" ليس الإنسان هو الذي يبني العلوم الإنسانية ويعطيها ميدانا خاصا بها لكنها جاهزية الابستيمية العامة التي تفسح لها المكان ، تستدعيها وتنشؤها، سامحة لها بهذا بأن تكون الإنسان كموضوع لها"[1]
يعد ميشيل فوكو (1926-1984) أكثر الفلاسفة الفرنسيين شهرة وتأثيرا في القرن العشرين وذلك بعد أن اشتغل أستاذا جامعيا زائرا في تونس في كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية 9 أفريل، وانتقل بعد ذلك إلى معهد فرنسا بباريس وحجز كرسي تأريخ أنساق الفكر من1970 إلى1984،ولقد أنجز عام 1961 أطروحة بعنوان الجنون واللاّعقل، تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي، ثم كان قد ألف سنة 1966 كتابه الشهير الكلمات والأشياء من خلال منهج الأركيولوجيا في العلوم الإنسانية، وبعد ذلك كتب في 1971 نظام الخطاب وفي سنة 1975 المراقبة والمعاقبة من خلال مولد العيادة، وترك متن "أقوال وكتابات" في قسمين تتكون من دروسه ومحاضراته ومقالاته ومداخلاته ومشاركاته العالمية وتمتد من 1955الى1988.
لقد اقترح فوكو القيام بدراسة مجهرية معمقة من جهة التاريخ وفلسفة الظواهر الدقيقة مثل الجنون والموت والجنسانية والسجن والعناية بالذات والسلطة في مختلف تجلياتها وممارساتها العلنية والمجهرية بغية فهم المعرفة من خلال تاريخها الخاص بها. لقد أنكر فوكو فكرة التاريخ العلمي الوحيد والكوني والمتصل وأقر في المقابل بأن تاريخ المعرفة هو تاريخ انفصالات متتالية وانكسارات مستمرة وثورات نوعية واستنجد بالفلسفة من أجل اقتراح أركيولويجا محددة للأنظمة المعرفية والأنساق الفكرية وركز على التشخيص والميكروفيزياء والبيوبوليتيكا ودرس علاقات السلطة التي تجعل المعرفة منظمة والمؤسسات قائمة الذات.
لقد استندت دراسته لأشكال الرغبة وأنماط الهيمنة على إستراتيجية ايتيقية قديمة تسمح بتدبير الذات وتتعامل مع السلطة على أنها كثرة من علاقات القوة تكون محايثة للميادين التي تمارس فيها وليست متمركزة في مجموع المؤسسات والأجهزة التي تضمن خضوع المواطنين الكلي للدولة بصورة طوعية.
من هذا المنطلق لا مركز للسلطة من جهة المصدر والوظيفة والهدف ، فهي تأتي من كل مكان وتمارس على الجميع ويمارسها الكل وتخترق جميع المجالات وتتراوح بين المعرفة والعلم والسياسة والاقتصاد والحرب وتجعل التاريخ الإنساني يسير وفق خطوط متشعبة وتؤثر في نظم المعرفة والأطر الاجتماعية.
في هذا الصدد يقر:" لا أزعم من خلال هذه السطور أنني أكون قد لخصت لا الحدث التاريخي المعقد الذي هو التنوير ولا حتى وضع الحداثة وإنما أشير إلى تجذر نوع من السؤال الفلسفي داخل التنوير يثير مشكلة في نفس الوقت حول مسألة الارتباط بالحاضر ومسألة نمط الوجود التاريخي ومسألة بناء الذات بشكل مستقل"[2]. فماهي تبعات هذا السؤال الفلسفي الذي طرحه فوكو على عصر التنوير والحداثة الغربية؟
الهوامش والاحالات:
1- ميشيل فوكو، الكلمات والأشياء، ترجمة مركز الإنماء القومي، مراجعة مطاع صفدي، بيروت، طبعة1989-1990، ص298
2- ميشيل فوكو، سؤال التنوير، ترجمة حسن أزوال، صحيفة الاتحاد الاشتراكي المغربية، 25-08، 2002
كاتب فلسفي