفى بسبب الاضطرابات العقلية، وعانى من الأزمة الأولى المرتبطة بمعتقداته الدينية.
في عام 1943، لعب دوره السياسي السري الأول مع روبرت دايل، أحد المقربين من الفرنسيين في معسكر 10 A؛ أقام صداقات لأول مرة مع عامل مناضل (أندريان بروفوست، الملقب برينيه ميشو)، ثم مع شيوعي متشدد (بيير كوريج). رجل موثوق به من الفرنسيين في المعسر سالف الذكر؛).
ستكون السنوات 1945-1948 هي سنوات إنشاء نظام لن يتغير بعد ذلك. في عام 1947، حصل على دبلوم الدراسات العليا من خلال كتابة اطروحة عن هيجل، تحت إشراف غاستون باشلار، والتي ستضع إلى الأبدإطارا لقراءته للفيلسوف الألماني. حصل على المركز الثاني في تجميع الفلسفة عام 1948، وعُين على الفور جامعا للفلسفة ("كايمان" في اللغة المحلية) في المدرسة العليا للاساتذة التي استقر بها حتى عام 1980.
في يناير 1946، تعرف على هيلين ريتمان و نسج معها علاقة لم تكن حصرية على الإطلاق. لكونه ضحية اكتئاب خطير، تم نقله إلى المستشفى في سانت آن بين مارس وماي 1947، حيث عولج من الذهان الهوسي الاكتئابي: طوال حياته، سيعود لأخذ العلاج بالمستشفى كل ثلاث سنوات تقريبا.
في نوفمبر 1948، انضم إلى الحزب الشيوعي الفرنسي. في عام 1950، اتصل بالطبيب النفسي والمحلل لوران ستيفينان، الذي كان مريضه حتى عام 1964.
لم يكن الانتقال من الكاثوليكية إلى الشيوعية سوى خط مستقيم. إذا كان لويس ألتوسير الآن على اليسار بشكل واضح، فقد كان ولا يزال مسيحيا، قريبا جدا من المجموعة الصغيرة المتحدرة من ليون "شباب الكنيسة"، التي تأسست في كلامار (نهر السين) تحت إشراف الأب الدومينيكي موريس مونتيكلار.
بعد انضمامه إلى الحزب الشيوعي الفرنسي، وتحديدا سنة 1949، شارك عن كثب في أنشطة المجموعة، إلى حد انه نشر مقالا طويلا في الكراسة العاشرة لشبيبة الكنيسة (بعنوان "مسألة وقائع"، أعيد نشره في "كتابات فلسفية").
عديدة هي التماثلات المذهلة بين شبيبة الكنيسة وعلاقة ألتوسير المستقبلية بالسياسة. وبوصفه حذرا جدا من أي شكل من أشكال الوساطة، طالب مونتيكلار "بسياسة إيمانية" حقيقية، تتمحور حول هدف تجديد الكنيسة انطلاقا من جماعة قاعدية.
إلى جانب اهتمام لويس ألتوسير المتأخر بلاهوت التحرير في الثمانينيات، لا يسعنا إلا أن يفكر هنا في موقعه داخل الحزب الشيوعي الفرنسي. وليس من الاستسلام لسحر الوهم الاستعادي إقامة صلة بين "مناهضة الإنسانية النظرية" لألتوسير في سنوات 1960-1970 والمناهضة المسيحية للإنسانية التي أكدها موريس مونتيكليار في عام 1949.
شكل انضمام لويس ألتوسير إلى الحزب الشيوعي عام 1948 التزاما بلا رجعة، وظاهرة استثنائية لـ "مثقف عظيم" من هذا الجيل. ولكن على عكس كثيرين غيره، لم يمارس مطلقا أدنى مسؤولية في هيئات الحزب، الرسمية أو غير الرسمية. لم يكن عضوا في اللجنة المركزية ولا حتى سكرتير خلية، كما أنه أبعد نفسه عن المؤسسات الفكرية مثل مركز الدراسات والبحوث الماركسية، ولم يكن ينتمي إلى هيئة تحرير أي مجلة مرتبطة بالحزب.
وإذا كانت أرشيفاته تحتوي على "ملاحظة لـهنري كرازيكي [المسؤول حينئذ عن القطاع الفكري في كتابة اللجنة المركزية] في ما يتعلق بسياسة الحزب تجاه العمال المثقفين"، بتاريخ فبراير 1965، كان كل شيء يشير إلى أن الأمر يتعلق بمبادرة شخصية.
لا يمكن تفسير هذه الظاهرة بالكامل إلا انطلاقا من ظروف عضوية ألتوسير في الحزب الشيوعي الفرنسي. وكما كان متحمسا لحزب البروليتاريا، فقد دخله في نفس الوقت باهتمام خاص: إعادة تأهيل هيلين. ولأسباب غامضة، فإن الأخيرة، حسب قولها عضوة في الحزب قبل الحرب، لم تتمكّن من الاندماج فيه، رغم جهود ألتوسير للتغلب على العداء تجاهها. بالإضافة إلى ذلك، طُردت من حركة السلام عام 1950، ودُعي لويس ألتوسير للانفصال عن "عدوة الحزب" هاته.
في ظل هذه الأحداث المؤلمة، أصبح يعرف الآن ما يمكن توقعه فيما يتعلق بالممارسات الحزبية: سيحافظ على هذا "الفكر بالخلف" والذي سيقوده دائما إلى التقدم مقنعا. ووفقا لبنية التوسيرية بشكل نموذجي، فإن الارتياح هنا معاصر تماما لخيبة الأمل. ولم يكن لمحاكمة هيلين غير المقبولة أي علاقة بإعدام راجك.
بالنسبة إلى لويس ألتوسير، مهما أكد لاحقا، كان بالطبع ستالينيًا، كما يظهر بوضوح شديد في كتاباته المنشورة بعد وفاته. لكننا قد نبحث عبثا عن أي أثر للمشاركة في مختلف أشكال المحاكمات السياسية السارية في ذلك الوقت في إطار الحزب الشيوعي الفرنسي. أما بالنسبة لمضمونها، فإن الستالينية عند ألتوسير كانت لها نبرة خاصة به وحده.
الالتزام الشيوعي لا يمكن تبريره أبدا بأدنى إشارة إلى "اتجاه التاريخ": على العكس من ذلك، فقد أصر دائما على فقر البروليتاريا، وعلى الهشاشة الشديدة للحزب المنكوب، (كتابات فلسفية...، ر 1، ص: 312 - 313).
هذا النوع من العلاقة بالحقيقة مفيد للغاية: 1) مهما كان الستاليني لويس ألتوسير، فإن أرشيفاته لا تحتوي على أي إشارة إلى نظرية "العلمين" (العلم البرجوازي والعلم البروليتاري). وإذا كنا لا نعرف موقفه بالضبط في "قضية ليسينكو"، فإن أقل ما يمكننا قوله هو أنه لم يكن متحمسا لها على الإطلاق.
فضلا عن ذلك، عندما أثار هذا المسألة متأخرا سنة 1954 في مسودة خطاب أمام مؤتمر فرعي، تم ذلك بعبارات مناقضة تماما لتلك التي استخدمها، مثلا، لويس أراغون عام 1948: "عندما نادى رد الفعل ... بتدخل السياسة في العلم، أعطينا الانطباع بالإجابة كلمة بكلمة قائلين: نعم هو بالفعل تدخل سياسي، لكنه تدخل سياسي معين، لأنه من صنع حزب الطبقة العاملة - بدلا من تطوير الفكرة في نفس الوقت وبقوة متساوية، وهي فكرة غريبة تماما على أعدائنا، (مفادها) أن هذا التدخل حدث لأسباب علمية، وأنه تم تبريره بشكل أساسي من خلال الطابع العلمي لبيولوجيا الطليعة". 2) إن واجب الحقيقة لدى الشيوعيين، ولا سيما المفكرين منهم، مؤسس أنطولوجيا على حقيقة أن الأمر يتعلق "بان نرد للرجال ما اعطوه [إيانا] . مثل العمال الذين يعطوننا الخبز، فهم يعطوننا الحقيقة التي نعيشها" (رسالة إلى جان لاكروا، ص: 306). لكن تدارك الحقيقة يفترض أولاً وقبل كل شيء استخراجها المؤلم.
يرفض لويس ألتوسير رؤية الماركسية على أنها "فلسفة محايثة للبروليتاريا" بحيث نكون أمام مجرد مسألة تجميع وتطوير. إذا كان أفق ألتوسير هنا هو "الدين (بكسر الياء) الخيالي لعدم ولادته بروليتاريا" الذي تم استنكاره لاحقا في مقدمة كتابه "دفاعا عن ماركس"، فإننا نجد بالفعل بذرة الفكرة، المستعارة من كاوتسكي، والمميزة لألتوسير البالغ، وهي المظهر الخارجي للعلم و الحركة العمالية.
كانت الخمسينيات من القرن الماضي سنوات الاستقرار والنضج. ورغم أن تأثير ألتوسير ظل محدودا للغاية، إلا أنه اكتسب سمعة فكرية قوية. كمشارك بشكل كبير في الحياة الداخلية للمدرسة العليا للأساتذة، التي شغل فيها منذ عام 1950 وظيفة٦ سكرتير أسيئ تحديدها، اصبح كايمان الفلسفة شخصية لا يمكن الاستغناء عنها، وستدعمه إدارة المدرسة دائما بشكل فعال خلال نوبات ذهانه.
وكمنتبه يفظ حيال مسألة تدريس الفلسفة، نشر، مثلا، مساهمة في العدد الخاص من مجلة (Esprit) (يونيو 1954) المخصصة لإصلاح التعليم. وكعضو في مكتب جمعية أساتذة الفلسفة في التعليم العمومي، شارك بانتظام في أنشطتها، ونشر عدة مقالات في مجلة التعليم الفلسفي: "حول الماركسية" و "ملاحظة حول المادية الديالكتيكية (1953)، يهدف من ورائها إلى أن يقدم إلى المؤسسة، التي لا يحملها على محمل الجد، فلسفة ماركسية علمية منبثقة من مناقشات ماركس الشاب، ويعتقد أنها متميزة بشكل أساسي عن المادية التاريخية؛ بالإضافة إلى مقال آخر بعنوان "عن موضوعية التاريخ (رد على بول ريكور)" (1955).
لكنه في هذه الأثناء كان مهتما بشكل أساسي بالفلسفة السياسية الكلاسيكية، لذلك قدم مشروع أطروحة حول "السياسة والفلسفة في القرن الثامن عشر الفرنسي"، والقى درسا متميزا حول التصورات التاريخية في القرن الثامن عشر. ضمن هذا السياق نشر عام 1959 كتابه الأول: "مونتسكيو، السياسة والتاريخ"، الذي ركز فيه على تحليل المواقف الطبقية لمونتسكيو، وعلى نقد أسطورة مونتسكيو المنظر حول "فصل السلط". ومن الناحية السياسية، لم يكن لويس ألتوسير مرتبطا بأي جماعة معارضة داخلية للحزب الشيوعي الفرنسي.
دافع هذا الشخص المنعزل في زنقة أولم عن مواقف المعارضة في وقت مبكر جدا. في عام 1948، تولى إدارة "حلقة بوليتسر" التي أسسها طلبة المدرسة العليا للأساتذة: باعتبارها بنية غير رسمية تدعو المحاضرين الشيوعيين على وجه الخصوص، كانت هذه الحلقة تتمتع بميزة عدم الاعتماد المباشر على جهاز الحزب. كتب "تقرير خلية ENS-لانجفان إلى مؤتمر قسم الدائرة الخامسة"، بتاريخ 15 و16 ماي 1954"، انتقد فيه بشدة أطروحات وممارسات الحزب.
فإذا كانت "إدانة انحرافات الرفيق ليكور" مبررة ، فإن وجودها يرجع: "
1) إلى عدم الملاءمة الأيديولوجية الموجودة على جميع مستويات الحزب ... - وجها لوجه مع القادة ...
3) إلى الطابع الرسمي الذي لا يزال في كثير من الأحيان في حاجة إلى النقد والنقد الذاتي".
وبالمثل، إذا تم التخلي عن "الانحراف اليساري" لنظرية العلمين، "فإننا نعتقد أن هذا السؤال" بشكل أساسي "لم يتم توضيحه بشكل مرضٍ بعد" وأن التبريرات التي قدمها "الرفيق كانابا غير مؤهلة". لذلك طالبت الخلية بشكل أساسي "بأن يعزز الحزب مساعدته للمثقفين حتى يدرسوا ويستوعبوا أحسن فأحسن مبادئ الماركسية اللينينية؛ ويولي الحزب اهتماما أكبر للقضايا الأيديولوجية”. بعبارة أخرى، الغياب شبه الكامل للتفكير النظري سيؤدي لا محالة إلى تناوب الانحرافات "اليسارية" و"الانتهازية".
ذلك ما عبر عنه لويس ألتوسير في نص غير منشور من نفس الفترة بعنوان "مشكلة الجبهة الموحدة الإيديولوجية". إذا كان لسياسة "الجبهة الموحدة" السياسية معنى، فإن شعار "الجبهة الموحدة الإيديولوجية"، الذي كان رائجا في الحزب، لم يكن له اي معنى، على حد قوله، وكان بمثابة نبذ محض وبسيط لما يضمن خصوصية الحزب الشيوعي: النظرية الماركسية.
لكن ما هي هذه النظرية بالضبط؟ فبطرحه هذا السؤال أصبح ألتوسير منسجما مع نفسه.
وصل فكر لويس ألتوسير إلى مرحلة النضج في بداية الستينيات، عندما ظهرت أزمة "الحركة الشيوعية العالمية"، وعندما واجه الحزب الشيوعي الفرنسي، الذي تعرض للخطر بسبب موقفه الغامض من الحرب الجزائرية، لانتقادات شديدة من جانبه الأيسر ، ولا سيما من قبل الحزب الشيوعي الجزائري، وبالأخص من قبل "الحركة الطلابية". أما في ما يتعلق بالتعبيرات الاصطلاحية، فقد تغيرت: فالمجال الفكري، الذي غزته العلوم الإنسانية، سرعان ما سيطرت عليه موجة "البنيوية" الهائلة، وفقدت لهجة ما بعد الحرب، ولا سيما السارترية، هيمنتها.
بعيدا عن أي محاولة للانطواء على الفلسفة البحتة، أو ببساطة للدفاع عن مبادئ الماركسية، ذهب ألتوسير على العكس من ذلك إلى وضع استراتيجية تهدف إلى رفع الماركسية إلى مستوى الرهانات الجديدة. بيقظة حادة حيال انشغالات الأجيال الجديدة من خريجي المدرسة العليا للأساتذة، كان الكايمان الفلسفي يستجيب لتوقعات أولئك الذين أطلق عليهم وديا وصف "كلابي الصغيرة" في مراسلاته مع فرانكا مادونيا، محافظا على علاقة معهم لن تكون أبدا في اتجاه واحد.
في واقعة نادرة جدا في ذلك الوقت، قام بتنظيم ندوات بحثية معهم: حول ماركس الشاب في المدة الزمنية المحصورة بين 1961-1962، حول "أصول البنيوية" في المدة بين 1962-1963 (هو نفسه يتحدث عن ليفي ستروس وميشيل فوكو، تلميذه السابق، الذي مارس عليه كتابه "تاريخ الجنون" الصادر حديثا انبهارا حقيقيا)، حول لاكان والتحليل النفسي خلال موسم 1963-1964، حولكتاب "رأس المال" في موسم 1964-1965. كما عمل على تقديم المحاضرة الأولى لطالبيه السابقين بورديو وباسيرون في عام 1963، وفي عام 1964 دعا لاكان، المطرود من سانت آن، إلى عرض محاضرته في المدرسة العليا للأساتذة: العمل الافتتاحي لتحالف سيكون له تأثير دائم، وسيظهر من خلال نشر مقالته الموسومة ب"فرويد ولاكان" في ديسمبر 1964.
انطلاقا من كونه حساسا جدا تجاه للاهتمامات الإبستيمولوجية لتلاميذه في المدرسة العليا، شجع، مثلا، بيير ماشيري على نشر مقال عن "فلسفة العلم عند جورج كانغيلهم"، الذي حرر هو نفسه "تقديما"له.
بدأ عمل لويس ألتوسير حول ماركس بترجمته لـ "البيانات الفلسفية" لفيورباخ سنة 1960. بالنسبة له، فإن الأمر تعلق بالتفكير في "بداية" ماركس، الفيورباخي وليس الهيجلي. في ما وراء الرهانات التأريخية، هنا تشكل المشروع الفلسفي السياسي: "من المهم أن ندرك بوضوح أصل هذه المفاهيم الفويرباخية ... حتى لا ننسب إلى ماركس اختراع المفاهيم والإشكالية التي لم يقم سوى باستعارتها. إن نقد هيجل المنسوب عموما إلى ماركس، وعلى وجه الخصوص فكرة "قلب" الديالكتيك الهيغلي، هما في الواقع فيورباخيان، وماركس "انفصل عن فيورباخ عندما أدرك أن نقد فيورباخ لهيجل كان نقدا "من قلب الفلسفة الهيغلية" ("البيانات الفلسفية لفيورباخ").
في هذا النص العائد إلى عام 1960 يظهر لأول مرة لدى لويس ألتوسير مفهوم، مستعار بحسبه من صديقه جاك مارتان، والذي سيعمل قريبا كدليل على الانتماء - هو مفهوم "الإشكالية": لفهم فلسفة ما، لا يكفي فقط معرفة ما يريد المؤلف قوله ، بل لا مناص من إعادة تشكيل المشكلة التي فكر فيها ، غالبًا دون علمه ؛ لفهم فكر ماركس الناضج يعني إعادة تشكيل إشكاليته وانفصاله عن إشكالية فيورباخ. وهكذا تم تطوير مفهوم "القطيعة الإبستيمولوجية"، الموعود بمستقبل مشرق: كل علم .يتم تأسيسه بفعل قطيعة مع ما قبل تاريخه الأيديولوجي.
(يتبع)