جاك دريدا (1930-2004) هو فيلسوف سمع به الجميع، لكن القليل من غير المتخصصين يستطيعون فك شيفرة كتاباته. وتتراوح الآراء عنه من أولئك الذين يقولون إنه واحد من أعظم فلاسفة القرن العشرين إلى أولئك الذين يقولون إنه كان دجالا! في منتصف السبعينيات من القرن الماضي، نشب نقاش حاد بشكل غير معتاد بينه وبين الفيلسوف الأميركي البارز في اللغة، جون سيرل. في عام 1992 كاد أن يتم رفض منحه درجة فخرية في جامعة كامبريدج بسبب معارضة العديد من الفلاسفة البارزين. باختصار، يعد دريدا شخصية مثيرة للجدل...
إن السؤال الذي يطرح باستمرار حول: لماذا نصوص دريدا صعبة للغاية؟ أمر مثير للاهتمام في حد ذاته. وأحد أسباب طرح السؤال يتمثل في عدم الإلمام بالكثير من مفاهيمه. ومن الأسباب أيض، ما يرتبط بالهاجس الدائم لديه من أن الحجج التي تدّعي استدلالا معرفيا تفترض دائما وجود معرفة أخرى وتعتمد على وجودها. وكما يقول هيلاري لوسون في كتابه الصادر عام ١٩٨٥ بعنوان "الرجوع إلى الذات: المعضلة ما بعد الحداثية"، فإن مسائل "اليقين" لدينا يتم التعبير عنها من خلال النصوص، واللغة، وأنظمة الإشارات، لكن هذه ليست محايدة على الإطلاق، فيبدو من حيث المبدأ إذن أنه لا يمكن أن يكون هناك أي مجال يقيني". أراد دريدا إذن تجنب إصدار إشهارات تعتمد إما على المعاني اللغوية الثابتة وإما على افتراضات تم الوصول إليها في مكان آخر.
ما الذي يحاول دريدا قوله لنا؟
مشكلة اللوغوسنتريسم (مركزية اللوغوس/التعريف اللغوي)
نحاول الإجابة عن هذا السؤال من خلال التركيز على الجزء الأول من كتاب دريدا "عن الغراماتولوجيا" (دراسة أنظمة الكتابة) (١٩٦٧)، الذي نعتقد أنه يعطينا الشيفرة التي نستطيع من خلالها فهم بقيّة كتاباته.
يعتمد دريدا في هذا الكتاب على أفكار اللغوي السويسري فرديناند سوسور (١٨٥٧-١٩١٣)، الذي يقول إن الكلمات تستمد معناها من الكلمات الأخرى، وإن المعاني تنتج من خلال الاختلاف لا التشابه. على سبيل المثال، نلاحظ أن المثلث يختلف عن المربع، لا يرتبط أي منهما في عقولنا بشكل قياسي مطلق، بل إننا بدلا من ذلك نعرّفهم من خلال اختلافهم عن بعضهم بعضا. وبالمثل، لا يمكننا تتبع معاني الكلمات إلى معيار ذهبي معيّن. إذا كنا نريد أن نعرف معنى كلمة ما فنحن نبحث عنها في القاموس، الذي يعرّفها من خلال كلمات أخرى. إذا أردنا أن نعرف ما الذي تعنيه هذه الكلمات الأخرى، فعلينا أن نبحث عنها هي أيضا في القاموس، وهكذا دواليك إلى ما لا نهاية، أو على الأقل حتى نتوصل إلى كلمات نعتقد أننا نفهمها سابقا.
ولكن لا يوجد أي ارتباط طبيعي بين الكلمة (سوسير يطلق عليها مصطلح "الدالة"، على سبيل المثال الكلمة المكتوبة أو المنطوقة "الكلب")، والفكرة أو المفهوم الذي تمثله الكلمة (المدلولة؛ أو المفهوم العام "كلب"). تتألف الدلالات من العلاقة بين الدالات والمدلولات. العلاقة بين الدالات والمدلولات هي ممارسة أو معيار تم بناؤه بمرور الوقت، وهو يستمر في التطور، وهو بالطبع يختلف بين مختلف اللغات. لفهم الروابط، أي لفهم معنى الكلمات، يجب أن نتعلم هذه الممارسة إذن.
إن الكتابة التي تحاول المحاججة بقضية ما، مثل الكتابة الفلسفية، غالبا ما تحاول اختزال المعاني إلى تعاريف محددة. ولكن هذه التعريفات تعتمد بدورها على الدالة وعلاقته مع المدلولة. إن الدافع من وراء ذلك هو الرغبة في الوصول إلى نقطة محورية لفهم المفهوم المعيّن. يصف دريدا هذا النوع من الرغبة بمركزية اللوغوس، وهو ما يعني محاولة الوصول إلى اللوغوس أو التعريف النهائي لمفهوم ما، والذي قد يطلق عليه البعض "المعرفة الحقيقية".
قد يبدو في بادئ الأمر أن مركزية اللوغوس هي مركزية المعاني الشفاهية. ففي الأصل، اعتمدت الفلسفة الغربية على الكلام بدلا من الكتابة. لم يقم سقراط بكتابة أي كتاب، بل كان الفلاسفة في حينه يجادلون الناس في الأسواق. في وقت لاحق، فضّل الفلاسفة، بمن فيهم أرسطو، الكلام على الكتابة. فالكلام بطريقة أو بأخرى أقرب إلى تفكير المتحدث من النصوص التي قد يكتبها. لكن دريدا يجادل ضد هذا التفضيل بإسهاب في كتابه "عن الغراماتولوجيا". لن أركز على هذه الحجة ولكنني أريد التركيز على اقتراحات دريدا حول تفسير النصوص.
تعتمد الفلسفة على اللغة، لكنها تفترض باستمرار مركزية اللوغوس ووجود المعاني الثابتة للمفاهيم -أي التعاريف المحددة- بشكل متاح لنا. ولكن لأن الدالّة (الكلمة) والمدلولة (المعنى المفاهيمي) لها استقلالية أكثر مما قد نريد أن نقرّ بها، لا يوجد دائما معنى واحد ثابت، لذا فإن النصوص لديها أكثر من تأويل واحد.
خذ مثلا كلمة "العدالة". الكلمة تدل على فكرة مجردة. علاوة على ذلك، يرتبط مفهوم العدالة لدينا بمؤسسات العدل الفعلية، مثل المحاكم والشرطة. ويريد صاحب الشكوى الحصول على العدل (بالمعنى المجرد)، ويتوقع من المحاكم تحقيق ذلك، فينظر إلى المفهوم المجرد وعمل المحكمة على أنهما الشيء ذاته. لكن هل هما الشيء ذاته فعليا؟ في الحقيقة، إن المعنى يتطور طوال الوقت، ومفهوم العدالة يتغير، فهو كان له معنى مختلف في أذهان معظم الناس قبل ظهور المحاكم. من ناحية أخرى، من المرجح أن يكون مفهوم واحد للعدالة -في هذه الأيام المفهوم المؤسسي- هو المفهوم المهيمن اليوم.
وتعني هذه المرونة في المعنى أيضا أن النصوص قابلة للتأويل بطرق متعددة. قدم بيتر بنسون مثالا جيدا على ذلك حين كتب: "إن المقاربة المسيحية في القرون الوسطى للكتاب المقدس أعلنت أن هناك أربع طرق لقراءة كل مقطع: حرفي، وعلماني، وتطبعي، وطوبولوجي. وقد تم تحدي هذه التقاليد التفسيرية من قبل الأصوليين، الذين يسعون إلى تحديد معنى ثابت معروف على الفور لكل كلمة... وبالتالي، فإن الأصولية هي أحد مظاهر ميتافيزيقيا الحضور. من وجهة نظر دريدا، ينطوي ذلك على سوء فهم لطبيعة اللغة".
الحضور لدى دريدا
في كتابه "عن الغراماتولوجيا"، يجترح دريدا عبارة مهمة وهي "ميتافيزيقيا الحضور". لكن ماذا تعني هذه العبارة؟
تؤدي مركزية اللوغوس على الفور إلى تفضيل اليقين الحالي الموجود. هذا شيء يقوم به الفلاسفة الغربيون بشكل تلقائي، وخاصة الميتافيزيقيين. في الواقع، نسعى جميعا إلى الوصول إلى اليقين، نريد أن نعرف ماهية الله إذا كان موجودا، وماهية الخير، وطبيعة كينونتنا، ولماذا نحن هنا... علاوة على ذلك، نحن نعتمد على اللغة للوصول إلى هذه الإجابات. يصرّ التقليد الفلسفي الغربي ككل على مطاردة الحقيقة الموضوعية، مطالبا باليقين فورا وفي الحاضر. ولتحقيق ذلك فإنه يعتمد بشكل كامل على العلاقة بين الدالة والمدلولة، وبين الكلمات ومعناها في النص، في حين أن الكلمات ليس لها معنى ذهبي ثابت ولكن يتم تعريفها من خلال كلمات أخرى.
شكّل هذا الاعتماد مشكلة منذ البدء بالنسبة لمعاني النصوص الميتافيزيقية الحمّالة للأوجه، وبالتالي التي ليس لها معانٍ ثابتة. كما أن أطروحة دريدا هي أن الميتافيزيقيا لا تسعى فقط إلى فرض تفسير في الوقت الحاضر، بل تسعى أيضا إلى الحصول على مدلولات مطلقة، أي مفاهيم تتخطى الماضي والمستقبل، والقريب والبعيد، والمتشابهة وغير المتشابهة. بالنسبة له، فإن هذه المفاهيم الميتافيزيقية هي غير متماسكة، وتعطي الأولوية للحاضر وللتشابه على حساب التغيّر والاختلاف. أي إنه قد نود، هنا والآن، أن نعرّف الله، والخير، وكينونتنا، والعديد من الأشياء الأخرى التي لا يمكن تعريفها بشكل يقيني ومبسّط، بأقل عدد ممكن من الكلمات. نوّد ذلك ولكن لا يمكننا ذلك.
لذا فإن الكلمات هي المشكلة في الميتافيزيقيا، لأنها تحتاج إلى إعادة تفسير مستمر. ربما يدرك الفلاسفة ذلك بالفعل. في مقالته "الفلسفة كنوع من الكتابة: مقالة عن دريدا"، يشير الفيلسوف البراغماتي الأميركي ريتشارد رورتي إلى أن العلماء يستخدمون كلمات قليلة لوصف الاستنتاجات في تجاربهم، في حين أن الفلاسفة الذين يسبرون أغوار الأسئلة المستحيل الإجابة عنها هم الذين يحتاجون إلى الكتابة وإعادة الكتابة، وإعادة تفسير المشاكل وإعادة زيارتها بشكل مستمر. وعلى وجه الخصوص، ينطبق ذلك على الميتافيزيقيين. يقول رورتي: "في التقليد الكانطي (نسبة لكانط)، بغض النظر عن كمية الكتابة التي تنخرط بها، لا يتعين على الفلسفة أن تكون مكتوبة بأكثر من الكتابة التي يتطلّبها العلم بالضرورة. أي إن الكتابة هي ضرورة مؤسفة في حين أن ما هو مطلوب حقا هو إظهار، وبرهنة، وإيضاح الأفكار، لجعل القارئ يقف ويتأمل العالم... [في حين] أنه في العلم المكتمل، يجب أن تكون الكلمات التي يكتب من خلالها المحقق نتائج دراسته مقتضبة وشفافة قدر الإمكان".
قد يميل المرء هنا إلى القول "ماذا في ذلك؟"، يعلم الجميع أن العلماء يكتبون التجارب وأن الفلاسفة يكتبون المقالات، وأن الكتابات يمكن أن تفسّر بطرق مختلفة. لكن فكرة دريدا تذهب أبعد من ذلك، إذ لا يقتصر نقد دريدا للميتافيزيقيا على العلاقة الهشة بين الدالة والمدلولة، بل يشتهر دريدا بأنه مخترع التفكيكية.
تفسير التفكيكية
تحتوي النصوص على معانٍ أكثر من ما قد يستنبطه أي تفسير بديهي فوري للكلمات والمفاهيم. فبالإضافة إلى التفسيرات البديلة الشعبية لدى جمهور النقاد والمعلقين، هناك معانٍ خفية في النصوص التي قد لا يقصدها المؤلف بالضرورة. التفكيك هو محاولة لاستخراج هذه المعاني الخفية. كما يقول دريدا في كتابه "عن الغراماتولوجيا"، يهدف التفكيك إلى "إيجاد الصدع الذي يمكن من خلاله رؤية بصيص غير مسمى أبعد من الفتحة التي يمكن رؤيتها".
المهم أن نلاحظ أن التفكيك، على الأقل كما تصوره دريدا نفسه، ليس له منهاج أو طريقة عمل واضحة. بل هي طريقة لقراءة النصوص من خلال فتحها على مصراعيها للأسئلة مثل: هل هذا هو الجوهر أو المعنى الوحيد لهذا المفهوم؟
لفهم هذا بشكل أفضل، نحن بحاجة إلى بعض المفاهيم. يحدّد دريدا هذه المفاهيم في كتابه المذكور، فيقول إن الاستعارات والكنايات موجودة دائما في الكتابة، سواء كانت مقصودة أم لا. ويقول إن معنى الكلمات غالبا ما يكون مفهوما فقط من خلال تأثيرها المجازي.
وبما أن الكلمات لا تُعرَّف إلا بفعل اختلافها عن الكلمات الأخرى، يعني ذلك أنه توجد في النصوص تسلسلات هرمية ثنائية، وأزواج من الكلمات التي يتم تحديدها من خلال أضدادها مثل اليسار واليمين، الذكور والإناث، الحضور والغياب. فنأخذ مثلا مفهوم العدالة مجدّدا. عندما تستخدم الكلمة، فإنها تقترح وجود نوع من الظلم. ويقترن مسار تتبع الأثر إلى تعريف الكلمة، يقترن بضدها في التسلسل الهيكلي الثنائي. إذا كان المرء يقول أو يكتب "رجل"، فإن المرء يعني "ليس امرأة". لذا فالكلمة تحتوي على أثر لما لا تعنيه، والأثر موجود وليس موجودا في الوقت عينه، كدلالة على حضور شيء غائب. هناك عنصر فرويدي (أي لا إرادي) هنا أيضا. فجميع الدالات لها تاريخ متسلسل تتأثر به، فيما فهمها يجب أن يحدث في الوقت الحاضر.
للإيضاح، قررت أن أكون أكثر تحديدا في كلماتي من دريدا، الذي يرفض تعريف الأثر كمفهوم بحد ذاته. من الأسهل معرفة السبب وراء إصرار دريدا إذا ما اعتبرنا اللغة نظاما مرنا ومتغيرا. الكلمات، التي تعرّفها اختلافاتها عن الكلمات الأخرى، وليس أي من المعايير الذهبية للمعنى، لا تحافظ على المعنى، بل يتغير المعنى مع مرور الوقت وفي السياقات المختلفة. هنا يمثل الأثر المذكور آنفا هذا التغيير لكنه بحد ذاته ليس مفهوما ثابتا فاقتضى التنويه.
يرى دريدا أن الثنائيات تمثّل مشكلة للميتافيزيقيا، لأن الميتافيزيقيين يميلون إلى أن يكونوا متحيزين لصالح الكلمة المهيمنة في التسلسل الهرمي الثنائي. هذا التحيّز غير مبرر ومضلل، ولكنه منتشر، وكما يكتب: "جميع الميتافيزيقيين، من أفلاطون إلى روسو، وديكارت إلى هوسيرل، شرعوا بتصور الخير ليكون في مكانة قبل الشر، والإيجابية قبل السلبية، والطهارة قبل النجاسة، والبساطة قبل التعقيد، والضروري قبل العرضي، والأصلي قبل التقليد، وما إلى ذلك. وهذه الظاهرة ليست مجرد عادة ميتافيزيقية واحدة من بين عادات أخرى، بل هي ضرورة ميتافيزيقية، بشكل ثابت وعميق وقوي". ليس من المستغرب إذن أن الكتاب النسويين التقطوا على الفور فكرة التحيز المسيطر هذه في كتاباتهم.
إن تعريف الكلمات من خلال افتراقها عن الكلمات الأخرى يذهب إلى أبعد من ذلك. فالمعنى هو أيضا مرجئ، بحيث لا يكون هناك في الكلمة معنى دائم الحضور. يمكن إرجاء المعنى في الزمان أو في السياق، أو ببساطة لأن المعنى خاضع إلى معنى ذي صلة أو إلى معنى مضاد.
يجمع دريدا عملية الاختلاف والإرجاء في كلمة واحدة هي الاختجاء (تعريف المترجم لكلمة الديفرانس Differance وهي مزج بين difference وdeference). تشير هذه الكلمة إلى أن الكلمات (الدلالات)، بالإضافة إلى كونها معرّفة عن طريق كلمات أخرى (دلالات) تختلف عنها، لها أيضا معنى مرجئ بحيث يتغير المعنى باستمرار. تستمر هذه العملية من الاختلاف والإرجاء باستمرار عند استخدام لغة أو محاولة فهم لنصوص.
مثلا النصوص قد تكتسب معاني مختلفة لدى القارئ عند إعادة قراءتها. تتغير الكلمات مع تغير السياقات أيضا. من الممكن أن نرى هذه المرونة في التفسير في التشريعات الحكومية والأحكام القانونية، التي تتطلب تفسيرا متجددا من الخبراء. وتصوري عن هذه المقالة سوف يختلف عن تصورك، وفي أي إعادة قراءة مستقبلية قد تختلف تصوراتنا أيضا، إما أكثر وإما أقل مما هي عليه الآن. لو كنا نقرأ من أداة مثل جهاز قياس الجلفانومتر أو آلة وزن، فإن مفاهيمنا لن تختلف كثيرا. ولكن في الحالات التي يصعب فيها وضع إصبعنا على ما هو المقصود -كما هو الحال في مقالات الفلسفة- قد تختلف تصوراتنا بشكل جذري، وقد يؤدي بعض النقاش بيننا (باستخدام المزيد من الكلمات) إلى المزيد من التنوير لكلّ منا.
يوضح هيلاري لوسون أبعاد مفاهيم ميتافيزيقيا الحضور والأثر والاختجاء بشكل جيد في مثاله عن وصف الشكل في جملة "الكرسي أسود". يكتب: "نحن غير قادرين على إثبات حقيقة هذا الوصف... من خلال الذهاب إلى النظر إلى الكرسي (في عقل الكاتب)، لأنه لا توجد تجربة حالية توفر البيانات التي يمكن أن نتحقق منها لتأكيد صحة الوصف..." بدلا من ذلك، "لا يوجد معنى واحد وراء الجملة "الكرسي أسود"، وليس هناك معنى واحد لتجاربنا في أي وقت. يتحقق معنى الجملة من خلال تفاعل المكونات في شبكة اللغة، والتجربة ليست شيئا مستقلا يقع خارج ذلك التفاعل". بالتالي، فإن الجملة خالية من وسائل التحقق المادي من صحتها، وسوف يقوم كلّ منها بتصور معنى مختلف للبيان فيها.
هذه هي أساسيات التفكيكية
(لا توجد هناك) خلاصات
هناك، بالطبع، الكثير من الأفكار في كتاب دريدا مما لم أشر إليه هنا. بالإضافة إلى الجدال ضد إعطاء الأولوية للكلمات، حاول دريدا استكشاف ما إذا كانت الغراماتولوجيا، أي دراسة أنظمة الكتابة، ممكنة أم لا، لكنه لم يصل إلى نتيجة محددة. ويبدو أن الصعوبة التي واجهها تمثلت في أن العلم يسعى إلى الحلول الآنية وينجح في الكثير من الأوقات، على عكس الميتافيزيقا. ويقول إن من المشكوك فيه أن مثل هذه الحلول متاحة أصلا للنصوص. كما أن لديه الكثير ليقوله عن الفلاسفة الآخرين (لا سيما نيتشه وهوسرل وهيدجر) واللغويين (خاصة سوسور وبيريس وجاكبسون). وهو ينتقد الحركتين الفلسفيتين المهيمنتين في عصره، فلسفة الظّواهر والفلسفة البنيوية، باعتبارهما ينغمسان في ميتافيزيقيا الحاضر. أما الجزء الثاني من الكتاب فيقوم بوضع التفكيكية موضع التنفيذ، خاصة بالنسبة لكتابات جان جاك روسو وكلود ليفي شتراوس.
قضى دريدا معظم ما تبقى من حياته المهنية، ولا سيما في الفترة المبكرة منها، بتفكيك عمل الفلاسفة وغيرهم من الكتاب، لإظهار أن معانيهم غير واضحة، وأن نصوصهم غالبا ما تقول أكثر مما يقصدون. هناك الكثير للقراءة، فلقد كان دريدا واحدا من أكثر الكتاب غزارة في الإنتاج.
كان القصد من هذه المقالة هو تقديم مقدمة موجزة لطريقة تفكير دريدا. لا شك أنه كان سوف يكره محاولتي لتقديم مثل هذا الملخص المغلق للمعنى ومراجعه. لكن، وأنا هنا أقتبس منه خارج السياق، لم أكن أريد سوى "إيجاد الصدع الذي يمكن من خلاله رؤية بصيص غير مسمى أبعد من الفتحة التي يمكن رؤيتها" في عمله.