الناظر في الكتابات المتعلقة بما أصطلح على توصيفه بالإعجاز العلمي في القرآن يقف عند نصوص لا حد لها، من كتاب الإسلام يتحدى لوحيد خان إلى كتابات زغلول النجار وقائمة المؤلفات والمؤلفين في هذا المجال كثيرة . غير أننا نريد أن نسوق جملة من الملاحظات لتوضيح الأمر ولنرفع لبسا عمد إليه هؤلاء الكتّاب عمدا محاولين اطلاق صبغة العلمية على أمر هو في الحقيقة ليس بعلمي، وإنما يندرج في باب الإستقطاب الديني والمذهبي تجنيدا للعامة ورغبة في اتخاذها وقودا لمنازع سياسية ومشارب مصلحية.
نجمل الملاحظات في النقاط التالية:
أولاها: إنّ الجمع بين العلمي والديني هو جمع مخادع أساسا وفق ما يراه دعاة القول بالإعجاز لأنّ العلمي هو فعل بشري بمعنى أنّه خاضع لمكاييل بشرية مثل قوانين العقل ومقتضيات التجربة أما القرآني فمتعالي وخطاب مفارق وأبدي كما يرى المدافعون عن مقالة الإعجاز لذلك فالجمع بين أمرين متقابلين تشكيلا وطبيعة ومجال إشتغال يُعدّ تجنّيا على القرآن كما هو تجنّ على العلم أيضا.
ثانيها: تعتبر الحقائق العلمية حقائق نسبية لأنها خاضعة لآلة المعرفة السائدة وأنّ هذه الحقائق العلمية متغيرة بتطور المعارف البشرية لذلك ما عُدّ علما اليوم ربما يُعتبر وهما غدا كما كان حال حقائق الأمس التي تبددت وإستقرت في دوائر الوهم، وعليه فإنّ القول بحقائق علمية في النص القرآني يسيء للقرآن الذي يُفترض أنّ أحكامه مطلقة ، فكيف نعطي توصيفا لشيء ثابت بحقائق متغيرة؟
ثالثها: إنّ القرآن نص إيماني أساسا يخاطب الوجدان أو هكذا يفترض أن يكون وليس كتاب حقائق علمية والباحث عن العلمي والتاريخي في هذا النصّ سيقع في مطبّات تسيء للنصّ أكثر مما تنصفه.
إنّ القرآن كتاب إيماني يتنزّل في الدائرة القيمية وليس كتاب علم أو سياسة ومن يحاول أن يزجّ به في هذه المسائل إنما يقصد الإساءة إلى هذا النصّ طمعا في تحقيق مصالح سياسية و مدفوعا برغبة مستحكمة في الإعتداء على حق الناس في الحرية ومحكوما أيضا بتوق مرضي إلى أزمنة بائدة تكريسا للرجعية وتعميقا للتخلّف عن ركب الإنسانية السائر حثيثا إلى أزمنة جديدة...