حقق ميدان << زراعة الأعضاء >> عدة مكاسب بِتِعِّلَةِ مساعدة المرضى وإنقاذهم من الموت و تجنيبهم الآلام والمعاناة الشديدة سواء تعلق الأمر بالمستوى العضوي أو النفسي أو الاجتماعي ....
"زراعة الأعضاء" تقتضي استئصال بعض الأعضاء السليمة من شخص معطي (ميت) كالقلب، الكلية، القرنية ... ومنحها أو زراعتها لشخص مستقبل (حي) في غالب الأحيان يكون في مراحله النهائية، لكن هذا النجاح تَكَلَّلَ جملةً من المشاكل الأخلاقية، سوف نتناول زراعة القلب الصناعي أنموذجاً لها .
من أهم الإشكالات التي طالت هذه العملية، هي ما تعلق بتحديد معيار إثبات حالة الموت النهائي .
فحول معايير إثبات حالة الموت النهائي، كان هناك ما يسمى بالمعيار التقليدي الذي يُعَرّفُ الموت بأنه التوقف النهائي للقلب والدورة الدموية - القلب مضخة – لكن الآمر سوف يُحسم بظهور وسائل تقنية متعددة ستعمل على إعادة الحياة للقلب، كتقنية الصدمات الكهربائية .... ذلك ما سيستدعي في النهاية إيجاد معيار جديد للموت .
في مقابل ذلك وبفضل تقدم العلوم الطبية، وبفضل استخدام أجهزة الإنعاش: كاستعمال أجهزة رسم المخ الكهربائي لاختبار عمل أجزائه المختلفة مكّن ذلك من ضبط الحدود الفاصلة بين الحياة والموت لأجزاء الدماغ، وهكذا ظهر مصطلح جديد أُتُخِذ كمعيار للموت في ميدان زراعة الأعضاء وهو << موت الدماغ La mort cérébrale >> أي توقف نهائي عن العمل وعدم قابليته للحياة، فإذا مات المخ أو المخيخ من أجزاء الدماغ فلا يمكن للإنسان أن يحيا حياته العادية الطبيعية الواعية، بل يحيا حينها حياة غير عادية وهي ما يطلق عليه الأطباء الحياة النباتية : La vie végétative .
الجديد الذي أتت به قضية زراعة الأعضاء هو أن هذا التطور، انتقل من زراعة أعضاء بشرية إلى أعضاء صناعية فيما يسمى بـ " القلب الصناعي " فالعمليات العادية (زراعة الأعضاء العادية) تمحورت مشاكلها حول المتبرع الحي والمتبرع الميت، بالنسبة للمتبرع الحي لا يُقبل التبرع إلا بالأعضاء القابلة للتجدُّدْ والتي لن يؤدي انتزاعها إلى ضرر كبير، ويصبح الأمر مقبولا أخلاقياً بعملية " الموافقة الحرة والواعية " للمتبرِّع المفترض، فيما يخص المتبرِّع الميت يلزم التأكد من الموت النهائي، على خلاف أوساط ثقافية أخرى - اليابان - مثلا تحرم المعتقدات المتعلقة بالموت انتزاع الأعضاء من الموتى، لتجاوز هذه المعضلة تم الاهتداء إلى ما أصبح يعرف << ببطاقة المُشَرِّعْ >> وقد سبقت بها دول مجاورة لفرنسا، وتتضمن هذه البطاقة موافقة أو عدم موافقة صاحبها على استفادة غيره من أعضاء جسمه بعد موته .
هذه المشاكل ظًنّ ميدان الطب أنها سوف تنتهي عندما سيتم اللجوء إلى ما يسمى بزراعة الأعضاء الصناعية - القلب نموذجا – كانت أول عملية من نوعها سنة 2013، حيث تمكّن فريق من الأطباء المختصين في زراعة القلب والشرايين بمستشفى جورج بومبيدو بالعاصمة الفرنسية، من زراعة أول قلب صناعي في جسد مريض يبلغ 75 عاماً من العمر، كان يعاني من قصور القلب ونظراً لندرة الأعضاء البشرية تم اللجوء إلى شركة كارما الفرنسية التي تم فيها صناعة هذا القلب وأنه يحاكي قلباً بشرياً طبيعياً، حيث يوجد به بطينان يَضُخَّانِ الدم كما تفعل عضلة القلب، ولواقط تتيح تسريع حركة القلب وزيادة تدفق الدم وضخِّهِ .
لكن بعد مرور شهرين ونصف من إجراء العملية الجراحية توفي الرجل، وأكد الطبيب الجرّاح أن القلب توقف عن العمل بسبب قِصر في الدائرة الكهربائية، على الرغم من أن الأسباب الحقيقة للوفاة لا تزال مجهولة .
تتمحور المشاكل الأخلاقية لزراعة القلب الصناعي عامة حول المُسْتَقْبِلْ، في هذه الحالة لم تعد المشاكل مطروحة من قبيلِ المُعطِي - لغيابه - هذا ما كان ايجابيا في هذه التقنية، فلم نعد أمام مشاكل تحديد معيار الموت أو الموافقة الواعية مادمنا تحت طلب قلب صناعي .
فيما يخص المريض (المُستقبِل ) وأمام هذه التقنية إذا تناولنا ذلك من جانب كرامة الإنسان وحرمة الجسد في إطار ما يسمى بأخلاقيات الطب سوف نجد تجاوزاً، انتقلنا من الإنسان الطبيعي الذي يتميز بأعضاء طبيعية تؤدي عمليات بدقة وتصميم إلى تآليل الإنسان، أصبح يحمل في صدره آلة تشتغل ببطارية يتم زراعتها بجانب البطن، تشتغل بالطاقة الداخلية للجسم ووزن هذه الآلة قد يصل إلى كيلوغرام ونصف في أغلب الأحيان ، فكيف سيحس ذلك الشخص الذي سيحمل هذه الآلة داخله ؟؟
فيما يخص الجانب النفسي، فقد أثبتت دراسات أُجريت في نفس المجال أن أحد المرضى كان يعاني من فوبيا المياه العميقة، وبعد زراعة القلب الصناعي له قال أنه فقد ذلك الإحساس، أما المشاكل المتعلقة بالشيخوخة والسعي إلى تمديد أمد الحياة عبر الإصرار على العلاج بشتى الوسائل حتى ولو تنافرت المبادئ الأخلاقية. فلا ننسى أن الاستفادة من منجزات العلم والتكنولوجيا في إطار محاربة المرض ليست متاحة للجميع، بل تنحصر في فئة الذين يملكون الإمكانات الضرورية لذلك، أما البقية فيجدون أمامهم خيارات أخرى كالاستسلام للضياع وانتصار الموت ...
على غرار كلام " هانس جوناس " لقد انقلبت العلاقة الموجودة بين الإنسان والتقنية، لم يعد الإنسان هو الذي يستخدم التقنية، بل أضحت التقنية هي التي تنتج الإنسان .
جملة القول أن زراعة الأعضاء من أبرز أشكال التقدم الطبي الأكثر نجاحاً، مادام قد مكن من إنقاذ حياة آلاف الأشخاص، ومن إرجاع البسمة إلى حياتهم، لكن اللجوء إلى التقنيات الجديدة في الحياة الطبية طرح عدة مشاكل أخلاقية وقانونية ونفسية واجتماعية، سواء تعلق الأمر بالمُعطي أو المُستفيد و نُدرة الأعضاء مع التزايد على الطلب مما أدى إلى اللجوء إلى ما هو صناعي 1.
1-المرجع : البيواتيقا " الأخلاقيات الجديدة في مواجهة تجاوزات البيوتكنولوجيا، عمر بوفتاس، أفريقيا الشرق،2011