- في تعريف الدولة
- علاقة الدولة بالمجتمع المدني
- فلاسفة العقد الاجتماعي
- هيجل
- ماركس
1 - مفهوم الدولة :
لو اعتمدنا الأصل الاشتقاقي في كلمة دولة فإننا سنقف عند اختلاف واضح بين التحديد العربي لهدا المفهوم و التحديد الغربي اللاتيني كما بين ذلك الدكتور فتحي التريكي ففي القاموس المحيط للشيخ مجد الدين الشيرازي نجد ما يلي " دال يدول "دولا و دالة صار شهرة و الدولة الحوصلة لانديالها.... وأدالنا الله تعالى من عدونا من الدولة والادالة " الغلبة " ودالت الأيام دارت و الله تعالى يداولها بين الناس و الدول لغة من الدلو وانقلاب الدهر من حال إلى حال " فهذا التحديد كما هو واضح إذن يذهب الى اعتبار الدولة أمرا متغيرا بين الناس و متداولا بمقتضى الغلبة و الشهرة , ولعل مثل هذا التحديد هو الذي يوافق عليه ابن خلدون حين يقول في الفصل 4 من المقدمة بأن " الملك يحصل بالتغلب , و التغلب يكون بالعصبية واتفاق الأهواء على المطالبة , وجمع القلوب وتأليفها إنما يكون بمعونة الله في إقامة دينه " وذلك أن الدولة حسبه ( الملك) لا تقوم بدون عصبية وغلبتها على العصبيات الأخرى " و العصبية متألفة من عصبات كثيرة تكون واحدة منها أقوى من الأخرى كلها فتغلبها و تستولي" ( الفصل 10 ) و العصبية عند ابن خلدون أنواع 3 أولها العصبية الطبيعية المنتجة للملك الطبيعي وثانيها العصبية متألفة من عصبيات السياسية و ثالثها العصبية الدينية وجميعها تحصل بالتغلب والإنفراد بالمجد لذلك ( يقول ابن خلدون فصل 23 ) " فليس الملك لكل عصبية وإنما الملك على الحقيقة لمن يستعبد الرعية ويجيء الأموال و لا تكون فوق يده يد قاهرة .. و هذا معنى الملك و حقيقته في المشهور و ما كان دون ذلك يعتبر ملكا ناقصا.. " غير أن الغلبة ليست دائمة ومستمرة للعصبية بل هي مرحلة أو طور من أطوارها لأن الدولة متغيرة بتغير حال العصية. لذلك نجد ابن خلدون يحدد للدولة أعمارا طبيعية كما للأشخاص( فصل 14 ) أو 3 أجيال الجيل الأول هو جيل سيطرة العصبية الثاني جيل تحول البداوة إلى حضارة ثم الجيل الثالث مرحلة الهرم فالدولة إذن في اللسان العربي تحدد بمحددين اثنين :
· الغلبة
· التغيير
غير أنها لا تعني الأمر نفسه في اللسان اللاتيني ( كما يبين ذلك الدكتور فتحي التريكي ) كلمة دولة يقابلها في الفرنسية état أو في الانجليزية state و تعني أنها حال لا يقبل التغيير لأن كلمةétat تقودنا مباشرة الى المدلول الفيزيائي لهذه الكلمة الذي عرفته العصور الحديثة مع مطلع الثورة العلمية و كلمة état لو تقال على الجسم الطبيعي إنها تعني " حال مستمر " كما ورد في العبارات المختلفة لما يعرف بمبدأ العطالة من الجسم يبقى مستمرا على حاله التي هو عليها سكونا كان أو حركة مالم يتدخل جسم آخر يتغير من هذه الحال.. و الدولة من نفس هذا المنظور الحداثوي هي جسم سياسي يبقى على حاله و لا يتغير فهو حال مستمر وهذا يوحي بكون التصورات السياسية المنظرة للدولة منذ ماكيافيلي وخاصة مع جماعة العقد الاجتماعي قد أصبحت تطالب العلوم و الفلسفة بالاستقلال والانفصال عن الدين ذلك هو التصور الذي سينظرله هوبز و سبينوزا و روسو و جول لوك بل و حتى منذ ماكيافيللي الذي كان يغدق نصائحه للأمير باعتباره تجسيما للإنسان الآدمي نتاج المجتمع يخاطبه هكذا " أيها الأمير يتعين عليك أن تكون ثعلبا حتى تستطيع أن تتعرف مواقع الأفخاخ وأن تكون أسدا حتى يكون في مكنتك أن تخيف الذئاب " وحتى يكون كذلك هذا الأمير و يحافظ على سلطته و استمرارا يجب أن لا يتحلى بصفات الرحمة و الرأفة الزائفة و التدين إذ قد يضطر الأمير أحيانا من " أجل الحفاظ على الدولة أن يسلك ضد الإيمان و ضد الرحمة و ضد الإنسان بل وضد الدين ذاته " ولكن " من الضروري أن تبدو للناس كما لو كنت حاملا لكل هذه المزايا" أي مزايا الرأفة و الرحمة و التدين . ( كتاب الأمير – طبعة فلاماريون- باريس 1980 ص 165 فلكي تستمر دولة الأمير يجب أن تأسس ضمن فهم حديث للمجتمع و لمنزلة الأمير الاجتماعية بوصفه إنسانا مخلوقا آدميا و هو ما يبشر بتلك الثورة السياسية الفكرية على فكرة الحق الالاهي المقدس للملوك الأمر الذي يجعل من مشروع ماكيافيللي مشروعا بحجم ضخامة و خطر مشروع معاصره البولندي نيقولا كوبزنيك في علم الفلك ، لذلك سنعتبر أن الدولة في المفهوم الغربي الحديث هي مفهوم ثابت ينظر لها من حيث شكل و محتوى لا يتغير منها سوى طبيعية العلاقة بين الشكل و المحتوى و هذا ما سنفهمه خاصة في نقد هيجل لفكرة العقد الاجتماعي و في نقد ماركس لطبيعة العلاقة بين الدولة و المجتمع المدني.
2- الدولة و المجتمع المدني :
2- 1 طبيعة العلاقة عند جماعة العقد الاجتماعي مرحلة التأسيس للعلاقة :
تعتبر تنظيرات الفلاسفة التعاقديين ( ق 17 – 18 ) التنظيرات التي تأسس للعلاقة بين الدولة كأداة لممارسة السيادة و السلطة السياسية و المجتمع المدني باعتبارها تجمعا مدنيا ( تواضعا ) اصطناعيا الأفراد بمقتضى الرغبة و الاتفاق و ذلك لكون هذه التنظيرات تبحث عن أساس السيادة في الأفراد ذاتهم حتى لا تبقى متعالية عليهم كما كانت في العصور الوسطى بمعنى آخر أن الجماعة العقد الاجتماعي إنما كانوا يرفضون قيام دولة كشكل فارغ متعالي عن الأفراد و متعارض معهم كما كان الأمر بالنسبة للدولة الدينية القائمة على فكرة الحق الالاهي المقدس للملوك باعتباره شكلا فوقيا يتم وفقه اغتصاب الحق الطبيعي للأفراد لذلك يكتب جان جاك روسو في الجملة الأولى من كتاب العقد الاجتماعي " أريد أن أبحث فيما إذا كانت توجد في النظام المدني قاعدة للحكم تكون قاعدة شرعية و ثابتة معا قاعدة تأخذ البشر على نحو ما هم عليه و تأخذ القوانين على النحو الذي يلزم لها أن تكون عليه " ومن الواضح أن ما يعنيه القول بالبحث " في النظام المدني " هو البحث خارج نقيض هذا النظام أي خارج النظام الكنيسي و هي إعلانا صريحا عن العزم الأكيد على القطع مع النظام القديم و توقيعا على عقد ميلاد المجتمع المدني "
ميلاد المجتمع المدني :
ان ميلاد " المجتمع المدني " لم يكن ليتم تصوره باعتباره حالة انتظام الأفراد إلا بتصور حالة نقيض هي اللا انتظام حالة الفوضى البشرية باعتبار أن حالة للانتظام هذه هي حالة بشرية اتفاقية تفترض وجود كائنات عاقلة مجردة من طبيعتها " أي بشرا اصطناعيين بلفظة هوبز لا كائنات طبيعية.. وذلك بالعودة الى فهم الإنسان ذاته آليات فعله و سلوكه و أفعاله و انفعالاته لنفهم تشكل هذه الدولة المدنية من أرادات الأفراد أنفسهم باعتبارها نتاج طبيعي لتلك الإرادة.
وحالة الطبيعة كما يتفق على وصفها أغلب الجماعة ما عدى روسو هي حالة حرب وعدوان هي حالة وحشية حالة تسيطر فيها الأهواء و النزعات باعتبار كل فرد يسعى الى المطالبة بالحفاظ على حقه الطبيعي في البقاء و الحرية هذه الرغبة conatus هي أصل جميع تلك النزاعات بفعل تعارض رغبات الأفراد و هو ما يولد " حالة حرب الكل ضد الكل ". كما يقول هوبز و هي الحالة التي يكون فيها " الإنسان ذئب للإنسان " و ذلك لأن " من يريد الغاية تلزمه الوسيلة. كذلك وهذه الحالة تسيطر فيها حالة الخوف الدائم من الموت باعتباره الانفعال الأقوى الذي يدفع الناس باستمرار الى التفكير ثم التخلص من هذه الحالة سواء تصورناها على أنها حالة عدوان أو حالة حرية كما عند روسو فهي الحالة التي يظهر فيها الإنسان مجردا من مدنيته إنسانا طبيعيا لا يتسلح سوى بحقوقه الطبيعية ( حقه في الحرية باعتباره الحق الأسمى و حقه في الملكية و حقه في البقاء ) ليست سوى حالة افتراضية تصورية لا تنم إلا عن قصد تجاوزي للسلطة الكنيسية و كأن جماعة العقد الاجتماعي أرادوا قطيعة كلية مع العصور الوسطى كلها و تصورها حالة " ليست من الدهر " بالنسبة للإنسان الحديث حالة ظلم رهيب يتآكل فيها في غياب فعلي و سياسي لحاكم يعبر عن إرادتهم .
فالحق الطبيعي للأفراد ليس حقا مضمونا داخل الأنموذج الكنسي للدولة لكونها دولة ضد الفرد ضد الحرية و ضد الإنسان فالحقوق الطبيعية التي يؤكد عليها جان لوك مثلا هي بدرجة أولى حق الملكية و يعني هذا الحق بلفظة لوك " أن لكل امرؤ حق امتلاك شخصه حتى لا ينازعه فيه منازع ".
( في الحكم المدني ص 212 بيروت 1956)
لذلك " فالسلطة السياسية – يقول لوك – ليست سوى تلك السلطة التي كان يتمتع بها كل امرىء في الطبيعي فتخلى عنها للجميع و من خلاله للحكام الذين نصبهم المجتمع كأولياء عليه مشترطا عليهم هذا الشرط صراحة أو ضمنا و هو: استخدامها من أجل خيرهم و حماية أملاكهم " ( نفس المرجع )
لذلك ينبغي أن يدرك المتعاقدون و الحكام على السواء انه " يستحيل قيام مجتمع سياسي أو استمراره مالم يسند إليه وحده سلطة المحافظة على الملكية و على معاقبة من يسطو عليها في المجتمع " ( نفس المرجع ) .
فلإنسان في حالة الطبيعة إذن إنسان انفعالي إنسان خائف كما يصفه هوبز " فعند مواجهته للموت يكون الهرب حركته " كما يقول روسو و ذلك لكونه بحكم الطبيعة يميل الى المحافظة على بقائه و على ذاته لكن هذه الرغبة تبدوا غير مضمونة في حالة الطبيعة فيقع فريسة الانفعالات السلبية و يصبح هكذا يميل الى التآلف مع بقية الأفراد و هو ما يتم عن طريق التعاقد الاجتماعي " و العقد لا يتم إلا بالاتفاق و التواضع. فكيف نفهم أن يكون التعاقد من ناحية اضطراري و من ناحية ثانية اتفاقيا ؟ .
يمكن فهم هذه المسألة إذا عرفنا أن جميع الأفراد متساوون بالطبيعة في الحقوق و أن هذه الحقوق ثابتة تعلو عن الأجناس و الألوان و الطبائع البشرية ونقصد هنا بالحق قدرة الفرد على أن يكون فاعلا في العالم الخارجي طبقا لإرادته و ذلك باعتباره كائنا عاقلا عكس الحيوان إذ الإنسان مستطيع الى أبد للحظته الراهنة و هذا الحق نعني به الحرية إذ " الطبيعة وحدها – يقول روسو تعمل كل شيء في تصرفات الحيوان بينما يقوم الإنسان بتصرفاته بصفته فاعلا حرا " فالناس أحرار باعتبارهم كائنات عاقلة غير إنهم في حالة الطبيعة تركوا عرضة للانفعالات و هو ما لوقعهم في ذلك الصراع الرهيب الذي لا مهرب منه سوى تغليب العقل على هذه الانفعالات باعتباره أساس الاتفاق و التفاهم بين الناس كما سيرى ذلك سيبنوزا إذ يكتب في الفصل الرابع من الأخلاق " و بقدر ما يعيش الناس متبعين العقل تتفق طبيعتهم دائما بالضرورة " و كلما اتسع نطاق ممارسة المرء لعقله و معرفته لطبيعة الأشياء زالت الحواجز بينه و بين الآخرين بحيث أن " ما يرغبه الشخص الذي يتبع الفضيلة لنفسه. يرغبه أيضا لغيره و تقوى رغبته هذه بقدر ما تزداد معرفته لله " و هكذا فان من يسترشد في
حياته بالعقل يكون مصدر خير و نفع دائم لغيره من الناس " فليس انفع للإنسان في الطبيعة من إنسان يعيش متبعا للعقل " يكون مصدر خير و نفع دائم لغيره من الناس: " فليس أنفع للإنسان في الطبيعة من إنسان يعيش متبعا للعقل "ذلك لأن يسعى الإنسان الى نفعه الخاص إذا استرشد بالعقل يغدو في الوقت ذاته سعيا الى نفع الآخرين. و هكذا يكون الحل التعاقدي القائم على العقل حلا اتفاقيا عقلانيا إراديا ينبع من إرادة الأفراد جميعا " و كأن كل امرىء يخاطب غيره بقوله " إنني قد تنازلت له عن حقي في أن أسس شؤوني بنفسي شرط أن تتنازل مثلي عن حقك و أن تقبل كل فعل صادر عن هذا الرجل أو عن هذا المجلس " كما يقول هوبز غير أن هذا الفعل التلقائي مدفوع في الواقع بغلبة الانفعالات السلبية المسيطرة على الإنسان و كأن الإنسان يضطر الى التوقيع على العقد.
بالفعل انه حل اضطراري لأن الإنسان سيكون مضطرا الى التنازل عن حقوقه مقابل تحقيق الأمن و السلام في ظل النظام المدني و كأنه يجد نفسه أمام معادلة صعبة إما الحرية أو البقاء غير أنه يفضل البقاء مقابل الحرية أي يبادل السلام بالحرية و لكن هل خيازة السلام معناها فعلا التنازل عن الحرية ؟ إذ قلنا أن الحرية هي أن يكون الإنسان عبدا لأحد أو هي ما يناقض العبودية و قلنا أن العبودية معناها أن يتنازل الفرد عن حقوقه لصالح فرد آخر بموجبها يصبح خاضعا له خضوعا دائما فان ما يتم في " العقد الاجتماعي " في الواقع ليس تنازل فرد لفرد آخر بل يتنازل الفرد للجميع كما في صيغة عقد هوبز " إنني قد تنازلت عن حقي في أن أأسس شؤوني بنفسي شرط أن يتنازل مثلي عن حقك" فهو إذن تنازل جماعي بموجبه لا يكون الإنسان عبدا لإنسان بعينه بل عبدا للجميع لأنه كما يقول جان جاك روسو إذا منح كل واحد نفسه للمجموعة كلها فانه لم يمنح نفسه لأحد و لما لم يكن ثمة شريك لا يمنحها نفس الحقوق التي وهبناها إياه فمنها ما يساوي عزمنا كله و مزيد من القوة للحفاظ على ما هو حاصل لدينا" . و هذا ما يناسب الحرية الحقيقية لأنه " عندما لا يكون هناك سيد فان الكل سيد و حيث الكل سيد فالكل عبيد " كما يقول بوسييه فمطلب السلام يتضمن مطلب الحرية باعتباره يتطابق مع العقل لذلك يقول هوبز " ليس ضد العقل أن يفعل الإنسان كل ما في استطاعته لكي يحافظ على جسده و أعضائه من الموت و الألم معا. و ذلك الذي لا يضاد العقل هو ما يسميه الناس حقا أو عدلا أو حرية غير مذمومة في استغلال قوانا و قدراتنا الطبيعية.. فمطلب السلام هو إذن مطلب الحرية هذا المعنى غير أننا نتحدث هنا عن حرية عملية مدنية غير الحرية الطبيعية التي للإنسان في حالة الطبيعة.
2 – 2 من المجتمع المدني الى الدولة:
يعرف هوبز الدولة بأنها " شخص أوحد على نحو يجعل جمهورا غفيرا من الناس يقيمون فيما بينهم عقودا تعاهد عليها كل فرد منهم مع غيره من عناصر المجموعة لكي يستطيع هذا الشخص أن يصرف قوى الجميع و ثرواتهم على الوجه الذي يراه مجديا لضمان ما يتبقى لهم من سلام و قدرة على مدافعة الأعداء" فهو مدينة أو civitas أو جمهورية respublica أو هي اللويتان هذا التنين أو أن شئنا هذا الإله الفاني فاعتبار أن هوبز يجعل من الدولة ما يعوض سلطة الإله في الأرض و التنين liwyathan كلمة عبرية معناها الملتف أو الملتوي و قد وردت بكثرة في أسفار العهد القديم ووردت في سفر أيوب يصفها أوصافا مرعبة فهي حية كبيرة أو وحش مقدس" إذا عطس بعث نورا عيناه كهدب الصباح و من فيه تخرج مصابيح شرر نار تتطاير منه ... يشرف على كل متعال و هو ملك على بني الكبرياء " ( سفر أيوب 14 – 22 ) يتصف بصفتين أساسيتين: القدرة العظيمة و القداسة و هما صفتين لو تأملنا جيدا صفتين لا تطلقان إلا على الإله و كأن هوبز يسحبهما عن الله ليضعهما في دولته، أو قل لينزل الله الى الأرض: ليكون إلها بشريا هذه المرة, و لا يمكن تصور الدولة إلا بهذه القدرة العظيمة التي يفضلها تحقق السلام، و تضمن استمرار المدينة، غير أنها مع لا تبقى متعالية على الأفراد، على المجتمع المدني بل تنبع منهم، من إرادتهم و من رغبتهم في حاكم ينزع بعضهم عن بعض فهي بهذا التطور إنسانا اصطناعيا، كليا، تعبير عن الإرادة العامة للمجتمع، يقول هوبز " بالصناعة ينشأ هذا التنين العظيم المسمى جمهورية أو دولة، و الذي يأبى إلا أن يكون إنسانا اصطناعيا، و أن ذا شأن و قوة أكبر من الإنسان الطبيعي، فانه أنشء و صور بغية حمايته " ( كتاب التنين )
فالدولة إذن بهذا المعنى هي تعبير عن " الإرادة العامة " للأفراد ( حسب روسو ) فهي تنبع من الأفراد أي من المجتمع المدني، باعتباره جملة الارادات الجزئية الفردية المتوحدة في إرادة واحدة عامة، أو كلية ( بلفظة هيجل).
هل من تعارض بين الدولة و المجتمع المدني ؟ ليس هناك تعارض بينهما عند جماعة العقد الاجتماعي، إذا فهمناها من زاوية الإرادة، بمعنى أن إرادة الفرد ( المنفعة ) تصبح نفسها إرادة الدولة ( العدالة ) ، و مع الدولة تحقق الاتحاد بين بني الدولة و بني المجتمع المدني ، بين المنفعة و العدالة إذا استعملنا لغة روسو كما نجده يصرح بذلك في الجملة الثانية من العقد ، عن الاقتران بين الحق و المنفعة يقول " حتى لا تكون العدالة و المنفعة قط على طرفي نقيض " كما ظلت في العصور الوسطى فالدولة – دولة السيادة- هي التي تحقق التوافق بين العدالة و المنفعة ، أي بين مصلحة الفرد و مصلحة الكل ، نجد روسو في حديثه عن " الإرادة العامة " يحدد لها شرطين : الأول أن " في الامكان أن تقبل التجزئة للسبب نفسه الذي يستحيل أن يكون بموجبه محل تنازل أو تفويت و لا يخلو الأمر من اعتبارين : فإما أن تكون الإرادة عامة و إما أنها تكون على خلاف ذلك؟ إما أن تكون إرادة الشعب برمته و إما أن تكون إرادة جزء منه فحسب. فأما في الحالة الأولى فإنها تكون تعبيرا عن السيادة فهي تفعل فعل القانون. وإما في الحالة الثانية فان الإرادة المعلن عنها لا تكون سوى إرادة خاصة فهي لا تعدو أن تكون قرارا أو مرسوما " ( 63 – 63 الطبعة الفرنسية ). لكن لو تأملنا الشرط الثاني جيدا نلاحظ أن روسو يبقي على الخلاف بين الإرادة العامة و الإرادة الخاصة ( الفردية ) و لعل ذلك ما سيمثل جوهر نقد هيجل له فيما بعد. غير أن الفرد يشعر, و هذا هو القصد الروسوى أن مصلحته تتحول الى مصلحة الكل, لأن " من يهب نفسه للجميع لا يهب نفسه لأحد ما " حسب روسو, غير أننا لو ذهبنا الى أبعد من هذا الحد, سنكشف أن روسو يعترف بأن حالة المدنية هي فساد الطبيعة الخيرة للإنسان ف" الإنسان الاجتماعي حيوان فاسد " كما يقول روسو, و هكذا نصل الى أن الدولة تتعارض مع مصلحة الفرد المتمثلة في حريته لأن " الناس يولدون أحرار دوما - كما يقول روسو في الجملة الأولى من العقد الاجتماعي – و في كل مكان هم مكبلين بأغلال " غير أن إنسان العقد, يكون مستعدا للتنازل عن هذه الحرية مقابل ضمان السلام, كما رأينا ذلك مع هوبز أو من أجل ضمان حق الملكية كما رأينا ذلك مع جون لوك " فالمواطن هو من ينفذ بناءا على أوامر الحاكم أفعالا تحقق المصلحة العامة و بالتالي مصلحته الشخصية " ( سبينوزا t.t.p حسن حنفي ص 384
) وسنعود لفهم هذه المسألة بشكل أوضح في نقد هيجل للعقد الاجتماعي.
2 – 3 علاقة المجتمع المدني بالدولة – عند هيجل
مرحلة التشريع للعلاقة :
ينطلق هيجل من واقع جديد غير الذي انطلق منه جماعة العقد, فعصر هيجل هو عصر يكون الدولة تكونا فعليا في التاريخ ( قرن 19 ) ( دولة بروسيا – دولة بونابرت ) أما عصر فلاسفة العقد فهو عصر التنظير النظري للدولة, فهم يبحثون في ما يجب أن تكون عليه الدولة – السيادة – أما هيجل فيبحث في الدولة كما هي واقعة, بالفعل في التاريخ ( هيجل يبحث في ما هو كائن لا في ما يجب أن يكون ) هذا الاختلاف في المنطق يؤدي الى اختلاف في تصور العلاقة بين الدولة و المجتمع المدني, غير أن العلاقة تبدو للوهلة الأولى غامضة, و متضاربة إذ نجد هيجل يصرح بموقفين الأول يقول بالاتحاد و الاندماج المطلق بين الدولة و المجتمع, و الثاني يقول باختلاف بين الدولة كإرادة كلية و الفرد كإرادة جزئية فكيف نفهم هذه المقارنة ؟ هل تعني تناقضا ليست في الواقع تعني تناقض في النص الهيجلي بل أن هيجل ينطلق من موقف ثابت هو القائل بالاندماج و الاتحاد بينهما, ليدلل على هذا الموقف تدليلا منطقيا, فهو يرى أن هناك خلط و اندماج من ناحية باعتبار أن الدولة تحقق و تضمن حرية الأفراد و تضمن ملكيتهم و تحميها , و بذلك تكون متماشية مع غاية الفرد , و من ناحية ثانية يقول أن الفرد يمثل الإرادة الجزئية الفردية المتعارضة مع إرادة الدولة الكلية و هذه الإشكالية تفهم , لو عرفنا أن المجتمع المدني عند هيجل ليس سوى عامل يتكون في الدولة و انه لا يظهر إلا بظهورها , ففي المجتمع المدني تظهر مؤسسات مثل المحاكم – الشرطة و النقابة وهو ما يثير الاستغراب و التساءل ان كانت هذه المؤسسات لا تظهر في الدولة ؟ و لماذا تلحق بلون معين مع المجتمع المدني ليس هو الدولة ؟ .
و الجواب هو أن هيجل لم يفترض إطلاقا أن هذه المؤسسات و المنظمات يمكن لها أن توجد بدون الدولة اذ المجتمع المدني هو نفسه عنصر مكون للدولة, و إذا نظرنا إليه بمعزل عنها يكون مجرد تجريد محض لذلك , فمن الضروري , باعتباره تجريد أن يظهر في السير المنطقي قبل الدولة على الرغم من كونه يظهر في الزمان بعدها , لذلك تبقى المحاكم , الشرطة , النقابة تنتمي الى هذا الجانب المجرد للدولة الذي سماه هيجل المجتمع المدني . فالمجتمع المدني يمكن أن يتميز منطقيا عن الدولة فقط ( لا فعليا ) حين يكتمل نموها رغم أنه لا يوجد بدونها. فهو ببساطة ذلك الجانب المجرد من الدولة الذي ينظر له فيه على أنه مجتمع للأشخاص مستقلين يبحثون جميعا عن غاياتهم ( الفردية الجزئية ) غير أنهم يبلغون هذه الغايات لا مستقلين عن بعضهم البعض بل عن طريق بعضهم البعض ( الغاية الكلية ) يقول هيجل: " ان الاتحاد في ذاته لهو نفسه المحتوى الحقيقي و الغاية الحقيقية, إذا أن مصير الأفراد أن يحيوا حياة كلية, و كل مسراتهم الشخصية الأخرى...لها هذا الواقع الجوهري الكلي الذي هو منطق و غاية في آن ". و هكذا يصبح الفرق بين المجتمع المدني و الدولة هو كون الفرد ينظر لنفسه في المجتمع على أنه غاية وحيدة لدرجة أنه يصبح غاية جزئية, في حين أنه في الدولة التي تعد غاية أعلى يوجد الفرد من أجلها غاية كلية.
2 - 4 كيف ينقد هيجل هذه العلاقة في نظريات العقد الاجتماعي :
يعتقد هيجل أن محاولة جماعة العقد الاجتماعي تبدو ايجابية, لما كان عليه واقع التفكير السياسي آنذاك أي واقع السلطة الكنيسية الثيوقراطية المطلقة القائمة على فكرة الحق الالاهي المقدس للمملوك و هي الفكرة التي نجح هؤلاء الفلاسفة بالقضاء عليها و تعويضها بفكرة السلطة البشرية القائمة على الاتفاق غير أن هذه المحاولة الجزئية, بقيت رغم أهميتها التاريخية تحتفظ بالفصل الجوهري بين الدولة و المجتمع المدني, لذلك ما كان لهم أن يوحدوا بين الإرادة الكلية ( الدولة ) و الإرادة الجزئية ( المجتمع ) إلا عن طريق التعاقد الاجتماعي فهذه التصورات جميعا ( إضافة لموقف فيخته و حتى هربرت سبنسر ) تقيم فصلا بين الأفراد ( الجزئي ) و الدولة ( الكلي ) وتعتقد أنهما متعارضان تعارضا تاما, و أنهما مبدأين متضادين لا يمكن الربط بينهما إلا عن طريق العقد.
فإضافتهم حسب هيجل تتمثل في كونهم لم ينظروا للدولة كمجرد شكل فارغ كما كانت في العصور ( الحق الالاهي ) الوسطى منزلة على الأفراد, بل تقوم كذلك على فكرة هي فكرة الإرادة يقول هيجل " يجب أن يشهد لروسو بالفضل لأنه أسس للدولة مبدأ لا يقوم على شكل فحسب... بل يقوم كذلك من حيث محتواه على الفكرة الفاعلة ذاتها, أي الإرادة " غير أن هذه الإرادة بقيت فقط مجرد إرادة فردية جزئية, و هو ما يبقى على التعارض قائما بين الإرادة الفردية ( الجزئية = الفرد ) و بين الإرادة الموضوعية ( الكلية = الدولة ). و لكن حسب هيجل أن الكلي و الجزئي مجرد عوامل للفكرة الشاملة العينية, و أنهما ليسا متضادان إلا بقدر ما يكونان متحدين. إذ أن غاية الدولة هي نفسها غاية الفرد = كلاهما كلية. فوحدتهما تتحقق في الاختلاف, فالدولة من منظور العقل إذن هي الهوية في الاختلاف, و ليس الاختلاف يفهم إلا بكونه اختلافا منطقيا فقط لا واقعيا. ( هكذا يعدو الجزء و الكل ( الدولة و الفرد ) هما وجهي الفكرة الكلية المحققة في التاريخ ( الدولة ), وتصبح الدولة بهذا المنظور هي الشكل الأسمى لتحقق الحرية, إذ هي " تحقق الفكرة الأخلاقية " أو هي العقل في ذاته ولذاته " كما يقول هيجل, و تصبح بالتالي هي الفرد الحقيقي و قد تحقق و تموضع و أصبح خالدا, لأن جوهر الفرد هو الكلي على الحقيقة , و الدولة هي الكلي المتحقق بالفعل , و بالتالي فهي الفرد و قد تحقق بالفعل و تموضع . و هكذا لا تعود الدولة ما يناقض الفرد, و شيئا غريبا يفرض عليه من خارج و يتعارض مع حريته, بل على العكس هي الفرد ذاته, و فيها وحدها يحقق الفرد فرديته و حريته.
2 - 5 علاقة الدولة بالمجتمع المدني عند ماركس و الماركسيين :
نقد العلاقة بين المجتمع المدني و الدولة :
سنعتمد هنا موقفين اعتبراهما متكاملين و ضروريين لفهم طرح المسألة بعد هيجل, الأول لماركس نفسه من خلال مؤلفين " العائلة المقدسة " و كتاب " رأس المال " و الثاني لأنجلز من خلال أصل العائلة و الملكية الخاصة و الدولة.
ماركس: طرح ماركس مسألة العلاقة بين الدولة و المجتمع المدني منذ فترة عمله في الجريدة الرينانية, حين أكد أن المعبر الأصل الوحيد عن المصالح العامة أنها هي الدولة كممثل للشعب, غير أنه سيتخلى عن هذا الموقف فيما بعد, منذ صدور الايديولوجية الألمانية, و كتاب " مساهمة في نقد فلسفة الحق " يمكن هنا أن نقف بأكثر تفصيل على موقف ماركس من خلال عملين:
أ- كتاب العائلة المقدسة: أو كتاب " نقد النقدي ضد برينوباور و شركائه " الصادر سنة 1845, و هو كما يدل على ذلك اسمه, كتاب نقدي موجه ضد الاخوة باور, يطرح هذا الكتاب, مسألة شغلت بال الفلاسفة و السياسيين آنذاك في ألمانيا هي المسألة اليهودية " la question juive و المتمثلة في مطالبة اليهود للدولة الألمانية بحمايتهم كيهود, ثم ما عرف بعدها بمطالب الحركة الصهيونية " اليهودية اثر مؤتمر بازل بسويسرا نتيجة ما يتعرض له اليهود من " اضطهاد " في أوروبا الشرقية, و يرى برينوا باور و أتباعه أن طرح اليهود لهذه المسألة بهذه الطريقة لا يحل المسألة بل يعقدها, لأن الدولة الألمانية التي يلجأ إليها اليهود لحمايتهم ( ألمانيا ) هي ذاتها غير حرة, أي غير قادرة على حماية نفسها, و ذلك لأنها دولة الأغلبية المسيحية, فكيف نطلب منها أن تحمي أقلية يهودية في حين أنها لم توفر الرعاية اللازمة لرعايتها المسيحيين الذين يشكلون الأغلبية. غير أن عملية الاندماج هذه التي يطالب بها اليهود لا تحل قضيتهم حسب باور لأن الاندماج يعني اعتناق عقيدة الأغلبية, في حين يطالب اليهود باندماجهم مع محافظتهم على يهود يتهم, أي على المحافظة على مصالحهم المادية لذلك يظهر الحل الأمثل لليهود يمثل خاصة في إنجاز دولة, و ذلك يعني تخليص الدولة الألمانية من الدين, ليتحول الدين من مسألة دولة الى عقيدة شخصية في نطاق المجتمع المدني.
و يرى ماركس, أن أطروحة باور رغم أهميتها بالنسبة للفكر السائد, إلا أنها تبقى حلا منقوصا, لكونه لم يعالج المسألة ( اليهودية ) من جذورها, و جذورها ليست في علاقة الدين بالدولة بل في التناقض الموجود بين الدولة من جهة و المجتمع المدني من جهة أخرى. و بقاء هذا التناقض هو علة استمرار التناقض بين السماء و الأرض " كما يقول ماركس, و حل التناقض الأول يمكن من حل التناقض الثاني ضروري, أي أن حل الاغتراب السياسي يؤدي الى الاغتراب الديني و ليس العكس, لذلك فان الحل الذي اقترحه برينو باور و المتمثل في الفصل بين الدين و الدولة هو حل وهمي حسب ماركس يبقى على المسألة قائمة دون حلها إذ يؤدي الى انفصام الإنسان ذاته, الى إنسان أناني يملك طبيعية و إنسان مواطن متخلص من كل أنانيته, و يؤدي الى اغتراب الإنسان ذاته, بإبقاء الفصل بين الدولة و المجتمع المدني, و يبقى بذلك الدين لا مجرد مسألة شخصية بل أساس من أسس الدولة, و هو يؤدي الى عدم تحرر الدولة ذاتها, و هكذا نصل الى نقطة الانطلاق دون حل.
و يرى ماركس في رده على هذا الحل, أن تحرر الدولة لا يتم إلا بتحررها من العقيدة و الملكية و هو ما قدرت الدولة البرجوازية على إنجازه, رغم أن المجتمع المدني البرجوازي يبقى متخلفا, لا يتلاءم مع التطور الذي وصلت إليه الدولة, لذلك يجب حل التناقض بينها و بين المجتمع المدني, و هو ما لا يتم إلا بتحرر المجتمع المدني نفسه, و تحرر المجتمع المدني يعني ضرورة حسب ماركس إلغاء الملكية و الدين من الأساس, أي القضاء على الفردية و الأنانية الإنسان في المجتمع, و هكذا يتحقق اندماج الإنسان في المجتمع المدني و في الدولة, و يتحقق الإنسان الجذري بذوبان المجتمع المدني في محتوى الدولة المعاصرة.
ب – كتاب رأس المال الصادر سنة 1867, و قبله كتاب " المساهمة في نقد الاقتصاد السياسي " الصادر سنة 1859, يتعرض فيهما ماركس الى نقد نظريات " العقد الاجتماعي البرجوازية " التي ترى أن العقد هو وثيقة اتحاد تجمع ذاتين مالكتين, الحاكم و الشعب, و هما ذاتين حرتين تسعيان للعقد تلقائيا, بحكم الاتفاق العقلي. غير أن ماركس يذهب الى أنهما ذاتين مالكتين نعم و لكن أحداهما تملك وسائل الإنتاج و هم البرجوازيين و الثانية تملك قوة عملها و هو العمال , العلاقة بينهما تتمثل في بيع قوة عمل العامل للبرجوازي , و جوهرها لا كما يعتقد فلاسفة العقد الاجتماعي هي المساواة و الحرية لتحقيق الأمن و السلام , بل على العكس يقوم على الاستغلال : كما بين ذلك ماركس في كتاب " رأس المال " و هو ما يعني أن نظريات العقد حسب ماركس ساهمت بشكل فعال في تغطية هذا الواقع القائم على الاستغلال و التشريع لذلك
ويبقى الحل حسب ماركس يتمثل في تحقيق الانسجام بين المجتمع المدني و الدولة, و ذلك بذوبان الدولة هذه المرة في المجتمع المدني بعد أن يحل هذا الأخير التناقض الذي يشقه بين الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج من جهة و العمال المنتجين المباشرين من جهة ثانية. و هكذا يتعاكس الحل الذي يقدمه ماركس في رأس المال مع الحل الذي يقدمه في " العائلة المقدسة " و ذلك كون الدولة صارت تفهم على أنها انعكاس للمجتمع المدني بما هي أجهزة ينتجها الواقع للتمويه و بالتالي للإبقاء على هذا الواقع, و ليس أنموذج للمجتمع المدني كما كانت تفهم في العائلة المقدسة: نصل إذن الى موقفين متعاكسين:
* العائلة المقدسة: ذوبان المجتمع المدني في الدولة
* رأس المال : ذوبان الدولة في المجتمع المدني
و يبقى الحل عند ماركس في كلا الحالتين, يتمثل في انسجام المجتمع المدني مع نفسه بحل التناقض القائم فيه, بين " رأس المال " و " العمل " , أو بين الملكية الخاصة و " قوة الإنتاج " , و الذي بانهياره تنهار الأجهزة المؤسسة للدولة , و هي المسألة التي سيوضحها انقلز بشكل ؟أكثر في أصل العائلة و الملكية و الدولة.
2- 6 - انجلز:
كتاب " أصل العائلة و الملكية الخاصة و الدولة ", يطرح فيه انجلز قضية العلاقة بين الدولة و المجتمع المدني, من زاوية نقده للهيغلية فليست الدولة كما كان يعتقد هيقل هي " حقيقة الفكرة الأخلاقية " و لا هي " العقل في ذاته و لذاته ", فمثل هذا التصور المثالي, لا يمكنه أن يتصور الدولة إلا على أنها متعالية على المجتمع, فهي صورة العقل و حقيقته ", و الحال أن الدولة كما يقول انجلز هي نتاج المجتمع, فهي تنشأ في فترة يتقدم فيها المجتمع قد تورط مع نفسه في تناقض يتعذر حله... " فالدولة إذن, بهذا المنظور قد ظهرت بظهور الطبقات و تصارعها, من أجل الملكية, بل يمكن أن تقول أن الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج هي الشرط الضروري لظهور الدولة, باعتبار أن الدولة ليست سوى جهاز يقنن الملكية و يحافظ عليها و يشرع لوجودها لفائدة الطبقة المالكة لوسائل الإنتاج و هكذا تتحول الدولة الى " جهاز قمع طبقة لطبقة أخرى " و هكذا تغدوا الدولة – بعد أن كانت نتاج المجتمع – غريبة عنه, لكونها أداة مفروضة على الأغلبية, جهاز الأغلبية التي لا تملك سوى قوة عملها, و تغدوا الدولة و كأنها مفروضة على المجتمع المدني, لا نابعة منه, تلك هي مفارقة الدولة العجيبة التي يعرضها انجلز في مؤلفه.
ولكن ماهي مهمة الدولة ؟ ان مهمتها حسب انجلز لا القضاء على الصراع, بل المحافظة عليها مع تلطيفه أن " واجبها أن تلطف الصراع وتحصر مجاله في الحدود التي تحفظ النظام " أي تقنن وجوده و تشرع له, بما هي جهاز طبقي. فهي بهذا المنظور " التعبيرة السياسية للصراع الطبقي " اذ هي " دولة الطبقة المهيمنة اقتصاديا و هي الطبقة التي تغدو بفضل الدولة طبقة مسيطرة سياسيا أيضا, كما يقول انجلز, أن الدولة " كجهاز " سياسي, سلطة, هي الشكل السياسي لصراع إذ مضمون اقتصادي, أنها انعكاس لهذا الصراع و تعبيره له و ذلك يعني أن الدولة هي طبقية بالضرورة وجدت بوجود الملكية الفردية لوسائل الإنتاج, قصد المحافظة على الملكية و تقنين وجودها و المحافظة عليها و إذا عرفنا " الملكية " لم توجد منذ الأزل عرفنا عنها و لا سلطة الدولة " و عليه فهي ليست أزلية بل آيلة الى الزوال, و زوالها أو بقاءها مشروط ضرورة بزوال أو بقاء شروطها, و نقصد بذلك الملكية الخاصة " أن زوال الملكية يؤدي حتما الى زوال الدولة, غير أن زوال الدولة, لا يجب أن يفهم كما يذهب الى ذلك الفوضويين " على أنه الفاء لها, بل انحلال , أن الدولة تنحل و لا تلغى لذلك تبقى الدولة " كجهاز قمع " طبقي في الطور الاشتراكي , المرحلة الانتقالي التي تبرز فيها الدولة على أنها " ممارسة لديكتاتورية البروليتاريا, للقضاء على آخر ما تبقى من النظام الرأسمالي, و القضاء النهائي على " الملكية الخاصة " و بذلك, و بزوال الملكية لن يبقى للدولة من وجود, إذ تنحل تدريجيا لتذوب في المجتمع المدني./.
انتهى
الأستاذ: الهادي عبد الحفيظ - تونس
المراجع و المصادر :
كتاب الفلسفة الشريدة: الدكتور فتحي التريكي ص 39 من مقال مفهوم الدولة في الحقل الفلسفي المعاصر – انظر أيضا مقال السلطة و العنف ص 56
القاموس المحيط للشيرازي – جزء 3 – عالم الكتب – بيروت ص 378
انجلز: اصل العائلة الملكية الخاصة و الدولة, عن دار التقدم – موسكو – ترجمة – شاهين مقال من قداسة السلطة الى تعاقد المواطنين: لسعد بن سعيد, ورد في مجلة الفكر العربي المعاصر عدد 56- 57 صادر عن مركز الإنماء القومي بتاريخ س 881 ص 28 – 34 انظر كذلك لنفس المؤلف مقال: نشأة و تطور مفهوم المجتمع المدني في الفكر الغربي الحديث, ورد في مجلة دراسات عربية
انظر كتاب: هوبز فيلوف العقلانية للدكتور إمام عبد الفتاح إمام صادر عن دار التنوير للطباعة و النشر بيروت لبنان – طبعة أولى 1985
اعتمدنا كذلك كتاب " جان جاك شيفالييه" المؤلفات السياسية الكبرى من ماكيافيل الى أيامنا – ترجمة الياس مرقص صادر عن دار الحقيقة – بيروت طبعة 2 1990
ماركس – انجلز: الأعمال الكاملة – دار التقدم – موسكو ترجمة ا شاهين
2- الدولة و المجتمع المدني :
2- 1 طبيعة العلاقة عند جماعة العقد الاجتماعي مرحلة التأسيس للعلاقة :
تعتبر تنظيرات الفلاسفة التعاقديين ( ق 17 – 18 ) التنظيرات التي تأسس للعلاقة بين الدولة كأداة لممارسة السيادة و السلطة السياسية و المجتمع المدني باعتبارها تجمعا مدنيا ( تواضعا ) اصطناعيا الأفراد بمقتضى الرغبة و الاتفاق و ذلك لكون هذه التنظيرات تبحث عن أساس السيادة في الأفراد ذاتهم حتى لا تبقى متعالية عليهم كما كانت في العصور الوسطى بمعنى آخر أن الجماعة العقد الاجتماعي إنما كانوا يرفضون قيام دولة كشكل فارغ متعالي عن الأفراد و متعارض معهم كما كان الأمر بالنسبة للدولة الدينية القائمة على فكرة الحق الالاهي المقدس للملوك باعتباره شكلا فوقيا يتم وفقه اغتصاب الحق الطبيعي للأفراد لذلك يكتب جان جاك روسو في الجملة الأولى من كتاب العقد الاجتماعي " أريد أن أبحث فيما إذا كانت توجد في النظام المدني قاعدة للحكم تكون قاعدة شرعية و ثابتة معا قاعدة تأخذ البشر على نحو ما هم عليه و تأخذ القوانين على النحو الذي يلزم لها أن تكون عليه " ومن الواضح أن ما يعنيه القول بالبحث " في النظام المدني " هو البحث خارج نقيض هذا النظام أي خارج النظام الكنيسي و هي إعلانا صريحا عن العزم الأكيد على القطع مع النظام القديم و توقيعا على عقد ميلاد المجتمع المدني "
ميلاد المجتمع المدني :
ان ميلاد " المجتمع المدني " لم يكن ليتم تصوره باعتباره حالة انتظام الأفراد إلا بتصور حالة نقيض هي اللا انتظام حالة الفوضى البشرية باعتبار أن حالة للانتظام هذه هي حالة بشرية اتفاقية تفترض وجود كائنات عاقلة مجردة من طبيعتها " أي بشرا اصطناعيين بلفظة هوبز لا كائنات طبيعية.. وذلك بالعودة الى فهم الإنسان ذاته آليات فعله و سلوكه و أفعاله و انفعالاته لنفهم تشكل هذه الدولة المدنية من أرادات الأفراد أنفسهم باعتبارها نتاج طبيعي لتلك الإرادة.
وحالة الطبيعة كما يتفق على وصفها أغلب الجماعة ما عدى روسو هي حالة حرب وعدوان هي حالة وحشية حالة تسيطر فيها الأهواء و النزعات باعتبار كل فرد يسعى الى المطالبة بالحفاظ على حقه الطبيعي في البقاء و الحرية هذه الرغبة conatus هي أصل جميع تلك النزاعات بفعل تعارض رغبات الأفراد و هو ما يولد " حالة حرب الكل ضد الكل ". كما يقول هوبز و هي الحالة التي يكون فيها " الإنسان ذئب للإنسان " و ذلك لأن " من يريد الغاية تلزمه الوسيلة. كذلك وهذه الحالة تسيطر فيها حالة الخوف الدائم من الموت باعتباره الانفعال الأقوى الذي يدفع الناس باستمرار الى التفكير ثم التخلص من هذه الحالة سواء تصورناها على أنها حالة عدوان أو حالة حرية كما عند روسو فهي الحالة التي يظهر فيها الإنسان مجردا من مدنيته إنسانا طبيعيا لا يتسلح سوى بحقوقه الطبيعية ( حقه في الحرية باعتباره الحق الأسمى و حقه في الملكية و حقه في البقاء ) ليست سوى حالة افتراضية تصورية لا تنم إلا عن قصد تجاوزي للسلطة الكنيسية و كأن جماعة العقد الاجتماعي أرادوا قطيعة كلية مع العصور الوسطى كلها و تصورها حالة " ليست من الدهر " بالنسبة للإنسان الحديث حالة ظلم رهيب يتآكل فيها في غياب فعلي و سياسي لحاكم يعبر عن إرادتهم .
فالحق الطبيعي للأفراد ليس حقا مضمونا داخل الأنموذج الكنسي للدولة لكونها دولة ضد الفرد ضد الحرية و ضد الإنسان فالحقوق الطبيعية التي يؤكد عليها جان لوك مثلا هي بدرجة أولى حق الملكية و يعني هذا الحق بلفظة لوك " أن لكل امرؤ حق امتلاك شخصه حتى لا ينازعه فيه منازع ".
( في الحكم المدني ص 212 بيروت 1956)
لذلك " فالسلطة السياسية – يقول لوك – ليست سوى تلك السلطة التي كان يتمتع بها كل امرىء في الطبيعي فتخلى عنها للجميع و من خلاله للحكام الذين نصبهم المجتمع كأولياء عليه مشترطا عليهم هذا الشرط صراحة أو ضمنا و هو: استخدامها من أجل خيرهم و حماية أملاكهم " ( نفس المرجع )
لذلك ينبغي أن يدرك المتعاقدون و الحكام على السواء انه " يستحيل قيام مجتمع سياسي أو استمراره مالم يسند إليه وحده سلطة المحافظة على الملكية و على معاقبة من يسطو عليها في المجتمع " ( نفس المرجع ) .
فلإنسان في حالة الطبيعة إذن إنسان انفعالي إنسان خائف كما يصفه هوبز " فعند مواجهته للموت يكون الهرب حركته " كما يقول روسو و ذلك لكونه بحكم الطبيعة يميل الى المحافظة على بقائه و على ذاته لكن هذه الرغبة تبدوا غير مضمونة في حالة الطبيعة فيقع فريسة الانفعالات السلبية و يصبح هكذا يميل الى التآلف مع بقية الأفراد و هو ما يتم عن طريق التعاقد الاجتماعي " و العقد لا يتم إلا بالاتفاق و التواضع. فكيف نفهم أن يكون التعاقد من ناحية اضطراري و من ناحية ثانية اتفاقيا ؟ .
يمكن فهم هذه المسألة إذا عرفنا أن جميع الأفراد متساوون بالطبيعة في الحقوق و أن هذه الحقوق ثابتة تعلو عن الأجناس و الألوان و الطبائع البشرية ونقصد هنا بالحق قدرة الفرد على أن يكون فاعلا في العالم الخارجي طبقا لإرادته و ذلك باعتباره كائنا عاقلا عكس الحيوان إذ الإنسان مستطيع الى أبد للحظته الراهنة و هذا الحق نعني به الحرية إذ " الطبيعة وحدها – يقول روسو تعمل كل شيء في تصرفات الحيوان بينما يقوم الإنسان بتصرفاته بصفته فاعلا حرا " فالناس أحرار باعتبارهم كائنات عاقلة غير إنهم في حالة الطبيعة تركوا عرضة للانفعالات و هو ما لوقعهم في ذلك الصراع الرهيب الذي لا مهرب منه سوى تغليب العقل على هذه الانفعالات باعتباره أساس الاتفاق و التفاهم بين الناس كما سيرى ذلك سيبنوزا إذ يكتب في الفصل الرابع من الأخلاق " و بقدر ما يعيش الناس متبعين العقل تتفق طبيعتهم دائما بالضرورة " و كلما اتسع نطاق ممارسة المرء لعقله و معرفته لطبيعة الأشياء زالت الحواجز بينه و بين الآخرين بحيث أن " ما يرغبه الشخص الذي يتبع الفضيلة لنفسه. يرغبه أيضا لغيره و تقوى رغبته هذه بقدر ما تزداد معرفته لله " و هكذا فان من يسترشد في
حياته بالعقل يكون مصدر خير و نفع دائم لغيره من الناس " فليس انفع للإنسان في الطبيعة من إنسان يعيش متبعا للعقل " يكون مصدر خير و نفع دائم لغيره من الناس: " فليس أنفع للإنسان في الطبيعة من إنسان يعيش متبعا للعقل "ذلك لأن يسعى الإنسان الى نفعه الخاص إذا استرشد بالعقل يغدو في الوقت ذاته سعيا الى نفع الآخرين. و هكذا يكون الحل التعاقدي القائم على العقل حلا اتفاقيا عقلانيا إراديا ينبع من إرادة الأفراد جميعا " و كأن كل امرىء يخاطب غيره بقوله " إنني قد تنازلت له عن حقي في أن أسس شؤوني بنفسي شرط أن تتنازل مثلي عن حقك و أن تقبل كل فعل صادر عن هذا الرجل أو عن هذا المجلس " كما يقول هوبز غير أن هذا الفعل التلقائي مدفوع في الواقع بغلبة الانفعالات السلبية المسيطرة على الإنسان و كأن الإنسان يضطر الى التوقيع على العقد.
بالفعل انه حل اضطراري لأن الإنسان سيكون مضطرا الى التنازل عن حقوقه مقابل تحقيق الأمن و السلام في ظل النظام المدني و كأنه يجد نفسه أمام معادلة صعبة إما الحرية أو البقاء غير أنه يفضل البقاء مقابل الحرية أي يبادل السلام بالحرية و لكن هل خيازة السلام معناها فعلا التنازل عن الحرية ؟ إذ قلنا أن الحرية هي أن يكون الإنسان عبدا لأحد أو هي ما يناقض العبودية و قلنا أن العبودية معناها أن يتنازل الفرد عن حقوقه لصالح فرد آخر بموجبها يصبح خاضعا له خضوعا دائما فان ما يتم في " العقد الاجتماعي " في الواقع ليس تنازل فرد لفرد آخر بل يتنازل الفرد للجميع كما في صيغة عقد هوبز " إنني قد تنازلت عن حقي في أن أأسس شؤوني بنفسي شرط أن يتنازل مثلي عن حقك" فهو إذن تنازل جماعي بموجبه لا يكون الإنسان عبدا لإنسان بعينه بل عبدا للجميع لأنه كما يقول جان جاك روسو إذا منح كل واحد نفسه للمجموعة كلها فانه لم يمنح نفسه لأحد و لما لم يكن ثمة شريك لا يمنحها نفس الحقوق التي وهبناها إياه فمنها ما يساوي عزمنا كله و مزيد من القوة للحفاظ على ما هو حاصل لدينا" . و هذا ما يناسب الحرية الحقيقية لأنه " عندما لا يكون هناك سيد فان الكل سيد و حيث الكل سيد فالكل عبيد " كما يقول بوسييه فمطلب السلام يتضمن مطلب الحرية باعتباره يتطابق مع العقل لذلك يقول هوبز " ليس ضد العقل أن يفعل الإنسان كل ما في استطاعته لكي يحافظ على جسده و أعضائه من الموت و الألم معا. و ذلك الذي لا يضاد العقل هو ما يسميه الناس حقا أو عدلا أو حرية غير مذمومة في استغلال قوانا و قدراتنا الطبيعية.. فمطلب السلام هو إذن مطلب الحرية هذا المعنى غير أننا نتحدث هنا عن حرية عملية مدنية غير الحرية الطبيعية التي للإنسان في حالة الطبيعة.
2 – 2 من المجتمع المدني الى الدولة:
يعرف هوبز الدولة بأنها " شخص أوحد على نحو يجعل جمهورا غفيرا من الناس يقيمون فيما بينهم عقودا تعاهد عليها كل فرد منهم مع غيره من عناصر المجموعة لكي يستطيع هذا الشخص أن يصرف قوى الجميع و ثرواتهم على الوجه الذي يراه مجديا لضمان ما يتبقى لهم من سلام و قدرة على مدافعة الأعداء" فهو مدينة أو civitas أو جمهورية respublica أو هي اللويتان هذا التنين أو أن شئنا هذا الإله الفاني فاعتبار أن هوبز يجعل من الدولة ما يعوض سلطة الإله في الأرض و التنين liwyathan كلمة عبرية معناها الملتف أو الملتوي و قد وردت بكثرة في أسفار العهد القديم ووردت في سفر أيوب يصفها أوصافا مرعبة فهي حية كبيرة أو وحش مقدس" إذا عطس بعث نورا عيناه كهدب الصباح و من فيه تخرج مصابيح شرر نار تتطاير منه ... يشرف على كل متعال و هو ملك على بني الكبرياء " ( سفر أيوب 14 – 22 ) يتصف بصفتين أساسيتين: القدرة العظيمة و القداسة و هما صفتين لو تأملنا جيدا صفتين لا تطلقان إلا على الإله و كأن هوبز يسحبهما عن الله ليضعهما في دولته، أو قل لينزل الله الى الأرض: ليكون إلها بشريا هذه المرة, و لا يمكن تصور الدولة إلا بهذه القدرة العظيمة التي يفضلها تحقق السلام، و تضمن استمرار المدينة، غير أنها مع لا تبقى متعالية على الأفراد، على المجتمع المدني بل تنبع منهم، من إرادتهم و من رغبتهم في حاكم ينزع بعضهم عن بعض فهي بهذا التطور إنسانا اصطناعيا، كليا، تعبير عن الإرادة العامة للمجتمع، يقول هوبز " بالصناعة ينشأ هذا التنين العظيم المسمى جمهورية أو دولة، و الذي يأبى إلا أن يكون إنسانا اصطناعيا، و أن ذا شأن و قوة أكبر من الإنسان الطبيعي، فانه أنشء و صور بغية حمايته " ( كتاب التنين )
فالدولة إذن بهذا المعنى هي تعبير عن " الإرادة العامة " للأفراد ( حسب روسو ) فهي تنبع من الأفراد أي من المجتمع المدني، باعتباره جملة الارادات الجزئية الفردية المتوحدة في إرادة واحدة عامة، أو كلية ( بلفظة هيجل).
هل من تعارض بين الدولة و المجتمع المدني ؟ ليس هناك تعارض بينهما عند جماعة العقد الاجتماعي، إذا فهمناها من زاوية الإرادة، بمعنى أن إرادة الفرد ( المنفعة ) تصبح نفسها إرادة الدولة ( العدالة ) ، و مع الدولة تحقق الاتحاد بين بني الدولة و بني المجتمع المدني ، بين المنفعة و العدالة إذا استعملنا لغة روسو كما نجده يصرح بذلك في الجملة الثانية من العقد ، عن الاقتران بين الحق و المنفعة يقول " حتى لا تكون العدالة و المنفعة قط على طرفي نقيض " كما ظلت في العصور الوسطى فالدولة – دولة السيادة- هي التي تحقق التوافق بين العدالة و المنفعة ، أي بين مصلحة الفرد و مصلحة الكل ، نجد روسو في حديثه عن " الإرادة العامة " يحدد لها شرطين : الأول أن " في الامكان أن تقبل التجزئة للسبب نفسه الذي يستحيل أن يكون بموجبه محل تنازل أو تفويت و لا يخلو الأمر من اعتبارين : فإما أن تكون الإرادة عامة و إما أنها تكون على خلاف ذلك؟ إما أن تكون إرادة الشعب برمته و إما أن تكون إرادة جزء منه فحسب. فأما في الحالة الأولى فإنها تكون تعبيرا عن السيادة فهي تفعل فعل القانون. وإما في الحالة الثانية فان الإرادة المعلن عنها لا تكون سوى إرادة خاصة فهي لا تعدو أن تكون قرارا أو مرسوما " ( 63 – 63 الطبعة الفرنسية ). لكن لو تأملنا الشرط الثاني جيدا نلاحظ أن روسو يبقي على الخلاف بين الإرادة العامة و الإرادة الخاصة ( الفردية ) و لعل ذلك ما سيمثل جوهر نقد هيجل له فيما بعد. غير أن الفرد يشعر, و هذا هو القصد الروسوى أن مصلحته تتحول الى مصلحة الكل, لأن " من يهب نفسه للجميع لا يهب نفسه لأحد ما " حسب روسو, غير أننا لو ذهبنا الى أبعد من هذا الحد, سنكشف أن روسو يعترف بأن حالة المدنية هي فساد الطبيعة الخيرة للإنسان ف" الإنسان الاجتماعي حيوان فاسد " كما يقول روسو, و هكذا نصل الى أن الدولة تتعارض مع مصلحة الفرد المتمثلة في حريته لأن " الناس يولدون أحرار دوما - كما يقول روسو في الجملة الأولى من العقد الاجتماعي – و في كل مكان هم مكبلين بأغلال " غير أن إنسان العقد, يكون مستعدا للتنازل عن هذه الحرية مقابل ضمان السلام, كما رأينا ذلك مع هوبز أو من أجل ضمان حق الملكية كما رأينا ذلك مع جون لوك " فالمواطن هو من ينفذ بناءا على أوامر الحاكم أفعالا تحقق المصلحة العامة و بالتالي مصلحته الشخصية " ( سبينوزا t.t.p حسن حنفي ص 384
) وسنعود لفهم هذه المسألة بشكل أوضح في نقد هيجل للعقد الاجتماعي.
2 – 3 علاقة المجتمع المدني بالدولة – عند هيجل
مرحلة التشريع للعلاقة :
ينطلق هيجل من واقع جديد غير الذي انطلق منه جماعة العقد, فعصر هيجل هو عصر يكون الدولة تكونا فعليا في التاريخ ( قرن 19 ) ( دولة بروسيا – دولة بونابرت ) أما عصر فلاسفة العقد فهو عصر التنظير النظري للدولة, فهم يبحثون في ما يجب أن تكون عليه الدولة – السيادة – أما هيجل فيبحث في الدولة كما هي واقعة, بالفعل في التاريخ ( هيجل يبحث في ما هو كائن لا في ما يجب أن يكون ) هذا الاختلاف في المنطق يؤدي الى اختلاف في تصور العلاقة بين الدولة و المجتمع المدني, غير أن العلاقة تبدو للوهلة الأولى غامضة, و متضاربة إذ نجد هيجل يصرح بموقفين الأول يقول بالاتحاد و الاندماج المطلق بين الدولة و المجتمع, و الثاني يقول باختلاف بين الدولة كإرادة كلية و الفرد كإرادة جزئية فكيف نفهم هذه المقارنة ؟ هل تعني تناقضا ليست في الواقع تعني تناقض في النص الهيجلي بل أن هيجل ينطلق من موقف ثابت هو القائل بالاندماج و الاتحاد بينهما, ليدلل على هذا الموقف تدليلا منطقيا, فهو يرى أن هناك خلط و اندماج من ناحية باعتبار أن الدولة تحقق و تضمن حرية الأفراد و تضمن ملكيتهم و تحميها , و بذلك تكون متماشية مع غاية الفرد , و من ناحية ثانية يقول أن الفرد يمثل الإرادة الجزئية الفردية المتعارضة مع إرادة الدولة الكلية و هذه الإشكالية تفهم , لو عرفنا أن المجتمع المدني عند هيجل ليس سوى عامل يتكون في الدولة و انه لا يظهر إلا بظهورها , ففي المجتمع المدني تظهر مؤسسات مثل المحاكم – الشرطة و النقابة وهو ما يثير الاستغراب و التساءل ان كانت هذه المؤسسات لا تظهر في الدولة ؟ و لماذا تلحق بلون معين مع المجتمع المدني ليس هو الدولة ؟ .
و الجواب هو أن هيجل لم يفترض إطلاقا أن هذه المؤسسات و المنظمات يمكن لها أن توجد بدون الدولة اذ المجتمع المدني هو نفسه عنصر مكون للدولة, و إذا نظرنا إليه بمعزل عنها يكون مجرد تجريد محض لذلك , فمن الضروري , باعتباره تجريد أن يظهر في السير المنطقي قبل الدولة على الرغم من كونه يظهر في الزمان بعدها , لذلك تبقى المحاكم , الشرطة , النقابة تنتمي الى هذا الجانب المجرد للدولة الذي سماه هيجل المجتمع المدني . فالمجتمع المدني يمكن أن يتميز منطقيا عن الدولة فقط ( لا فعليا ) حين يكتمل نموها رغم أنه لا يوجد بدونها. فهو ببساطة ذلك الجانب المجرد من الدولة الذي ينظر له فيه على أنه مجتمع للأشخاص مستقلين يبحثون جميعا عن غاياتهم ( الفردية الجزئية ) غير أنهم يبلغون هذه الغايات لا مستقلين عن بعضهم البعض بل عن طريق بعضهم البعض ( الغاية الكلية ) يقول هيجل: " ان الاتحاد في ذاته لهو نفسه المحتوى الحقيقي و الغاية الحقيقية, إذا أن مصير الأفراد أن يحيوا حياة كلية, و كل مسراتهم الشخصية الأخرى...لها هذا الواقع الجوهري الكلي الذي هو منطق و غاية في آن ". و هكذا يصبح الفرق بين المجتمع المدني و الدولة هو كون الفرد ينظر لنفسه في المجتمع على أنه غاية وحيدة لدرجة أنه يصبح غاية جزئية, في حين أنه في الدولة التي تعد غاية أعلى يوجد الفرد من أجلها غاية كلية.
2 - 4 كيف ينقد هيجل هذه العلاقة في نظريات العقد الاجتماعي :
يعتقد هيجل أن محاولة جماعة العقد الاجتماعي تبدو ايجابية, لما كان عليه واقع التفكير السياسي آنذاك أي واقع السلطة الكنيسية الثيوقراطية المطلقة القائمة على فكرة الحق الالاهي المقدس للمملوك و هي الفكرة التي نجح هؤلاء الفلاسفة بالقضاء عليها و تعويضها بفكرة السلطة البشرية القائمة على الاتفاق غير أن هذه المحاولة الجزئية, بقيت رغم أهميتها التاريخية تحتفظ بالفصل الجوهري بين الدولة و المجتمع المدني, لذلك ما كان لهم أن يوحدوا بين الإرادة الكلية ( الدولة ) و الإرادة الجزئية ( المجتمع ) إلا عن طريق التعاقد الاجتماعي فهذه التصورات جميعا ( إضافة لموقف فيخته و حتى هربرت سبنسر ) تقيم فصلا بين الأفراد ( الجزئي ) و الدولة ( الكلي ) وتعتقد أنهما متعارضان تعارضا تاما, و أنهما مبدأين متضادين لا يمكن الربط بينهما إلا عن طريق العقد.
فإضافتهم حسب هيجل تتمثل في كونهم لم ينظروا للدولة كمجرد شكل فارغ كما كانت في العصور ( الحق الالاهي ) الوسطى منزلة على الأفراد, بل تقوم كذلك على فكرة هي فكرة الإرادة يقول هيجل " يجب أن يشهد لروسو بالفضل لأنه أسس للدولة مبدأ لا يقوم على شكل فحسب... بل يقوم كذلك من حيث محتواه على الفكرة الفاعلة ذاتها, أي الإرادة " غير أن هذه الإرادة بقيت فقط مجرد إرادة فردية جزئية, و هو ما يبقى على التعارض قائما بين الإرادة الفردية ( الجزئية = الفرد ) و بين الإرادة الموضوعية ( الكلية = الدولة ). و لكن حسب هيجل أن الكلي و الجزئي مجرد عوامل للفكرة الشاملة العينية, و أنهما ليسا متضادان إلا بقدر ما يكونان متحدين. إذ أن غاية الدولة هي نفسها غاية الفرد = كلاهما كلية. فوحدتهما تتحقق في الاختلاف, فالدولة من منظور العقل إذن هي الهوية في الاختلاف, و ليس الاختلاف يفهم إلا بكونه اختلافا منطقيا فقط لا واقعيا. ( هكذا يعدو الجزء و الكل ( الدولة و الفرد ) هما وجهي الفكرة الكلية المحققة في التاريخ ( الدولة ), وتصبح الدولة بهذا المنظور هي الشكل الأسمى لتحقق الحرية, إذ هي " تحقق الفكرة الأخلاقية " أو هي العقل في ذاته ولذاته " كما يقول هيجل, و تصبح بالتالي هي الفرد الحقيقي و قد تحقق و تموضع و أصبح خالدا, لأن جوهر الفرد هو الكلي على الحقيقة , و الدولة هي الكلي المتحقق بالفعل , و بالتالي فهي الفرد و قد تحقق بالفعل و تموضع . و هكذا لا تعود الدولة ما يناقض الفرد, و شيئا غريبا يفرض عليه من خارج و يتعارض مع حريته, بل على العكس هي الفرد ذاته, و فيها وحدها يحقق الفرد فرديته و حريته.
2 - 5 علاقة الدولة بالمجتمع المدني عند ماركس و الماركسيين :
نقد العلاقة بين المجتمع المدني و الدولة :
سنعتمد هنا موقفين اعتبراهما متكاملين و ضروريين لفهم طرح المسألة بعد هيجل, الأول لماركس نفسه من خلال مؤلفين " العائلة المقدسة " و كتاب " رأس المال " و الثاني لأنجلز من خلال أصل العائلة و الملكية الخاصة و الدولة.
ماركس: طرح ماركس مسألة العلاقة بين الدولة و المجتمع المدني منذ فترة عمله في الجريدة الرينانية, حين أكد أن المعبر الأصل الوحيد عن المصالح العامة أنها هي الدولة كممثل للشعب, غير أنه سيتخلى عن هذا الموقف فيما بعد, منذ صدور الايديولوجية الألمانية, و كتاب " مساهمة في نقد فلسفة الحق " يمكن هنا أن نقف بأكثر تفصيل على موقف ماركس من خلال عملين:
أ- كتاب العائلة المقدسة: أو كتاب " نقد النقدي ضد برينوباور و شركائه " الصادر سنة 1845, و هو كما يدل على ذلك اسمه, كتاب نقدي موجه ضد الاخوة باور, يطرح هذا الكتاب, مسألة شغلت بال الفلاسفة و السياسيين آنذاك في ألمانيا هي المسألة اليهودية " la question juive و المتمثلة في مطالبة اليهود للدولة الألمانية بحمايتهم كيهود, ثم ما عرف بعدها بمطالب الحركة الصهيونية " اليهودية اثر مؤتمر بازل بسويسرا نتيجة ما يتعرض له اليهود من " اضطهاد " في أوروبا الشرقية, و يرى برينوا باور و أتباعه أن طرح اليهود لهذه المسألة بهذه الطريقة لا يحل المسألة بل يعقدها, لأن الدولة الألمانية التي يلجأ إليها اليهود لحمايتهم ( ألمانيا ) هي ذاتها غير حرة, أي غير قادرة على حماية نفسها, و ذلك لأنها دولة الأغلبية المسيحية, فكيف نطلب منها أن تحمي أقلية يهودية في حين أنها لم توفر الرعاية اللازمة لرعايتها المسيحيين الذين يشكلون الأغلبية. غير أن عملية الاندماج هذه التي يطالب بها اليهود لا تحل قضيتهم حسب باور لأن الاندماج يعني اعتناق عقيدة الأغلبية, في حين يطالب اليهود باندماجهم مع محافظتهم على يهود يتهم, أي على المحافظة على مصالحهم المادية لذلك يظهر الحل الأمثل لليهود يمثل خاصة في إنجاز دولة, و ذلك يعني تخليص الدولة الألمانية من الدين, ليتحول الدين من مسألة دولة الى عقيدة شخصية في نطاق المجتمع المدني.
و يرى ماركس, أن أطروحة باور رغم أهميتها بالنسبة للفكر السائد, إلا أنها تبقى حلا منقوصا, لكونه لم يعالج المسألة ( اليهودية ) من جذورها, و جذورها ليست في علاقة الدين بالدولة بل في التناقض الموجود بين الدولة من جهة و المجتمع المدني من جهة أخرى. و بقاء هذا التناقض هو علة استمرار التناقض بين السماء و الأرض " كما يقول ماركس, و حل التناقض الأول يمكن من حل التناقض الثاني ضروري, أي أن حل الاغتراب السياسي يؤدي الى الاغتراب الديني و ليس العكس, لذلك فان الحل الذي اقترحه برينو باور و المتمثل في الفصل بين الدين و الدولة هو حل وهمي حسب ماركس يبقى على المسألة قائمة دون حلها إذ يؤدي الى انفصام الإنسان ذاته, الى إنسان أناني يملك طبيعية و إنسان مواطن متخلص من كل أنانيته, و يؤدي الى اغتراب الإنسان ذاته, بإبقاء الفصل بين الدولة و المجتمع المدني, و يبقى بذلك الدين لا مجرد مسألة شخصية بل أساس من أسس الدولة, و هو يؤدي الى عدم تحرر الدولة ذاتها, و هكذا نصل الى نقطة الانطلاق دون حل.
و يرى ماركس في رده على هذا الحل, أن تحرر الدولة لا يتم إلا بتحررها من العقيدة و الملكية و هو ما قدرت الدولة البرجوازية على إنجازه, رغم أن المجتمع المدني البرجوازي يبقى متخلفا, لا يتلاءم مع التطور الذي وصلت إليه الدولة, لذلك يجب حل التناقض بينها و بين المجتمع المدني, و هو ما لا يتم إلا بتحرر المجتمع المدني نفسه, و تحرر المجتمع المدني يعني ضرورة حسب ماركس إلغاء الملكية و الدين من الأساس, أي القضاء على الفردية و الأنانية الإنسان في المجتمع, و هكذا يتحقق اندماج الإنسان في المجتمع المدني و في الدولة, و يتحقق الإنسان الجذري بذوبان المجتمع المدني في محتوى الدولة المعاصرة.
ب – كتاب رأس المال الصادر سنة 1867, و قبله كتاب " المساهمة في نقد الاقتصاد السياسي " الصادر سنة 1859, يتعرض فيهما ماركس الى نقد نظريات " العقد الاجتماعي البرجوازية " التي ترى أن العقد هو وثيقة اتحاد تجمع ذاتين مالكتين, الحاكم و الشعب, و هما ذاتين حرتين تسعيان للعقد تلقائيا, بحكم الاتفاق العقلي. غير أن ماركس يذهب الى أنهما ذاتين مالكتين نعم و لكن أحداهما تملك وسائل الإنتاج و هم البرجوازيين و الثانية تملك قوة عملها و هو العمال , العلاقة بينهما تتمثل في بيع قوة عمل العامل للبرجوازي , و جوهرها لا كما يعتقد فلاسفة العقد الاجتماعي هي المساواة و الحرية لتحقيق الأمن و السلام , بل على العكس يقوم على الاستغلال : كما بين ذلك ماركس في كتاب " رأس المال " و هو ما يعني أن نظريات العقد حسب ماركس ساهمت بشكل فعال في تغطية هذا الواقع القائم على الاستغلال و التشريع لذلك
ويبقى الحل حسب ماركس يتمثل في تحقيق الانسجام بين المجتمع المدني و الدولة, و ذلك بذوبان الدولة هذه المرة في المجتمع المدني بعد أن يحل هذا الأخير التناقض الذي يشقه بين الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج من جهة و العمال المنتجين المباشرين من جهة ثانية. و هكذا يتعاكس الحل الذي يقدمه ماركس في رأس المال مع الحل الذي يقدمه في " العائلة المقدسة " و ذلك كون الدولة صارت تفهم على أنها انعكاس للمجتمع المدني بما هي أجهزة ينتجها الواقع للتمويه و بالتالي للإبقاء على هذا الواقع, و ليس أنموذج للمجتمع المدني كما كانت تفهم في العائلة المقدسة: نصل إذن الى موقفين متعاكسين:
* العائلة المقدسة: ذوبان المجتمع المدني في الدولة
* رأس المال : ذوبان الدولة في المجتمع المدني
و يبقى الحل عند ماركس في كلا الحالتين, يتمثل في انسجام المجتمع المدني مع نفسه بحل التناقض القائم فيه, بين " رأس المال " و " العمل " , أو بين الملكية الخاصة و " قوة الإنتاج " , و الذي بانهياره تنهار الأجهزة المؤسسة للدولة , و هي المسألة التي سيوضحها انقلز بشكل ؟أكثر في أصل العائلة و الملكية و الدولة.
2- 6 - انجلز:
كتاب " أصل العائلة و الملكية الخاصة و الدولة ", يطرح فيه انجلز قضية العلاقة بين الدولة و المجتمع المدني, من زاوية نقده للهيغلية فليست الدولة كما كان يعتقد هيقل هي " حقيقة الفكرة الأخلاقية " و لا هي " العقل في ذاته و لذاته ", فمثل هذا التصور المثالي, لا يمكنه أن يتصور الدولة إلا على أنها متعالية على المجتمع, فهي صورة العقل و حقيقته ", و الحال أن الدولة كما يقول انجلز هي نتاج المجتمع, فهي تنشأ في فترة يتقدم فيها المجتمع قد تورط مع نفسه في تناقض يتعذر حله... " فالدولة إذن, بهذا المنظور قد ظهرت بظهور الطبقات و تصارعها, من أجل الملكية, بل يمكن أن تقول أن الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج هي الشرط الضروري لظهور الدولة, باعتبار أن الدولة ليست سوى جهاز يقنن الملكية و يحافظ عليها و يشرع لوجودها لفائدة الطبقة المالكة لوسائل الإنتاج و هكذا تتحول الدولة الى " جهاز قمع طبقة لطبقة أخرى " و هكذا تغدوا الدولة – بعد أن كانت نتاج المجتمع – غريبة عنه, لكونها أداة مفروضة على الأغلبية, جهاز الأغلبية التي لا تملك سوى قوة عملها, و تغدوا الدولة و كأنها مفروضة على المجتمع المدني, لا نابعة منه, تلك هي مفارقة الدولة العجيبة التي يعرضها انجلز في مؤلفه.
ولكن ماهي مهمة الدولة ؟ ان مهمتها حسب انجلز لا القضاء على الصراع, بل المحافظة عليها مع تلطيفه أن " واجبها أن تلطف الصراع وتحصر مجاله في الحدود التي تحفظ النظام " أي تقنن وجوده و تشرع له, بما هي جهاز طبقي. فهي بهذا المنظور " التعبيرة السياسية للصراع الطبقي " اذ هي " دولة الطبقة المهيمنة اقتصاديا و هي الطبقة التي تغدو بفضل الدولة طبقة مسيطرة سياسيا أيضا, كما يقول انجلز, أن الدولة " كجهاز " سياسي, سلطة, هي الشكل السياسي لصراع إذ مضمون اقتصادي, أنها انعكاس لهذا الصراع و تعبيره له و ذلك يعني أن الدولة هي طبقية بالضرورة وجدت بوجود الملكية الفردية لوسائل الإنتاج, قصد المحافظة على الملكية و تقنين وجودها و المحافظة عليها و إذا عرفنا " الملكية " لم توجد منذ الأزل عرفنا عنها و لا سلطة الدولة " و عليه فهي ليست أزلية بل آيلة الى الزوال, و زوالها أو بقاءها مشروط ضرورة بزوال أو بقاء شروطها, و نقصد بذلك الملكية الخاصة " أن زوال الملكية يؤدي حتما الى زوال الدولة, غير أن زوال الدولة, لا يجب أن يفهم كما يذهب الى ذلك الفوضويين " على أنه الفاء لها, بل انحلال , أن الدولة تنحل و لا تلغى لذلك تبقى الدولة " كجهاز قمع " طبقي في الطور الاشتراكي , المرحلة الانتقالي التي تبرز فيها الدولة على أنها " ممارسة لديكتاتورية البروليتاريا, للقضاء على آخر ما تبقى من النظام الرأسمالي, و القضاء النهائي على " الملكية الخاصة " و بذلك, و بزوال الملكية لن يبقى للدولة من وجود, إذ تنحل تدريجيا لتذوب في المجتمع المدني./.
انتهى
الأستاذ: الهادي عبد الحفيظ - تونس
المراجع و المصادر :
كتاب الفلسفة الشريدة: الدكتور فتحي التريكي ص 39 من مقال مفهوم الدولة في الحقل الفلسفي المعاصر – انظر أيضا مقال السلطة و العنف ص 56
القاموس المحيط للشيرازي – جزء 3 – عالم الكتب – بيروت ص 378
انجلز: اصل العائلة الملكية الخاصة و الدولة, عن دار التقدم – موسكو – ترجمة – شاهين مقال من قداسة السلطة الى تعاقد المواطنين: لسعد بن سعيد, ورد في مجلة الفكر العربي المعاصر عدد 56- 57 صادر عن مركز الإنماء القومي بتاريخ س 881 ص 28 – 34 انظر كذلك لنفس المؤلف مقال: نشأة و تطور مفهوم المجتمع المدني في الفكر الغربي الحديث, ورد في مجلة دراسات عربية
انظر كتاب: هوبز فيلوف العقلانية للدكتور إمام عبد الفتاح إمام صادر عن دار التنوير للطباعة و النشر بيروت لبنان – طبعة أولى 1985
اعتمدنا كذلك كتاب " جان جاك شيفالييه" المؤلفات السياسية الكبرى من ماكيافيل الى أيامنا – ترجمة الياس مرقص صادر عن دار الحقيقة – بيروت طبعة 2 1990
ماركس – انجلز: الأعمال الكاملة – دار التقدم – موسكو ترجمة ا شاهين