ما الشيء الأكثر بداهة سوى إقرارُ العدالة لمعاناة الإنسانية؟ ما الأكثر براءةً من غير العقاب الرمزي الذي يأتي ليمنحَ جريمة جماعية الخاصية التي تستحقها أخلاقيا؟ ما الأكثر عدالة من ضمان حق الضحايا في حماية قانون متناغم متكيفٍ من ترميمات وعقوبات ضد الجانحين / المارقين؟.
هذا ما يعطي تجلياتٍ تبريراتها بالنسبة للرأي العام،كما هو الأمر فيما يخص النواب الذين يصوتون على ذلك النوع من الجديد من ترسانة القوانين،والتي اعتمدتها فرنسا منذ عشرات السنين،والمتعلقة بكافة الجرائم الجماعية،جميعُها موجهة كي تهَب الضمانات،التي أهداها قانونGayssot لليهود منذ 1990، للفئات المطالبة بها .
ينبغي على الرغم من ذلك الأخذُ، وبمقياس واضح خالص،بالمنطق الذي يلهم تلك القياسات الدقيقة والحركة التي تُجيب عنها،كما الغايات التي تُفضي إليها ،لأنه خلف النوايا النبيلة المُلهمة لها- والتي لاتُخفي غالب الأحيان سوى الديماغوجيا الانتخابية والجبن السياسي- تميل فلسفة الكُلِّ المتصلة تلقائيا بعقل المرحلة نحو تجريمٍ عام للماضي،والذي يلزم جيدا النظر إلى ما يتضمنه، وإلى أين يؤدي.
إن هذا الوعي هو الأكثر استعجالية من أنه،وبعد كل احتجاجات المؤرخين،وكل ضمانات المسؤولين،وكل أشكال لفتِ الانتباه لرئيس الجمهورية"ليس من اختصاص القانون كتابة التاريخ"،وكل اللجان الوزارية والبرلمانية المدعُوة لتوجيه وتأطير تعبير"واجب الذاكرة"،فلن توجد،من جديد، أغلبيات في الجمعيات الوطنية تحسمُ قصد اتخاذ قرار بالقانون حول حقيقة تاريخية ما،وستكون الطريق مفتوحة لتعميم جريمة ضد الإنسانية،ولامتدادها كي تهُمَّ كافة ضحايا التاريخ الوطني،بل وحتى العالمي،طالما أنه لا تتحمل فرنسا،على سبيل المثال، أي شيء في إبادة الأرمن سنة 1915 ،ومن خلال متوالية النتيجة سيمتد ذلك ليشمل العقوبات الجنائية التي يتضمنها التساؤل عنها.
لقد تمَّ تصوُّر الجريمة ضد الإنسانية لأجل وقائع معاصرة تتجاوز التفاهم،والتي لايرتبط ما فيها من رعب وامتداد بأي فئة من القوانين،إنها تُميز الحاضر الفوري ولا تتعلق بالذكريات،ولا بالذاكرة،ولا بالماضي، أما بالنسبة لقانون[i]Gayssot فقد وُضعت ضمن حيثيات جد دقيقة،وبنزعة ِردَّةِ مُراجعين (تُنكرُ محرقة النازية) على نهج[ii]Faurisson (négationnisme Faurissien) ليس ضد المؤرخين، بل ضد المناهضين للحقيقة التاريخية. ومع امتداد ذلك القانون،وتعميم مفهوم الجريمة ضد الإنسانية،صرنا ضمن انحراف مزدوج حيث الفعل على الماضي يكون محدودا،وتعُمُّ فكرة الماضي-الضحية .
الفعل على الماضي،وما لا يمكن التنصيص عليه تظهره أحكام نورمبورغ،وقانون 1964،وكذا قانونGayssot الذي يجعل منها مرجعية له،وكلها ظلت عند حدود "رحلة" الجرائم النازية. نحن لا نعود هنا إلى الوراء سوى بخمس أو ست سنوات،وخلال بضعٍ منها تمَّ الانتقال من الفعل على الماضي على أمد ست سنوات إلى فعل يمتد على ستة قرون !
ليس هناك أي مسوغ بأن يطالب من ينحدرون من أسر الضحايا في كل تاريخ فرنسا ويأخذوا ما أخذه قبلهم أولئك الذين ينحدرون من العبيد .
إن جريمة التطهير العرقي الذي شهدته [iii]Vendéeتنتظرُ الاعتراف بها رسميا،والروس البيض لا تنقصهم الأدلة ضد عمليات القتل التي عرفتها أوكرانيا فترة الشيوعية،والتي لم تكن أكثر من لجوء البولونيين هربا من القتل الذي عم [iv]Katyn، يتلوهم،وباستدلال أساسي لا مناص منه،أولئك المنحدرون من البروتستانت في Saint-Barthelemy،والأرستقراطيين الذين أُعدموا بالمقصلة ،ومن ثمة إبادة [v]les Albigeois ولماذا ،ضمن هذا المنحى لن تعطي فرنسا،وباسم مبادئها الأكثر أهمية،قدرةَ ذاكرةٍ ببُعد كوني، فيتم بذلك تجريم الإسبان والأمريكيين لما ارتكبوه من أفعال إبادة في حق الهنود بالشمال كما الجنوب،والصينيون في التبت ؟
سيكون هناك،حسبما يبدو،عشرات الاقتراحات من القوانين على مكتب الجمعيات الوطنية،بل ولماذا لا يتم الصعود عبر الماضي حتى لحظة الحروب الصليبية؟ فهي،بالفعل،في أعين المسلمين،المشهد الأولي لجرائم الغرب بما فيه- طبعا- فرنسا كأولى الأطراف الأخاذة .
التاريخ ليس سوى متتالية طويلة من الجرائم ضد الإنسانية .
إن هذه القوانين،طالما أن من ارتكبوا تلك الجرائم قد غادروا عالم الأحياء،لا يمكنها،ولن تستطيع سوى أن تتابع،في البعد المدني أو الجنائي، المؤرخين الذين يعالجون تلك المراحل،والأساتذة الذين يدرسونها،عبر اتهامهم بالتواطؤ مع الإبادة أو مع الجريمة ضد الإنسانية. يبدو أني أبالغ القول .
وحدها،لنتذكر ذلك،التعبئة الواسعة والنشيطة للمؤرخين،والتي بغاية اعتراف خاص لرئيسها، تخلت عن الدعوة التي رفعتها ضد Olivier Pétre(مؤرخ فرنسي متخصص في تاريخ العبودية) ،صاحب كتاب تجارة العبيد، لفائدة Collectifdom[vi].
يمارس اليوم نوع من الفعل الطائفي/الفئوي على جموع المؤرخين،كما لون أن التاريخ لم يكن،وبعد كل شيء،سوى ذاكرة جماعة من المهنيين المرتبطين ببطاقاتهم وامتيازاتهم،وأن مهنتهم الهادئة قد جعلتهم من غير حس تجاه التاريخ الحقيقي الذي تكونه معاناة وألم الرجال والنساء.
إن ذاكرة مّا هي حصيلة ونتاجٌ ، وهذا النوع من المؤاخذة والتأنيب صعبٌ. إنه يقيس امتداد الخسائر وكامل قوة هيمنة الذاكرة وسطوتها. هده اللحظة،وفي راديكالية الذاكرة،استعمالها هام، مبالغ فيه، مضلل/مؤذي. الإعلان عن الذاكرة(بالجمع) المرتبطة بأقليات على طريق الانبثاق،سواء كانت اجتماعية أو دينية أو جنسية،أو جهوية،تظهر في البداية وكأنها تجلياتٌ مُحَرِّرة هائلة،وهي على الأقل شكل من العدالة الممنوحة للمضطهَدين والمُهانين ولمَنسِيي التاريخ،والتي ندرسها في المدارس العمومية،وقد تترجمت ولفائدة مصلحة جديدة للمؤرخين،من أجل عامة(بتواضع)صانعي التاريخ عبر توسع سريع لاستبياناتهم،وإثراء خصب للآفاق وللبحث،حتى نقول تجديدا كاملا في المادة.
التاريخ الشفهي،والتاريخ العمالي،والتاريخ الريفي،وتاريخ النساء،كلها طَبعت ،ضمن غيرها، القدوم السعيد لبعد الذاكرة.
لقد عرفنا منذ فترة السبعينات وإلى سنوات التسعينات تمدُّدا هائلا،بل وحتى ثورة في الوعي،وفي علم التاريخ مقارنة،فقط، مع تلك التي عبَّرت عنها مجالات التاريخ الليبرالي والرومانسي ثم التاريخ النقدي/الوضعي وحركة الحوليات ،وعملت الذاكرة على تخصيب التاريخ،وجددت مقاربة الماضي،كما أنها اكتسحت كافة المراحل وكافة قطاعات البحث.
بدأت القضية تسير في منحى سيء حينما أصبح التاريخ،والذي لا أحد يمتلكه ويروم تحويل الماضي إلى شأن يعني الجميع، لايُرى مكتوبا سوى تحت ضغط مجموعات الذاكرة المهتمة بتفضيل وتأكيد أهمية قراءتها المتميزة.
ينبثق،إذن، تغيُّرٌ من طبيعة أخرى، تحول وإقلاب من معطى آخر،وننتقل من ذاكرة بسيطة متواضعة لا تطلُب سوى الاعتراف بها،واحترامها،وإدماجها ضمن السجل الكبير للتاريخ الجمعي والوطني،إلى ذاكرة صارت أساسا،اتهامية وهادمة لذلك التاريخ،وتفرض رؤية جزئية ملتوية ضمن تأويل عام،ومُستعجلة لمشاهدة نظرتها الخاصة،وقد تمَّ إقرارها رسميا،وحمايتها بمتراس القانون الجمهوري،وهي مستعدة،باسم المعاناة والحقيقة المشوبة وغير الواضحة لفرض مطالبها من خلال وسائل أقلّ بخلا: تمركز نواة سياسية،وصفقات انتخابية،وإذا كان ضروريا عبر تهديد مادي أو شخصي. هل يتعلق الأمر،دائما، بذاكرة؟
يتم الشروع في تلك السيرورة،حينما نرى مثلا، السلطات العمومية تمتنع عن تخليد ذكرى معركة أوسترليتزAusterlitz[vii] والتي تخلدها كافة دول أوربا،لأنه برز تهديد سياسة نابليون الكولونيالية،ثم الامتناع عن تخليد الذكرى المئوية الرابعة لميلاد كورنايCorneille لأن بعض أفراد العائلة ربما كانوا مرتبطين بالتجارة الثلاثية .
كنت أعتقد أنني قادر منذ 15 سنة مضت،على تمييز"عصرالتخليد/الاحتفاء".كان هناك منذ ذلك الزمن عدد من المناسبات الوطنية الممأسسة كالتي كانت خلال قرن من تاريخ الجمهورية. ما هم مقلق أكثر،ليس هو تضخما متزايدا،ولكن من بين هذه الاحتفالات الستة،فإن نصفها من نوعية مُؤنِّبة/مُكفِّرة (16 يوليوز:ضد الاضطهاد العنصري ومعاداة السامية- 10ماي:ذاكرة النخاسة والعبودية -25 شتنبر الترحم على جنود الجيش الفرنسي من أصل جزائريLes Harkis ) وأن الأخرى المتبقية(الهند الصينية-إفريقيا الشمالية) تعبر عن تفكيك للذاكرة المحاربة وثقل مطالبها . ألم يكن، ضمن هذه الشروط، الحديث أكثر من ذلك عن ما يمكن تسميته ب"ضد التخليد" أو التخليد السالب؟
يميل هذا التضاعف المتسارع للقوانين التي عرفناها حول تجريم الماضي،والذي نحن مهددون،بمعرفته مرة أخرى،مع تطبيق القرار- الإطار الأوربي لشهر أبريل 2007 المستوحى من فرنسا،والذي يعاقب في كل الدول الأعضاء داخل الاتحاد ضد "الإشادة العامة،ونفي أو التبخيس الكبير" لجرائم التطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية،وجرائم الحرب-يميل هذا- إلى نوع من الإقرار الرسمي وتعميم ذاك الصنف من التاريخ.
إذا كان المؤرخون قد وقفوا ضد تلك القوانين المسمّاة "قوانين ذاكرة" فإنه ليس،ولم يكن أبدا،من أجل التحفُّظ على ذواتهم هم أنفسهم باعتبارها خاصية تعاون وبمثابة "ذاكرة" تدعي العلمية والتعبير الإنشائي عن حقيقة فعلية،ولكن في ارتباط بمسؤوليتهم المدنية التي تجعلهم في مقدمة خط المجابهة ،وهي التي تعني الجماعة كاملة،وهي تكل المتعلقة بالحرية الفكرية والحريات العامة ضمن دولة ديمقراطية .
تقود الحركة العامة لإعادة تأويل الماضي بواسطة الذاكرة،وبالحكم على الماضي باسم الذاكرة،وبشكل مباشر،نحو إلغاء كل أشكال العقل والمنطق التاريخي. فهل هذا ما نريده؟هل نحن مستعدون لتقبل النتائج؟
تنفي الذاكرة،بالتعريف،الاختلافات والانتقالات الزمنية،وتلغي عوامل التحول،وشروط التغير. لا يتعلق الأمر أبدا بفهم أو العمل على فهم الماضي لذاته، ومعرفته من أجل الشعور به وإرساء المتواليات المتتابعة التي جعلت منا ما نحن عليه، ولكن يتعلق بإلصاق(فيما يشبه عملية طلاء)،وبشكل مباشر،حُكم حول ظواهر الماضي لا ينبني سوى على قيم،وعلى معايير اليوم، كما لو أن هذه القيم،وهذه المعايير ليس لها هي نفسها تاريخا، وكأنها تتواجد أزليا .إننا نعيش اليوم مقتنعين، ونحن تحت هيمنة مبدأ حق الأفراد ،ومن دون الشك في بعض مناحي التقدير السعيد،ولكن هذا الحق هو نفسه له تاريخ طويل .
نشأ نوع من العدوى الصمَّاء بين الذاكرة والأخلاق،وعملت الذاكرة على "ابتلاع " التاريخ. هنا الإثم الداخلي للتعميم الذي يهدد الجريمة ضد الإنسانية،ويعبر تصاعد المفهوم في ذاته،ربما، عن تقدم الوعي الكوني والذي تعطيه الأنباء اليومية المتلفزة أسباب وجيهة للغضب والسخط،غيرأنه،بتطبيقاتها، بجرأة وتعاسة على مراحل بعيدة،وعلى إنسانيات غير مقارنة لتلك الخاصة بنا،والتي لم تكن لا الأسوأ ولا الأفضل،ولكنها كانت مختلفة، يُفضي ذلك،إلى نوع من العبث واللامعقول. إنها،على كلٍّ، لا تصدر حكما سوى علينا نحن .
يعود أمر الثناء/التكريم ،ومنح العدالة للضحايا وللمنتصرين إلى التاريخ، ولكن تاريخا تكون كتابته بالكامل والحكم عليه من وجهة نظر الضحايا والمنتصرين هو نفي للتاريخ ذاته الذي تمَّ تشكيله . ومن الأحسن،احتمالا،النظر عن قرب إلى الماضي الممزوج،كامله،بالعنف وبالحرب،ومرحلتنا غير الأليمة ،والتي لا تعرف سوى نوعا من التفويض في العنف والحرب،إنها تتجه بإلقاء هذا الماضي بأكمله في دهاليز الرعب ونَذِره(النّذر) دفعة واحدة للّعنَة، وإدارة الظهر له . الأمر هنا لا يتعلق،أبدا، بخطر بسيط من المغالطة والمفارقة التاريخية ،ولكنه يتعلق بمحاولة لاتاريخيةanhistorique.
نحن لسنا بعيدين عن هذا،ولكن ينبغي،طرح السؤال:هل يمكن لجماعة إنسانية ومجموعة وطنية تجاوز العلاقة التكوينية مع ماضيها،وتجاوز العلاقة الإيجابية بتاريخها؟ . لقد اتجهت كل البلدان بفعل هزّات القرن الأخير إلى أن يكون لها حساب مع ماضيها يلزم تسويته،ولم يكن ثمة أي بلد أقل ارتياحا مع تاريخه من بلدنا نحن،وهو ما يمثل في الآن ذاته واحدة من الأعراض الأكثر بداهة،وواحدا من الأسباب الأكثر عمقا لما هو عليه حاليا الحاضر الفرنسي من قلق .ليس هناك من أحد(غيرفرنسا) استبطن صدمة الذاكرة التي ضربت منذ ثلاثين سنة العالم بأكمله،لدرجة الشعور بالارتجاج حتى في هويته التاريخية،ومن غير المستحيل عدم التساؤل حول السبب .
عرفت فرنسا،من دون شك،وعلى امتداد استمرارية وطنية استثنائية،وضمن جهد من الوحدة- كانت هوساً دائما- صدمات متتالية تفسر،وفي تخمين أولي رحابة وعمق صراعات ذاكرتها: الثورة وارتداداتها، هزيمة 1940،الاحتلال،تصفية الاستعمار،حرب الجزائر،حربُ انفصالنا الحقيقية، حتى لا نذكر من القرنين الأخيرين عدا الأهم والأكثر إثارة،بشكل مباشر،لحربٍ أهلية حول الذاكرة. سيكون هذا كثيرا،لكن ينبغي،وبيقين،الذهاب أبعد من ذلك.
ما يوجد،بنوع من الخصوصية،في التفاعل الفرنسي مع التدفق العالمي للذاكرة،والذي يمنحها حِدَّتها القاتلة،هو،ومن غير شك، التعارض بين قوة الصورة الطَّاهِرة التي تعلمت فرنسا منحها لنفسها،والمواجهة الشاقة،المتأخرة والمضادة مع الحقائق التاريخية التي تعارض تلك الصورة وتكسرها،وتبدو هي نفسها أكثر سوادا مما كانت عليه . لقد كانت ثمة أسطورة،أكاذيب،تزوير،صَدّ، إنكار وجحود، حول الجزائر و حول الاحتلال والمقاومة،وحول حرب 1914،والاستعمار،حتى لا نأخذ سوى هذه الأمثلة .
هيأت هذه العوائق المحَصَّنة،وبكل الوسائل المتاحة للدولة قصد الحيلولة دون معرفة الحقيقة(بداية بِسرِّ الأرشيف) المجال لكل أنواع دُمّل/ خُراج صديد (يشير المؤرخ هنا إلى ما يشبه الالتهاب المتعفن محليا abcès) التثبيت،ولكل دعاوى الـتأخير.لقد عملت بذلك على صَونِ فكرة غير سليمة حول جثة ظلت مختبئة في الخزانة ،وهي مستعدة للاعتقاد بأن الكاريكاتورات كانت حقيقية،والترميمات مشروعة .ما بين الهوة الناشئة فيما بين الدور الأساسي الذي يساهم به التاريخ الرسمي لتشكيل الوعي المدني والوطني وبين تطبيقاته المتحولة أمكن ابتلاع،وبشراهة خطابات الندم والأسى.
لا تخرج فرنسا أبدا من الرقابة كي تكون أكثر كبرياء بتاريخها سوى بانفجار لا وعيها الجمعي متبوعا بندم/أسف رسمي،غير أن تعويض أكاذيب دولة بحقائق دولة ،وتعويض حقيقة رسمية بحقيقة مشروعة قانونية لا يحقق اليوم أي ربح. وفي النهاية، إنه في ادعائها ،أو في جنوحها (كل قرن) نحو العالمية ينبغي البحث عن السبب الرئيسي كي تنشأ،اليوم،علاقة مَرَضِيَّة أكثر لفرنسا مع ماضيها . الرصيد الهدام،وبشكل خاص، للتصاعد الحالي للمكبوت الكولونيالي،ويقظة ذاكرة مُلغَزة ومبهمة،قليلا،لتجارة العبيد والعبودية،هي هنا لتأكيد تلك العلاقة.
لقد شاركت جميع القوى الأوربية في المغامرة الكولونيالية. التوسع فيما وراء البحار،الاكتشاف،الاحتلال واستغلال المجال،معرفة الثقافات الأخرى وإرادة نشر الحضارة الخاصة،كلها بدت باعتبارها محركا للدينامية الأوربية،وعلامتها المتميزة مع الخيال العلمي. صارت تلك المغامرة،اليوم، عنصر الاتهام الأبرز للغرب المعاصر،ولكن في فرنسا،فقط،تمَّ استبطان ذلك الاتهام،بل إنه عوّض الرأسمالية كهدف رئيسي للراديكالية النقدية ،والتي احتفظت فرنسا بتملُّكِها(كجزء من إقطاع الملكية القديمة).
إن الجريمة الكولونيالية تفضي إلى إدانة ما نحن عليه ،وما كنّا عليه،أكثر من معاداة السامية في جذورها المسيحية. إنها- الجريمة الكولونيالية- الإثم الأساس .ننغلق ضمن ثنائية طفولية -غير جادة- لمناقشة جادة لفكرة نبحث فيها عن معرفة إن كان الاستعمار مُداناً بالكامل،وماتّاً دون نقاش للجريمة ضد الإنسانية. لا يمكننا،وبأعجوبة،أن نُلفت إلى بعض المظاهر الإيجابية كالطرق والتلقيح ضد الكزاز !
ألفا سنة من المسؤولية المسيحية ،والشعور بالذنب ،وتعويضها بحقوق الإنسان تمت إعادة استثمارها باسم الدفاع عن الأفراد،وفي إرساء اتهام وإقصاء راديكالي لفرنسا،والمدرسة العمومية ارتمت،بنهم،في الأخدود بمزيد من الحيوية أكثر منه لفائدة التعدد الثقافي. لقد وجدت في هذا الإحساس بالندم ،وفي هذه الماسُوشية الوطنية مهمة جديدة .
بعدما كانت فرنسا المَركَبَ القائد للإنسانية،صارت بالتالي طليعة الوعي العالمي السيء. فِديةٌ ثقيلةٌ وامتياز فريد.
النص الأصلي ورد في مؤلف Pierre Nora ,Françoise Chardernagor,liberté pour l’histoire.cnrs.éd (pp.11-24)
هوامش توضيحية لبعض ما ورد في متن المقال:
قانون بشأن تجريم العنصرية ومعاداة السامية والكراهية،تم إقراره من طرف الجمعية الوطنية في فرنسا بتاريخ 13 يوليوز1990[i]
سياسي فرنسي اشتهر بإنكاره لمحرقة اليهود خلال الحرب الثانية،وهو متهم بمعاداة السامية وموالاة النازيين-الجدد . Robert Faurisson[ii]
وغرب فرنسا بالصراع بين الجمهوريين والملكيين ما بين1793-1796.Vendée يقصد المؤرخ هنا نتائج الحرب الأهلية التي عرفتها منطقة[iii]
مدينة روسية يدعي الألمان بأنهم اكتشفوا في غاباتها جثثا لآلاف الضباط البولونيين سنة 1943 .تهمة القتل يتبادلها السوفيات والألمان 3
خلال القرن13م جنوب فرنسا. (les catharisme)4 يشير المؤرخ هنا إلى واقعة الحملات الدينية الكاثوليكية التي استهدفت أتباع تيار من المتطهرين
[vi]جمعية فرنسية تأسست سنة 2003،أعضاؤها ينتمون لبلدان غويانا الفرنسية،جزر الأنتيل،لاريينيون، تناضل ضد سياسات التمييز تجاه الفرنسيين في فرنسا- ماوارء البحار. موقعها على النت: Privatrauline.wix.com/collectifdom
[vii]معركة وقعت بتاريخ 2دجنبر 1805 جنوب مورافيا واجهت خلالها فرنسا تحالف روسيا النمسا وتحقق فيها الانتصار للجيش الفرنسي تحت قيادة نابليون بونابارت) نابليون الأول).