كتاب من تأليف الباحث المصري باسم خفاجي، صدر في العام 2005 عن المركز العربي للدراسات الإنسانية، يتكون من مقدمة وستة فصول، بسط من خلالها الدارس أهم السمات المميزة لذهنية الإنسان الأمريكي، إذ أورد الكاتب أن التعرف على تلك الخصائص النفسية يكتسي أهمية بالغة لجهة فهم الدوافع الثاوية خلف السياسات التي تنهجها الولايات المتحدة الأمريكية، ومعرفة الوسائل القمينة بالتأثير على دوائر صنع القرار بالبلد الذي يُعد القوة الأولى عالميا.
أولا: سيكولوجية المهاجرين الأوائل
إن تاريخ نشأة الولايات المتحدة الأمريكية يفسر إلى حد بعيد تَكَوُّن شخصية أمريكية ذات خصائص فريدة، إذ تكونت أمريكا أساسا من مهاجرين منبوذين وفدوا من أوروبا لدوافع متعددة، إما هربا من الملاحقة القضائية بسبب الجرائم التي اقترفوها، أو فرارا من الاضطهاد الديني على غرار البروتستانت الذين عانوا من اضطهاد الكنيسة الكاثوليكية، أو طمعا في بلوغ مستوى معيشة أفضل في ظل انسداد الآفاق أمامهم بأوروبا الغارقة في مستنقع الطبقية وقتئذ، حيث كان النبلاء يستأثرون بالمزايا المادية والاجتماعية، ولذلك رأى هؤلاء المهاجرون في أمريكا أرض الفرص والأحلام، متبنين بذلك نظرة واقعية تتطلع إلى المستقبل وتشدد على التخفف من أثقال الماضي.
وعطفا على ما سبق، آمنت طائفة كبيرة من المهاجرين المتدينين الأوائل بفكرة "شعب الله المختار" التي سوغت لهم ارتكاب جرائم شنيعة ضد السكان الأصليين من الهنود الحمر، إذ اعتقدوا بأنه يتعين استخدام القوة لتحقيق مصالح الأمة الأمريكية، ذلك أن مظاهر السلطة والثراء التي يتمتعون بها تدلل على أنهم يحظون بالعناية والمباركة الإلهية بحسب زعمهم.
ثانيا: مقارنة بين الشخصيتين الأمريكية والأوروبية
لا يميز بعض المراقبين بين الأمريكي والأوروبي اللذين يصنفان معا تحت مسمى واحد هو "الغرب"، والحال أن ثمة فروقا مهمة بين الشخصيتين، إذ يعطي الأمريكي الأولوية لعلاقات القوة والمكانة المادية مقارنة باعتبارات أخرى حاضرة لدى الأوروبيين مثل الانتماء الطبقي والجغرافي، ولئن كان الأوروبيون شغوفين بابتكار الأفكار النظرية، فإن الأمريكيين المشهود لهم بالنزعة العملية والبراغماتية لطالما نجحوا في تطوير تلك الأفكار وتطبيقها تطبيقا مثمرا ومفيدا لهم (الرأسمالية، النظريات الفيزيائية كالنسبية... إلخ).
وإلى جانب ذلك، يميل الأمريكي إلى التمسك بفرديته ورفض أي تدخل فعلي للدولة لضمان الحقوق العامة للمجتمع (مثل فرض ضرائب كبيرة على الأثرياء لصالح الفئات الأقل حظا)، أما الأوروبي فيجنح إلى دعم فكرة الدولة الاجتماعية واستبعاد الفردانية المتطرفة.
ومن جهة أخرى، تُعتبر العلمانية الأوروبية أكثر تشددا في موضوع استبعاد الدين من الحياة العامة نظرا إلى الدور التاريخي السلبي الذي لعبته الكنيسة في إعاقة النهضة العلمية والفكرية بأوروبا، أما في أمريكا فلا يخفى تأثير الدين بهذه الدرجة أو تلك في المجال العام (وهو ما نلمسه في قضايا مثل الإجهاض)، كما يتم توظيف الدين لخدمة أغراض السياسة الأمريكية المتعلقة بالهيمنة على الشعوب الأخرى.
ثالثا: الملامح العامة للشخصية الأمريكية
يذهب الباحث إلى أن الشخصية الأمريكية موسومة بالتناقض إلى حد بعيد بالنظر إلى أنها تجمع بين صفات متناقضة ومتباعدة، إلا أن ذلك لا يمنع من استنباط بعض الصفات العامة المشتركة:
- الفردانية: أولية الفرد على المجتمع مع ما لذلك من آثار سلبية تنال من مفهوم العدالة الاجتماعية، دون إنكار بعض جوانبها الإيجابية لجهة مقاومة الفرد لطغيان الحكم الاستبدادي.
- النفعية والنزعة البراغماتية: إن المنفعة الذاتية أولى من أي اعتبار أخلاقي أو مبدئي (الغاية تبرر الوسيلة).
- وهم الحرية: يعد الشعب الأمريكي من أكثر الشعوب المتشدقة بالحرية رغم ضيق أفقها في الممارسة العملية، إذ تمت هندسة عقل الإنسان الأمريكي وفق ما ترتضيه الأقلية المتنفذة وعلى نحو يوهمه بأنه حر، وذلك بفضل وسائل الدعاية الإعلامية التي تتيح التلاعب بأهواء الرأي العام وتضليله.
- الرغبة في التوسع والجشع المفرط.
- تقديس العمل الذي يفسر إلى حد كبير تفوق أمريكا وريادتها للعالم.
- الميل نحو العنف واستخدام القوة: في هذا الصدد يورد الكاتب مقولة للرئيس روزفلت: "إذا لم نحتفظ بصفات البربرية، فإن اكتساب الفضائل الحضارية سيكون قليل الجدوى".
- الإعجاب بالإصرار والضغط: يرى المؤلف أن "الشخصية الأمريكية تُعجب دائما بمن يصر على مواقفه، ويحب الأمريكي أن تمارس ضغوطا مستمرة عليه من أجل أن تحصل على ما تريد".
- سرعة الإيقاع: الشغف المتواصل بتحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب واغتنام عدد كبير من الفرص وذلك خلال وقت وجيز.
- نقص الاهتمامات السياسية: ضعف اهتمام الناخب الأمريكي بقضايا السياسة الخارجية والدولية مقارنة بالسياسة الداخلية.
- عدم الاهتمام بماضي الأشخاص: "الخلفية الاجتماعية (الانتماء الطبقي والمجالي) لا تؤثر كثيرا في فرص النجاح للإنسان إذا امتلك عوامل القوة وأحسن استخدامها".
- ميل الأمريكي إلى العمل المؤسسي والجماعي في إطار مؤسسات المجتمع المدني وجماعات الضغط التي لها تأثير كبير على القرار السياسي.
- النقد الذاتي المستمر.
- النزعة الاستهلاكية والمادية المفرطة: أوهمت الرأسمالية المواطن الأمريكي بأن الامتلاك والاستهلاك هما المعياران الأساسيان للحرية الفردية، وحددت قيمة الإنسان بما يملكه، بحيث يعتقد المواطن الأمريكي أن كل شيء يمكن أن يُشترى.
رابعا: كيف يمكن لنا أن نؤثر على صانع القرار الأمريكي؟
إن الحديث عن عدالة قضايانا القومية لن يجدي نفعا مع السياسي الأمريكي الذي تهمه في المقام الأول مصالحه السياسية والانتخابية، ومن ثم فهو يميل إلى اتخاذ المواقف التي ترضي قوى الضغط التي تملك المال الكافي والقدرة على تعبئة الأصوات الانتخابية كاللوبي الصهيوني. وعليه، يتعين على العرب أن ينخرطوا بدهاء في قواعد اللعبة السياسية الأمريكية بواسطة تعظيم وسائل القوة والضغط لديهم لكسب الساسة والناخبين الأمريكيين، بدل التشدق بكلمات منمقة عن العدالة والإنسانية والتي لا تجد صدى لها عند صانع القرار الأمريكي.