- مــدخــل:
الفعل التعليمي – التربوي الخلاّق، بمعناه ضمن معظم التيارات و المدارس التربوية المعاصرة، هو ذلك الذي يضمن نمو المتعلمين،نموا على مستوى مختلف أبعاد شخصيتهم: النفسية و الجسدية و الاجتماعية و الأخلاقية و المهارية و العقلية...و يشترك كل المدرسين في هذا الرهان، رغم اختلاف موادهم التعليمية، ما دام المحوري في تلك الأبعاد و الضامن لنموها و ازدهارها، و الذي هو النمو العقلي، أو نمو البنيات المعرفية، يخصّهم كلهم، إذ حين يحدد أحد أبرز علماء النفس التربويين المعاصرين مثلJohn Biggs مهمة المدرس الملهم في مساعدة المتعلمين في التخلص من البنية المعرفية المختلةunstructured) ) و الأحادية (unistructral)، باتجاه المتعددة العناصر(multistructural)، ثم العلائقية (relational)، فالميّالة أو الممتدة نحو التجريد(extended to abstraction)(1)،فإنه لا يجعل هذه المهمة الرفيعة تخص مدرس مادة دون غيرها، بل يجدها روح رسالة كل مدرس و محور كل أنشطته التعليمية، و بها تقاس فعاليتها، و أهليته لهذه الرسالة.
و لبلوغ هذا الرهان، يعتمد مدرس كل مادة تعليمية منهجا ديداكتيكيا أو منهجا تعليميا يستلهم مقاربة علمية أو أسلوبا تربويا يخص مادته التعليمية، إذ تدريس الشعر(و الفنون عموما) ليست هي طريقة تدريس الفيزياء ( والعلوم عموما)، و لا هي أسلوب تدريس الفلسفة، فلكل منها مرتكزاتها و خطواتها التي تيسّر للمتعلمين استيعابها و التفاعل معها، و تملّك الجوهري في رهان تدريسها ( ارتفاع منسوب احساسهم و اتساع خياله مع الآداب و الفنون، و تعلمهم التفسير بالأسباب و النتائج، أو العلل و المعلولات ، و التخلص من التفسير بالخرافة و الميتافيزيقا مع درس العلوم، و اكتساب مهارات ممارسة السؤال و "الضرب بالمطرقة" على الوقائع و الأحداث حولهم لسماع "رناتها" و "تقاسيمها" الفعلية ، و الإفلات - بذلك- من التضليل و التمويه و الإقناع السرّي(2)، مع درس الفلسفة. و كما الحال بالنسبة لأساليب التدريس أو المناهج الديداكتيكية، فإن الأدوات أو الموارد(الديداكتيكية) تختلف و تتنوع حسب طبيعة كل مادة دراسية، فالخرائط و المجسمات الجغرافية، و المواد الجامدة للجيولوجيا، و الحية للبيولوجيا، و الوثيقة للتاريخ، و النصوص للأدب و اللغات و الفلسفة...و هكذا. وطبعا، تشترك مواد دراسية في اعتماد تدريسها على موارد مشتركة من المذكورة ( كالمواد الجامدة بالنسبة للجيولوجيا و الفيزياء، أو الخرائط بالنسبة للتاريخ و الجغرافيا و كذلك الجيولوجيا)، و النصوص بالنسبة لكثير مواد دراسية، ناهيك عن "الصور" و المشاهد المصورة و أفلام الواقع أو الخيالية التي يجري اليوم استبدالها كأدوات ديداكتيكية، قابلة للاستثمار في كثير من مواد دراسية.(3).
و إذا كانت اللغة ( بمعناها الواسع الذي يشير إلى كل اللغات، و إلى كل أشكال التواصل فيها، اللغوية و غير اللغوية ( الحركات، الإشارات، و الملامح...)، هي الوسيط اليومي المشترك بين جميع مدرسي كل المواد الدراسية، و متعلميهم، فإن القصص و الحكايات تعتبر موارد ديداكتيكية لكل المدرسين، بمختلف تخصصاتهم التعليمية، يتحدى مفعولها في تحفيز البنيات المعرفية للمتعلمين و تسهيل استيعابهم لما يقدم لهم باقي أنماط العتاد الديداكتيكي الخاص بكل مادة تعليمية، كما سنفصل ذلك في مراحل لاحقة من هذا العمل.
فما الذي نقصده – ضمن عملنا- "بالقصة" و "الحكاية" ؟ و قبل ذلك، ما الذي نقصده ب "التربية" و "التعلم" ؟ .
أ – تحديد المفاهيم الأساسية للعمل:
1- مفهوما " التربية " و " التعليم ":
قد يبدو هذان المفهومان بكثير من الوضوح و الامتلاء، حدّ أن تعريفهما يبدو تحصيل حاصل، و الحال أنهما يشيران إلى أفعال و وقائع مختلفة، مما يجعل استعمالهما بنفس المعنى كما يمكن ملاحظته في الكثير من أدبيات التربية)، بآثار سلبية، خصوصا على الممارستين التعليمية و التربوية اللتين يفترض أن تكون لكل منهما استراتيجيتها الخاصة، و عتادها الخاص.
و بالرجوع إلى معظم المعاجم، و في معظم اللغات، نجد أن " التعليم" (Enseignement ) يعني فعل أو طريقة تدريس/ تعليم، أو نقل معارف، أو نشاط من يعلّمون / يمارسون التعليم(4)، أي أن مصطلح "تعليم" ، له غاية جد محددة هي نقل المعرفة عبر رموز. و في العربية، " التعليم " هو فعل نقل معارف إلى متعلمين، و كذلك صنائع، و جعلهم يعرفونها و يكتسبونها و يتقنونها، مما يسمح بالحديث عن"أميّة المتعلمين" ، أي جهلهم بما ينبغي معرفته، و عن " أنصاف المتعلمين" ، أي ذوي المعرفة السطحية. و "المتعلم" : غير الأمي، و كذلك الذي تعلم الحساب، أو القيادة أو فنون القتال. (5). و تمضي بعض المعاجم في العربية إلى حد ضمّ نعت " التأديب" إلى ما صدق "التعليم" بلغة المناطقة، إلا أن ذلك لا يخلّص معناه الشائع من أن يكون مرادفا لنقل الأبجدية و الحفظ و مهارات الحرف و الصنائع و الفنون.و في اللغة الانجليزية، حيث يستعمل مصطلحا " تعليم" (teaching)، و تربية (education)، كمترادفين في الغالب، في اللغة اليومية وفي الكتابات الغير متخصصة، يشير مصطلح تعليم إلى مهنة أو عمل المعلم أو المدرس في الغالب، كما تشير "التعلمات" (teachings) إلى اكتساب معرفة أو مهارات عبر الدراسة. و إجمالا، فالتعليم هو وسيلة تقديم مضمون (تعليمي)، التربية و هي المضمون(6)، و هو ما يجعل معناه في الانجليزية غير بعيد عمّا يشير إليه في العربية و الفرنسية ، خصوصا ضمن ما يهمنا في هذا العمل، و الذي هو كون "التعليم" شيء، و "التربية" شيء آخر، أكثر اتساعا و أرفع رهانات من "التعليم" ، كما سيتضح في تعريفنا للمفهوم الثاني ضمن هذا المدخل. فالتربية عند ابن منظور هي التهذيب و التعليم و التنشئة، و المساعدة على النمو(7)، و هي "فن تثقيف الأطفال و تهذيبهم و تنشئتهم" عند جبران مسعود(8)، أي أنها أكثر بكثير من مجرد معرفة الكتابة و القراءة، أو اكتساب مهارات ( حرف و صنائع )، و أكبر منهما معا مجتمعين، لأنها تعني مجموع السلوكات الاجتماعية و الأخلاقية و الصحية و الروحية...، و كذلك مهاراتها، أي تحولها إلى سلوكات و ممارسة. و هو نفس المعنى الذي يشير إليه مصطلح "Education"في اللاتينية، فهو مشتق من فعل "ducere" الذي يعني قيادة و توجيه، و بالضبط في مجال القيم، و الذي يختلف عن "التعليم" (enseignement-instruction) الذي يعني نقل معارف و فعل أو طريقة تعليم ، و فعل أو نشاط من يعلمون، أي ان التربية لا تنحصر في "التعليم" الذي يرتبط بالمعارف و المهارات،بل تتعداه و تشمله، لأنها فعل تنمية مجموعة من المعارف والقيم الأخلاقية و الفكرية و العلمية... المطلوبة لبلوغ مستوى الثقافة المطلوبة.(9).
و في الانجليزية، حيث تتعدد الاستعمالات لمفهوم " التربية" (Education ) ، إذ يستعمل كمرادف لسيرورة تلقي أو تقديم تعلّمات نظامية، خصوصا بالمدرسة أو الجامعة. أو مرادف لمعلومات حول، أو للتدريب على موضوع خاص ( كالتربية الصحية مثلا)، و كذلك لمجموع المعارف التي يكتسبها الخاضع لفعل التربية، فإن المعنى الذي يهمّنا ضمن هذا العمل يبقى حاضرا بقوة، إذ يستعمل المفهوم كمرادف ل"نظرية و ممارسة في التعليم" بل و "تجربة" تنويرية (An enlightening experience) (10)، أي تتجاوز بكثير تجربة تعليم القراءة و الكتابة و العدّ و المهارات، إلى الرفيع الذي هو القيم. و لذلك بات مقياس جودة الأنظمة التعليمية في الدراسات و الأبحاث السوسيولوجية – التربوية اليوم، هو منسوب القيم الإنسانية الأساسية (احترام الحياة، المسؤولية، الحكمة، الأمل، الالتزام، حب الجمال، الانخراط في الدفاع عن العدالة...و كل قيم التعبير عن الذات)، المسموح ب "ترويجها" ضمن هذا النظام التعليمي أو ذاك، أي جودة القيم التربوية، المتوقفة على مدى جدارة المربين برسالتهم. و هنا يطرح التمييز (الضروري) بين "المعلم" و "المربي" ، لأن الأول إسم مدرس، أي شخص يعلم متعلمين بمدرسة، بينما يحيل الثاني إلى شخص يقدم تعلّمات معرفية و أخلاقية و اجتماعية. و الأول يعلم متعلمين، بينما الثاني يربّيهم. و ليس كل المعلمين مربّين، و آباء كثيرون مربّون جيّدون، بينما المربي معلم ماهر. و ينشغل المعلم بالمقررات و المنهج، بينما يشتغل المربي على النمو و التقدم و الإزهار. و المعلم مؤهل و مدرّب شكليا، بينما يمكن ألا يكون المربي مؤهلا شكليا. (11).
فماذا عن الكلمتين – المفتاحين المتبقيتين ضمن عملنا؟
2- تعريف " القصة " و " الحكاية ":
نسجل أولا، أننا لا نقصد بتعريف "القصة" و "الحكاية" التطفّل على موضوع الأجناس الأدبية، لأن الخوض فيه ليس من رهانات عملنا أولا، و لأننا لا نملك له عتادا، ثانيا. و إذا كان معنى "الحكاية" (Conte في الفرنسية و Tale في الانجليزية)، واضحا نسبيا، خصوصا بالمعنى الذي نقصده ضمن عملنا، أي بعيدا عن المعنى اللغوي الصرف، حيث: الحكاية كل ما يحكى و يقص، سواء أكان واقعيا أم خياليا، بل أكثر من ذلك، الحكاية باعتبارها سردا بسيطا و قصيرا لأحداث، بعيدا عن التفاصيل المعقدة لما يعرف في الأدب بالقصة القصيرة، سردا يلقي نظرة على الواقع أو يسائل أحداثه عبر الشيّق و الرائع. فالحكاية هنا، تفتح على الخيال و تنشّطه، إذ يقفز الراوي من العالم المثالي ( أو المتخيّل)، إلى العالم الواقعي، من قصور الملوك إلى أكواخ المحرومين. . .، و كل شيء مسموح به ما دام يسلّي و يعلم. فالحكاية المقصودة هنا هو ذلك التقليد الشفوي المتعدد البعاد الدّنيوية، و الشبه الكوني، و التي إلى جانب طابعها الشيق و غايتها التّسلوية المعترف بهما، فإن غايتها المزدوجة كأداة للتسلية و التعليم ( عبر التسلية) أكيدة (كما سنفصل ذلك لاحقا)، بل لها وظيفة علاجية أيضا(12). و هو نفس المعنى تقريبا الذي يحمله مصطلح " Tale" في الانجليزية، في أبرز معاجمها، إذ يشير إلى سرد أو قصة خيالية أو واقعية، و المروية بإبداعية، أو إلى سلسلة من الأحداث الجزئية، مرتبة على نسق خاص، يجدب السامع، فيتتبعها بشغف، و لذلك اشتهرت الحكايات اللذيذة للأطفال (13). وهو نفس المعنى الذي يشير إليه مصطلح" Conte" في الفرنسية ، بعد تخليصه من كثير معان شائعة، كالقصة المغلوطة أو البعيدة عن الواقع، و الكلام الفارغ، و حكايات النوم وقوفا، و تأكيد أمر بدون أساس، و العبث...(14)، تماما كما الحال مع معناه في العربية، حين تخليصه من معاني "الخبر" و "الخرافة" و لغو الكلام.
و أما " القصة" (و بعيدا دائما، عن معانيها اللغوية المتعددة، و عن موضوع الأجناس الأدبية)، فإننا نستخدمها بمعنى قريب جدا من " الحكاية "، و ليس أبدا بمعاني " النّبأ، و الخبر، و المثل، و الحدث، و الأمر، و الشأن...". و كل قصة - بالمعنى الذي نقصده - تحتوي على حكاية، فهي وصف لبشر أو أحداث متخيلة أو واقعية تروى بهدف التسلية(15)، أو هي سرد حول أشخاص أو أحداث خيالية أو واقعية تروى للترفيه(16)كما في معظم المعاجم باللغتين الفرنسية و الانجليزية، عدا إضافة بعضها " الحوادث" (incident ) و الحالات (case) إلى " الأحداث" لتصبح سردا يروي تفاصيل مجموعة من الأحداث أو الحوادث أو الحالات الواقعية أو الخيالية، و التي ليست هي التشكيل أو الصنف الأدبي الصارم بمقتضياته ( المنهجية و اللغوية ...) الذي يتخذ شكل سرد، و لا هي بالكذبة أو الخرافة أو التعداد العتيق.و كذا كونها لا تروى للترفيه فقط ، بل لإعلاء شأن قيمة أو موقف أو سلوك ...، و هو ما يهمنا بدرجة كبيرة في هذا العمل.
و اذا كانت القيمة الأساسية للحكاية في نهايتها ، بانتصار العدالة أو بروز الحق أو انبثاق الجمال أو بزوغ النور، و انكسار الشر...،انتصارا و ترسيخا للقيم النبيلة و الرفيعة، فان قيمة القصة بالمعنى الذي نقصده ضمن عملنا تكمن في روايتها وفق ترتيب زمني و ترابط سببي ، بصيغة مشوقة، سردا و حوارا، أو سردا وحده، و ضمن سيرورة تطور نحو ذروة، وتعقيد، فحلّ، يرسخ قيمة أو يعلي من شأن فعل أو سلوك (أنساني). إذ لا يتعلق الأمر أبدا بتلك القصص الخرافية من قبيل تلك التي حول "الوحش الضاري الذي يخرج ليلا، متعطشا للحم الأطفال، فيفتك بكل من يصادفه منهم في طريقه" (17)، أو تلك التي حول الجنيّة التي تتربص بضحاياها في الظلمة، فتسكنهم! و يضيعون !!. كما لا يتعلق الأمر بتلك القصص الطوباوية أو الخرافية الموزعة للأوهام، كالتي حول الثري الذي يخرج ليلا، و يوزع أكياس مال! و حتى ذهب !!، على الذين يتضوّرون جوعا !!و من دون أن يكشف عن هويته !!،أو تلك التي حول المقهور الذي يعثر صدفة !!على كنز! و يغدو- بدون مقدمات- ! من أثرياء القرية !! .
و لا تخلو كل الثقافات، من صنف القصص التي نقصدها، أي التي تصلح أدوات لتعليم دروس الحياة أولا، و الانتصار للقيم الإنسانية الرفيعة، ثانيا، قبل أن تكون موردا غنيا و خصبا للتعليم و التربية النظاميين، كما سنفصل ذلك في المحطة اللاحقة من هذا العمل.
و أفترض أن كثافة القصص و الحكايات ذات، المنافع و الأبعاد الإيجابية، و الأخرى ذات الآثار السلبية، و درجة تواتر حضورها في هذه الثقافة أو تلك، مرتبط بالتجارب الثقافية للمجتمعات الإنسانية المختلفة في مواجهة الطبيعة أولا (و هذا مشترك في كل الثقافات)، ثم في مواجهة الشر و الظلم و الباطل و القبح...، و هو ما ليس لكل المجتمعات نفس الرصيد منه. مما يمثل موضوعا فادحا للأنتروبولوجيا، الثقافية- التاريخية منها على وجه التحديد، و هو ما يتحدى رهانات عملنا المتواضع هذا.
و الآن نتساءل: ما موقع القصة و الحكاية بالمعنى (الإجرائي) الذي حددناهما به، في التعليم و التربية؟ إلى أي حد يمكن استثمارهما كموارد فعالة للتعليم، ولاكتساب القيم؟ و بأي معنى؟ و ضمن أي مبنى ؟.
ب- القصص و الحكايات كموارد أساسية للتعليم و التربية:
1- القصص و الحكايات في التعليم:
يشكو كثير من المدرسين، بدرجات متفاوتة، حسب طبيعة الأنظمة التعليمية ككل، و حسب مستوى جودة تكوينهم، و الأساليب التعليمية المتبعة، و طبيعة المواد التعليمية، و " مناخ " المنظمة المدرسية أو روح المنظمة، و جودة الثقافة التنظيمية...، من صعوبات تجاوب المتعلمين مع ما يقدم لهم (من تعلّمات)، و عدم انخراطهم في الأنشطة التعليمية، و عدم استيعابهم لما يقدّم لهم. و في الأنظمة التعليمية التقليدية، بات الأمر بحجم ظاهرة تنذر بعواقب مروّعة، لأنها تجهز على ما تحقق خلال المرحلة الاستعمارية! و خلال ما فات مما يسمى بالاستقلال السياسي، إذ يشكو معظم مدرسي المرحلة الثانوية أو الإعدادية من كون المتعلمين باتوا يقدمون إليهم من التعليم الأساسي أو الابتدائي دون أن يتعلموا (وليس يتقنوا) القراءة و الكتابة، و تتفاقم الشكوى عند مدرسي اللغات الأجنبية و الرياضيات. كما يعتبر مشكل عدم تمكن المتعلمين من المهارات اللغوية، أي الكتابة بشكل سليم، من الملاحظات الأساسية التي تتواتر عند أساتذة التعليم الثانوي و هم يصححون أوراق الامتحانات الإشهادية النهائية لهذا السلك من التعليم، أي التي تخوّل ولوج الجامعة أو التعليم العالي(18). و في بحث علمي، أجريناه بالاشتراك مع مجموعة من الأساتذة على أساليب التقويم السائد لدرس الفيزياء و الكيمياء بأكاديمية للتعليم (بالمغرب) تضم ست مندوبيات، و بالاشتغال على عيّنة واسعة من أوراق أجوبة المتعلمين بالتعليم الثانوي، سواء المرتبطة بالمراقبة المستمرة أو الامتحانات الموحدة المحلية، أو العامة الاشهادية، و على عينة من أساتذة المادة، تأكد عدم امتلاك معظم المتعلمين للمهارات الأساسية المطلوبة في هذا المستوى من التعليم، لا بل و ترتيب معظم أجوبة المتعلمين ضمن البنية المعرفية المختلة، على سلّم صنافة " بنية حصيلة التعلم الملاحظة "( The structure of observed learning outcome )(SOLO) الشهيرة، و كذا شكوى معظم مدرسي المادة من ذلك(19)(20).
و إذا كانت محاصيل الديداكتيكيات و البيداغوجيات و علوم التدريس و كثير أبحاث و معطيات حول سبل التعلّم، لا تكف عن التراكم (طبعا بالسياقات المنتجة للمعرفة)، برهان حل معضلات التعليم و التعلم، و إذ كانت هذه الحقول المعرفية، تقدم للمدرسين في كل مرة عتادا جديدا (أو وسيلة ديداكتيكية جديدة)، يساعد على جعل المتعلمين يتعلمون، فإن موردا تربويا – ديداكتيكيا أساسيا، غالبا ما يتم إغفاله، أو تجاهله، بل و ربما تبخيس قيمته ( خصوصا في سياقنا التقليدي دائما)، و هو القصص و الحكايات، و لربما لاقترانها في أفهامنا و مخيالنا بالخرافات، و لكثافة القصص و الحكايات المرادفة للخرافات في موروثنا الثقافي و حقل خيراتنا الرمزية، و هو في حال التصلّب و الانحسار.
و أما القصص و الحكايات بالمعنى الذي حددناه لها ضمن تحديدنا للمفاهيم الأساسية لعملنا، فتؤكد أحدث الدراسات و الأبحاث في علوم التربية، و استنادا إلى إنجازات العلوم المعرفية، أنها عتاد ديداكتيكي فعال قد يتفوّق في محاصيله التعليمية على أدوات مشهورة أخرى، فمن بين خلاصات دراسة لكل من Ryan , C. و، Banister,F.، تكشف واحدة كون المتعلمين يستطيعون استيعاب الأفكار العلمية المجردة بشكل أحسن، حين يتعلمونها في شكل قصة، تماما كما يميزون الحقيقة عن المغلوط والمشتبه.(21)،بل ذهبا إلى حد اقتراح طريقة لتحويل المعرفة، هي إحالتها إلى سرد (narrative)، أي إلى قصة أو حكاية، فقصة اكتشاف البنيسلين، أو قصة اكتشاف شخص لغذاء مضر، يمكنها أن تشتغل كناقلات للمعرفة (Knowledge Carriers )فعلية، والعلاقات (الروائية) داخل القصة ترسّخ العلاقات المفاهيمية المراد استيعابها، كما تجعلها قابلة للتذكر و سهلة الاسترداد(22).
و في بحث ميداني أجراه عالم الفيزياء و أستاذ التربية بجامعة ميشيغان Lemk,J.L. حول مجموعة من المتعلمين في وضعيتين مختلفتين، وضعية يستعمل فيها مدرس العلوم اللغة العلمية الصارمة أو الجافة، وأخرى يخرق فيها القواعد الأسلوبية للغة العلم، خلص إلى تأكيد أن مشاركة المتعلمين و إقبالهم و انخراطهم على/في التعلم، تزداد بالتناسب مع استعمال المدرس لغة من الأساليب المؤنسنة لتكلم العلم، و بالضبط مع استعمال القصص في العلم، بدل اتباع المعايير الصارمة للغة العلمية(23). ثم عادLemk هذا، بعد مدة، لتعميق نتائج عمله، فحدد ما سماه معايير العلم التي يتبعها المدرسون حين تعليمهم للعلوم، و التي حصرها في كونه يفترض أن يكون مباشرا(explicit) على المستوى اللغوي، و كونيا(universal) قدر الإمكان، و أن يتجنب العامية (colloquial forms of lanuage)، وأن يستعمل مصطلحات تقنية بدل المرادفات العامية ، وأن يتجنب اللغة المجازية و البلاغية، و كذلك الإثارة و الشخصيات و الإحالة على أشكال الوجود الفردي الإنساني و أفعالها. وأن يستعمل الأشكال السببية للتفسير،و تجنب الأشكال الروائية و الدرامية(narrative and dramatic accounts). ثم كشف Lemk كون هذه المعايير خلقت جدارا أو حاجزا بين لغة التجربة الإنسانية، و لغة العلم، و أن الدعوة إلى الفصل بين"موضوعية" العلم و "ذاتية"(لا بمعنى الانحياز و التحيز)التجربة الإنسانية، هو فصل مصطنع و مضلل،يدفع المتعلمين و الجمهور إلى تصور كون العلم "يقيم" خارج عالم التجربة الإنسانية، بدل أن يكون قسطا متخصصا منها.(24).
وخلص Lemk إلى أن المطلوب من أساتذة العلوم (وهو عالم فيزياء و أستاذ التربية كما أشرنا إلى ذلك سابقا)، أن "يحيدوا" عن معايير اللغة العلمية، إن هم أرادوا تلامذتهم أن يعطوا قيمة للعلم كنشاط انساني، حيث تشكل القصص و الحكايات برصيدها السردي و الدرامي، أداة لجعل المتعلمين متعطشين للتعلم و منخرطين في التواصل(25).
و يصعب حصر ما خلصت إليه الأبحاث و الدراسات العلمية، حول أشكال توظيف القصص و الحكايات ضمن أنشطة درس العلوم، فهي عندMallan, K. تستعمل في تعليم المنهج (المقرر الدراسي) عن ظهر قلب(learning by rote)، ودفع المتعلمين للانخراط في تعلم إبداعي ناشط الخيال، ناهيك عن توضيح مبدأ أخلاقي بعيدا عن الوصف(26). و هذاWells,G. يجدها (القصص و الحكايات) وسيلة أساسية لمدرسي العلوم في شرح أفكار أو مفاهيم مجردة، إذ يقول أن "القصص هي واحدة من المعاني الأساسية لصناعة المعنى"(27)،كما يجدها وسيلة لتسهيل استيعاب الأفكار العلمية ضمن قصة ممتعة مشوقة،و لتحفيز تفكير المتعلمين في مجموعة من المفاهيم العلمية، و يقترح سرد قصة عالم كبير كنيوتن للشروع في درس الجاذبية (قصة التفاحة الساقطة من الشجرة)(28).
و ليس من العسير إيجاد ما يقابل أو يماثل قصة التفاحة في درس الفيزياء، من قصص و حكايات هادفة، تخص درس البيولوجيا و الجيولوجيا و علم التاريخ...و باقي العلوم، كالحكايات المتعددة حول أثر الإنسان على البيئة (الغابات المطيرة المدمّرة)، أو حول اكتشاف أنواع النباتات و منافعها للبيئة، و حول القصة الدينامية لتشكل أرضنا، و كيف أن سيرورة تشكلها امتدت على 480 مليون عام...هذا إلى جانب القصص (أو السّرد) المتضمنة في العلم ذاته، و التي ميز فيها Norris, S.P. و آخرون بين الداخلية (intrinsic)، مثل قصص كيف اكتشف Michael Faraday الحدس الكهروميغناطيسي، و كيف اكتشف لويس باستور التلقيحات ضد
الكوليرا و داء الكلب، و كيف اكتشفت Marie Curie العنصر الفلزي الإشعاعي (Polonium) و قصة اختراع الكهرباء من طرف Thomas Edison، أو اكتشاف علم الوراثة من طرف George Mendel...، و بين القصص الخارجية (extrinsic) عن العلم، مثل تلك المتعلقة باكتشاف كيف وجدت النيترونات، و تلك المتعلقة بمحفزات و تجربة نشر جاليلو لخلاصاته (29)(30).
و في جميع هذه الحالات، فنحن أمام عتاد ديداكتيكي فعال لتوضيح مفهوم علمي، أو لوصف كيف تحقق إنجاز علمي آخر، أو كيف تم فهم "نقطة" أساسية في المعرفة العلمية، أو تجاوز عائق ظل يحول دون تقدمها بلغة الإبستيمولوجيا. و كل هذا ضمن نقل الحقائق العلمية إلى الحياة، و جعل المفاهيم العلمية المجردة ملموسة، و حمل المتعلمين إلى رحلة في سيرورة البحوث و الإنجازات العلمية، عبر قصة أو حكاية تصنع سيرورة تفاعل (مضمون) بين " الراوي" الذي هو المدرس، و المستمع " المتعلمون" ، مما يجعلها في صلب منظور المربّين الاجتماعيين الثقافيين (Socio- culturalists) و كل التيارات التربوية التقدمية ما بعد بياجي. أليست القصة ذاتها كما برهن على ذلك ميخائيل باختين هي حوار، لأنها لا تقتضي "قائلا" يقول قصة، بل مستمعا له دور يلعبه داخل "الحكي" ، رغم كون صوت واحد يسمع من البداية إلى النهاية(31).
هذا عن القصص و الحكايات كموارد لتعليم العلوم، و قد قصدنا التفصيل فيه، لاعتبارات تخصنا نحن بالمجتمعات التقليدية، حيث السّرد مرادف للمحكيات الطويلة الخرافية، و القصة مرادف للخرافة، و حيث الحرمان البغيض لمدرسي العلوم أثناء تكوينهم من الإنسانيات.
و أما في تعليم اللغات الأجنبية، فربّما تكون القصص و الحكايات أجدى و أنفع و أكثر فعالية، إذ تؤكد عديد الدراسات و الأبحاث كونها تساعد في فهم معاني الكلمات من خلال سياقها (الشيق) داخل القصة أو الحكاية، كما تساعد في تعلم و فهم التعابير الاصطلاحية بشكل جيد، كما جل البنيات اللغوية المهيكلة المطلوبة(32). و بالنسبة ل Guadamillas Gomez ، فإن اعتماد القصص و الحكايات كاستراتيجية لتعليم اللغة الأجنبية، هي فرصة (ديداكتيكية) شديدة المفعول و خصبة، لأنها تجعل المتعلمين يتفاعلون مع مفردات هذه اللغة و هي تشتغل على المثير و الآسر و المشتهى(33).
و في بحثه الدؤوب عن منهجية ناجعة لتعليم اللغة الأجنبية، و بعد إخفاقات في تجريب موارد متعددة، انتهى استاذ الإسبانية اللامع بجامعة كاليفورنيا Blaine Ray إلى تأكيد الأهمية القصوى للقصص و الحكايات كمورد أساسي فعال لتعليم اللغات، بل منهجية لتدريسها، و انتهى به البحث إلى إبداع ما بات يعرف اليوم في ديداكتيك اللغات ب (Teaching proficiency through reading and storytelling ) TPRS(التدريس بمهارة عبر قراءة و سرد القصص). و هي التقنية التي باتت معتمدة عالميا، في تعليم اللغات الأجنبية (34)، إذ تعتبر اليوم محور ندوات و تكوينات للباحثين في ديداكتيك اللغات، و لأساتذتها عبر أوربا و كندا و الولايات المتحدة الأمريكية، خصوصا بعدما نقلتها الأستاذة المبرّزةJudith Logsdon – Dubois إلى فرنسا، بعدما عرفتها عام 2005. و تابعت تكوينات حولها بالولايات المتحدة الأمريكية، بعدما لاحظت أثرها الواضح على تلامذتها.
و أما في الفلسفة، و بالضبط في الفلسفة بمعناها المعاصر، أي كفكر نقدي يتساءل و يحفر في القضايا الأساسية للإنسان المعاصر من عدالة اجتماعية و كرامة إنسانية و حقوق في الخيرات المادية و الرمزية، و في الجمال و عدم الانخداع و الوقوع ضحية التضليل و الاستيلاب (35)، فإن تاريخ الفلسفة حافل بالقصص الضامنة لحشد انتباه المتعلمين و هم يتعلمون كيف يفكرون، و الفعالة، بالنسبة لمدرس الفلسفة، للاشتغال مع تلامذته، للإجابة على العديد من الإشكاليات التي تطرحها دروس الفلسفة، أو لتوضيح التضحيات و العمل الدؤوب و الروح الجادّة لفلاسفة،
من أجل أن يظل وهج العقل متقدا. فالقصة اليونانية القديمة حول الحوار بين سفسطائي يضع الثقة في التجربة أولا، و أحد أتباع سقراط الذي يضع ثقته في العقل أولا، تصلح لكل درس فلسفي يراهن أستاذه على انخراط متعلميه في التفكير في "عتاد" المعرفة، و المكانة البؤرية للعقل فيها، و من تمّ الارتباط الوجداني بالدرس الفلسفي كدرس لشحد العقل و تمكينه ممّا به "يعرف" . و "هكذا تكلم زرادشت" لنيتشه قصص فلسفية باذخة، كل رحلة لزرادشت فيها حوار مع من يصادفه في طريقه، "ورشة" فلسفية فعلية، لإزاحة أقنعة، و زعزعة قناعات و مسلمات و"صعود لقمة الجبل" (بلغة نيتشه)، لرؤية و سماع ما لم يكن متاح رؤيته و سماعه من رنّات و تقاسيم الوقائع و الأحداث. و قصة"كيركغارد يربك المدينة"Kierkegard Confound the City) ) التي تحولت عند السكاندينافيين
إلى شبه مقولة أو حكمة، تقال عند كل موقف أو سلوك ينم عن ضعف إحساس (في مقابل شمولية اليأس و القلق/ قوة الإحساس الهائلة عند كيركغارد)، تعتبر قصة فلسفية نموذجية للطلبة (لا للصغار) لانتشالهم من اللامبالاة أو التهور أو الغياب...أو ما شابه.
و قصة Ludwing Wittgenstein (الواقعية) حول حصوله على ثروة هائلة من ميراثه عن عائلته، و توزيعها على فنانين و مفكرين في شكل هبات غير معلن صاحبها، و اضطراره (بعد نفاذ ثروته) للعمل معلما بإحدى القرى النائية بالنمسا (و هو صاحب الجديد في عصره، في أسس الرياضيات، و المنطق، و الفلسفة)، و "حكاياته" مع الفلاحين أولياء تلامذته، الذين رأوا في صرامته جنونا !!، و اعتقاله خلال الحرب العالمية، و اشتغاله مساعد بستاني ! ثم مع مهندس... و كل ذلك دون أن يتوقف عمّا كرّس له حياته، و قبل أن يتدخل أصدقاء له من جامعة كامبريدج لاستلام مخطوط كتابه المدوّي (Le Tractatus logico – philosophicus)، الذي كتبه في سجنه، و قبل أن يغادر السجن، و يغادر إلى لندن تحت إلحاح فيلسوفين بارزين هما Pertrand Russe و George Mooreو يستقبل من طرف حشد من مثقفي انجلترا، و يكشف باندهاش أنه واحد من فلاسفة العالم الأكثر شهرة !!، إن هذه القصة عتاد ديداكتيكي بفعالية فائقة لدرس فلسفي في "محبة الحكمة" ، و للتضحية و الروح الجادة و المتابرة التي تفترض في "محبيها" .
و قد لا تقل فعالية، قصة ابن رشد (الواقعية أيضا) مع فقهاء عصره، و سياق كتابته لكتاب "فصل المقال فيما بين الشريعة و الحكمة من اتصال" ، و تفرغه لكتابة كتبه في العقل و السياسة...، عن قصةWittgenstein في تعليم الفلسفة و تعزيز روحها عند التلاميذ و الطلاب.
و هل يجوز إغفال قصة سبينوزا (الواقعية أيضا) مع رجال دين عصره، و في مرحلة كانت الكنيسة ما تزال تحتفظ بمعظم سطوتها، و كيف أنه- و بالرغم من كل ذلك- تمكن بحنكته و " مهاراته" الفلسفية، أن يرفض المعجزات و الحكايات الخارقة للطبيعة...، و أن يكافح من أجل الحق في التفلسف، و السعي لمعرفة قوانين الطبيعة، و فتح الباب أمام تطور العلوم، بل و التأسيس لما يعرف اليوم بالدولة الوطنية و التنظير لها ، حيث لا مجال للتعامل مع الناس (المواطنون اليوم) اعتمادا على خلفياتهم الدينية أو العرقية.
و الآن نتساءل: إذا كانت القصص و الحكايات بكل هذه القيمة التي فصّلناها فيما سبق، في التعليم، فما هي قيمتها في التربية بالمعنى الذي حددناه لها ضمن تحديدنا للمفاهيم الأساسية لهذا العمل؟ .
2- القصص و الحكايات في التربية:
التربية – كما أوضحنا ذلك سابقا – تحيل إلى القيم بمعناها الواسع، أي تلك المبادئ و المعايير و المثل التي توجّه سلوك الفرد باعتباره فردا ضمن مجتمع، و عضوا ضمن المجتمع الإنساني ككل، أي أنها مكوّن مركزي للثقافة إلى جانب المعارف و الممارسات و المعتقدات و أنماط العيش (المتغيّرة طبعا)، داخل مجتمع ما، و في تفاعل دائم مع هذه المكونات. و الفعل التربوي الذي نقصده - تبعا لذلك -، اي ذلك "الفعل المجاوز" أو "فعل المعلم الذي يلزمنا المضي للقياه" ! بلغة نيتشه، هو ذلك الفعل الذي يتمكن من جعل المتعلمين يكتسبون القيم الرفيعة في ثقافتهم (إن وجدت، ما دامت الثقافات في مراحل تصلب شرايينها و انحسارها ، تخبو فيها قيم الحياة و الأمل و تطغى فيها قيم الموت و العبيد)، و القيم الإنسانية أو الكونية.
و إذا كان الوعظ و التلقين (preaching and indoctrination)، من أبرز ما تجمع معظم التيارات و المدارس التربوية المعاصرة، على كونهما لا يحسّنان خلقا، و لا يرفعان منسوب إحساس و لا يكسبان آدابا أو قيما رفيعة، فإن نفس هذه التيارات و المدارس تجمع على كون المنفذ المضمون للتربية هو تيسير سبل نمو البنيات المعرفية للخاضعين لفعل التربية، كما أشرنا إلى ذلك في مدخل هذا العمل، علما بكون البنيات المعرفية لا تختزل في المهارات العقلية الصرفة، و فى تطورها (الاستدلال، الاستنباط، البرهنة، التحليل...)، لأنها تشمل الخيال و المخيال و قدرات التجريد، و حتى "الوجدان" !(وجدان الشاب الذي طبع فيه مربوه حب المعرفة و المتابرة و التصميم، ليس هو وجدان المراهق الطاّئش الذي أخفق مربوه في ذلك. و نفس الشيء يصدق على الطفل أيضا). و ضمن هذا المستوى من التحليل، يتأكد تأكيد عديد دراسات و بحوث على الأهمية القصوى لتوظيف القصص و الحكايات في النمو الفكري و الأخلاقي و الاجتماعي و الوجداني للمتعلمين، أو في تربيتهم.
و قبل أن تعود التيارات التربوية المعاصرة أو الجديدة إلى الاهتمام بالقيمة التربوية للقصص و الحكايات، كان William Kilpatrick- الذي ظل الوجه البارز الثاني إلى جانب جون ديوي طيلة النصف الأول من القرن العشرين- تنبّه (ونبّه) إلى أهميتها و فعاليتها في بناء الشّخصية و مردوديتها الملحوظة في غرس القيم الأخلاقية في الأطفال(36).
و اليوم، تكشف Rheta Devries، و هي الأستاذة الفخرية للبرامج الدراسية و علوم التربية بجامعة Lowa الشمالية، بمركز النمو التربوي المبكّر، ثم مديرته (قبل أن توافيها المنية عام 2014)، كون القصص لا تضاهي فعاليتها أية دعامة ديداكتيكية أخرى في تيسير النمو الأخلاقي ( و معه الفكري و الاجتماعي و الوجداني) للأطفال بين سنتين و ثمان سنوات. و لم تقف عند هذا الحد، بل عمقت أبحاثها و طورت خلاصاتها ، لتجعل مضمونها لا ينطبق على الأطفال فقط، بل يشمل المراهقين أيضا(37).
وأما Michel Borda صاحبة نظرية الذكاء الأخلاقي (moral intelligence theory )، فإنها تجعل ما تسميه " الذكاء الأخلاقي" محور التربية و غايتها، و تعرفه بكونه قدرة الفرد على فهم الصواب من الخطأ، و أن تكون لديه قناعات أخلاقية تمكنه من التصرف بالطريقة الصحيحة على أساس امتلاك سبعة فضائل، و هي : التمثل العاطفي أو التعاطف ( empathy) أي فهم ما الذي يشعر به الآخرون، أو أن يصبح الفرد (الذكي أخلاقيا) أكثر حساسية إزاء مشاعر و حاجات الآخرين. و الضمير (conscience) أي الصوت الداخلي الذي يؤهل لوخز الضمير بصدد أبسط انحراف أو سلوك غير لائق. و الرقابة الذاتية(Self- control) أي إعادة توجيه الدوافع، و التفكير قبل العمل، إذ تمكن من مواجهة التحديات و الضغوط الأخلاقية التي يواجهها الفرد في حياته. والعدل (fairness) أي معاملة الآخرين بطريقة عادلة وغير متحيّزة، و نزيهة. و العطف (Kindness) أي تلك القدرة الرائعة على أن تبيّن للآخرين مدى اهتمامك الصاّدق براحتهم و مشاعرهم. و التسامح (tolerance) أي الفضيلة الأخلاقية التي تساعد على احترام بعضنا البعض بغضّ النظر عن اختلافاتنا العرقية أو الاجتماعية أو الجنسية أو الثقافية أو المظهرية.... ثم الاحترام(Respect) أي تلك الفضيلة التي تقود الفرد إلى معاملة الآخرين بالطريقة التي نريد أن نعامل بها، و هي أساس لردع العنف و الظلم و الكراهية.
و تخلص ميشيل بوردا إلى أن هذا الذكاء الأخلاقي بمركّباته، هو بمتابة مهارات موجهة نحو فعل الخير، توجه القدرات العقلية نحو فعل ما هو صواب ، و تدفع للاهتمام بالآخرين، فيشيع الأمان و المحبة و الودّ و التقدير في المجتمع (38)، و هو أرقى و أسمى ما يمكن أن تراهن عليه التربية.
و ما يهمنا أساسا ضمن تفصيلنا لنظرية ميشيل بوردا هذه، بالنسبة لعملنا هو كونها خلصت في معظم أعمالها إلى كون القصص ( و هي تلح على كونها تقصد "القصص الملهمة"( Inspiring stories ))،تعتبر من بين أهم الموارد لبناء ما تسميه " الذكاء الأخلاقي " ، و تتبيث كل مركّباته (الضمير، التمثل العاطفي، الرقابة الذاتية، الاحترام، العطف، التسامح، العدل) في البنيات المعرفية للطلاب، و جعلها توجه تصرفاتهم و أعمالهم و مشاعرهم أو وجدانهم (39).
و كل القصص(المتخيّلة أو الواقعية) التي أشرنا إليها (و التي لم نشر إليها وقد تكون أجدى و أنفع)، في سياق تحليلنا لموقع القصص و الحكايات في تعليم الفلسفة، تستجيب – بمعايير Rheta Devriesو Michele Borda لمعايير فعل تربوي خلاّق، عبر تشبّع المتعلمين(ضمن الدرس الفلسفي ) بواحدة من القيم الإنسانية الرفيعة (العدل، العدالة،التسمح، التضحية في سبيل المعرفة، الجدية، المتابرة...) ( و هي من المواضيع الأساسية للفلسفة بمعناها المعاصر)، و هم يتدربون على آليات التفكير الفلسفي في نفس الوقت.
و في تدريس اللغات و اللغات الأجنبية و الآداب، فمعظم القصص و الحكايات الصالحة لتعليم مفردات اللغة و قواعد النّحو والإعراب ( للصّغار)، و اللسانيات و الأسلوبية و الممارسات الكتابية...( للكبار)، قابلة لأن توظف في التربية على " نحو"(grammaire) محبة الخير و العدل و الجمال، و" إعراب" العدالة و الإيثار و الحق ... وكل الفضائل و القيم النبيلة، أي أنه إذا كانت القصص و الحكايات موردا تعليميا كما فصّلنا ذلك سابقا، نتيجة لطابعها الممتع و المدهش، و التعلم يسهل كلما اقترن بالمتعة و الدهشة، فإنها مورد تربوي أيضا. إن حكايات Henri Gougaud و Bruno de La salle مثلا ( وهما الفاعلان المشهوران اليوم في تجديد الحكاية)،كل منها معاني تلامس شغاف الأرواح، تنتشل من اليأس و القبح و الكراهية...، و تزرع بذور الأمل و التصميم و المحبة و عدم الخوف من الآخر...، أو بلغة عملنا ، فهي تربي: منها حكاية العشب الذي ينمو بإصرار بين طبقتين من الإسمنت! و واضح كون راوي الحكاية ( و هو المربي ضمن عملنا) إلى جانب العشب (في إصراره). و حكاية "إنتي (Inti)و النسر الأمريكي" ، حيث تحكي شخصية إنتي – بلغة شاعرية- عن التجارب الصغيرة و الكبيرة في حياة كل طفل، ليقبل الحقيقة و يستمر في النمو . كما تحكي عن الحلم و الحب اللذين يقوداننا إلى حيث لم نفكر أبدا أن نمضي، و كأني بها (هذه الحكاية) دليل حياة للأطفال، ألا يقفوا عند عترة أو يتراجعوا عند عائق، خصوصا و هي تطبع في خيالهم و مخيالهم، أو في بنياتهم المعرفية مشاعر الحلم و فضيلة الحب. و حكاية " حكايات و هوس الطبل الكبير" ، المستلهمة من تواريخ قادمة من آسيا و افريقيا و أمريكا اللاتينية (لننتبه إلى أن الحكي هنا يجري بقلب أوربا، و موجه لأطفال هذه الأوربا المتمركزة على ذاتها)،الحاملة (حكايات و هوس الطبل الكبير) لقيم و أشياء "تأتينا من آسيا و إفريقيا و أمريكا اللاتينية" (يقصد في الحكاية، الأوربيين) (40). و كأني بالحكاية هنا، أنتروبولوجيا( غير استعمارية و غير متحيزة)، أو استشراق نبيل، بغير المعنى البغيض الّذي فككه و كشفه إدوارد سعيد، معارف حافرة ( لا تنكيلية بلغته) كاشفة عن الجمالي و الذوقي و الأخلاقي و الروحي و العقلاني عند الآخر المختلف ، و الذي يمكن استلهامه. و للإشارة ، فHenri Gougaud و Bruno De La salle نقلا الحكاية إلى المسرح ، مما ضاعف قيمتها، و نفترض أن يكون لها نفس الأثر المضاعف، و هي توظف منقولة إلى مسرحيات ضمن درس اللغات و اللغات الأجنبية . و أما ضمن درس الأدب،و بالضبط ضمن درس المسرح، فستكون هي المسرح ذاته و هو يشتغل.
و القصص عديدة، يصعب حصرها ، و في كل الثقافات، من "ألف ليلة وليلة" و "المصباح العجيب" إلى "علي بابا و الأربعون لصا" و جلد الحمار" و "الملابس الجديدة للإمبراطور" و البلبل و إمبراطور الصين" و ملكة الثلوج" و " الجد و الحفيد" و "الجميلة و الوحش" و "حارس الإوز الصغير" و"الرداد الأحمر الصغير"...(وللإشارة، فمعظمها تم تحويلها إلى قصص مكتوبة)، يكفي انتقاء الهادف منها ، الملائم لدرس ما في اللغات و الأدب، برهان على التربية، على قيمة أو فضيلة أخلاقية ما.
ثم إن حياة و تجارب كثير من الأدباء و الفنانين تصلح "قصصا" (واقعية)، بكل مقتضيات العتاد الديداكتيكي الأكثر مردودية ، ضمن درس للأدب برهان التربية (كما برهان التعليم)، و قصة أبي العلاء المعري الذي فقد البصر في سن جد مبكرة ، و لم يمنعه ذلك من تخليد اسمه شاعرا و نحويا و عقلانيا و منافحا عما سمّاه "حقوق العقل" (المنطق بلغة عصرنا). و قصة الأديبة الأمريكية اللامعة Helen Keller ، الكفيفة و الصماء، التي لم يمنعها كل ذلك من أن تشق طريقها إلى منصّة التتويج ضمن الأدب العالمي، أديبة أمريكية مرموقة، و محاضرة ماهرة، بل وناشطة مربكة ضمن الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية، تدعم الاشتراكية (في السياق الأشد عداءا للاشتراكية)، و يعلن رئيس بلادها (جيمي كارتر) تاريخ ميلادها عيدا، و تخترق أعمالها اللغات و الثقافات كما الحال بالنسبة لمسرحيتها "صاحب المعجزات " . و قصة طه حسين الذي يقا ل عنه " الأعمى الذي قاد المبصرين" . و "سارق النار من الآلهة" ، إشارة إلى أسطور بروميتيوس الذي كان يسرق النار من الآلهة و يوزعها على الناس، و ما "النار" في الأسطورة غير "نور العقل" بلغة زماننا....هي كلها قصص مضمون إلهامها للتلاميذ و الطلبة، و غرس روح التحدّي و الصمود و التصميم و المضي نحو الإزهار، رغم كل العوائق، لأنها بمتابة "دروس" و عبر، ضمن الدروس التعليمية، للتربية على عدم الاستسلام، و الشحن بطاقة الأمل و حب الحياة.
و ليست قصص الأدباء و الفنانين ذات الطابع المأساوي، و حدها ملائمة للتربية على القيم، فقصة حياة اللورد بايرنByron ، مؤسس الرومانسية في الأدب، الموغلة في البذخ و المتع، حدّ كونه فرض على الطب أن يبتكر له نظام تغذية خاص به !! (41)، و الذي يقال أنه عاش مغطى بالنساء، إلا أنه تغنّى بما كان يحياه (من متع) و لم يخادع أو يكذب (بأشعاره)، أي أنه كان متطابقا مع ذاته، أو يحقق الاستمرارية بين ما يحياه و ما يكتبه (و هو شرط من شروط الخلود) كما يقول النقاد الأدبيون المعاصرون، أو ما سماه بيير بورديو قبل رحيله (مدشنا لحقل معرفي جديد) بعلم الأعمال الأدبية، إن قصة حياة هذا اللورد بايرن الباذخة، تصلح تماما للتربية على الصدق و عدم الخداع !.
و أما بالنسبة للعلوم، فإذا كانت القصص و الحكايات دعامات أساسية منتجة، في استيعاب المتعلمين للمعارف العلمية و اكتسابها، و تعلم التفسير بالعلل و الكشف عن الوظائف، فإن قيمتها التربوية و قدرتها على "نحت" القيم و الفضائل في أرواحهم، لا تقل عن ذلك، و كل القصص و الحكايات التي فصّلنا أهميتها ضمن تعليم العلوم، كتلك التي حول الأثر المدمّر للإنسان على البيئة، كتلويث الأنهار و البحار و تدمير الغابات و الانسياق الأعمى وراء منطق/ لا منطق الرأسمال، أو تلك التي حول أنواع النباتات والطيور و الزواحف....و منافعها في التوازن البيئي، أو الأخرى حول أصغر البكتيريات أو الفيروسات ...كل تلك القصص و الحكايات قابلة لأن توظف عتادا ديداكتيكيا فعالا للمساهمة في التوازن البيئي، أو الأخرى حول أصغر الباكتيريات أو الفيروسات...، كل تلك القصص و الحكايات قابلة لأن توظف عتادا ديداكتيكيا فعالا للمساهمة في بناء "ثقافة" (بيئية و صحية أو غذائية ...)، أو في تربية فعلية على مواطنة فعلية، أو في اكتساب قيم كونية تخص الإنسان ككل كما الحال بالنسبة للشعور بالوعي بمخاطر التهديدات التي يواجهها كوكب الأرض، ضمن درس العلوم، هنا مثلا، و الذي قد يكون رفضا للعنصرية، أو لسرقة بلدان لخيرات شعوب أخرى...إلخ، ضمن دروس لمواد أخرى.
و إجمالا، و تبسيطا أقصى- كما يقول عالم الكيمياء البولوني/ الأمريكيي Roald Hoffmanاللامع، الحاصل على جائزة نوبل في الكيمياء لعام 1981، لأعماله الدقيقة و نظريته حول "ميكانيزمات ردود الفعل الكيميائية"(Mecanism of chimical reactions) (و للإشارة التي لها الكثير من المعنى ضمن عملنا، فهو شاعر أيضا)، يقول:"في شرحنا (علميا) لشيء ما، فنحن نشكل قصة: " س " موجودة لأن " أ " تؤدي إلى "ب" و "ب" تؤدي إلى "س" و ليس إلى "د" (42)، و يخلص إلى أن "العلم و القصص ليسا متوافقين فقط، بل غير منفصلين، كما كشفت ورقة إنشطاين الكلاسيكية لعام 1905 حول التأثير الكهرو- ضوئي (43)، فالشاب إنشطاين ذو الخمسة و العشرين، كان أتقن القصص القديمة، وفي هذه الورقة جمع و نسّق الطرق و الأساليب التي نظر بها الآخرون إلى العالم، ثم رسم نقط التشابه كما الحال في الرياضيات، و صنع شيئا جديدا. فالعلم هو رواية ملهمة للحرب التي يخوضها الوجود الإنساني من أجل فهم العالم، ضمن سيرورة تغييره، و ما الذي يشكله كل هذا غير قصة ! (44). إن القصة في قلب النظرية، و كل نظرية علمية تقول "قصة"، فلها بداية،حيث البشر و الأفكار و النماذج والجزئيات(molécules) و المعادلات المهيمنة، تتخذ مراحل محددة، و أدوارها محددة، و هنا لغز يلزم حله(45).
ج- و ماذا عن "قصة" الرياضيات مع القصة و الحكاية، تعليما و تربية ؟
لقارئ كل الفقرات السابقة من هذا العمل،كل الأعذار و المبررات إن هو سارع إلى طرح عدة أسئلة (مشروعة) كثيرة من قبيل: "و ماذا عن الرياضيات؟ ما السر في غياب الحديث عن القصص و الحكايات في تعليمها ؟ و في التربية بها،عبر القصة و الحكاية؟،أليست الرياضيات علم الأرقام و المعادلات و المبرهنات...و اللغة الصارمة، و لا مجال فيها للغة و مجاز و خيال و "ذاتية" التجربة الإنسانية المكثفة في الحكايات و القصص؟ " !!.أو من قبيل: "ما السر في كون صاحب هذا العمل قدم نماذج مفصلة عن فعالية القصة و الحكاية في تعليم كل فروع المعرفة ،فلسفة و أدبا و لغات أجنبية وعلوما تجريبية، و في توجيهها للتربية ، إلا الرياضيات؟ هل يكون غياب المراجع و الأبحاث و الدراسات في هذا الباب وراء ذلك ،أم هل تكون صعوبة الرياضيات المتصورة عند الغير المتخصصين وراء عدم اقترابه منها أصلا، فبالأحرى التفكير في موقع ما لما يبدو مناقضا لها (القصة و الحكاية) في تعليمها و التربية بها؟ "....، لمثل هذا القارئ المتفحص نقول: إن هذا الموضوع من بين المواضيع المحورية في البحوث و الدراسات الديداكتيكية اليوم، و بأشهر الجامعات و مراكز البحث العلمي الأكثر تقدما، بالولايات المتحدة الأمريكية و كندا و بريطانيا و أستراليا...، حتى أن كتابة الجملة التالية بالإنجليزية "الحكايات و القصص في تدريس و تعلم الرياضيات"(Stories and tales in teaching and learning mathematics) على بوابة "غوغل" على الإنترنيت جعلتنا نشعر بالدهشة أمام العدد الهائل من الدراسات و الأبحاث و التجارب حول الأهمية القصوى للقصة والحكاية بالمعنى الذي حددناه لهما ضمن ضبطنا للمفاهيم الأساسية لعملنا في تدريس الرياضيات و تيسير سبل تعلمها، و في اكتساب المتعلمين القيم الرفيعة أيضا، أي في تربيتهم. و أما ما يشاع عن صعوبة الرياضيات، فقد مكّننا تخصصنا في السوسيولوجيا، و ممارستنا الطويلة لاستنطاق الظواهر الاجتماعية بلغة الأرقام، جنبا إلى جنب مع التحليل و التأويل، من عدم الوقوع في شراك هذه الإشاعة منذ زمن بعيد. و تضاعفت قناعتنا بكون " صعوبة الرياضيات" مجرد إشاعة مرتبطة بطرق و أساليب تدريسها، من خلال هذا العمل، خصوصا و نحن نعيد تعلّمها من ألفها إلى يائها !! ضمن قصص شيقة تلهب الخيال و تبسّط المركب و تسهل الاستيعاب، و هو ما يغيب عن كثير مدرسي الرياضيات الذين يسجنون أنفسهم (أو تسجنهم طبيعة تكوينهم)ضمن " اللغة" الرياضية الصارمة، البعيدة كليا عن التجارب الإنسانية، كما تكشف عن ذلك كثير خلاصات دراسات ديداكتيك هذه المادة التعليمية.
و أمام الكمّ الهائل للأبحاث و الأعمال العلمية حول القصص و الحكايات عتادا فعالا في تدريس الرياضيات، كما أشرنا إلى ذلك، و أمام غزارة ما يقدمه كل منها من تجارب و حجج و أمثلة، قرّرنا أن نقتصر على ما خلص إليه عالم الرياضيات و الإبستمولوجي الفرنسي المعاصر، المختص في تاريخ الرياضيات و تبسيطها Denis Guedj ، و الذي "طلّق" الرياضيات، و أعلن نفسه روائيا عبر روايته الشهيرة "Le théorème de perroquet "(46)، و المترجمة إلى عشرين لغة عبر العالم لحد الآن، حيث يفتح المجال (في الرواية)، لشيخ مقعد ، صاحب مكتبة بأحد أحياء باريس الجانبية، هي في نفس الوقت مسكن له مع امرأة ليست زوجته، و ثلاثة أطفال لها، توأمان (طفل و طفلة)، و طفل ثالث، من أبوين،بالإضافة إلى ببغاء متحصل عليه بالصدفة، مسروق من باحث في الرياضيات (صديق قديم للشيخ Mr : Ruch)) أرسل له كل مكتبته حين شعر بقرب أجله على أيدي عصابة " تصطاد المبرهنات" !!، رفض البوح لها بمبرهناته ! و كتب هذه المكتبة القادمة من Manaus بالبرازيل، و التي واجهتها تهديدات عواصف حقيقية في البحر، و انقذتها سفينة حربية كوبية ! هي "الرياضيات من ألفها إلى يائها" ، و يقرر الشيخ بعد تفحصها واحدا واحدا لأيام، و ترتيبها على رفوف خاصة بعيدة عن التي للبيع، أن يعلمها للأطفال الثلاثة الذين ليسوا أطفاله ! علما بأن لا علاقة تجمعه بالرياضيات، فهو حين عرف صاحب المكتبة القادمة من Manaus بجامعة
السوربون، كان طالبا في شعبة الفلسفة، و لم يكمل تعليمه، و كان صديقه طالبا للرياضيات. و هو قرر تعليم الأطفال الرياضيات بالقصص و الحكايات، و بالاستناد إلى الكتب القادمة من الأدغال !! .
هكذا، كل مساء، وبعد أن يغادر آخر زبون المكتبة، و يعود الأطفال من المدرسة، و بعد أن تضبط المستخدمة المبيعات، تغلق الأبواب ، و يركن الجميع إلى المساحة الخاصة بالإقامة، متحلقين حول الشيخ، و يبدأ القص و الحكي. لكل يوم درسه، و يكون الشيخ Ruchاختار له كتابا أو أكثر من الذخيرة القادمة من Manaus، و بداخلها ورقة تقنية بخط يد Grosouvre صديق الشيخ الذي أرسل المكتبة، يرجع إليها Ruch كلما تعثر أو عجز عن الإفهام.
تنطلق القصة الأولى/ الدرس الأول مع طاليس في اليونان القديمة، يوم كان واقفا على شاطئ بحر إيجة يتأمل، و فجأة قرر أن يقطع البحر باتجاه الضفة الأخرى، فأعدّ العدّة، و ركب البحر، و عند وصوله البرّ المصري، صادف فلاحا ( الذي بات مشهورا في تاريخ الهندسة)، و بينما هما يتواصلان، كان طاليس يتأمل الأهرامات بكل رونقها و ضخامتها، و يفكر في سبيل لقياس طولها ...، و كيف أنه في لحظة معينة من النهار، حيث كانت الأرض في موقع محدد بالنسبة للشمس، كان ظل الفلاح المصري يساوي تماما طوله الفعلي، فكان حل معضلة قياس طول الهرم، و انفتاح باب الهندسة !! هذا الفرع المركزي من الرياضيات الذي سيضع هذا الطاليس معظم قوانينه. ثم إنها البدايات الأولى للتفكير العلمي و هو يخطو الخطوات الأولى في الابتعاد عن الخطابات الأسطورية، عبر مقاربة جديدة تستند على الملاحظة و البرهنة، إنه القرن السادس قبل الميلاد !.
الأطفال الثلاثة حول الشيخ Ruch مشدودون تماما إلى القصة ،و كأنهم يشاركون طاليس تأمله و مقارعته للأسطورة و تأسيسه للملاحظة و البرهان، يفاقم "تورطهم" تزكية الببغاء و هو يحرك جناحيه، انتصار طاليس أو أحد أبرز قوانينه.
ثم يستمر الحكي في الليلة الموالية، بعد أن يستوي الشيخ على كرسيه المتحرك، و يضع أمامه واحدا أو أكثر من كتب المكتبة القادمة من Manaus : "قصة اليوم هي قصة تأسيس الجبر لأول مرة مع الفيتاغوريين، في القرن السادس قبل الميلاد كذلك، و فيتاغورس هو صاحب المقولة الشهيرة "الأشياء هي عدد" أي أن العدد هو الذي يشكل البنية المعقولة للأشياء، و أن العناصر الأساسية للرياضيات هي عناصر الأشياء ، مما يعني إمكانية تحديد بنية الفكر التي هي بنية الأشياء، و التي يشكلها مفهوما النهائي و اللانهائي ، للواحد و المتعدد... .هو ميلاد علم الأعداد إذن. و الفيتاغوريون هم الاستدلاليون الحقيقيون الأوائل في التاريخ. و الجبر و الهندسة عندهم أختان، فالاستدلالات الجبرية تستند إلى أشكال، و هذا المنهج يحمل اسم الجبر الهندسي. و كل وحدة تمثل بنقطة، بالشكل الذي يجعلنا أمام "أعداد- تصاميم" (1،4،9 ،16 الخ هي مربعات.10،6،3،1 ،الخ هي ثلاثية (الأضلاع)، مستطيلة، صلبة (مكعبة،هرمية ، الخ). و هذه الطريقة تسمح بحساب مجموع الأعداد الأولية الكاملة، الأعداد الأولية الفردية، و أيضا حساب الثلاثيات الفيتاغورية (triplets pythagoriciens).
و لا يفوت الشيخ Ruch الإشارة – و هو يروي قصة فيتاغورس و الفيتاغوريين- إلى كون فيتاغورس هذا هو أول من نحت كلمة "فيلسوف" التي تعني محبة الحكمة. كما لم تفته الإشارة إلى أنه هو مبدع كلمة "صداقة" ، و أنه أجاب حين سئل ما معنى الصديق بالقول: " هو أنا آخر نفسه" !! تماما كما هما العددان 220 و 284، فالرقمان صديقان أو "وديان" (amiables) إذا كان كل منهما هو مجموع ما يقيس الآخر. مع الإشارة الملحة إلى أن اليونان عموما كانوا يحبون
المناقشة، وأنه هو و صديقه القديم الذي أرسل له كل مكتبته من Manaus لم يكونا متفقين أبدا على شيء في مناقشاتهما في الجامعة، وأن ذلك شكل إسمنت صداقتهما !!. تنتفض Lea(و هي واحدة من الأطفال الثلاثة الذين " يروي " لهم Ruch، لا ليناموا بل ليستيقظوا ! و يشتعل خيالهم و مخيالهم و أفهامهم...و الأشياء بالمكتبة-المسكن(ليلا) باتت تتراءى لهم أرقاما !: " اليونان كانوا يحبون المناقشة، لذلك اكتشفوا الرياضيات، و أنا لم أتوقف عن سماع : " الآنسة Liard!! إننا لا نناقش هنا" ! في معظم دروس الرياضيات...".
ها هم الأطفال لحد الآن، تعلموا بداية نشأة الرياضيات، و الفرعين الأساسيين فيها (الهندسة و الجبر)، و موضوع كل منهما، و طريقة اشتغال كل منهما، و سبل المرور من أحدهما إلى الآخر...، بل و استبطنوا – ضمن سياق شيّق لذيذ – معنى الصداقة و قيمتها الإنسانية، و كون الاختلاف بين الصديقين قيمة مضافة تغنيها و تمثّنها، وليست نقطة ضعف أو إضعاف لها. كما تعلموا أن الأفكار تولد عبر النّقاش و الحوار و الأخذ و الفرد... إنهما " التعليم" و "التربية" معا، ضمن درس للرياضيات، عتاده الديداكتيكي القصة و الحكاية.
يستمر الحكي ! و قصة اليوم قصة يوناني قديم آخر هو أقليدس، و بعد أن ضمن الشيخ شروط تفاعل الأطفال الخلاّق، انطلق : " طاليس عاد من مصر ب"قصة" الظل ! و فيتاغورس، بقصة الأرقام ! أما أقليدس، فهو رجل الصرامة، و هو صاحب كتاب "عناصر الرياضيات" المكون من ثلاثة عشر جزءا، الحاضر بكل مكتبات العالم و المترجم إلى كل لغات الدنيا !. و من بين خصائصه الأكثر شهرة شكله الاستنباطي و تنظيمه المنهجي و التصاعدي. يقدم فيه أقليدس أولا، تعريفات كتعريف الخط ("طول بلا عرض")، أو العدد الأولي ("عدد يقاس بوحدة واحدة")، و المفاهيم المشتركة ( مثل : إذا نقصنا أشياء متساوية من أشياء متساوية ، فإن البواقي تكون متساوية). كما يقدم بديهيات، كإمكانية رسم خط مستقيم يمر عبر نقطتين. كما ينجز بناءات جديدة، انطلاقا من المعروف مسبقا (التعاريف و الافتراضات القائمة مسبقا). و كل البناءات تتركز على الخطوط و الدوائر... إنها هندسة المسطحات، حيث المثلثات و الخطوط المتوازية، و بناء الأشكال المسطحة، بأشكال ما، كالمربعات مثلا، و خصائص الدائرة، و رسم أشكال داخل دائرة أو دوائر داخل أشكال....
ثم ينتقل Ruch ببراعة بيداغوجي ماهر، إلى إنجازات أقليدس في الجبر : الأعداد الأولية، بناء أكبر قاسم كامل مشترك بالنسبة لعددين كاملين أو أكثر، الأعداد ضمن متوالية هندسية، الأرقام المثالية، الأرقام الجذرية، الخوارزميات...إنه "كنز الرياضيات" ! كما يقول معظم مؤرخي العلوم.
هاهم الأطفال يتوغّلون بخطى تابثة في أدغال "زهور" الأرقام و الأشكال، و يتعلمون قوانينها و منطق اشتغالها، و سيرورة تطورها . مما يشعر الشيخ بالزهو، فيتفاقم إصراره على المضي في "الحكي" .
ليلة جديدة، و درس جديد !، الشيخ لا يريد للأطفال أن يتصوروا تاريخ الرياضيات تاريخا خطيا، من الفتوحات و الإنجازات التي لا تشوبها عوائق بل تاريخ عمل جبّار و متواصل لتجاوز مشكلات أو معضلات قد يتطلب حلها قرونا !! : " في تاريخ الرياضيات (يوضح " المعلم " Ruch ، و يرتب في أذهان الأطفال)، يتم التمييز بين ثلاثة مراحل كبرى أساسية : رياضيات اليونان القديمة (من 700 قبل الميلاد إلى 700 بعده)، و رياضيات العالم العربي (47) ( و لا يفوت الشيخ توضيح أنه ضمن هذا العالم، امتزج الفارسي باليهودي بالأمازيغي بالعربي...) ( من 800 م إلى 1400 م)، و أن طيفهم الواسع امتد إلى الطب و الفلك و الفيزياء و الفلسفة.... ثم الرياضيات بالغرب (انطلاقا من 1400 م) . ويضيف كخلاصة لرياضيات اليونان، أن مشكلات أساسية ثلاث لم يتمكن اليونان من حلها : مضاعفة المكعب أي بناء مكعب مضاعف لمكعب ما (duplication du cube)، و تثليث الزاوية، أي تقسيمها إلى ثلاثة أجزاء متساوية (trisection de l’angle )، و تربيع الدائرة، أي بناء مساحة مربع مساو لدائرة ما ( quadrature du cercle )، و هي المشكلات التي ستصاحب الرياضيات لقرون!.
ها هم الأطفال الثلاثة يتعلمون الرياضيات و مشكلاتها، و في نفس الوقت يتعلمون أن "إقليمهم" ، لا الصغير (فرنسا) و لا الكبير (الغرب) هو مركز العالم، "العقلاني" دون غيره، و أن "العقل" لا جنسية له...هما التعليم و التربية في آن واحد، ضمن درس الرياضيات، و عبر القصص و الحكايات.
في الليلة الموالية، كان الشيخ Ruch رتّب "دعاماته" بعناية زائدة، أكثر من كتاب من "مكتبة الغابة" ! (هم باتوا يطلقون على الكتب القادمة من Manaus "مكتبة الغابة" ، لأن صاحبها Grosouvre، صديق Ruch القديم، كان شيّد لنفسه شبه قصر بغابة البرازيل، متفرغ تماما للرياضيات، أنيسه ذلك العدد الهائل من الكتب، و رفيقه "الببغاء" الذي وصل صدفة إلى مكتبة Ruch)، مع حرصه على أن تكون الورقة التقنية التي وضعها Grosouvre لكل كتاب، في المتناول بيسر. تحلق الأطفال حوله، كالعادة، بعد أن أنهوا أشغالهم الصغيرة، و بدت على الشيخ علامات كمن سيبوح بأسرار كبرى، ثم انطلق "الحكي" : إننا في القرن الثامن، ما عادت اليونان هي "صانعة" الرياضيات و المعرفة، أرض الرياضيات اليوم هي بغداد و بلاد فارس، و ليست الرياضيات و حدها، بل معظم فروع المعرفة، المعروفة اليوم.
فهذا الخوارزمي، الرياضي و الجغرافي و الفلكي و المنجّم، بكتابه "المختصر في كتاب الجبر و المقابلة" يجعل الغامض واضحا و المركب بسيطا، و يؤسس تخصصا جديدا أصيلا كلية هو الجبر، و الذي انطلاقا من ترجمته بداية من القرن الثاني عشر، دخل الجبر إلى أوربا. و إذا كانت اهتمامات و أعمـال الخوارزمي شملت جوانب متعددة، من الرياضيات، فإن تخصصه المركزي كان هو معادلة الدرجة الثانية" . يتململ الشيخ على كرسيه المتحرك كرياضي ماهر، ثم يضيف : " و الخوارزمي هذا، ميّز في المعادلة من الدرجة الثانية بين :
- مربعات تساوي أشياء.
- مربعات تساوي عددا.
- مربعات وعدد تساوي أشياء.
- مربعات و أشياء تساوي عددا.
- أشياء و عدد تساوي مربعات.
- أشياء تساوي عددا. "
و لا يفوت الشيخ اللّمز كوننا " كلما قلنا معادلة، هناك كلمة "مساو" .... ما الذي كنا سنفعله دون "المساواة" !! بدون المساواة، ما كانت لتكون هناك رياضيات !!".
- "ولا جمهورية سيد Ruch "، ينطق أحد التوأمين...- "لأن الأطفال اليافعين يعتقدون أن هناك مساواة في الجمهورية "، يعقّّب الشيخ. ثم يقترح على الأطفال تمرينا، ينجزونه في اليوم الموالي، عندما يعودون من المدرسة :
- التمرين : " Perette Liard " ( الإشارة هنا للمرأة التي تعيش معه، و هي أم الأطفال)، كان لها – كما تقول " 2+1 أطفال، توأمان و واحد معزول. مجموع أعمار الأطفال الثلاثة هو 43 سنة. و الفرق هو 5.
- ما هو سنّ الأطفال Liard؟ . "
هي الوضعية – المشكلة الفادحة، بلغة البيداغوجيا المعاصرة، حيث تشغيل المعارف و المهارات (الرياضية هنا) على شكل مشكلات تعني المتعلم، أو من الحياة.
يتابع الشيخ درسه : " يصعب الإحاطة بكل الرياضيين الذين برزوا خلال هذه المرحلة، و بكل اهتماماتهم و أفكارهم، و كأنّ حقل الرياضيات أزهر دفعة واحدة !!. فهذا الفارابي، الفيلسوف السياسي و الموسيقي و الحافر في الميتافيزيقا و مؤسس علم الملائكة (Angélologie) و الرياضي، بكتابه حول الأشكال الهندسية، يفتح آفاقا كانت مغلقة، و يكشف كون الموسيقى تستنبط مبادئها من الرياضيات...و هذا كتاب الكافي حول علم الجبر ل السّموأل، يفك ألغازا. و كتاب معرفة الأشكال المسطحة و الدائرية للإخوان بنموسى يفتح دروبا للمعرفة لم تكن معروفة. و كتاب "المضيء حول الجبر" للقاشي، الذي بات يعرف ب"مفتاح الجبر" !!. ثم عمر الخيّام و رباعياته، و الذي أنشأ تصنيفا كاملا للمعادلات من الدرجة 1 و الدرجة 2 و الدرجة 3، و بعد اثنين و سبعين عاما من التفكير بدون هدنة، صرح ب : "جهلي أعرفه" ! "الخالدة" .
و قبل أن يتابع الشيخ "تعليمه" ، يدع الكتب و الأوراق التقنية لصديقه القديم Grosouvre جانبا، و يتوجه إلى الأطفال بنبرة قدّاس : " رقم معاملات المكتبات مقياس كاشف للمجتمع" . إنه "يربي" أيضا. ثم يتابع، معلّما و مربيا : " الترقيم الهندي كان أنجز معجزة حقيقية، أكثر جمالا من معجزة الأبجدية : بحفنة من الرموز التي تساوي عدد أصابع يدينا, يمكنك تمثيل كل أعداد العالم...! و الخوارزمي كتب كتاب مختصر نظام الترقيم الهندي، و جعله ينتشر في كل ربوع الإمبراطورية العباسية. و هو الذي ترجم في نهاية القرون الوسطى، و انتشرت تلك الأرقام بأوربا و الغرب " . و بأسلوب ساخر، يضيف الشيخ و الأطفال مندهشون : " والغرب انتحل لنفسه تسمية الأشياء للإنسانية جمعاء" !!.
ثم يستمر "الحكي" : " ورود حقل الرياضيات هذا ببغداد و حولها ، تتفتح بدون توقف، و ها هو شرف الدين الطوسي ،الرياضي و الفلكي و المهندس و الميكانيكي...، يكمل أعمال الخوارزمي، و يتابع الدراسة الهندسية لمعادلة الدرجة الثالثة، مما دفعه إلى الشروع في دراسة المنحنيات. و استعمل لأول مرة " المشتقة"(dérivée). كما شكلت أطروحته حول المعادلات التكعيبية (les équations cubiques) بدايات الهندسة الجبرية.
ثُم الطوسي آخر،وهو نصر الدين،الذي اشتغل بالفلسفة و علم الكلام و التنجيم و الكيمياء و البيولوجيا و الفيزياء و الطب...!! و هو الرياضي اللامع، المؤسس الفعلي لعلم المثلثات، الذي كان قبله عند اليونان و الهنود، و لكن كأداة لعلم الفلك، و هو جعله تخصصا رياضيا مستقلا. كما اشتغل بأسس الهندسة، و خصوصا بالمسلمة الخامسة عند أقليدس، أو ما يعرف بمسلمة المتوازيات، التي شكلت سؤالا بؤريا عبر كل تاريخ الهندسة، وتطلب الأمر أكثر من ألفي عام من النقاشات المتقطعة للجماعة العلمية لتعترف بالإجماع باستحالة اختزالها في مجرد مبرهنة" .
و كأني بالشيخ يشحن الأطفال – عبر القصص و الحكايات – بطاقة التصميم و الإرادة و طول النفس و الروح الجادّة، فتجدهم في الصباح، و هم في طريقهم إلى المدرسة، و علامات الحيوية و الأمل و الإصرار بادية عليهم، يتبادلون الأفكار حول كون المبرهنات و المعادلات تنال بالعمل الدؤوب المتواصل، و أن الباب مفتوح، دوما ، للبناء، أو الإضافة، أو لطرح السؤال المزعزع لاستقرار المسلمات، و زعزعة طمأنينة البديهيات.
في الليلة اللاحقة، كان الشيخ Ruch غير آبه بعتاده المألوف، المرتبط مباشرة بالمعادلات و المبرهنات و المسلمات...، و بدت على وجهه تقاطيع ملامح فيلسوف لحظة إمساكه بتركيب، أو مؤرخ وضع يده على عوامل فاعلة، و بعد أن ضمن التفاعل الخلاق للأطفال، انطلق : " نحن الآن في بداية القرن الثالث عشر، المغول يغزون آسيا و أوربا، و في سنة 1227 م، كانت الإمبراطورية المغولية امتدت من الشواطئ الصينية للمحيط الهادي، إلى بحر قزوين : 8000 كلم طولا و 3000 عرضا" .
" بعد امبراطورية الإسكندر، بعد الامبراطورية الرومانية، بعد الإمبراطورية العربية، الإمبراطورية المغولية ! "، لاحظ السيد Ruch. هي الرابعة التي يصادفها منذ مغامرته في تاريخ الرياضيات.
ثم يتابع : " و يوم اجتاح المغول العراق و إيران، كانت "علموت" مرصدا علميا شامخا آنذاك بشمال إيران، و حضر نصر الدين الطوسي، مؤسس علم المثلثات، بعيدا عن علم الفلك، حكاية أمر الأمير المغولي بإحراق كل كتبها بعدما سمح لعالم كبير فيها باختيار أحسن الكتب و أرفعها على الإطلاق، و لكن التي لا تتعدى سعة عربة يدوية (brouette). و كيف أنه حضر ببغداد التي سمح له بالانتقال إليها مع مجموعة من العلماء، اللقاء الرهيب بين "خليفة المسلمين" و الأمير المغولي الذي قدم له صحنا من الذهب، و هو يأمره بأكله !، و حين أجاب الخليفة بأنه ليس طعاما، أجابه : " لماذا احتفظت به و احتكرته لك و لم تقدمه لجنودك الذين كانوا سيحمونك" . و كيف أن الخليفة تم سجنه مع كنوزه كغذاء و حيد ! فمات بعد أيام قليلة ، جوعا.
و بعد مجزرة أودت بحياة 100000 من البشر، عشر سكان بغداد (الدائرية) !، كانت أهرامات عالية من الجماجم بكل باب من أبواب المدينة تشهد بما تساويه مقاومة ال "هولاكو خان" !.
ثم طلب هولاكو من نصر الدين الطوسي متابعة عمله، بعد أن بنى له مرصدا بمدينة مراغا، و منحه عربة الكتب التي نجت من نيران علموت. و هو المرصد الذي سيصبح المؤسسة العلمية الأكثر أهمية في العصور الوسطى الاسلامية، بعد بيت الحكمة.
إنها نهاية الخلافة العباسية التي دامت 500عام، أي نهاية "المدينة الدائرية"، يشدد الشيخ Ruch.
و لا يفوته تنبيه الأطفال ، وهم يتعلمون التاريخ و قوانينه ضمن درس الرياضيات !، كيف أنه بالغرب ] أي عند أجدادهم و أجداده ![ ، و حتى القرن الثالث عشر، أن تعرف عملية الضرب كانت تفتح لك أبواب المناصب الإدارية العليا !! و كيف أن كل ما كان يعرفه الغرب طيلة القرن 13 و 14 م، كان يأتي أساسا من أعمال الرياضيين العرب و ترجماتهم للرياضيات اليونانية، و أن معرفة العربية كانت رصيدا كبيرا. و حين تمت ترجمة أعمال الخوارزمي، خصوصا عمله حول الحساب الهندي (Dixit algorismi)، أصبح إنجيل الرياضيات ! إلى حد أن هذا الحساب سمي بنظام العدّ العربي و منه "الخوارزمية" .
- انتفض حبيبي، الجزائري صاحب الدكان المجاور الذي دأب على حضور "الدروس" : "إنك تعلمني خبرا غير سار يا سيد Ruch ." ، و علامات تمزق بادية عليه، ثم أضاف :
"كما لو أنك تقول لي أن الكسكس أبدعه السويديون أو الايرلنديون...نعم الايرلنديون" .
و يسترسل الشيخ، بعد أن يتفحص عيون الأطفال، و يتأكد – بخبرة البيداغوجي اللبيب - من تركيزهم، و من خدمة "التاريخ" ل "الرياضي" ، باستجابة الثاني لمكوّنات الأول : "نحن الآن في منتصف القرن الخامس عشر، و بالضبط عام 1453 م، السلطان العثماني يستولي على القسطنطينية، مما يضع الغرب وجها لوجه مع العالم الاسلامي، و مما أدى إلى هروب العديد من العلماء و المترجمين البيزانطين، حاملين مئات الكتب التي كان لوصولها لقلب الغرب أثر كبير على مجريات الأمور.
إن التركي أصبح عدوا، و العقل ( الرياضي هنا ) بدأ يشتغل، مما سمح ل Targalita بطرح المشكل الآتي : "على ظهر السفينة، يتواجد 15 تركيا و 15 مسيحيا، في قلب عاصفة بحرية، أمر قائد السفينة برمي 15 راكبا في البحر، لينجو الباقون. و من أجل اختيار المعنيين بالرمي، سيتم العمل بما يلي : ترتيب جميع المسافرين على شكل دائرة، و البدء في العد انطلاقا من موقع ما، و كل من وقع عليه رقم 9 يتم رميه في البحر". و كان السؤال : " بأية طريقة يلزم ترتيب المسافرين لكي يكون الأتراك و حدهم معنيين بهذا المصير؟ ". و لحل هذه المشكلة كان على قائد السفينة الذي هو Targalita الاستنجاد بالجبر الذي أبدعه العرب.
هو البحث دائما،عن حل المعادلات من الدرجة الثالثة، و لكن البحث هنا، عن صيغ لعمليات تسمح بحساب رقمي فعلي للحلول. و هو ما كان حاوله عمر الخيام و شرف الدين الطوسي و رياضيون مسلمون آخرون، و وصلوا إلى حلول، و لكن عبر بناءات هندسية. و كان عمر الخيام تمنى أن يأتي رياضيون آخرون و يحلون المعادلات عبر الحساب وحده.
و Targalita هو الآخر، كتب الرياضيات شعرا كالخيام :
تريد حل معادلة مكعب و أشياء تساوي عددا ما
أجد عددين، الفرق بينهما هو ذلك العدد الأول، و الحاصل
هو مكعب ثلث الأشياء
إذن الحل هو الفرق بين الجدور التربيعية للعددين.
ها هي ذي الصّيغ المبحوث عنها منذ خمسة قرون ! أمنية الخيام تتحقق.
و هذه ال "مكعب و أشياء تساوي عددا" هي ما اشتغل عليه الرياضيون الإيطاليون بمدرسة بولونيا في القرن 16 م. مما جعل إيطاليا الشمالية طيلة قرن "أرض الجبر" (Terre algébrique).
الأطفال الثلاثة باتوا نشطين متحمسين، و مسكونين بالرياضيات ! اليوم، ضربوا موعدا بمقهى صغير بشارع Lepic، بعد نهاية الحصص الدراسية. و على الفور أخرجت Lea الظرف الذي ناولها الشيخ Ruch الليلة الماضية، و بداخله قطعة كارتون صغيرة كتب عليها سطرين:
"Perette Liard(أمهم) كان لها، كما تقول، "2+1 أطفال" . توأمان و واحد معزول، مجموع أعمار أطفالها هو 43 عاما. و الفرق هو 5. ما هو عمر أطفال Liard؟ " .
و بعد أن نظر Jonathan و Max إلى Léa و هما منبهرين، انطلقا في ضحك جميل، ثم أخرج Max ورقة و قلم رصاص أمسكتهما Léa التي صادفت مثل هذه المعادلة بالثانوية صباح هذا اليوم :
- هناك ثلاثة أطفال و لكن عمران. و هناك معلومتان. نسق معادلتين بمجهولين. من السهل بما فيه الكفاية ! المجهول الأول هو عمر Jonathan
و عمري اللذان هما نفس العمر.
- في دقيقتين ! ينط Jonathan، مقلدا الخوارزمي !
- المجهول الثاني هو عمر Max الذي سأسميه "y". المعلومة الأولى : مجموع أعمار الأطفال Liard هو 43 سنة إذن ؟
- إذن "y+x+x = 43"، يقول Max.
- المعلومة الثانية " الفرق بين الأعمار هو 5 سنوات. إذن؟
- "y-x= 5" يجيب Jonathan بكل ثقة.
تسجل Léa المعادلتين الواحدة فوق الأخرى:
y+x+x = 43
y-x= 5
ثم تعلن :
- معادلتان بمجهولين. و الآن أنطح كحمقاء، أتمترس كدابّة ( بدأت تخربش). أعوض، أستبدل...
X= y+5، إذن 2( y+5)+y=43
إذن 2 y+10+y=43
أسحب 10 من كل جانب و أحصل على :
3y=33.
- عمر Max هو 11 سنة، ينطق Jonathan على الفور.
و Léa بكل زخمها :
- و ما دامت y=11 سنة، و x=11+5، عمري و عمر Jonathan هو 16 عاما.
ثم أمسكت برأس أخيها لتجبره على التأكيد.
ظل Max مترددا، ثم نطق أخيرا :
- هناك شيء ما غير واضح، ولكنني لا أعرفه. لماذا كتبت y-x=5 ؟
- لأن الفرق بين عمرك و عمري هو 5 سنوات، أجابت Léa.
- آه هكذا ! (ينط) أنظري ، Léa !حين تكتبين y-x=5، فإنك لا تقولين فقط أن الفرق هو 5، بل تقولين أيضا، أن التوأمين أكبر من المعزول كما يسميه السيدRuch .
- نعم هذا صحيح !
- نعم، ولكن كيف تعرفينه؟ السيد Ruch لم يكتبه على كارطونه. من قال لك أن المعزول ليس أكبر من التوأمين ؟
لم تلح، نظرت إلى Jonathan :
- إنه محق. ثم إنها ضربة القيمة المطلقة.
و لم تتمالك Léa أن تمرر يدها في شعر Max بمتعة.
ثم نطق Jonathan :
- و ما الذي يغيره هذا ؟
- سترى ما الذي سيغيره !
أخذت Léa الورقة من جديد، شطبت " y-x=5" ، و كتبت "x-y=5" . و تحت النظرة المنتبهة لأخويها أعادت الخربشة. طال الوقت أكثر من المرة السابقة. لم يفارقاها بأعينهما.
و أخيرا استطاعت أن تعلن :
- سيكون ل Max 17 عاما و نصف، و نحن، بالكاد 12 عاما.
- سيكون أفضل، سيكون أفضل ! صاح Max.
في الطريق إلى البيت – المكتبة، صادفوا الشيخ Ruch على عربته، يتبادل أطراف الحديث مع حبيبي، الجزائري صاحب الدكان، فسارعت Léa إليه بورقة حلّهم للمعادلة. تأملها الشيخ مزهوا على طريقة الرياضيين الكبار ! و أثنى على نباهتهم.
و في المساء، و بعد أن عاد الجميع إلى البيت – المكتبة، و أغلقت المستخدمة الأبواب و غادرت، و استعد الأطفال متحمسين، لدرس جديد، و حرصا من الشيخ على أن تكون كل قضايا و أمور الرياضيات واضحة في أذهانهم، و بمعنى، بدأ درسه بولادة رمزي "+" و "-" ضمن سياق جبر تجاري، لا على يد رياضي :
" شخص كان اسمه Widsman، كان يستعملها كعلامات على أكياس البضائع عام 1489 م، و حين لا يتم بلوغ الوزن المطلوب في كيس ما، كان يضع عليه خطا أفقيا طويلا و يكتب (4 طن – 2 قناطر مثلا). و في حالة العكس، أي أن الكيس يزيد على المطلوب، يشطب الخط الأفقي بخط صغير عمودي ليسجل الزائد (4 طن + 2 قناطر مثلا). و لم يجد الرياضيون رمزين أكثر تعبيرا عن المطلوب من رمزي Widsman هذا. فخلد اسمه" .
ثم تابع قصص قتال الرياضيين مع المستعصي من المعادلات، و الممتنع عن البرهنة لحد الآن :
" نحن اليوم في بداية القرن السابع عشر، الرياضيات تزهر في كل مكان بالغرب. فهذا Albert Girard صاحب الإضافات إلى الجبر، أحسّ بأن المعادلة من الدرجة "n" لها "n" جدر تربيعي ! ، و هي المشكلة المطروحة منذ مدة، سيأتي D’Alembert أو رجل الموسوعة، الذي سيحاول الاستدلال في هذا السياق. ثم Euler بمبرهناته. ثم الفرنسيان Pierre Simon Laplace et Louis Lagrange. و اخيرا الألماني Karl Friedrich Gauss الملقب بأمير الرياضيين،
"هو الذي أعطى البرهنة النهائية" !! ، يكمل الببغاء، مقاطعا الشيخ و مصفقا بجناحيه ! ،أليس الرفيق الوحيد في الأدغال لGrosouvre،صديق الشيخ ،المتفرغ لسنين ،للرياضيات و مشكلاتها.
بارك الشيخ بحركة من رأسه كلام الببغاء، ثم تابع: " و إذا كانGauss تمكن من تقديم استدلال جديد للمبرهنة التي تقول أن كل دالّة صحيحة جدرية جبرية (fonction entière rationnelle algébrique) لمتغير، قابلة لأن تحلّل إلى عوامل واقعية(Facteurs réels) من الدرجة الأولى أو الثانية، فإنه كان يلزم انتظارEvariste Galois، هذا الرياضي اللامع الذي لم يعش سوى عشرين عاما، و تمت تسمية فرع كامل من الرياضيات باسمه (نظرية Galois)، و الذي بدل أن يعتبر جدور المعادلة، كل واحدة في فرادتها، نظر إليها مجتمعة. ثم درس كيف يشتغل هذا المجموع حين يكون خاضعا لبعض التحولات: إنها "البدائل" ! (Les substitutions).
و انطلاقا من هنا، لم يعد للرياضيات نفس الوجه، فالمواضيع التي ستشتغل عليها لن تعود هي الأعداد، و لا هي المعادلات، بل هي البنيات، أي مواضيع غير مأخوذة منفردة، بل مجتمعة و مرتبطة برابط يبنين هذه المجموعات. ذلك ما سيصبح الموضوع – الملك لجبر القرن 20. و هذا الشكل من "النظر" يشكل ما يسمى بحماقة :"الرياضيات الحديثة" ، و كأن الرياضيات الجديدة في كل حقبة لم تكن حديثة !!! – التحقت الرياضيات بالفلسفة، أو بالأحرى عادت إليها" ، يسجل الشيخ، برنة يتقصّد بها وصول الفكرة إلى أعماق أفهام الأطفال...
ثم يتابع : "و في نفس القرن(17)، برز Pierre Fermat، الذي يرجع له الفضل إلى جانب Viète و ديكارت في تطبيق الجبر على الهندسة، و وضع أسس حساب الاحتمالات مع Blaise Pascal ، و الهندسة التحليلية إلى جانب ديكارت، و قبل Leibnizو Newton، حساب التكامل و حساب التفاضل، كما أسس النظرية الحديثة للأعداد و المعادلات. و معFermat هذا، بات واضحا أن معادلة منحنى تسمح بمعرفة كل خصائص المنحنى (و كذلك الدالّة)، إنها هندسة الإحداثيات !.
و أما المؤسسان الحقيقيان للتحليل، فهما نيوتن و ليبنتز عبر اكتشافين هائلين : الأول أن الاتجاهين المختلفين اللذين اشتغل فيهما الرياضيون (تحديد الظلال و حساب المسافات)، يشكلان في الواقع وجهين لظاهرة واحدة، يمكن المرور من واحدة إلى أخرى. يمكن، انطلاقا من الظلال الصعود إلى المنحنى، كما يمكن الصعود من الدالّة المشتقة إلى الدالة التي تم الاشتقاق منها.
إنه اختراق كبير في عالم الرياضيات : نفس الأداة كانت قادرة على إنجاز مهام متعددة : حساب طول منحنى، تحديد مساحة سطح، حساب حجم جسم صلب، موضعة مركز جاذبية سطح، و موضعة الحد الأدنى و الحد الأقصى لمنحنى... هو نوع من الأدوات الكونية التي ستحمّس الفيزيائيين، فتغيرات كل أنواع الظواهر، ستكون في المستقبل قابلة للدراسة بهذه التقنية. الباب فتح واسعا أمام معرفة الظواهر الفيزيائية. الآن وجدت الفيزياء و الميكانيكا أداتها، و الأداة رياضية... التعبير عن السرعات و التسارع...، يفصّل الشيخ لدفع الأطفال للتفكير في دروسهم في الفيزياء...فهم اليوم يستعدون لاجتياز الباكالوريا !!
و أما الاكتشاف الثاني لنيوتن و ليبنتز، فهو كونهما جعلا من هذا الحقل الجديد حسابا، "حساب المتناهي في الصغر" (Calcul infinitésimal).
و بأسلوب الفيلسوف الذي يخلص إلى تركيبات، يختم الشيخ درس اليوم : "في نهاية القرن السابع عشر، عالم السطوح المجمّد لليونان القديمة، تم تنشيطه أو أشرق !! مما سمح بالمرور من التصوير إلى السينما !!! . يا له من "معلم" ملهم، يصّر على تشغيل خيال و كل مركبات البنيات المعرفية لمتعلميه، بكل طاقتها !
في الليلة الموالية، كان الشيخ قد قرر أن يفصّل للأطفال قصة الرياضي الألماني Leonhard Euler، الذي سبق له أن أشار إلى مبرهناته دون تفصيل، لما لها من أبعاد تعليمية دقيقة، وأخرى تربوية رفيعة،إلا أنه فضّل أن يبدأ بتوضيحات كعادته ،طردا لكل غموض من أفهام الأطفال وتوضيح اليوم يتعلق بالأعداد العشرية، وقصتها:
" العدد العشري – كما تعرفون منذ التعليم الابتدائي، هو عدد جدري خاص، أو هو عدد جدري يمتلك كتابة عشرية، و الجزء العشري فيه محدود و ليس لا نهائيا، كما هو عدد جدري يمتلك كتابة كسرية عشرية، ف 3.54 هي الكتابة العشرية لعدد(345 )/100. و بما أن (35 )/100= 177/50، يمكننا القول أن 3.54 هي الكتابة العشرية لعدد 177/50. و 3 هي الشطر الكامل، أما 0.54 فهي الشطر العشري.
ثم إن /2 هوعدد عشري، لأننا يمكننا كتابة5/10 (كسر جدري)،أو0.5(كتابة عشرية نهائية ).
أما ( 22)/7 فهو عدد جدري غير عشري، لأنه لا يمتلك كتابة كسرية عشرية، أو لأن كتابته بالفاصلة لها شطر عشري لا محدود، مع دورية (périodicité) للأرقام :
(22 )/7=....3.142857142857142875 .
الأطفال مشدوهون في طريقة توضيح الشيخ لما يعرفونه، دون أن يفكروا يوما في معانيه، و يتبادلون نظرات الاعتراف أنهم مع رياضي بارع !! ، بينما الشيخ يتابع : " و قصة هذه العشرية طويلة، فهي بدأت مع القاشي بسمرقند في القرن الرابع عشر، حيث تمكن من اكتشاف 14 عددا عشريا، و كان ذلك اكتشافا باهرا في زمانه. ثم في نهاية القرن 16 و بداية القرن 17، توصل Ludolph Van Ceulen إلى 35 عددا عشريا. و في أواسط القرن 17 و ضع John Wallis ال "مجموع n=1 في "اللا محدود" ، و الثمانية الصغيرة ممددة فوق السّيكما، و التي تمثل اللا محدود الذي تتجه إليه "n". و هنا بدأ السباق باتجاه الأعداد العشرية، و كأننا أمام بورصة للأرقام القياسية :127، ثم 140، هم "صيادو الأعداد العشرية" كما تمت تسميتهم، ال 200 عدد عشري تم بلوغها عام 1844. ثم 440 مع William Rutherford. و بعد عامين تجاوزه William آخر هو William Shanks الذي أعلن عن 707 عدد عشري، فأعلن بطلا ! ، و كيف لا وقد أمضى عشرين عاما من حياته يحسب واحدة، واحدة كل ديسيميلاته ل 707 ! يتساءل الشيخ مبجّلا للمثابرة و الإصرار و الروح الجادة المصمّمة.
ثم يتابع : " و أما Euler، صاحب المبرهنات الشهيرة، فقصته تحتاج تأملا مضاعفا، إذ خلال 1760، إبان حرب السبع سنوات، احتلت الجيوش الروسية جزءا من ألمانيا، و عند مرورها بجانب Charlottenbourg ، دمّرت مزرعة Euler، و حين علم الجنرال الروسي Tottenbenبذلك، بعث على الفور برسالة إلى Euler : "لم نقدم إلى هنا للحرب مع العلوم... !!! ]احترام العلماء، حتى زمن الحرب! [. و تم تعويض Euler على الفور، لا بل إن الامبراطورة الروسية كاترين الكبرى أرادته ضمن أكاديميتها للعلوم. و فرحا بالفراق مع ملك بروسيا فريديريك الثاني الذي لم يكن على ودّ معه، غادر برلين باتجاه سان بترسبورغ. و أثناء نقل أمتعته، تعرضت السفينة للغرق، و ضاعت ستة أجزاء كتاب هي كل أعماله.
و كيف أنه أعاد كتابة كل ما ضاع بفضل ذاكرته التي كانت تخرج عن المشترك (كان يحفظ عن ظهر قلب الأينيدا (L’Eneide) التي تعتبر ثالث الخالدات من العصر القديم إلى جانب الإلياذة و الأوديسا (10000 بيت !!). كما كان يعرف على راس الأصابع كل صيغ علم المثلثات و التحليل الرياضي. و كيف أنه في سن الثامنة و العشرين، واجه مشكلا فلكيا، فانصب عليه طيلة ثلاثة أيام دون توقف، وحلّه، إلا أنه أصيب باحتقان دماغي، فقد على إثره إحدى عينيه، و فهم أنه سيصبح لا محالة أعمى. فقرر الاستعداد لذلك. إذ شرع يغمض العين السالمة و يتدرب على كتابة القواعد الرياضية و كل مجالات الرياضيات على لوحة (و بالطباشير !). و عندما فقد البصر نهائيا، لم يكن عليه سوى أن يحفر في ذاكرته، فهو أصبح مكتبة حية.
و كيف أنه عام 1783، أتت النيران على مكتبته ببيته بسان بترسبورغ. إلا أن كل ذلك لم يمنعه من أن يعتمد على شاب خيّاط، له خط رائع، يكتب ما يمليه عليه (كتابه الشهير في الجبر)، مع حرص ]تعليمي – ديداكتيكي !![على تأليف الكتاب بالشكل الذي يسمح للشاب (الخيّاط) بالفهم، في نفس الوقت، و هو يكتب ما يمليه عليه. و فعلا انتهى الشاب إلى القدرة على حل مشكلات في الجبر حقيقية، و كان الكتاب فتحا في حساب حركة الكواكب.
و حتى حدسه الخاطئ، فقد تطلب قرنين لنفيه !! و هذه قصة رياضي لامع معاصر، هو Noam Elkies، الذي نال ميدالية ذهبية مع درجة الكمال في الأولمبياد العالمية للرياضيات عام 1981، و استحق كرسي الأستاذ المحاضر بجامعة هارفارد الشهيرة و هو في سن السادسة و العشرين. و هو اكتشف خطأ حدس Euler الذي كان طرح حدسية (Conjecture) متواضعة، يضع فيها أربعة أعداد و ليس ثلاثة. و ضيّقة بأسّ (puissance) واحد هو 4، تقول: " مجموع ثلاثة مضاعفات مزدوجة (bicarrés) لا يمكن أن يكون مضاعفا مزدوجا (باللغة الكلاسيكية). و بمفردات اليوم=
〖w^4=z〗^4+ 〖^4〗 〖+x〗^4 ليس لها حل بالأعداد الصحيحة الطبيعية.
و في عام 1988، أخرج Elkies من قبّعته ثلاثة أعداد تناقص تأكيد Euler=
〖〖〖 20615637^4=18796760〗^4+15365639〗^4+2682440〗^4. حدسية Euler خاطئة إذن !!
و الخبر كان بحجم قنبلة كهربت المجمعات العلمية و مراكز البحث في الرياضيات عبر العالم...
ثم أضاف الشيخ بصوت فيه الكثير من الحزن : " ما الذي كان يبحث عنهGrosouvre ( يقصد صاحبه القديم، الذي أرسل له مكتبته من Manaus حين شعر بقرب أجله على يد عصابة تصطاد المبرهنات !!)، و هو يلّح، بشكل واضح على الأخطاء المرتكبة من طرف هؤلاء الرياضيين اللامعين؟ خطأ Cauchy، خطأLaméو اللذان، كلاهما وضع استدلالا خاطئا ! خطأ Fermat، خطأ Euler، و اللذان كلاهما طرح حدسية خاطئة؟ .
كانت أعين الأطفال هذه الليلة، اتسعت ! و آمالهم كبرت، و علامات على إرادة ركوب الرحلة اتضحت، فالباب مفتوح، و البناء ممكن، و إعادة النظر في البناءات القائمة واردة... كل شيء متوقف على المثابرة و العمل الجاد الدؤوب، و قوة التصميم.
في الليلة الموالية، كان الشيخ جالسا على كرسيه المتحرك وسط "مكتبة الغابة" كما بات هو والأطفال يلقبونها (المكتبة التي بعث بهاGrosouvre منManaus)، وملامح فيلسوف يستعد للبوح بآخر "وصاياه" ، و الأطفال الذين باتوا يرقّصون الأعداد و المعادلات و المبرهنات حوله، متعطشون لما سينطق به، فهم اليوم على موعد في الأيام القليلة المقبلة مع امتحان الباكالوريا، و دروس الشيخ (قصصه و حكاياته ! ) فتحت لهم ، لا مغاليق الرياضيات فقط، بل كثيرا من دروس الفيزياء، و الفلسفة ! و حتى التاريخ ! و أكسبتهم كثيرا من احترام أساتذتهم و زملائهم التلاميذ.
تململ الشيخ، ثم روى لهم القصة الطويلة لكيف أنه منذ 2000عام، كل المجهودات لتربيع الدائرة (La quadrature du cercle) بوسائل هندسية، باءت بالفشل، و سيتم – في آخر المطاف – اللجوء إلى جبرنتها (L’algebriser)، و أن هذا العمل كان من إنجاز معيد شاب بمدرسة Polytechnique عام 1837، و كان عمره 23 عام !! [ إنه الشحن بالأمل و الطموح في أبهى صوره]، حين شرح مبرهنة كانت لها آثار جمّة، لأنها تكشف عن معادلات المشكلات المستحيلة الحل بالمسطرة و البيكار،و نتائجها كانت مدوية : النتيجة الأولى : مضاعفة المكعب بالمسطرة و البيكار مستحيلة (La duplication du cube avec la règle et le compas est impossible). و النتيجة الثانية، و هي من النمط السابق : استحالة تثليث الزاوية بواسطة المسطرة و البيكار (La trisection de l angle avec la règle et le compas est impossible ).
ثم كيف أنه في عام 1882، تمكن الرياضي الألماني Ferdinand Lindemann من توضيح كيف أن عددπ هو عدد متعالي (transcendant)، أي أنه لن يكون حلا لمعادلة جبرية، أو أنه لا يوجد متعدد حدود (polynôme) غير صفري بمعاملات جدرية تكون π جدره (il n’existe aucun polynôme non nul à coefficient rationnels dont πsoit une racine).
فكانت النتيجة المدوية الثالثة : " تربيع الدائرة بواسطة المسطرة و البيكار مستحيل" (La quadrature du cercle avec la règle et le compas est impossible).
- "يعني أن كل الرياضيين القدماء ......." ، نطق Jonathan.
- " و كل هؤلاء الرياضيين يحاربون من أجل حل مشكلات مستحيلة ! " ، أضافت Léa.
ثم أضاف الشيخ بهدوء : " المستحيل هو رياضي " ! و لكن بعيدا عن إغلاق المستقبل، كل برهنة على الاستحالة تحرّره... فعاد الأطفال إلى هدوئهم، بعدما
فهموا أن الباب لم يغلق، و أنه مفتوح ل"قصص" و "حكايات " أخرى، مع مبرهنات و معادلات و حدسيات و مسلسلات و مسلمات...أخرى، أو كشف أخطاء في غيرها، تكون عمّرت طويلا ! .
و في نهاية الرواية، رواية الرياضي و الابستمولوجي اللامع Denis Guedj، الذي طلّق الرياضيات و أعلن نفسه – بجدارة روائيا، مشهورا "Le théorème du perroquet " الفادحة هذه، تتشابك الأحداث بضراوة، و تتعدد الشخوص (الروائية)، بين قدوم"عصابة"من صيادي المبرهنات، و أخذها للببغاء عنوة، ثم عودتها و اختطافها للطفلMax الذي جاء بالبغاء إلى المكتبة، و يخال الشيخ أن الأمر يتعلق "بعصابة يابانية" من صيادي المبرهنات !! . و سفره الاضطراري إلى إيطاليا، بعدما وصلته مكالمة من مختطفي ماكس و الببغاء بضرورة الحضور. و كيف أن الخاطفين لم يكونوا سوى رجال (عصابة) الصديق الثالث للشيخ و Grosouvre، خلال الحياة الطلابية، هوTavio الذي لم يكن طالبا،بل كان نادلا بمقهى،و هو اليوم من "أباطرة" إيطاليا، بقصر باذخ و خدم و عسس و حتى بطبيب خاص بالقصر !!، جمع ما لا يحد من التحف الفنية الناذرة المسروقة،ذات الأثمنة الفلكية !، و هو علم بالقصة الكاملة لاحتراق بيت Grosouvreب Manaus(أو له يد في ذلك!)،و بالمكتبة التي أرسلها لRuch، و خصوصا برفيقه الوحيد، الببغاء، الذي يعتقده الوحيد الذي يعلم المبرهنات التي توصل إليهاGrosouvre و لم يعلنها !!، ولذلك أمر رجاله باختطافه، و عندما لم ينطق بشيء، أمر باختطاف الطفل و إحضاره، عسى أن يتجاوب معه،و لكن دون جدوى، فأمر بحضور الشيخ لعل ذلك ينفع !. بل ينتهي به الأمر أن أجبر الشيخ و الطفل و الببغاء على مرافقته إلى Manaus، بعد أن أمر بتجهيز طائرته الخاصة للرحلة !، لعل الببغاء ينطق في السياق الذي عاش فيه مع Grosouvre!، فيحصل على ما لم ينجزه رياضيون بعد !! من مبرهنات، و يعلن نفسه رياضيا! بدون مقدمات!!.إلا أن كل محاولاته باءت بالفشل، فيموت بما يشبه سكتة قلبية! أو دماغية !! احتراقا على ما ليس له !!
و بينما كان الشيخ و الطفل يستعدان للعودة إلى باريس، غاب الشيخ في لحظة تأمل:"هل كان طاليس بحاجة إلى الهرم، و إيراتوستيتسEratosthène للبئر،وأرخميدس للحمام(baignoire)و المرايا النارية و الأيادي المعدنية...؟. إن هرم الأول و بئر الثاني،كما أجهزة الثالث،لم تكن ضرورية لتشييد الحقيقة العلمية، ولا لتحسين دقة المبرهنات،هي هنا لتحريك المخيال و السماح بالإجابة عن السؤال:في ماذا تعنينا هذه الحقيقة؟ . فحقائق العلم، تلزمها قصص جميلة،لكي يرتبط بها الناس. والأسطورة هنا ليست للدخول في منافسة مع الحقيقي، ولكن لربطه بما يشد الناس ويجعلهم يحلمون...
و لم يقطع تأمله سوى مكالمة المرأة التي تحيا معه،أم الأطفال الثلاثة، من باريس،Perette،وهي تحمل له خبرا طازجا:"آخر مبرهنة لFermat حلّها رياضي انجليزي هوAndrew Wiles! الخبر على الصفحة الأولى لمعظم الجرائد هنا بباريس" !!.
همهم الشيخ،و هو يطلب منMax الإسراع للمغادرة :" أشهر حدسية رياضية، في تاريخ الرياضيات، يتم حلها بعد ثلاثة قرون !! باب الرياضيات مفتوح للإنجازات...!! الغير محتمل...و لكن ليس المستحيل...
و بالنسبة لنا – ضمن عملنا هذا - ، هل تلزمنا بقية حجج على الفعالية القصوى للقصص و الحكايات، في تعليم الرياضيات، و التربية بها في آن واحد ؟ !! . لا نعتقد ذلك، و نحن نغلق هذه المحطة من عملنا، بين يدينا عدد هائل من التجارب و الدراسات و الأبحاث، جمعناها مادة أولية لعملنا، قد لا يتسع عرضها كتاب، نتخلّى عنها بحزن ! ، لأن "حكايات" و "قصص" الشيخRuch في رواية " Le théorème du perroquet " حققت لنا الإشباع ! بل التخمة ! ، و كل إضافة – مهما كانت قيمتها – باتت تبدو لنا اجترارا قد يفسد علينا ( و على القارئ ) لذة
قصص و حكايات الشيخ. ثم إنها الرياضيات من ألفها إلى يائها، حكايات و قصصا ممتعة ملهمة، مضمون رفعها لقدرات التعلم و الاستيعاب، و تربي على القيم الرفيعة في نفس الوقت. (48).(49).
د- قواعد أساسية لاستثمار القصص و الحكايات في التعليم و التربية:
إذا كانت القصص و الحكايات تمثل – كما فصلنا ذلك عبر مراحل هذا العمل- موارد ديداكتيكية فعالة، بمنافع إيجابية، اجتماعية و انفعالية و ثقافية و معرفية، أي تعليمية و تربوية، فإن الديداكتيكيين و الباحثين في علوم التدريس و التربية عموما يشترطون قواعد أساسية لاستعمالها و ضمان فعاليتها :
1- القاعدة الذهبية الأولى:
ليست كل قصة أو حكاية، صالحة أو ملائمة لكل درس ضمن مادة تعليمية معينة، و لا لكل المواد التعليمية، و لا لكل المسويات العمرية للمتعلمين، و كل مستويات نمو بنياتهم المعرفية، لذلك يفترض في المدرسين الاختيار الدقيق لقصص (ملهمة) ملائمة لدروسهم، بناء على الضبط الدقيق لما يريدونه من متعلميهم أن يتعلموه، و التخطيط الاستراتيجي ل "سيناريوهات" يومية، تراعي الاختلافات المرتبطة بالمتغيرات الخاصة بكل مادة، و بكل درس ضمن نفس المادة. و هي قاعدة ذهبية تقتضي مدرسا خاصا، هو مجرد "أمل" في الكثير من السياقات التعليمية.
2- القاعدة الذهبية الثانية:
لحظة عرض القصة أو الحكاية، ضمن درس مادة تعليمية معينة، هي لحظة حاسمة في نجاعتها التعليمية و التربوية، لما تتطلبه من مهارات فنية/ بيداغوجية، في المدرس. فإلى جانب الأهمية القصوى لدقة هندستها و بنينتها ضمن زمن الدرس، و مصاحبتها بأسئلة، تجعل المتعلمين ينخرطون فيها و تشجعهم على
التفكير و طرح افتراضات حول وقائع ضمن القصة أو الحكاية، يضيف Dunne, I.B.، أنه أثناء إلقاء القصة أو الحكاية، يشترط أن يجعل المدرس صوته واثقا، و أن يحرص على تغيير نبرة صوته، بالشكل الذي يجعل الطبائع فيها حية، و أن يعتبر التواصل اللالغوي بأهمية لا تقل عن اللغوي، إذ أن تعبيرات الملامح و التعبيرات الجسدية المتناغمة مع أحداث القصة أو الحكاية، تضاعف قدرتها على شدّ انتباه المتعلمين، و بالتالي رفع منسوب استعداداتهم للتعلم و الاستيعاب. كما يلح Dunne على الأهمية القصوى للمدة الزمنية التي يلزم أن تشغلها القصة أو الحكاية من زمن الدرس، و التي يرى أن خمسة عشر دقيقة جد ملائمة لها، اعتمادا على تجارب عديدة (50)، فهي ليست غاية في ذاتها، و لا ينظر إليها كحقيقة، بل كتعبير عن أفكار و مواقف لشخص أو أشخاص يمكن تحديده (هم)، أي واقعيون، أو على الأقل تصوره (هم)، و هي تمنح وجهة نظر أو طريقة للتفسير أو أسلوب كلام، أو شكل الاستجابة أمام حدث...، و كل ذلك بهدف تعبئة (mobilisation) البنيات المعرفية للمتعلمين و تشغيل خيالهم و مخيالهم و إحساسهم، أو ذكائهم الأخلاقي، للتأكيد أو الدحض أو لطرح السؤال أو الاستحسان، أو افتراض حلول...(51)، و تلك مركبات أرفع درس و ضمانة فعاليته، إن هي وجدت ذلك "المعلم المجاوز" (لا الوثن) بلغة نيتشه، المعلم الفنّان القادر على التركيب، و قيادة جماعة المتعلمين إلى بناء الخلاصات، من الأسئلة و الاختلافات.
3- القاعدة الفضية:
حين نقول إن القصص و الحكايات تشكل عتادا ديداكتيكيا لكل درس، و لكل مادة تعليمية، كما فصلنا ذلك عبر كل محطات هذا العمل، و أن المسألة لا تتوقف سوى على دقة الاختيار و نجاعة التوظيف، فإن ذلك معناه أن اعتماد القصص و الحكايات، يكون ضمن مقاربة بيداغوجة ما، أو طريقة أو أسلوب ما للتدريس، وهنا
تكمن القاعدة الفضية التي نقترحها، و مفادها كون فعالية هذه القصة أو هذه الحكاية و ضمانها لارتباط المتعلمين بالمعرفة و بمحاصيل التربية، و تأهيلهم للانخراط فيها و طبع حبها فيهم و "التورّط" الإرادي في دروبها و عشقها، كلها مشروطة بدقة الموقع الذي تشغله القصة أو الحكاية ضمن مبنى مقاربة من المقاربات البيداغوجية المشهورة، و ضمن سيرورة مصاحبة المتعلمين في نمو استراتيجيات تعلمهم، و كذا ضمن مؤازرتهم في معركتهم من أجل نمو بنياتهم المعرفية.
و ضمن بيداغوجيا الكفايات، الشهيرة اليوم عالميا، مثلا، (و نقصد صيغتها الأنغلوساكسونية الأصلية، لا الكزافييّة (نسبة إلى Xaviers Roedgier) المروّجة خارج أوربا !)، تمثل القصص و الحكايات المنتقاة بعناية وضعيات – مشكلات فعلية، بكل ما تقتضيه "الوضعية - المشكلة" – ضمن هذه المقاربة البيداغوجية من معارف و مهارات و مواقف أو قيم لحلّها. فعن طريق قصة مثلا ضمن درس لتعليم اللغات الأجنبية،نضع المتعلم ضمن وضعية – مشكلة هي أحداث القصة، يفهم من خلالها معاني الكلمات في سياق مشوق مثير، كما يتعلم و يفهم التعابير الاصطلاحية بشكل جيد، مقرونة بأحداث لها معنى. و تتكرس لديه مواقف و اتجاهات أو قيم، من خلال النهاية المنتصرة للعدل أو الحق أو الجمال...في القصة.
و في دروس العلوم الطبيعية، تعتبر القصص و الحكايات حول اختلال التوازن الطبيعي بضياع أحياء، و بالتالي ضياع عناصر التوازن، وضعيات مشكلات نموذجية لاكتساب المعارف و المهارات، و التشبع بقيم الحفاظ على البيئة و الانخراط في مقاومة ما يتناقض منطقه/ لا منطقه مع مثل هذه القيم.
و في درس الرياضيات، تعتبر قصة Targalita (سبق لنا تفصيلها ضمن مراحل سابقة من هذا العمل) حول ال 15 تركيا و ال 15 مسيحيا،على ظهر سفينة مهددة بالغرق، و تفكير قائدها ( الذي هو Targalita! )في طريقة (رياضية) لترتيب جميع الركاب، بالشكل الذي يضمن أن لا يقع رقم 9 عند عدّهم إلا على الأتراك ال
15، المطلوب رميهم في البحر، لينجو الباقون ( أي ال 15 مسيحيا)، تعتبر هذه القصة نموذجا أمثل للوضعية – المشكلة ضمن بيداغوجيا الكفايات.
و كما تصلح القصص و الحكايات، و ضعيات - مشكلات للتعليم و التعلم.فإنها قد تكون بمنافع أكبر، وضعيات – مشكلات لتقويم مكتسبات المتعلمين و محاصيلهم.
و ضمن انشغال المدرسين بالارتقاء باستراتيجيات تعلم متعلميهم، سيكون من الكبير الأثر، الإشتغال معهم على قصة أو حكاية يحفظ (أو يقلد) البطل فيها ! ما يقدم له من تعلمات، ثم يعيدها لأصحابها، دون أي أثر لها عليه، لكي يكتشف المتعلمون معنى أن يكون للمرء استراتيجية سطحية(Surface strategy)، أو استراتيجية إعادة الانتاج،في التعلم.
ثم قصة أو حكاية لبطل ! ثان يتعلم عبر الانضباط و الانجاز و الاتقان (قصة طفل ياباني أو كوري أو ألماني...منقطع عن الدراسة، في معهد للتكوين في الميكانيك، أو النجارة، أو إصلاح الأعطاب الكهربائية، أو الإلكترونية...)، يحضر في انضباط إلى معهده، يقوم بكل المطلوب منه، و يحترم معلميه...، لكي يكتشف المتعلمون مغزى أن يكون للمرء استراتيجية التنظيم و الانجاز و الانضباط و الإتقان في التعلم (Performance strategy). ثم قصة ثالثة تكون باذخة، عن بطل فعلي نموذجي، يرفض ألا يتعلم شيئا، أو بالأحرى ألا يخزّنه في ذاكرته، إلا بعد أن يضعه موضع سؤال، ليفهم أولا. فيتعلم و تشمخ أخلاقه. و يدرك المتعلمون بذلك معنى أن تكون لهم استراتيجية العمق (Deep strategy) في التعلم، بل إنهم يتعلمون "مهارات" مع البطل في القصة أو الحكاية، و هو يمارس السؤال، أو و هو يرفض التلقين العقيم (indoctrination).
و كذلك الحال تماما، بالنسبة لكل مدرس، و هو يخطط لنمو البنيات المعرفية لمتعلميه، و الذي يفترض أن يكون محور كل فعل تعليمي و كل فعل تربوي، لأنه الضامن لنموهم على مستوى كل أبعاد شخصيتهم. إذ سيكون من الناجع الاشتغال معهم على قصة أو حكاية بطلها أبله ! لا يستطيع التفكير و لو في متغير واحد، بشكل منظم (و كم هي كثيرة مثل هذه القصص و الحكايات في المجتمعات التقليدية !)، فيدركون – في سياق مثير و أكبر أثرا- معنى أن يكون المرء في حال من له بنية معرفية غير مبنينة أو مختلة (prestructural). خصوصا و أن المشهد في القصة أو الحكاية يكون مقرونا باستهجان أو تصحيح لاذع أو سخرية، لا من تلميذ أو متعلم فعلي بين أقرانه، ما زال يئن تحت وطأة هذا الحال، و هو ما يعتبر جريمة فعلية ضمن الفكر التربوي الجديد، لما له من آثار مدمرة على نفسية هذا الطفل أو اليافع، و الطالب أيضا، بل من صاحب بنية معرفية مختلة افتراضي في القصة أو الرواية، لن تجرح مشاعره ! و لن يشعر بالإهانة أمام زملائه !.
ثم قصة أو حكاية ثانية، يستطيع بطلها التفكير في متغير واحد، دون أو يتجاوز ذلك إلى الربط بينه و بين متغير ثان، فيدرك المتعلمون و يتعلمون معنى أن يكون للمرء بنية معرفية أحادية (Unistructural) و الفرق بينها وبين الذي يفوقها، فيكبر الأمل و يبدأ التعلم، فحال العاجز عن الربط بين عنصرين في القصة منفّر و حال العجز بئيس.
ثم قصة أو حكاية، يدرك بطلها عناصر أو متغيرات متعددة، و يميز بينها، بالشكل الذي يكتشف معه المتعلمون بؤس أن يكون المرء في حال العالق في بنية معرفية مختلة، و بساطة أن يكون ببنية معرفية أحادية، و يتعلم كيف تكون له بنية معرفية متعددة العناصر (multistructural)، فلا يقف عاجزا متى تطلب الأمر التفكير في أكثر من متغير معزول.
ثم قصة لبطلة ! هذه المرة، رشيقة و حدقة (في القصة طبعا)، تدرك العناصر المتعددة بكل سهولة،و تتجاوز ذلك إلى الأرقى و الأعقد،أي العلاقات والتفاعلات بين تلك العناصر، فيدرك المتعلمون معنى أن يكتسبوا بنية معرفية علائقية (relational)، عبر التدرب على مهاراتها مع البطلة الرشيقة ! في القصة أو الحكاية.
و أخيرا قصة لبطلة أخرى أكثر رشاقة و جمالا !! تدرك العناصر أو المتغيرات مهما تعددت، و تمسك بكل علاقاتها و تفاعلاتها، و بالنتائج المترتبة عن علاقات التأثير و التأثر بينها، و تحلق بعيدا عن كل ذلك، "إلى القمم العالية" بلغة نيتشه، لتدرك المعاني الكبرى المجرّدة، معاني الصدق و الحب و المحبة و العدل و العدالة و الحق و الجمال...و حب المعرفة...فيدرك المتعلمون معنى أن تبلغ بنياتهم المعرفية أرقى حال لها، عبر تعلمهم مع البطلة الأكثر رشاقة في القصة، التفكير في المجردات، و التحليق مع "تقاسيم" و "رنات" مفاهيم القيم الأخلاقية و الجمالية و المعرفية.... و الإنسانية الرفيعة، و التشبّع بها.
و أي مسعى، تعليمي و تربوي يمكن أن يكون لمدرس/ صاحب رسالة، أكبر و أسمى من هذا ؟ !.
- مراجع العمل:
- Biggs (J) and Collis (K):Evaluating the quality of learning -1 The Solo taxonomy- Sydney Press - 1994
2- تلزم الإشارة إلى كوننا نقصد نموذجا أمثل للمدرس/ المربي، أو المالك للصفتين الأساسيتين المطلوبتين فيه، حسب ما يصطلح عليه بالفكر التربوي الجديد: الاعتبار الذاتي (Self-esteem ) و الفعالية الذاتية (Self-efficiency) . أو "المعلم المجاوز" لا " المعلم- الوثن" بلغة نيتشه الشديدة التكثيف.
3- نشير هنا إلى كوننا لسنا من دعاة إغراق الممارسة التعليمية – التربوية بمبتكرات التكنولوجيا، و خصوصا الحواسيب. و أن هذه القناعة تفاقمت لدينا حين قرأنا أن امبراطور الصناعة الإعلامية بيل غيتز، يوم بلغت بنتاه التوأمان سن التمدرس، قرر، هو و زوجته، بعد كثير تفكير أن يسجلانهما بمدرسة من الأغلى ثمنا على وجه الأرض، تعتمد الكتابة على السبورة التقليدية بالطباشير!، و لا يعوض فيها الحاسوب التواصل المباشر. و في ذلك كثير معنى.
- Dictionnaire de Français Larousse – Edition : Larousse- - 4
1997.
- Le grand Larousse encyclopédique – édition : Larousse – Paris – 1971
5- أنظر : لسان العرب لابن منظور.
- القاموس المحيط: محمد بن يعقوب بن عمر الفيروزبادي.
- معجم اللغة العربية المعاصرة – أحمد مختار عمر- عالم الكتب –
1439ه – 2008م
6- -Oxford dictionary of education- Oxford University Press – 2008.
7- لسان العرب – مصدر مذكور سابقا.
8- جبران مسعود: الرائد – دار العلم للملايين- بيروت- 1992.
9- - Voir: Dictionnaire de Français Larousse – Editions Larousse- 1997
- Le grand Larousse encyclopédique –édition Larousse- Paris-1971
- Oxford dictionary- Oxford University Press-2012 -10 -Oxford dictionary of education- Oxford University
Press 2008
-Lire: Hanna Arendt: La crise de la culture-(principa- -11
lement le chapitre 5: Crise de l’éducation)- Traduit par Patrick Levy (dir.)- Edition : Gallimard- 1972
Et : - Daniel R. Denicola : Learning to flourish : A philosophical Exploration of liberal education- The MIT Press- 2015.
12- -Bruno Bettelheim : Psychanalyse des Contes de fees- Pocket-1986
13- -Oxford Dictionary – op- cit. 14-
-Le Grand Larousse encyclopedique – op-cit -14
15--Oxford English Dictionary- Oxford University Press- Second Edition- 1989
Le Grand Larousse encyclopedique – op-cit 15--Oxford English Dictionary- Oxford University Press- Second Edition- 1989
16-Collins English Dictionary- 13th edition-Edition Collins. - 17- -Poslinawati Mohd Roslam: The use of stories and storytelling in science teaching and learning- - https//www.researchgate.net
18- نسجل أن ما ورد من معطيات يخص المغرب، إلا أن ما يتوفر من كتابات و دراسات حول مآلات و أحوال المنظمة المدرسية بالبلدان العربية و الافريقية بعد المرحلة الاستعمارية المباشرة، يجعلنا نفترض بدرجة كبيرة من الثقة، كونها باتت تئن تحت نفس ما تترنح تحته المدرسة المغربية، وإن كنا لا نستبعد كون حال هذه الأخيرة قد يكون أسوأ من حال كثير منها، نتيجة عوامل سوسيو- سياسية تخص المغرب.
19- انظر عملنا بالاشتراك مع مجموعة من الاساتذة تحت عنوان: " التقويم البيداغوجي لدرس الفيزياء و الكيمياء بالتعليم الثانوي بأكاديمية فاس- مكناس" – المركز الجهوي لمهن التربية و التكوين – فاس- مكناس- وزارة التربية الوطنية و التعليم العالي.
20- تأكد من خلال طبيعة أسئلة التقويم بمختلف أصنافه أن الاختلالات لا تخص المتعلمين و حدهم، بل تشمل المدرسين أيضا. إذ أن تلك الأسئلة موجهة لقياس مهارات أدنى مما يفترض قياسه عند هؤلاء المتعلمين في مستاهم التعليمي، مما يكرس عجزهم.
21- Banister, F. and Ryan, C : Developing Science Concept -
Through Storytelling- in :School science Review
- 83- p:76 .2001.
22- Banister, F .and Ryan , C.: Op- cit- p:79 - 23- Lemk , J. L. : Talking science : Language, learning and -
Values- Ablex Publishing- Corporation –
Norwood , New Jersey- 1990- p:1
24- Lemk, J. L.: Op- cit. p:134 -
25- :136 Lemk, J. L.: Op- cit. p-
26- Mallan, K.: Children and storytelling – Australia : Primary -
English teaching Association- The reading teacher
- 47. P: 49
27-Wells, G. : The meaning makers: children learning language
and using language to learn- London : Houder
and Stoughton – 1987. P: 131
28- Wells, G. : Op- cit- p: 181 -
29- -Norris,S.P. and alt. : A theoretical framework for narrative explanation in science- Science
Education, -89- pp:535-536 -
30- كم هو رائع و مفيد أن ينفتح أساتذة العلوم في سياقنا على الكتابات الإبداعية عموما، لربط دروسهم بالحياة، و للإفلات مما يسميه الألمان ب"التقنيين الأغبياء" .
31- Mikhail Bakhtine : in : Solomo, J : Science, Storie and -
Science texts: What can they do for our students?
- studies in science Education – 37-p.p.:85-105
32- Guadamillas Gomez :Supporting literacy in English as a -
second language – in: Docencia e investigation
– N°:25- p.p.:91- 105
33- Guadamillas Gomez: Op-cit . – p: 97. -
34- Ray, Blaine, Seely Contee: Fluency through TPRS: -
Achieving real language acquisition in school
H th edition – 1994.
35- ديرار عبد السلام : الفلسفة درسا و تهديد المزالق- في روح الفلسفة بمعناها الجديد و مكر المؤسسة – مجلة "علوم التربية "- عدد:53
36- William Kilpatrick and al.: Books that build characters: -
A guide to teaching your child moral values
through stories- Touchstone ed.- 1994.
And : Philosophy of education – New york- Mac Millan - 1951
37- Rheta Devries and Betty Zan : Moral classrooms, Moral -
children : creating a construvist atmosphere
in early education – Theachers College
Press- 1994.
38- Michele Borda: Tips for building moral intelligence in -
Students- curriculum Ruview – Volume 42-
Issue 7- 2003
39- Michele Borda:Building moral intelligence – Willey ed. -
John and sons – 2001
40- Henri Gougaud et Bruno De La Salle : Le murmure des -
Contes – Ed. Descellée –La libre Belgique .
2002.
41- Gabriel Matzneff : La Diététique de Lord Byron- Edition:-
Gallimard – Collection Folio – 1988.
46--Denis Guedj : Le théorème de perroquet – Edition du Seuil- 1998.
47- كان يستحسن استعمال "العالم الإسلامي" بدل "العالم العربي" لأن كثيرا من العلماء و الفلاسفة لم يكونوا عربا، بل أمازيغ و فرس و يهود...، و لكن ربما كانت للشيخ Ruch حكمته، أو حساباته، في ذلك. و نحن لم نقف عند المسألة، إلا لتأكيدنا على وعينا بتلاقح مكونات شتى أفرزت ما أفرزته.
48- نشير إلى أن الحكايات و القصص في رواية " Le théorème du perroquet "لم تغفل أي صغيرة أو كبيرة في الرياضيات منذ ميلادها إلى اليوم، بكل معادلاتها و مبرهناتها و استدلالاتها، بل و قصص و حكايات ميلاد رموزها. هي رحلة على امتداد 523 صفحة من قصص حكايات تعلّم الرياضيات، و تربّي على أنبل القيم.
49- نتوجه بكل عبارات الشكر للأستاذ المحترم العربي الطيبي،أستاذ الرياضيات و الترجمة، على ما قدمه لنا من دعم استثنائي في ترجمة الكثير من المفاهيم و المصطلحات الرياضية، و بروح جادة، إذ لم يكن يتردد أحيانا في تزويدنا بترجمة مؤقتة لمفهوم، ثم يعود يوافينا بالمطلوب بعد تمحيص و تحقق.
50- Dunne,I.B. : Bringing the story alive – Primary Science -
Review – 92 (March – April) p.p.: 22-24 – 2006.
51-Solomon,J., Scott,L,and Mc Carthy:(1992)Teaching about
the nature of science through history :action research
in the classroom- Journal of research in science
teaching – 29- p.p.:409-421.