تلعب الصحافة دورا مهما في أي تجربة ديمقراطية ، فهي تساهم في تشكيل الوعي الجمعي وخلق الرأي عام . ولدورها الهام هذا كانت تتعرض لمختلف التجاذبات للسيطرة عليها و إستغلالها لخدمة فئات معينة ضد أخرى . كل سلطة إستبدادية هي بالضرورة عدوة لكل صحافة حرة مستقلة ، فهذه الاخيرة ،أرادت او لم ترد، هي سلطة مضادة تعريفا .مادة الصحافة الحرة هي الثقافة اليومية للمواطنين وجرعتهم ضد الآثار الجانبية للسلطة، فهي تقتات على مشاكلهم اليومية و تتبع أخبارهم ،و تفضح لصوصهم وفساد سياسييهم،وتعطيهم "كبسولات" ثقافية تسنفز إستبداد بداهاتهم ...
الصحافة في البلدان المتقدمة و نتيجة لما راكمته من مهنية ، وفي ظل مجتمعات مفتوحة متصالحة مع نفسها ،تتميز بقوة تاثيرها في صنع الاحداث و هاجس كابوسي لكل سلطة بما تمثله من رقابة اجتماعية على الفاعلين في المجتمع . وهذا مايجعلها رقما مهما في اللعبة الديمقراطية و في صراع السلط.أما الصحافة في المجتمعات المتخلفة ، هي بالمناسبة شبه - صحافة أكثر منها صحافة، فلقد جاءت ، كماعبر عن ذلك القصيمي: " بدون اخلاقها و مواهبها العقلية ،كما جاءت ادوات الحضارة الاخرى... لقد جاءت الشعارات الحضارية كالديمقراطية و الحرية ...بدون ان تكون في وعينا او ثقافتنا او اخلاقنا او مزاجنا النفسي، فصرنا لابسي حضارة لامتحضرين ، وكذلك وجدت عندنا صحافة لاصحفيون "( هكذا تكلم القصيمي).حيث تتميز اغلب الصحافة في البلدان المتخلفة ، بإفتقارها للمهنية وللجرأة و للاخلاق الصحفية .
وتصبح وسيلة للابتزاز و التشويه، و تلميع من يدفع اكثر، وتسويق الوهم والزيف لإلهاء المواطنين عن مشاكلهم الحقيقية.هذا لايعني ان هناك تجارب استثنائية لعبت اداور مهمة في بعض البلدان وفي فترات معينة ..
لقد عرف المغرب اواخر التسعينات تجربة ريادية في مايسمى الصحافة المستقلة . حيث لعبت دورا مهما في فتح ملفات كانت تعتبر من الطابوهات : الاستبداد ، زواج السلطة والثروة، الدين، العلمانية ... واعتبرتها بعض التحاليل قوة ضد السلطة عوضت المعارضة التي تجاوزتها المرحلة و أصبح خطابها مأزوما عاجزاعن التعبيرعن المشاكل الحقيقية للشعب المغربي .
قارئ مثل هذه الصحف، في تلك المرحلة ، كان فعلا يتمتع بقراءتها ،وساعدته على التعرف على بعض الملفات الكبرى للبلاد و جعلته يطلع على خبايا ودسائس" اللاعبين الكبار" في المغرب .فقد كانت تؤسس لفعل صحفي حر و مساهم في صنع رأي عام فاعل في الاحداث .لقد كانت فعلا تحاول بناء تجربة مهنية مهمومة بالاشكاليات الحقيقية التي يعاني منها المواطن المغربي. لكن وكأي بشع يكسر المرآة التي تفضح ذمامته ، كشر المخزن عن انيابه و أصبح يمارس الحصار بجميع انواعه على هذه التجارب ؛ سياسيا و إقتصاديا وإجتماعيا .ونجح في إفشالها وساهم بذلك في إفساد تجربة صحافية رائدة كانت ستكون لو إستمرت ،أحد الدعامات الاساسية لبناء تجربة ديمقراطية فتية. وكأي إستبداد متخلف عدو لكل جميل و متقدم في هذه البلاد ، أجهز على هذه التجربة ، لتستمر الرداءة و التفاهة .
نفس السادية المخزنية تتكرر الآن ، مع بعض التجارب في الصحافة الالكترونية ،حيث يتم حصارها بالقضاء و الافلاس المالي و انهاك الصحفيين بكثرة المحاكمات. ضمن إستراتيجية محاربة كل من يتجرأ على فتح الملفات الحساسة التي تربك المخزن او تفضح بعض ممارسات الفئات المرتبطة به. فبدل الابداع في تنمية البلاد و تحويلها الى وطن العدل والحريات و التقدم ، اصبح المخزن خلاقا في إبداع اشكال رمي المناضلين والشرفاء في السجون او في احضان الافلاس او النفي الجغرافي او الثقافي..(من افلاس مالي للصحافة، تلفيق تهم الحق العام للمناضلين وتشويه سمعتهم ، حصار الاقلام الحرة....)
إن السلطة في البلاد ، بعد إجتياز المرحلة الحرجة لانتفاضات عشرين فبرايربنجاح (نتيجة ذكاء المخزن في التعامل مع المرحلة ، عدم نضج حركة عشرين فبراير ، جبن و انتهازية النخب ...ليس هنا المجال للتوسع في هذه الاسباب) ، دخلت في حملة انتقام مرضي من نشطاء الحركة و من الحقوقيين و من الصحافيين و مناضلي الحركة الطلابية ..... المحزن في هذا، ان روح الانتقام و نشوة خمرة الاستبداد ،تنسيها انها بإجهازها على كل ماهو جميل في هذه البلاد ، فهي تشجع على خلق محيط مدمر للطاقات و مشجع على الهدر الانساني و مكرس لثقافة التطرف والظلام و اليأس...
السلطة الحاكمة تأكل اولادها ، كوحش مريض بتخمة السلطة اعماه التخلف والاستبداد وجعله برتكب حماقات سوريالية (حالة المرابط وحرمانه من شهادة السكنى ؟؟؟) وحوله الى صانع للفقر و العبودية والظلام.