وإذا كنا قد وقفنا على العلاقة الوطيدة بين الدين والسياسة والمزج بينهما عند أحد منظري "الإسلام السياسي" في العصر الحالي، فإننا سنحاول تتبعها واستخراجها من أدبيات إحدى أهم الجماعات الإسلامية في المغرب، "جماعة العدل والإحسان" منطلقين من مبررات الوجود بدءا بالتسمية مرورا بمبادئ ومرجعيات الجماعة ومواقفها السياسية اتجاه نظام الحكم والأحزاب السياسية والمنظمات النقابية وصولا إلى الأهداف التي تعمل لتحقيقها في المجتمع المغربي.
إن المزج بين الدين والسياسة عند الجماعة يظهر بجلاء منذ بداية تأسيسها أي منذ أن أعطت في إحدى بياناتها مبرر ودوافع تأسيسها ألا وهو الدفاع عن الإسلام "لا يخفى على كل من أتاه الله حظا من بصر وبصيرة ما عانى بلدنا المسكين، وما يزال من تردي الأوضاع في كل الميادين وخاصة في ميدان الدين الإسلامي". ومعظم العلماء ركنوا إلى الدنيا وملذاتها – يضيف البيان – والمسئولون خانوا الأمانة ومهدوا للفساد وركبوا موجته.
فالعلماء وهم رمز السلطة الدينية، والمسئولون وهم رمز السلطة السياسية كلهم في نظر الجماعة ابتعدوا عن الإسلام الحق: "ووجدوا في بلدنا مرتعا خصبا لأهوائهم وندواتهم وألا عيبهم الشيطانية من غير رادع ولا رقيب" لذلك يضيف بيان الجماعة "كان من الواجب شرعا وعقلا وليس ضروريا فحسب أن يكون لنا نحن زمرة من أنباء هذا الوطن الكريم الطيب، موقف من هذا الغي الموفي بأهله على النار والضلال المبين الذي لا مسكت عنه إلا كل خوان كفور أو أفاك أثيم، فأسسنا جمعيتنا وفق القوانين المعمول بها في البلد من منظورنا الخاص للإصلاح... وحررنا القانون الأساسي لجمعيتنا وراعينا أن يكون طابعها أو صبغتها كما يقول قانون الحريات العامة "صبغة سياسية" ليكون مجالنا في الدعوة أرحب وأوسع".
والواضح من فقرات هذا البيان أن دوافع التأسيس كانت سياسية بالدرجة الأولى، بشعار ديني يوحد كل أنصار الجماعة: الدفاع عن الإسلام من فساد العلماء والمسئولين. وهذا ما يتضح سيوضح أكثر في أدبياتها من خلال الجمع والتوفيق بين القيام بالدعوة وسلوك النهج التربوي الذي يميزها عن باقي الحركات الإسلامية الأخرى التي تعتمد على الجانب السياسي فقط. وفي نفس الوقت الاعتماد على الجانب الحركي الجهادي الذي يميزها عن باقي الحركات الأخرى التي تغلب الجانب الدعوي فقط – وهنا إشارة إلى الجماعات الصوفية – يقول عبد السلام ياسين: "في الميدان جماعات قليلة تدعو إلى الله بصدق وإخلاص بعد فهم مراس، وإن بدا للرأي غير المتفحص أن عددها كثير، وبعض هذه الجماعات أغرق في التجريد والمثالية، فانعزل عن المجتمع أو كاد، لأن مشاكل المجتمع لا تعنيه وغايته حسب زعمه أن يخلص نفسه، وبعضها غاص في أوحال السياسية فسخر الشرع وغفل عن تربية الإسلام وتعاليمه"
الجماعة في كل بياناتها لا تخفي صبغتها السياسية/الدينية. وهذا خلاف واضح بينها وبين الحزب الإسلامي الثاني في المغرب (حزب العدالة والتنمية)، وإن كان هذا الحزب يقر بمرجعيته الإسلامية، وبأن الإسلام هو المصدر الأسمى لجميع التشريعات والقوانين في بياناته وتقاريره المذهبية، فإنه لا يعتبر نفسه حزبا دينيا على الأقل في الظاهر، بل حزبا سياسيا يخضع لقوانين الدستور المغربي وعلى رأسها الاعتراف للملك بإمارة المؤمنين بوصفه حاميا لحمى الملة والدين. وهذا ما دفع ببعض الخصوم السياسيين بنعته بالنفاق السياسي أو بإتباع سياسة التقية، ليسهل عليه استغلال الدين من أجل السياسة. وحكمهم في ذلك الفرق الشاسع بين خطابهم وممارستهم، أو في الاختلاف في مواقف بعض قيادييه التي تتراوح بين "الاعتدال" و"التطرف". وقد تدعم موقف الحزب من كونه حزبا سياسيا لا دينيا في المؤتمر الأخير، حتى عدنا نرى أنه أصبح نموذجه الأعلى هو حزب العدالة والتنمية التركي، خاصة بتطلعاته نحو تسيير الشأن العام من موقع الحكومة.
وبخلاف موقف العدالة والتنمية الذين يشير إليه عبد السلام ياسين: "دخلاء منافقون، أو جهال مشعوذون، من يزعمون أن أحدا يكون مسلما بلا إسلام. من يحسبون أن الشعب يمكن استغفاله واصطياد ثقته بالتمسح الانتخابي على مشاعره الدينية، والتلصص على "مخزونه النفسي" الإسلامي". فبخلاف هذا الموقف، فالجماعة لا تخفي صبغتها الدينية/السياسية حتى في تسميتها: العدل والإحسان. يقول عبد السلام ياسين في تصريحه لجريدة المنقذ الجزائرية: "هاتان الكلمتان وردتا في القرآن الكريم". إن الله يأمر بالعدل والإحسان"، فالعدل مطلب شعبي وأمر إلهي، فلذا وجب أن يتحقق في جميع نواحي الحياة، والإحسان برنامج تربوي يعتني بالفرد والجماعة، وبهذا نكون قد جمعنا بين وظيفتين: وظيفة الدولة ووظيفة الدعوة".
فالبناء الإيديولوجي للجماعة يتأسس على هذا الخلط بين الديني والسياسي، أو بين الروحي والسياسي كبصمة صوفية واضحة من مرشدها. مما يدفعنا إلى القول والاستنتاج أنه ليس هناك استغلال السياسي للديني فقط، بل كذلك استغلال الديني للسياسي.
إن أي حركة سياسية لابد لها من فئة أو طبقة اجتماعية تستند إليها في خطابها لتحقيق أهدافها، فالجماعة حددت منذ بداية تأسيسها: "النضال من أجل الطبقة المسحوقة". وهذا الاعتراف بالطبقية هو خطاب ماركسي استفادت منه الجماعة، ويهدف إلى جر البساط من تحت أقدام اليسار "قارة سياسية يحتكرها اليساريون" الذين يعمدون في خطابهم وإيديولوجيتهم على الجماهير الشعبية والطبقات المسحوقة. وهذا إعلان منذ البداية في الدخول في منافسة تيارات سياسية ذات إيديولوجية يسارية. وهذا يزيد من فرضية أن من بين مبررات ظهور الحركات الإسلامية هو ضرب اليسار وإضعافه "مهمتنا أن نقف إلى جانب هذا الشعب، لأننا ننتسب إليه لا خيار لنا في ذلك ولا فكاك، وأن نصبر عليه، ونجاهد، ونناضل لتحريره، من هذه العقد، والمفاسد، وأن نعرفه ونرسخ في وعيه ووجدانه، بأقوالنا وأفعالنا، وتربيتنا، وسلوكنا، النموذج الإسلامي المتميز". والنضال من أجل تحرير الشعب من العقد والمفاسد إقرار بجاهليته وجاهلية المجتمع وهذا تأثير واضح من المودودي وتيار الإخوان المسلمين في مصر.
إن مرجعيات ومبادئ الجماعة، تستمد قوتها من النص القرآني والسنة دينيا، ومن الإيديولوجيات والتجارب الحديثة، وخاصة تجربة اليسار الماركسي في المغرب سياسيا، ليس فقط في التحليل والمنهج بل كذلك في آلية التنظيم وفي بناء الإطار الحركي، من أجل تحقيق الهدف المنشود وهو القومة وبناء الدولة الإسلامية، ومن خلالها العودة إلى شرع الله وأحكامه: "ندعو إلى تحكيم شرع الله في شؤوننا كلها دون تمييز بين ما هو من خصوصيات الدنيا إلا ما كان من تقنيات صرفة لا يشملها الحلال والحرام ولم يقررها الشرع بقيد رحمة بنا" والهدف الثاني تحقيق العدالة الاجتماعية "بأسمى مظاهرها وتجلياتها" وهي بمعنى عند الجماعة: "أن تتساوى فرص الكسب أمام الناس وأن لا يكون التفاضل بينهم إلا بالاستحقاق ووفق الطرق المشروعة وفي مقدمتها التفاضل في الأرزاق". والمساواة هنا ليس في توزيع الثروة، وهو مبدأ اشتراكي بل في الكسب والطريق نحوه هو الاستحقاق وهو مبدأ ليبرالي تستمد الجماعة مرجعيتها الاقتصادية.
إن هذا المزج بين ما هو ديني وما هو سياسي، بين ما هو اشتراكي وما هو ليبرالي وبين ما هو سري وما هو علني، هو ما تسميه الجماعة بالخطى الإسلامي الذي تتبناه، وبه ستبنى "الدولة الإسلامية" المنشودة من خلال "قومة" آتية لا محالة "وهذه حتمية تاريخية تستمدها الجماعة أيضا من المادية التاريخية لكارل ماركس.
وللوصول إلى هذا المبتغى تستغل الجماعة كل ما تتيحه "مظاهر الديمقراطية" "المقبولة لدينا مؤقتا في انتظار الحكم الإسلامي القريب بحول الله". ليس فقط الديمقراطية بالنسبة للجماعة خطوة نحو تحقيق هدفها بل هي وسيلة لا غاية يجب الاستفادة منها لأجل الوصول إلى مختلف فئات الشعب. "نستفيد من الديمقراطية، ومن حقنا أن نعطيها التفسير الإسلامي الذي يناسب منهاج النبوة في الدعوة، وتتمسك بما يكفل لنا حقوقنا في الوجود والرأي، والتعبير الحر، وسط مختلف فئات الشعب المسيسة وغير المسيسة، المسلمة وغير المسلمة".
ففئات الشعب المغربي تصنفها الجماعة ليس فقط على معيار الوعي السياسي "بين المسيسة" و"غير المسيسة"، بل على أساس ديني "المسلمة وغير المسلمة"، وهذا موقف من الناحية الدينية قد يفتح باب الجهاد على مصراعيه ومن ثمة الصنف الذي تدعي الجماعة أنها تتجنبه "نتجنب الممارسات العنيفة في القول والعمل، لاعتقادنا أن العنف والدعوة لا يجتمعان".
والدعوة إلى اجتناب العنف ليس هو نبذه وإلغائه كليا من ممارسة الجماعة، بل هو حاضر في القول والعمل وقد يلجأ إليه عند الحاجة: "والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة في رأينا، لا تمت إلى الذل، والاستخذاء، وإعطاء الدنية من نفسها بصلة" أو لا يقول مرشدها : "عاجلا أو أجلا يلد عنف السلطة اللائيكية […] عنفا مضادا يدافع عن النفس".
وفي هذا الموقف كذلك استمرار المزج عند الجماعة بين العنف السياسي والجهاد الديني فلا فرق بينهما إلا في التسمية أو التأويل الذي تقبل به الشريعة.
إن الجماعة لا ترفض ا لديمقراطية كموقف على الأقل لأنها تخدم أهدافها في الوصول إلى "القومة". ولكن كمبدأ فإن "القوانين الوضعية التي هي من مبتدعات الإنسان عاجزة عن الوصول بالإنسان إلى شاطئ النجاة وخلاصه في القرار إلى شرع الله وحكمه دون قيد أو شرط"
وهذا المبدأ هو الذي سيحكم موقفها من الجهاز الحاكم لأنه لا يطبق شرع الله والحكم بالشريعة: "ندعوه بصراحة إلى تطبيق شرع الله بدون تردد أو إبطاء". وإن كان الدستور المغربي "يؤكد أن الإسلام هو دين الدولة الرسمي غير أن هذا النص يفقد مدلوله إذا حل القانون الوضعي المستورد محل الشريعة والفقه الإسلاميين". لهذا تدعو الجماعة الجهاز الحاكم (مذكرة الىمن يهمه الأمر) إلى العودة إلى كتاب الله وسنة رسوله، والاقتداء بعمر بن عبد العزيز الذيك "تغير من الانغماس في ألوان الترف والبذخ، إلى تعشق حياة الزهد والتقشف والقناعة بعد توليه مقاليد الخلافة". (نفس المرجع ص 334).
وإن كان هذا موقفها من الحكام، فإن موقفها من الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية تكاد تحرمها لأنها مسخرة ومتاجرة بالسياسة والدين وأعضاؤها وصوليون ودجالون، ولا تقبلها إلا لأنها مظهر من مظاهر الديمقراطية وليس عماد وأسس الديمقراطية "نقبل التعدد الحزبي لأنه مظهر من مظاهر الديمقراطية، المقبولة لدينا مؤقتا في انتظار الحكم الإسلامي القريب بحول الله". (نفس المرجع ص 334). وهذا معناه أن "الدولة الإسلامية" في تصور الجماعة لن تقبل بالتعدد ولا يحق الاختلاف ناهيك عن حرية التعبير وحرية الاعتقاد. فالإسلام هو المبتدأ والخبر حتى في الرؤية إلى القضايا الساخنة في العالم: "فكل ما يتصل بالمسلمين في العالم يعنينا". ودعمها وتضامنها مع حركات التحرر في العالم خاضع للمعيار الديني: "إن كل حركة تحررية في العالم تعاني من الظلم والاستبداد تستحق منا التقدير والاحترام، إذا كان هدفها الحقيقي الفعلي تحقيق كرامة الإنسان، وتخليصه من غوائل الجهل والفقر والعبودية لغير الله. والحركات التحررية الإسلامية مقدمة على ما سواها". (نفس المرجع ص 337).
الجماعة في كل بياناتها لا تخفي صبغتها السياسية/الدينية. وهذا خلاف واضح بينها وبين الحزب الإسلامي الثاني في المغرب (حزب العدالة والتنمية)، وإن كان هذا الحزب يقر بمرجعيته الإسلامية، وبأن الإسلام هو المصدر الأسمى لجميع التشريعات والقوانين في بياناته وتقاريره المذهبية، فإنه لا يعتبر نفسه حزبا دينيا على الأقل في الظاهر، بل حزبا سياسيا يخضع لقوانين الدستور المغربي وعلى رأسها الاعتراف للملك بإمارة المؤمنين بوصفه حاميا لحمى الملة والدين. وهذا ما دفع ببعض الخصوم السياسيين بنعته بالنفاق السياسي أو بإتباع سياسة التقية، ليسهل عليه استغلال الدين من أجل السياسة. وحكمهم في ذلك الفرق الشاسع بين خطابهم وممارستهم، أو في الاختلاف في مواقف بعض قيادييه التي تتراوح بين "الاعتدال" و"التطرف". وقد تدعم موقف الحزب من كونه حزبا سياسيا لا دينيا في المؤتمر الأخير، حتى عدنا نرى أنه أصبح نموذجه الأعلى هو حزب العدالة والتنمية التركي، خاصة بتطلعاته نحو تسيير الشأن العام من موقع الحكومة.
وبخلاف موقف العدالة والتنمية الذين يشير إليه عبد السلام ياسين: "دخلاء منافقون، أو جهال مشعوذون، من يزعمون أن أحدا يكون مسلما بلا إسلام. من يحسبون أن الشعب يمكن استغفاله واصطياد ثقته بالتمسح الانتخابي على مشاعره الدينية، والتلصص على "مخزونه النفسي" الإسلامي". فبخلاف هذا الموقف، فالجماعة لا تخفي صبغتها الدينية/السياسية حتى في تسميتها: العدل والإحسان. يقول عبد السلام ياسين في تصريحه لجريدة المنقذ الجزائرية: "هاتان الكلمتان وردتا في القرآن الكريم". إن الله يأمر بالعدل والإحسان"، فالعدل مطلب شعبي وأمر إلهي، فلذا وجب أن يتحقق في جميع نواحي الحياة، والإحسان برنامج تربوي يعتني بالفرد والجماعة، وبهذا نكون قد جمعنا بين وظيفتين: وظيفة الدولة ووظيفة الدعوة".
فالبناء الإيديولوجي للجماعة يتأسس على هذا الخلط بين الديني والسياسي، أو بين الروحي والسياسي كبصمة صوفية واضحة من مرشدها. مما يدفعنا إلى القول والاستنتاج أنه ليس هناك استغلال السياسي للديني فقط، بل كذلك استغلال الديني للسياسي.
إن أي حركة سياسية لابد لها من فئة أو طبقة اجتماعية تستند إليها في خطابها لتحقيق أهدافها، فالجماعة حددت منذ بداية تأسيسها: "النضال من أجل الطبقة المسحوقة". وهذا الاعتراف بالطبقية هو خطاب ماركسي استفادت منه الجماعة، ويهدف إلى جر البساط من تحت أقدام اليسار "قارة سياسية يحتكرها اليساريون" الذين يعمدون في خطابهم وإيديولوجيتهم على الجماهير الشعبية والطبقات المسحوقة. وهذا إعلان منذ البداية في الدخول في منافسة تيارات سياسية ذات إيديولوجية يسارية. وهذا يزيد من فرضية أن من بين مبررات ظهور الحركات الإسلامية هو ضرب اليسار وإضعافه "مهمتنا أن نقف إلى جانب هذا الشعب، لأننا ننتسب إليه لا خيار لنا في ذلك ولا فكاك، وأن نصبر عليه، ونجاهد، ونناضل لتحريره، من هذه العقد، والمفاسد، وأن نعرفه ونرسخ في وعيه ووجدانه، بأقوالنا وأفعالنا، وتربيتنا، وسلوكنا، النموذج الإسلامي المتميز". والنضال من أجل تحرير الشعب من العقد والمفاسد إقرار بجاهليته وجاهلية المجتمع وهذا تأثير واضح من المودودي وتيار الإخوان المسلمين في مصر.
إن مرجعيات ومبادئ الجماعة، تستمد قوتها من النص القرآني والسنة دينيا، ومن الإيديولوجيات والتجارب الحديثة، وخاصة تجربة اليسار الماركسي في المغرب سياسيا، ليس فقط في التحليل والمنهج بل كذلك في آلية التنظيم وفي بناء الإطار الحركي، من أجل تحقيق الهدف المنشود وهو القومة وبناء الدولة الإسلامية، ومن خلالها العودة إلى شرع الله وأحكامه: "ندعو إلى تحكيم شرع الله في شؤوننا كلها دون تمييز بين ما هو من خصوصيات الدنيا إلا ما كان من تقنيات صرفة لا يشملها الحلال والحرام ولم يقررها الشرع بقيد رحمة بنا" والهدف الثاني تحقيق العدالة الاجتماعية "بأسمى مظاهرها وتجلياتها" وهي بمعنى عند الجماعة: "أن تتساوى فرص الكسب أمام الناس وأن لا يكون التفاضل بينهم إلا بالاستحقاق ووفق الطرق المشروعة وفي مقدمتها التفاضل في الأرزاق". والمساواة هنا ليس في توزيع الثروة، وهو مبدأ اشتراكي بل في الكسب والطريق نحوه هو الاستحقاق وهو مبدأ ليبرالي تستمد الجماعة مرجعيتها الاقتصادية.
إن هذا المزج بين ما هو ديني وما هو سياسي، بين ما هو اشتراكي وما هو ليبرالي وبين ما هو سري وما هو علني، هو ما تسميه الجماعة بالخطى الإسلامي الذي تتبناه، وبه ستبنى "الدولة الإسلامية" المنشودة من خلال "قومة" آتية لا محالة "وهذه حتمية تاريخية تستمدها الجماعة أيضا من المادية التاريخية لكارل ماركس.
وللوصول إلى هذا المبتغى تستغل الجماعة كل ما تتيحه "مظاهر الديمقراطية" "المقبولة لدينا مؤقتا في انتظار الحكم الإسلامي القريب بحول الله". ليس فقط الديمقراطية بالنسبة للجماعة خطوة نحو تحقيق هدفها بل هي وسيلة لا غاية يجب الاستفادة منها لأجل الوصول إلى مختلف فئات الشعب. "نستفيد من الديمقراطية، ومن حقنا أن نعطيها التفسير الإسلامي الذي يناسب منهاج النبوة في الدعوة، وتتمسك بما يكفل لنا حقوقنا في الوجود والرأي، والتعبير الحر، وسط مختلف فئات الشعب المسيسة وغير المسيسة، المسلمة وغير المسلمة".
ففئات الشعب المغربي تصنفها الجماعة ليس فقط على معيار الوعي السياسي "بين المسيسة" و"غير المسيسة"، بل على أساس ديني "المسلمة وغير المسلمة"، وهذا موقف من الناحية الدينية قد يفتح باب الجهاد على مصراعيه ومن ثمة الصنف الذي تدعي الجماعة أنها تتجنبه "نتجنب الممارسات العنيفة في القول والعمل، لاعتقادنا أن العنف والدعوة لا يجتمعان".
والدعوة إلى اجتناب العنف ليس هو نبذه وإلغائه كليا من ممارسة الجماعة، بل هو حاضر في القول والعمل وقد يلجأ إليه عند الحاجة: "والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة في رأينا، لا تمت إلى الذل، والاستخذاء، وإعطاء الدنية من نفسها بصلة" أو لا يقول مرشدها : "عاجلا أو أجلا يلد عنف السلطة اللائيكية […] عنفا مضادا يدافع عن النفس".
وفي هذا الموقف كذلك استمرار المزج عند الجماعة بين العنف السياسي والجهاد الديني فلا فرق بينهما إلا في التسمية أو التأويل الذي تقبل به الشريعة.
إن الجماعة لا ترفض ا لديمقراطية كموقف على الأقل لأنها تخدم أهدافها في الوصول إلى "القومة". ولكن كمبدأ فإن "القوانين الوضعية التي هي من مبتدعات الإنسان عاجزة عن الوصول بالإنسان إلى شاطئ النجاة وخلاصه في القرار إلى شرع الله وحكمه دون قيد أو شرط"
وهذا المبدأ هو الذي سيحكم موقفها من الجهاز الحاكم لأنه لا يطبق شرع الله والحكم بالشريعة: "ندعوه بصراحة إلى تطبيق شرع الله بدون تردد أو إبطاء". وإن كان الدستور المغربي "يؤكد أن الإسلام هو دين الدولة الرسمي غير أن هذا النص يفقد مدلوله إذا حل القانون الوضعي المستورد محل الشريعة والفقه الإسلاميين". لهذا تدعو الجماعة الجهاز الحاكم (مذكرة الىمن يهمه الأمر) إلى العودة إلى كتاب الله وسنة رسوله، والاقتداء بعمر بن عبد العزيز الذيك "تغير من الانغماس في ألوان الترف والبذخ، إلى تعشق حياة الزهد والتقشف والقناعة بعد توليه مقاليد الخلافة". (نفس المرجع ص 334).
وإن كان هذا موقفها من الحكام، فإن موقفها من الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية تكاد تحرمها لأنها مسخرة ومتاجرة بالسياسة والدين وأعضاؤها وصوليون ودجالون، ولا تقبلها إلا لأنها مظهر من مظاهر الديمقراطية وليس عماد وأسس الديمقراطية "نقبل التعدد الحزبي لأنه مظهر من مظاهر الديمقراطية، المقبولة لدينا مؤقتا في انتظار الحكم الإسلامي القريب بحول الله". (نفس المرجع ص 334). وهذا معناه أن "الدولة الإسلامية" في تصور الجماعة لن تقبل بالتعدد ولا يحق الاختلاف ناهيك عن حرية التعبير وحرية الاعتقاد. فالإسلام هو المبتدأ والخبر حتى في الرؤية إلى القضايا الساخنة في العالم: "فكل ما يتصل بالمسلمين في العالم يعنينا". ودعمها وتضامنها مع حركات التحرر في العالم خاضع للمعيار الديني: "إن كل حركة تحررية في العالم تعاني من الظلم والاستبداد تستحق منا التقدير والاحترام، إذا كان هدفها الحقيقي الفعلي تحقيق كرامة الإنسان، وتخليصه من غوائل الجهل والفقر والعبودية لغير الله. والحركات التحررية الإسلامية مقدمة على ما سواها". (نفس المرجع ص 337).
ذ.مراد زوين-جامعة الحسن الثاني- كلية الاداب المحمدية