عرف المغرب مجموعة من الاحداث مؤخرا ، تعتبر تهديدا حقيقيا للحقوق والحريات الفردية، حيث توالت لوحات المحافظة والفصام و التي تتمثل في طرح مسودة للقانوني الجنائي ، و منع فيلم نبيل عيوش و محاكمته مع احدى بطلات افلامه ،و محاكمة فتاتين بادعاء ان لباسهما يخدش الحياء ، وانتشار فيديوهات في الانترنيت لسلفيين يلعبون دور شرطة النهي عن المنكر و الحث عن المعروف ، وسيادة خطاب محافظ في اللغة الثقافية والسياسية. يحدث هذا ، في ظل حكومة حزب اغلبي اصولي، والذي جعل من الخطاب الاخلاقوي السطحي المشوه راسمالا رمزيا يبيعه في سوق الانتخابات الشكلية، ويعتمد في ايديولوجيته على تأويل متخلف للدين مستند على مرجعية اخوانية وهابية . كما ان هذه الاحداث تاتي في سياق صعود تيارات داعشية فقدت كل عقلانية في ممارستها و فكرها ، و اصبحت متخصصة في ابداع ابشع صور التوحش والتخلف و البربرية . مما يجعل احتمال تطور الامور الى منحى اكثر محافظة وتطرفا ، خاصة في ظل هيمنة ثقافة اصولية في المجتمع ، و غياب مشاريع ديمقراطية حداثية حقيقية بديلة ، و توظيف الدولة للشرعية الدينية والذي يجعلها اكثر ارتباكا في مواجهة هذه الاحداث ، و استعدادها للتنافس مع الاصوليين في هذا الحقل عبر استغلال الدين للحفاظ على مصالح الفئات الحاكمة .
ان هيمنة الخطاب الاصولي في الثقافة الشعبية السائدة في المجتمعات الاسلامية و من ضمنها المغرب ، هو نتيجة طبيعية لانظمة استبدادية جاءت نتيجة حداثة رثة ، تتميز بشكل واجهاتي حداثي لكن بمضمون تقليداني متخلف . والتي كرست التخلف والرداءة على جميع مستويات البنى الاجتماعية ؛ السياسية والثقافية و الاجتماعية و الاقتصادية ، للحفاظ على حكمها . حيث جعلت من اجهزة التنشئة الاجتماعية محاضن لتفريخ " دواعش " باقنعة عصرية وذلك باستغلالها للفهم المحافظ للدين . و انتج الشكل العصاباتي لهذه الانظمة سياسيا واقتصاديا ، مجتمع الفساد و الموالاة والهدر بدل مجتمع الاستحقاق والكفاءة و التقدير . مما حول " اشباه- مواطني" هذه البلدان الى مجموعة من المهدورين انسانيا ، يعانون الهشاشة النفسية و الاقتصادية و الوجودية عبر سيرورة من التفقير المادي والفكري والروحي .لقد تحول الفرد في هذه المجتمعات الى كائن مرقع " فركنشتاين" ، يواجه ذاته وو اقعه بمعاناة حقيقية و صراع عنيف بين داعشية تختبأ في جمجمته مغلفة بقشرة ذهنية عصرية مشوهة من جهة ، و حداثة رثة يعيشها من جهة اخرى ، وذلك في ظل هشاشة وجودية و اجتماعية وثقافية . مما يجعله كائنا ماساويا في تكيفه مع العولمة و ثورة الاتصال والمعلومات ، و سلبيا عدوانيا في تفاعله مع الانفتاح على مختلف الثقافات ، و معوقا في قدرته على العيش في ظل عالم يسوده اللايقين و المفاجآت والتغيرات . ولكي يواجه فشله الوجودي ، يلتجا "فرنكشتاين" الى الانتقام من واقعه وذاته ، عبر البحث عن ذات مثالية يحلم بها و فردوس مفقود في التاريخ ، لعله من خلالها يركب من جديد مقاطع ذاته ليحولها الى صورة مقبولة ولو متخيلة . " فصورة الذات في الوجود الخالية من التوازنات و الانفراجات و البدائل يتعذر استمرارها بدون فعل او رد فعل. فهي تصبح غير محتملة و امست دليلا على انعدام القيمة الكيانية . و لابد من فعل يغير موازنة الوضعية و دلالة الوجود . و هو يتخد شكل التصرفات شبه السحرية التي تقلب المعادلة : الانتحار ،الادمان ،العنف ،البحث عن الفردوس المفقود " ( مصطفى حجازي ، حصار الثقافة بين القنوات الفضائية والدعوات الاصولية ).
البحث عن الفردوس المفقود في الماضي ، هو ايضا لجوء سياسي و ثقافي للماضي ، وفتح جبهة حرب منهكة مع الحاضر والمستقبل ،و ذوبان قرباني في "الأمة " ،و تضحية اختيارية بالحريات الفردية و تنصيب المشانق للآخر المختلف .ان الحريات الفردية هي فوبيا حقيقية للاستبداد و الحركات الاصولية ، بإعتبارها اساسا لرفض الوصاية ، و مدخلا حقيقيا لتطوير الذات و التمرد على اغلال العبودية و التخلف . وكل مجتمع يقمع هذه الحريات ، هو بالضرورة مجتمع قطيع ، يتنج و يعيد انتاج ميكانيزمات القهر و الاذلال والتعاسة . مجتمع الحريات الفردية هو مجتمع تحرير الطاقات و الاختلاف و الابداع والتقدم ، لانه يعطي فرصة للفرد لكي يجد معنى لوجوده ويتصالح مع ذاته و مجتمعه .
في المغرب ، الحريات الفردية معركة ضمن صراع معقد ومتعدد الابعاد يخترق البنية الاجتماعية على جميع مستوياتها سياسيا و اقتصاديا و ثقافيا ، وذلك بالقطع مع مجتمع الاستبداد و الرعايا و التفقير و التجهيل ، من اجل بناء مجتمع المواطنة و الحقوق والحريات والتقدم.