في البداية لابد من تحديد هذا اللفظ لان الحكم على الشيء فرع عن تصور، والتصور يدرك بالحد.
ما هو حد الأسطورة؟
ما معنى الحد ؟ وهل هناك إمكان لتطبيقه على الأسطورة؟
1- الحد هو منتهي التعريف عند اليونان وهو ينتمي إلى ثقافتهم وإمكانات ثقافتهم.
2-الحد هو التعريف الجامع المانع وهو التعريف بذاتيات الأشياء.
ومن تم إمكانات تطبيقه عندهم على ألفاظهم، كتعريفهم للعقل بالجوهر البسيط.
ولذلك فالتعريفات الحدية عندهم ممكنة، ويمكن أخذ الأسطورة عندهم نموذجا.
1- تعريف الأسطورة عند اليونان :
-"هي مجموعة من الحكايات"
- مسلمة
- قصص مغرقة في الخيال
- أساطير مرتبطة بالحياة البدائية
- أساطير مرتبطة بالآلهة
في ظل هذه الثقافة يمكن تحديد الأسطورة في :
-ثقافة الخيال
-ثقافة انعدام الدين
2- لكن هل ممكن إيجاد تحديد للأسطورة في الإسلام أو في الثقافة الإسلامية ؟
يمكن إيجاد بعض الدعاوى التي تدعي تحديد الأسطورة وتعريفها.
لكن على المستوى النظري، هل هناك إمكان لتحديد الأسطورة؟
أعتقد أن تطبيق "نظرية الحد" على الأسطورة غير ممكن، وذلك للعوائق التالية :
1)العائق الأول: العائق العقدي بالمعنى الفلسفي، العائق الماورائي أوالميتافيزيقي، وإذا كان لابد في التعريف بالحد من تحديد الذات فإن ذلك يعتبر أكبر عائق لنا على البحث في ذاتية الأشياء والألفاظ، فمثلا لايعقل في ظل الثقافة الإسلامية تحديد "الله"..
ولهذا ولأجل معرفة الله يشير علينا القرآن التفكر في الكون قال تعالى "ألم يتفكروا في أنفسهم". الروم 8
"فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحي الأرض بعد موتها " الروم 50 .
وهناك حديث "تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في ذات الله".
لأن الحدود اليونانية هي ولا شك محملة بالمواقف الميتافيزيقية، بمعنى لما نقول الأسطورة، فنعني الحمولات الأسطورية اليونانية، فهي غير مجردة.
2) العائق الثانـي: العائق اللغوي: ويتجلى في كون اللغة العربية لغة اشتراكية مجازية، ولا شك أن الاشتراك عائق على تحقيق التعريفات الحدية ولهذا اكتفى المسلم بالتعريف اللفظي.
فالأسطورة هي : السحر- المحدث- الغرابة- الباطل- الخيال- البدعة- العجيب – القصة ..
فالأسطورة العربية ذات حمولات مجازية، وقد تكون كذلك ومن تم إمكان لتفسيرها بتفسيرات متعددة، يمكن أن تتداخل مع غيرها من الألفاظ وهي ليست ذات حمولة واحدة.
كما هو الشأن : الأسطورة هي القصة
الأسطورة هي الخيال
الأسطورة هي السحر
وذلك فيه ما فيه من عسف على معنى الأسطورة..
العائـق الثالث: منهجي ومعرفي : لما تشكل العقل في الاتجاه اللغوي والاتجاه العقدي، كان كذلك ليس ممكنا، التفتح على مختلف التعريفات في الثقافات الأخرى، وهذا بدوره عائق على تحديد الأسطورة.
ويمكن من هنا أن أعطي بعض الأمثلة على الوسائط التي شكلت العقل العربي:
1)نأخذ من القرآن قصة موسى مع فرعون:
"قال موسى يا فرعون إني رسول من رب العالمين" الأعراف 104
"قال فرعون وما رب العالمين" الشعراء 23
"قال رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين " الشعراء 24.
فلم يجب موسى بجواب "الحد" بالذوات لأن السؤال سؤال عن الماهية، فأجاب القرآن على لسان فرعون.
"قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون" الشعراء 27.
وحادث آخر يشير إلى الاهتمام بالأوصاف بدلا من الذاتيات ما جاء في حديث رسول الله (ص) بعد عودته من المعراج فأخذ يعرف الأنبياء بالأوصاف والأشباه. 1
أضف إلى هذا أن تاريخ العرب والإسلام والعربية مرتبط أكثر بالرسوم، ولذلك فتاريخ العرب والمسلمين هو تاريخ وقوع المعرفة على الأسماء لا على التصورات الذهبية، كما هو شأن الحد الأرسطي وما في الذهن لا يعين ولا يعرف، وما في الذهن ليس هو الحقائق ولا يفيد تصور الحقيقة لأن من لم يدق العسل لم يفده تصوره بالكلام والحد، وهذا مع المحسوسات الظاهرة، فما بالك مع المدركات الباطنية.
إذن ما يمكن استنتاجه هو عدم إمكان إيجاد تعريفات حدية للأسطورة، وإنما هي تعريفات وصفية ولذلك من السهل الآن القول :
الأسطورة هي: الخرافة- العجب- شبح- القصة - السحر - الأخبار - الغرابة- الحكايات – تفاهة..
وهذه كلها تعاريف لفظية معجمية تحيلنا على النقطة الثانية من الموضوع وأقصد بها التعريف المعجمي:
ونعود فيه إلى أكبر معجم عربي وأشهره وهو لسان العرب :
-سَطَر : السَّطْر من الكتاب
-الجمع : أسطر وأسطار وأساطير ، وسطور
كتب سطرا والسطر : الخط والكتابة
وقال الزجاج في قوله تعالى "وقالوا أساطير الأولين"، معناه قالوا الذي جاء به (القرآن) أساطير الأولين : معناه سطره الأولون.
وواحد الأساطير : أسطورة كما قالوا : أحدوثة وأحاديث وسطر يسطر إذا كتب، قال الله تعالى "ن والقلم وما يسطرون" أي ما تكتب الملائكة.
قال أبو سعيد الضرير : سمعت أعرابيا فصيحا يقول : أسطر فلان اسمي أي تجاوز السطر الذي فيه اسمي، فإذا كتبه قيل أسطره..
قال ابن بُزُرج يقولون للرجل إذا أخطأ فكتبوا عن خطئه: أَسْطر فلان اليوم، وهو الإسطار بمعنى الإخطاء.
والأساطير : الأباطيل، والأساطير: أحاديث لا نظام لها ، وأحدثها إسطار وإسطارة، بالكسر وأسطير أو أسطيرة وأسطور وأسطورة بالضم.
قال قوم : أساطير جمع أسطار وأسطار جمع سطر .
وقال أبو عبيدة : جمع سطر على أسطر ثم جمع أسطر على أساطير.
وقال : أبو الحسن : لا واحد له، وقال اللحيائي واحد الأساطير أسطورة.
قال: ويقال :سَطْرٌ ويجمع إلى العشرة أسطارا ثم أساطير جمع الجمع.
وسطرها : ألفها، وسطَّر علينا أتانا بالأساطير.
الليث: يقال سطر فلان علينا يسطٍّر إذا جاء بأحاديث تشبه الباطل، يقال: هو يسطٍّر ما لا أصل له أي يؤلف.
وفي حديث حسن : سأله الأشعت عن شيء من القرآن فقال له: والله إنك ما تسيطر علي بشيء أي تروج. يقال : سطر فلان على فلان إذا زخرف له الأقاويل ونصقها، وتلك الأقاويل، والأساطير والسُّطُرُ.
ومنها المسيطر وفي القرآن "ليس عليهم بالمسيطر" أي متسلط.
ومنها السيطرة مصدر المسيطر، وهو الرقيب الحافظ المتعهد للشيء، ومنه السَّاطرون : اسم ملك من العجم كان يسكن الحضر وهو مدينة بين دجلة والفرات، غزاه سابور ذي الأكتاف فأخذه وقتله.
ومنه الـمُسْطار الخمر الحامض
الـمُسطار من أسماء الخمر التي اعتصرت من أبكار العنب حديثا2 .
ما نستنتج من هذه الوقفة :
إن الأسطورة هي : 1) الخط والكتابة وكأننا نخط الأساطير بأيدينا ونكتبها، قال تعالى "ن والقلم وما يسطرون" أي ما تكتبه الملائكة.
2) أحدوثة وأحاديث من أشياء تستحدث فهي ليست أصيلة، بدعة بالنسبة للشرع.
3) التجاوز من أسطر فلان، اسمي أي تجاوز السطر وكأن الأسطورة تجاوز لما هو حق بالنسبة للشرع وتجاوز بالنسبة للعقل ..
4) الخطأ أسطر فلان وهو الإسطار بمعنى الإخطاء.
5) الأساطير الأباطيل ومنها وصف القرآن لكثير من الأساطير للأقوام الأولين.
6) أحاديث لا نظام لها وكأن صاحب الأسطورة يؤلف كلاما فيه تناقض في داخله.
7) تأليف (يقتضي النظام)
8) التعفف من الأباطيل، جاء بأحاديث تشبه الباطل.
9) يسطر ما لا أصل له أي يؤلف (مع العلم أن التأليف يكون له أصلا).
10) زخرفة الأقاويل فيه صناعة (سطر فلان)
11) التسلط وكأن الأسطورة سيطرة على الأذهان (مسيطر)
12) الساطرون يروي أسطورة في شأنها
13) سطر : يروج، وكأنها ترويج لإشاعات..
14) اعتصار الخمر من أبكار العنب، وكأنها عصارة لشيء يستحدث أي تعتصر شيء من شيء حيث تحدث كلاما بكرا.
ما يمكن أن نلاحظ على الدراسة المعجمية أنها :
1-تقريبية تصورية لا تفيد إلا ما تفيده المعاني ابتداء .
2- فيها بعض التناقضات :
- التأليف ≠ لانظام لها
- هي تأليف ولكن لا أصل لها والتأليف يقتضي البناء على الأصول ..
- هي أباطيل وشبه أباطيل.
3-لا تدرس اللفظ في فضاء معين أو زمان معين ولهذا فالحري بالبحث أن يتتبع اللفظ في تطوره التاريخي، ولكن المعجم أو القاموس العربي لايفيدنا في هذا المجال، وكان الأمر يقتضي أن يكون كذلك، لكن وللأسف ليس لدينا معاجم تؤرخ للألفاظ ومن هنا الصعوبة.
ولعل هذه الصعوبة "تجاوزها نوعا ما القاموس الفرنسي3 وبالمقارنة نفهم من حديثه أن الأسطورة هي:
-حكايات غريبة-لها أقوال شعبية-تجعل من موضوعها الحديث عن الآلهة -الأبطال-الحيوانات- قوة الطبيعة.
رموزها : -القوة والإرادة المتناهية والميثولوجيا الخارقة.
تسرد لنا هذه المعاجم الأساطير الكبرى :
1-كأساطير اليونان
2-الأساطير الطوطمية
3-تتحدث في الأسطورة والخيال التي يمكن إيجادها في بعض المؤلفات الأدبية.
4- الأسطورة في العصر الذهبي وهي غالبا ما تتحدث عن الجنة المفقودة..
القاموس الفرنسي بهذا المعنى؛ نفهم كيف تطور لفظ الأسطورة من المعنى المعجمي اللفظي والإسمي إلى المعنى الاستعمالي وهو الأمر الذي لا نجده في العربية لأننا لم نكتب عن التطور الاستعمالي في التاريخ ولاشك أن الألفاظ لها استعمال تاريخي مختلف، بمعنى معين إن الأسطورة في الجاهلية ليس هي نفسها في الإسلام وبعده.
وقد أشار بعض الباحثين إلى هذا النقص الذي تعاني منه العربية مثل شارل بيلا4 وذكر -أركون- نفس الشيء "كان أركون يخشى أن يؤدي استخدام كلمة أسطورة إلى اللبس وسوء التفاهم نظرا لعدم تبلور هذا المفهوم في اللغة العربية بالمعنى الانتربولوجي الحديث، وذلك لسبب بسيط هو انقطاع العرب عن الإسهام الفعال في تطوير العلوم الإنسانية الحديثة"5.
من المعجم إلى المفهوم :
ننتقل من المعجم إلى مفهوم الأسطورة، وفي هذه الدراسة نحتاج إلى تاريخ الأسطورة، وقد سبق إلى أنه غير ممكن.
والمفاهيم لا ينبغي أن نفهم منها الفهم المنطقي الذي يحصرها في الإدراكات العقلية، وإنما نقصد بالمفاهيم المعنى المستعمل في المجتمع والتاريخ العربي الإسلامي، وكيف استعمل المسلم لفظ الأسطورة في التاريخ، وهو نفس المعطى الذي كان يستعمله عبد الله العروي مع المفاهيم "إننا لا نبحث في مفاهيم مجردة لا يحدها زمان ولا مكان بل نبحث في مفاهيم تستعملها جماعة قومية معاصرة هي الجماعة العربية"6.
البحث بهذا المعنى لا يسمح الوقت تغطيته لأنه يحتاج إلى كتابة الألفاظ وتطورها تاريخيا وهذا غير ممكن.
ولهذا أحبذ أن أعرج على القرآن وبعده التفسير كي أشير إلى بعض القضايا التي تتعلق بهما، لكن قبل ذلك أود أن أشير إلى أن محمد أركون وقف عند العلاقة بين الأسطورة والقرآن واتخذ مجموعة من الأوليات لدراسة القرآن من جانبه الأسطوري كما يدعي :
الأولية الأولى: التسلح بمنهج يعتقد أنه صالح للقراءة.
"لقد شرعت في تطبيق إشكاليات ومناهج اللسانيات والسيميائيات لتحليل الخطاب القرآني منذ أوائل السبعينات من القرن الماضي"7.
الأولية الثانية جعل القصص القرآني هو الأسطورة.
"فالقرآن هو الذي أقر بأفضلية القصص على الأسطورة كوسيلة لتقديم التعاليم الإلهية المتعالية والعلم الموروث به كبديل لأساطير الأولين. والقصص هو ما يصفه الانتربولوجيون المحدثون بالميث أو "ميثوس" Mythos الذي تميز أو تمايز عن اللوغوس Logos (النطق أو المنطق)"8
ومن هنا يمكن اعتبار القصص القرآني أسطورة لارتباطها بالأساطير وبأشخاص من رواة هذه الأساطير، والتفسير يرتبط بأسباب النزول الذي له هذه الخلفية "يوجد في التراث الإسلامي شيء يدعى "قصص الأنبياء"، وهي تحتوي على العديد من القصص. ونخص بالذكر منها تلك التي جمعها يهوديان اعتنقا الإسلام وهما كعب الأحبار، ووهب بن منبه. وهذه القصص العديدة تشكل الخلفية الأسطورية التي تفسر لنا سبب نزول كل الآية (..) إن هذه القصص تبين لنا العلاقة القوية بين تفاسير القرآن، وبين المخيال الديني الذي ساد طيلة القرون الهجرية الثلاثة الأولى في الوسط الطائفي لمنطقة الشرق الأدنى"9.
ومن هنا لم يكن غريبا أن يفسر سورة الكهف أو بالأحرى أن يجعل سورة الكهف وقصتها هي قصة أهل الكهف المسيحية وملحمة "غِلْفَامِش الآشورية ورواية الإسكندر الكبير الإغريقية.
"ولذلك نجد في سورة واحدة هي سورة الكهف- أصداء واضحة لثلاثة قصص سابقة هي قصة أهل الكهف المسيحية، وملحمة غلفامش الآشورية، ورواية الإسكندر الكبير الإغريقية. هكذا نجد ثلاث مرجعيات ثقافية قديمة متداخلة مع النص القرآني أو موظفة فيه"10.
ولعل سبب عدم البوح بهذه الحقيقة عنده ترجع إلى أن المفسرين أعطوا معاني سامية للألفاظ، القرآنية مما أفقدت معانيها التاريخية "تضخيم العبارات القرآنية على يد المفسرين الأوائل ورفعها إلى مرتبة التعالي المقدس لكي تفقد كل صفة تاريخه أو كل علاقة بالظروف التاريخية التي ظهرت فيها"11.
هنا أريد أن أسجل بعض الملاحظات :
هل الموروث المنهجي الغربي والذي ينتمي لتاريخ ثقافي غير المجال القرآني قادر على تفسير النص القرآني، وبالأحرى تفسير القصص القرآني؟
الذي تحكم في تفسير أركون أن تشابه القصص القرآني بالأسطوري أوقعه في جعل القصص القرآني هو الأسطورة.
الذي تحكم فيه الفكر الاستشراقي عند دراسته لهذه الظاهرة (فدومينيك سورديل يرى أن ذا القرنين ما هو إلا الإسكندر الأكبر أو الإسكندر المقدوني).
ألفاظ القرآن ألفاظ تاريخية هذا غير صحيح12.
خلط بين التفاسير للقصص القرآني والتي أخضعت لكثير من الأساطير وبين القصص القرآني بمفرده.
وهذا ما ذكره في قصة الكهف بل وزاد عليها أن القرآن كرر هذه الأسطورة.
فياجوج وماجوج "في الأسطورة التوراتية يقال لنا بأن شعبي ياجوج وماجوج سوف ينزلان من جهة الشمال في نهاية الأزمان لكي يهاجما شعب إسرائيل ولكن "يهوه" أي رب إسرائيل، سوف يدافع عن شعبه. وقد استعاد القرآن هذه القصة في موضعين: الكهف وفي الأنبياء وهكذا نجد القرآن يتحدث عن مجيئهم والخراب الحاصل بسببهم ثم يربط بينهم وبين القصة الأسطورية للإسكندر المقدوني الذي يعتقد بأنه بنى سدا لاحتوائهم"13.
أنا بدوري سوف لا أنطلق من نفس المنطلقات لما فيها من كثير من الثغرات والمخاطر:
وأريد أن أسجل مند الوهلة الأولى أن القرآن لم يشر إلى كثير من المترادفات الأسطورية.
مقاربة معجمية :
من مثل :
خرف التي تعطي الخرافة-شبح التي تعطي شبح – وهم- هول-بهر-دهش
-غرب-سطع- روع-برع-غياب كذلك خيال- عجب استعملت مرة واحدة- اغترب استغراب-عجب الإعجاب.
أما استعمال القرآن للأسطورة فلم يستعملها إلا جمعا (الأساطير) وقد وردت في السور التالية:
إحدى عشرة سورة، منها تسع كلها بالجمع
وسورتان مشتقتان من الأسطورة
وكلها في سياق الأسطورة باستثناء واحدة في سورة الطور 37.
وسوف نشير إلى هذه السور لفهم المقصود من الأسطورة التي جاءت كلها في أعقاب الآيات أي في أعقاب الكلام:
الآية الأولى :
"ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإن يروا كل آية لايؤمنوا بها حتى إذا جاءوك يجادلونك يقول الذين كفروا إن هذا إلا أساطير الأولين". الأنعام 25.
المشركون وأهل الكتاب كانوا يطلقون الأساطير "على الحكايات التي تتضمن الخوارق المتعلقة بالآلهة والأبطال أي قصص الوثنيات. وأقرب بها إليهم كانت الوثنية الفارسية وأساطيرها.
وهم كانوا يعلمون جيدا أن هذا القرآن ليس بأساطير الأولين، وإمعانا في صرف الناس عن الاستماع لهذا القرآن .. كان مالك بن النضر وهو يحفظ أساطير فارسية عن رستم واسفنديار من أبطال الفرس الأسطوريين، يجلس مجلسا قريبا من رسول الله (ص) وهو يتلوا القرآن. فيقول للناس : إن كان محمد يقص عليكم أساطير الأولين، فعندي أحسن منها ! 14
الآية الثانية :
"وإذا تتلى عليكم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين" الأنفال 31.
سبب نزولها :
أخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير قال : قتل النبي (ص) يوم بدر صبرا عقبة بن أبي معيط وطعيمة بن عدي والنضر بن الحرث، وكان المقداد أسر النضر فلما أمر بقتله قال المقداد: يا رسول الله أسيري، فقال رسول الله (ص) إنه كان يقول في كتاب الله ما يقول، قال : وفيه أنزلت هذه الآية . 15
أصول النظر بن حارث المعرفية.
-النظر بن حارث هذا كان قد ذهب إلى بلاد فارس، وتعلم من أخبار ملوكهم رستم استفديار.. فكان عليه السلام إذا أقام من مجلس جلس فيه النظر فحدثهم من أخبار أولئك، ثم يقول من أحسن القصص هل قصصي أم قصص محمد (ص) ؟16
-جاءت في إطار التنافس بين القصة والأسطورة.
الآية الثالثة:
"وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم؟ قالوا أساطير الأولين. ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يـزرون" النحل 24-25.
السورة تصحيح للعقيدة
جماعة من المستكبرين يصفون القرآن بالأساطير والخرافة ويصفونه بالأساطير لما يحتوي من قصص الأولين17.
الآية الرابعة :
"وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا" الفرقان 5.
فالسياق تحدث عن القرآن وعن الله الخالق
وإن القوم يدعون آلهة لا تملك نفعا ولا ضرا، اتهموا القرآن بالاقتداء إلى أن قالوا أساطير الأولين.
- قضية القرآن - وقضية الآلهة.
الآية الخامسة :
"وقال الذين كفروا أإذا كنا ترابا وآباؤنا أئنا لمخرجون لقد وعدنا هذا نحن وءاباؤنا من قبل إن هذا إلا أساطير الأولين" النمل 67-68
- قضية البعث (موضوع الأسطورة المتهم)
الآية السادسة :
"والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي وهما يستغيثان الله ويلك ءامن إن وعد الله حق فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين" الأحقاف17.
سبب النزول : نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر قال لوالديه وكان قد أسلما وأبى هو أن يسلم، فكانا يأمرانه بالإسلام فيرد عليهما ويكذبهما ويقول فأين فلان وأين فلان: يعني مشايخ قريش ممن قد مات ..."18
الآية السابعة :
"إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين" القلم 15.
-بداية في وصف النبي (ص)
- وتأمر النبي (ص) إلى عدم الالتفات إلى الكفار وما يقولون لأنهم لايقولون إلا الأساطير.
- فيها "سنسمه على الخرطوم" القلم 16.
-وفيها "ن والقلم وما يسطرون" أي ما تكتب الملائكة.
الآية الثامنة :
"الذين يكذبون بيوم الدين وما يكذب به إلا كل معتد أثيم إذا تتلى عليه ءاياتنا قال أساطير الأولين" المطففين 11-12-13.
-التكذيب بيوم الدين
-يعتبرون ذلك من أساطير الأولين.
الآية التاسعة :
"فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر" الغاشية 21-22.
لاتسيطر عليهم بهذا القرآن
فأنت مذكر
الآية العاشرة :
"هو الذي يحيي ويميت وله اختلاف الليل والنهار أفلا تعقلون بل قالوا: مثل ما قال الأولون قالوا أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أءنا لمبعوثون لقد وعدنا نحن وءاباؤنا هذا من قبل وإن هذا إلا أساطير الأولين" المؤمنون 80-83.
قضية الحياة والموت والبعث تعتبر من الأساطير عند المشركين لا لشيء إلا لأن آباءهم لم يذكروا لهم مثل هذه القصص والحقائق.
-البعث = أساطير
نسجل هنا بعض الملاحظات:
إن القصص القرآني جاء بديلا عن هذه الأساطير
إن كل ما جاء به القرآن من حقائق كحقيقة الموت والبعث والإله.. هي غير ما كانت تشير إليه الأساطير .
هل هناك إمكان لإنزال القصص القرآني منزلة هذه الأساطير وهي أباطيل بألسنة القوم ؟
ومن هذا المنطلق فضلت الوقوف على ظاهر القرآن دون الإيغال في أمور لم نتمكن إلى الآن من الحفر فيها.
لكن ما يمكن الآن هو الوقوف عند هذه القصص من خلال كتب التفسير، ومنذ الوهلة الأولى أقول إن الأساطير في هذه الكتب لا تعدو أن تكون إسرائيليات، ومن هنا ليس مستبعدا أن نعتبر القصص في الكتب التفسيرية لها هذه الحمولة الأسطورية التي تنتمي إلى التاريخ القديم، فلنأخذ قصة الكهف وكيف عالجها الطبري باعتباره أكبر مفسر مقبول لدى العالم الإسلامي.
أصحاب الكهف ثمانية أشخاص هم :
مكسلمينا رئيسهم
يمليخا
مرطوس
كشوطوش
بيرونس
دينموس
يطوس
قالوس
سبب خروجهم : أنهم كانوا موحدين "..على دين عيسى، وكان لهم ملك عابد وثن، وعادهم إلى عبادة الأصنام، فهربوا بدينهم منه خشية أن يفتنهم عن دينهم، أو يقتلهم فاستخفوا منه في الكهف".19
مهلة الملك دقينوس للفتية :
- أعطاهم الملك مهلة للرجوع عن مواقفهم.
- فعلم بأحوالهم في الكهف فبنى عليهم بناء لكي يموتوا فأماتهم الله.
كيفية الخروج من الكهف :
راع يريد إدخال غنمه إلى الكهف في يوم ممطر، فإذا به يصادف الفتية فاندهش منهم واندهش من نقودهم، فرفع الخبر إلى الملك المؤمن تيدوسيس، فلما دخل عليهم أحياهم الله20.
الفتية والتابوت والحلم:
القصة تقول كذلك أنهم لما ماتوا، الملك المؤمن وضع لهم تابوتا من ذهب وفضة وجاءوه في المنام ليخبروه أنهم إنما خلقوا من تراب، مما كان مدعاة إلى دفنهم في التراب وجعل كهفهم كنيسة للصلاة21.
وهي نفس الرواية في أسطورة أهل الكهف المسيحية:
فقصة أهل الكهف تنتمي إلى القرآن وإلى القرآن المسيحي".. وترى التراث المسيحي أنه أثناء اضطهاد الإمبراطور الروماني ديسيوس للمسيحيين في القرن الثالث الميلادي التجأ سبعة شباب إلى كهف مجاور لمدينة (أفس) آسيا الصغرى تقع في تركيا في منطقة الأناضول وتدعى (سيلسوك). وهناك ناموا لمدة قرنين من الزمن لكي ييستيقظوا في عهد الإمبراطور تيودوسوس-المسيحية قد أصبحت الدين الرسمي للإمبراطورية ولم تعد مضطهدة، ولكنهم ماتوا بعد استيقاظهم بفترة قصيرة وقد شاعت قصتهم وانتشرت.."22.
ما يلاحظ منذ الوهلة الأولى أن هناك إضافات على القصة القرآنية ولذلك اتهم الطبري بالإسرائيليات..
ويحمل بعض الدارسين على الطبري لأنه أورد نقوله بأسانيد مختلفة، دون أن يضعف سندا أو يقويه أو يصححه.
وكذلك يتهمون الطبري بأن توسع في رواية الإسرائيليات، وأورد شيئا من الأساطير النصرانية بأسانيد ضعيفة أو غير موثوقة (..) وطبيعي أن هذا الإيراد راجع إلى ما تأثر به من الروايات التاريخية التي عالجها في بحوثه التاريخية المسهبة23.
القصة الثانية من سورة الكهف : ذو القرنين :
من هو ذو القرنين؟ ملك، من أعماله الصالحة بناء سد يحمي القوم الموجودين بين السدين ويحميهم من ياجوج وماجوج.
سبب نزول الآية : "يسألونك عن ذي القرنين..."
عن ابن عباس قال "بعث قريش النضر بن الحارث، وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار يهود المدينة ليتلقوا الأسئلة التي يسألونها محمد (ص). فقال لهم اليهود اسألوه :
عن فتية ذهبوا في الدهر الأول
رجل طواف بلغ مشارق الأرض والمغرب
وسلوه عن الروح
لم يجب الرسول (ص) مباشرة، فأمهلوه يوما، إلى أن بلغ الإمهال 15 يوما فنزل جبريل بسورة الكهف.
أولا : ذو القرنين ملك اسمه الاسكندر ذو القرنين:
والمقطوع به ليس هو الإسكندر الإغريقي الوثني لأن الآخر مؤمن.
يقول عنه أبو الريحان البيروني المنجم في كتابه الآثار الباقية عن القرون الخالية" إن ذا القرنين المذكور في القرآن كان من حمير(...) وأنه رحل بجيوشه إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط فمر بتونس ومراكش وغيرهما، وبنى مدينة افريقية فسميت القارة كلها باسمه، وسمي ذا القرنين لأنه بلغ قرني الشمس".24
قد تكون الرواية التاريخية غير صحيحة. ورواية التوراة كذلك غير صحيحة لما عرفت من تحريف، ولذلك لا نحاكم القرآن بالتاريخ ولا كذلك بالتوراة.
ثانيا : موته :
- الذين سألوا محمد (ص) عن ذي القرنين من المشركين وأهل الكتاب- من هو ذو القرنين-؟ رجل شاب بنى مدينة مصر بالإسكندرية أحب الله فأحبه فعرفوه فضربوه على قرنه فمات.
- إن ذا القرنين كان رجلا من مصر اسمه مرزبان مردبه اليوناني، من ولد يونن بن يافث بن نوح.
قيل ذو القرنين رجل من الروم وكان بن عجوز من عجائزهم ليس لها وله غيره، وكان اسمه الإسكندر.
إنما سمي بذي القرنين أن صفحتي رأسه كانتا من النحاس وفي رواية أنه سيكون لكل أمم الأرض من الإنس والجن.
في-روايات أنه مبعوث لكل أمم الأرض من الإنس والجن.25
ثالثا أساطير: "بعثه الله لجهة اليمنى واليسرى من الأرض والوسطى (..) فلما ذهب إلى الوسط قالوا له ستجد قوما من الإنس والجن وياجوج وماجوج فلما قرب من الترك نحو الشرق، قالت له أمة من الإنس صالحة: ياذا القرنين، إن بين هذين الجيلين خلقا من خلق الله وكثير منهم ليس مشابه للإنس، وهم أشباه البهائم يأكلون العشب، ويفترسون الدواب والوحوش كما تفترسها السباع، ويأكلون حشاش الأرض كلها من الحيات والعقارب، وكل ذي روح مما خلق الله في الأرض، وليس لله خلق ينمو نماءهم في العام الواحد (...) فلاشك أنهم سيملئون الأرض ويجلون أهلها عنها ويظهرون عليها فيفسدون فيها وليست تمر بنا سنة منه، جاورناهم إلا ونحن نتوقعهم، وتنتظر أن يطلع علينا أوائلهم من بين هذين الجبلين.
فطلبوا منه أن يجعل سدا بينهم وبينه ياجوج وما جوج
ثم انطلق يؤمهم حتى رفع إليهم وتوسط بلادهم، فوجدهم على مقدار واحد، ذكرهم وإناثهم، مبلغ طول الواحد منهم مثل نصف الرجل المربوع منا، لهم مخالب في موقع الأظفار من أيدينا وأضراس وأنياب كأضراس السباع وأنيابها، وأحناك كأحناك الإبل (..) وليس منهم ذكر ولا أنثى إلا وقد عرف أجله الذي يموت فيه، وذلك أنه لايموت ميت من ذكورهم حتى يخرج من صلبه ألف ولد، ولا تموت أنثى حتى يخرج من رحمها ألف ولد(..) وهم يتداعون تداعن الحمام ويعوون عواء الكلاب.. "26
إلى أن استنتج فقال : فبنى لهم سدا.
بينما وهو في الطريق وجد أناسا مؤمنين ليس فيهم أمراء ولا قضاة متحابون فيما بينهم، قبورهم على أبوابهم عمدا لكي لا ينسوا الموت27.
إذن ما تشترك فيه هذه الرواية مع القرآن ذكرها :
ذو القرنين - ياجوج وماجوج - طغيان ماجوج وياجوج-
قوم صالحين- السد وبناؤه ..
هل هذا التشابه يؤهل المرء أن يقول إن هذه القصة هي تلك التي تحدث عنها القرآن ؟
قائمة المصادر والمراجع
- تفسير الطبري
دار الفكر –بيروت، ط 1984.
التعبير الفني في القرآن : بكري شيخ أمين
دار الشروق بيروت ط II 1976 .
تاريخية الفكر العربي الإسلامي: محمد أركون
ترجمة هاشم صالح
منشورات : مركز الإنماء القومي - بيروت ط I . 1986.
في ظلال القرآن :سيد قطب
دار إحياء التراث العربي - بيروت ط V 1967.
القرآن (من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني): محمد أركون ترجمة هاشم صالح دار الطليعة - بيروت ط I 2001
كتاب النقول في أسباب النزول: السيوطي
دار الكتب العلمية -بيروت . أ.ت.ط.
لسان العرب لابن منظور
دار صادر – بيروت د.ت.ط
مختصر صحيح مسلم
دار الفكر -بيروت ط I 1992
مفهوم الحرية :عبد الله العروي.
المركز الثقافي – الدار البيضاء ط I . 1981.
Arabica Tome 5/1958.
-Etudes d’Islamologie: Robert Brunschvig.
Ed G.P maisonneuve et Larose, Paris 1976.
Petit Robert 1997.
Studia Islamica, Tome V, 12 juin 1956 MC MCVI .
1 - مختصر صحيح مسلم 1/27.
2 – لسان العرب ابن منظور 4/ 363-364-365.
3 - 1997 Petit Robert
4 – ( ch) : Arabica T5/1958 Pellat
5 – تاريخية الفكر العربي والإسلامي : محمد أركون هامش 210.
6 – مفهوم الحرية : عبد الله العروي 5.
7 – القرآن (من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني ) : محمد أركون5.
8 – نفسه 6-7.
9 – نفسه 30.
10 – نفسه هامش 40.
11 – نفسه هامش 153.
12 – نفسه 162. خذ مثلا ما ذكره بروشتفيك في مقاله :
Simple remarques négatives sur la vocabulaire du coron . Robert Brunschvig Tome 2/341.
13 –القرآن (من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني) محمد أركون 166-167 هامش.
14 - في ظلال القرآن : سيد قطب م 3 ج 7 ص 175.
15 – أسباب النزول : السيوطي 97-98.
16 – في ظلال القرآن " سيد قطب م 3 ج 7/175.
17 - نفسه م 5 ج 14 ص 56.
18 –أسباب النزول : السيوطي 175.
19 - تفسير الطبري15/200
20 – نفسه 15/216.
21 –نفسه 15/222.
22 –القرآن من(التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني) : محمد أركون هامش 162.
23 – التعبير الفني في القرآن /بكري شيخ أمين 110.
24 – في ظلال القرآن : سيد قطب م 5 ج 16 ص 9.
25 – تفسير الطبري 16/7 وما بعدها.
26 - نفسه 16/19-20.
27 – نفسه 16/20.
د.المصطفى الو ضيفي
جامعة القاضي عياض
كلية الآداب-مراكش المغرب