لا يخفى عن متابع التاريخ، أن معركة العقاب سنة 609ه/1212م، شكلت منعطفا لتراجع المسلمين في الأندلس، لكن ما يذهل أن هذه المعركة تفصل عن معركة الأرك سوى سبعة عشر عاما والتي حقق فيها الموحدون انتصارا كبيرا، هذا يجعلنا نطرح عدة تساؤلات حول هذا التغير الكبير بين القوتين الأيبيرية والموحدية في مدة قليلة، وبالتالي الأيبيريون حققوا انتصارا كان له الأثر الكبير في تتابع سقوط بلاد الأندلس وتراجع الهيمنة المغربية في رقعة العالم المتوسطي.
إن انهزام الموحدين في معركة العقاب أسس لمرحلة جديدة ستتسم ببداية الانحطاط الحضاري للعالم الإسلامي، فكانت العقاب مؤشرا لأفول تطور حركة الفكر، حيث ستنتقل شعلة التفوق لضفة الشمالية للمتوسط من جديد. إذن:
_هزيمة العقاب هو بداية تراجع المد الإسلامي في أوروبا الغربية وبداية انقلاب الموازين(استثناء حالة الأتراك). مما يجعلنا نطرح مجموعة من الأسئلة:
ـ أين تتجلى شروط التغير في نمط الإنتاج الفيودالي كشرط حضاري لتحقيق الانتصار على الموحدين؟
ـ ما هي أسباب الجمود الحضاري عند المسلمين كشرط حضاري لهزيمة الموحدين؟
ـ ماهي محددات مسار المعركة كأسباب كانت لهزيمة الموحدين؟
إذن نرى بأن حركة المجتمع الأوروبي خلال القرنين 12/13م، دشنت لتفوق الأوربيين في مجال الحرب وأسلوبها، فيما نلاحظ استمرارا للبنية القديمة داخل حركة المجتمع الموحدي، حيث ظل أسلوب الحرب على حاله مما نتجت عنه أخطاء كثيرة سنتطرق لها في جوابنا على الإشكال الثالث
النقطة الأولى سنجيب فيها عن ما الذي حصل داخل المجتمع الأوروبي عموما والأيبيري خاصة لينعكس على تطور الأسلوب الحربي وتطور تكتيك وتقنية الحرب
عرف المجتمع الأوربي بداية من القرن الثاني عشر بداية لحركة فكرية اجتماعية ودينية واقتصادية ستنعكس على نمط الإنتاج الفيودالي، فكانت هذه الفترة الإرهاصات الأولى لرأسمالية وهذا يتجلى في مجموع مؤشرات مثل:
- نمو المدن
- بداية لحركة فكرية وعلمية
- قيام الحركة الصليبية
- بداية النشاطات التجارية[1]
- مساهمة الإشعاع العلمي والثقافي العربي من باب الأندلس في انتقال الحركة الحضارية إلى أوربا، يؤكد هذه الفكرة نشاط الترجمة إلى اللغات الأوربية[2]
وبالتالي انتقال العلوم من جامعة القرويين ومدرسة القيروان خاصة من طليطلة إلى بروفاس واللورين وألمانيا وأوربا الوسطى وبريطانيا[3]
وهكذا نجد عبور الثروة العلمية العربية إلى أوربا، حيث مكنتها من النهوض، عكس المسلمين الذين لم يستفدوا منها[4] كما أن هذا التحول أدى لحركة المجتمع الأوربي وبداية التفوق للعالم المسيحي(الإيبيري)على العالم الإسلامي(الموحدي)
إذن هذه الحركة جعلت أوربا تنتعش لكن ما العلاقة السببية بالمعركة؟
قدوم فرسان ومحاربين بدعوة ونجدة ملك قشتالة الذي أرسل إلى البابا، وبالتالي مجيء لفرسان من مختلف البلدان الأوربية: فرنسا؛ إسبانيا؛ إيطاليا؛ ألمانيا[5] للمشاركة في معركة العقاب ضد المسلمين(الموحدين)، حيث نستنتج من هذا استفادة الأيبيريين من هؤلاء الفرسان الأوربيين، فأوربا قطعت شوطا في فن الحرب(كما سنتطرق بالأخص للفرسان الفرنسيين وتفوقهم في القتال على السهول وهذا كان كمحدد لانتصار المسيحيين، فمعركة العقاب وقعت في منطقة سهلية+مشاركة فرسان الهيكل).
هذا من جانب أما من جهة أخرى وكمقارنة :
أوروبا خلال القرن الثالث عشر الميلادي، كما نستنتج من حركة المجتمع الأوربي بدأت تعرف الإرهاصات الأولى لرأسمالية وقد أشارنا للمؤشرات على ذلك، أما المجتمع الإسلامي(الموحدون) كان لا زال يعيش داخل نمط إنتاج عبودي، حيث نجد في أحد المقالات التي تتحدث عن معركة العقاب انه شارك في معركة العقاب في الصف الموحدي حوالي 3000,0 عبد[6]، هذا إن دال على شيء سيدل على نمط إنتاج عبودي
هكذا أوربا قطعت شوطين (فيودالي+إرهاص رأسمالي مقابل الموحدين، عبودي)، وبالتالي نستنتج حضور التفوق الحضاري لأوربا كعامل لتفسير انتصار المسيحيين، كذا فهزيمة الموحدين كان أمرا حتميا وموضوعيا لتغير حركة التاريخ لصالح أوربا.
أما النقطة الثانية التي تشير إلى جمود التقدم الحضاري عند الموحدين، أو بمعنى آخر ما الذي حدث داخل بنية الإنتاج الموحدي لي استمرارها وعدم تطورها
إن العقيدة الموحدية استمرت تقريبا مع الدولة الموحدية إلى غاية الخليفة المامون الذي حاول استئصال جذورها ودعا إلى مذهب السنة[7]
ـ من خلال هذه الفكرة يتبين لنا استمرارية الإيديولوجية الدينية والسياسية التومرتية كوسيلة لبسط السلطة الفقهية والعقدية كوجه من أوجه الحفاظ على السلطة السياسية للدولة وبالتالي الحفاظ على نفس علاقات الإنتاج واستمرار لتشريع المحافظ الفقهي التومرتي كقيد ينتج نفس الإنتاج بدون تغير
ـ التصدي للفكر التنويري الرشدي كسبب من أسباب جمود التقدم الحضاري، وهكذا رفض لرافد من روافد الحركة، حيث نجد أن أوربا قد استفادت من شروح ابن رشد لفلسفة أرسطو[8]
نستنج من هذا رفض الفلسفة كضرورة لتحقيق التقدم في المقابل أوربا التي أخذت هذه الفلسفة الرشدية والتي أخذت عن المسلمين شروط الحركة الحضارية
- عدم استفادة العرب المسلمون من علومهم فتأخروا في المقابل، نجد انتقال هذه العلوم إلى أوربا التي استفادة منها، كما نجد أن هذا الانتقال حدث عن طريق الأندلس [9]
- استمرار لنمط إنتاج عبودي:
إن هذا يؤكده وجود عدة إشارات مصدرية التي تحدثت عن السبي الذي كان في الدولتين المرابطية والموحدية للمناوئين والمعارضين لمشروعهم السياسي، حيث كان مصيرهم الاسترقاق [10]
كما نلاحظ حضور الاسترقاق كمجال من مجالات اقتصاد الدولة الذي كان يعتمد على الحرب وخاصة عند الموحدين الذي كان بصفة كبيرة [11]
نرى من خلال هذا أن الرق تجدر في الدولة الموحدية، وبالتالي استمرارا لنمط إنتاج عبودي
هكذا ساهمت انتقال شروط الحركة التاريخية الحضارية من العالم الإسلامي إلى أوربا كمؤسس حقيقي للهزيمة، ومارد ذلك أن أوربا بدأت تتطور، وبدأت تنتقل من الركود الحضاري إلى الحركة الحضارية، وبالتالي فهذه الحركة ستنعكس على المجتمع الأوربي وعلى مختلف مجالات الحياة ومنها الحرب، عكس الموحدين الذين يعكسون وجه من أوجه العالم الإسلامي، حافظوا على البني التقليدية وبالتالي خفوث للازدهار والتطور، فكان الأمر الواقع لهذا التغير كشرط من شروط الهزيمة بين الموحدين والإيبيريين، لهذا أعتبر هذه الهزيمة بكونها هزيمة حضارية أكثر منها عسكرية لأنها دشنت لعهد جديد في العالم المتوسطي بين قطبية :العالم الإسلامي/العالم المسيحي، كما ستكون هذه الهزيمة بداية لتراجع المسلمين وبداية الإخفاق في المقابل بداية التفوق الأوربي والازدهار.إذن: كيف انعكست شروط التقدم الحضاري بين المسلمين والمسيحيين على ظروف المعركة؟ أو بمعنى أخر كما أشارنا في الإشكالية. ما هي محددات هزيمة الموحدين وانتصار الأيبيريين؟
عانت الدولة الموحدية في عهد الخليفة الناصر بمجموعة من الأزمات:
- أزمات طبيعية:مثل الزلزال الذي وقع سنة 600ه/1204م، ثم ستضرب المغرب مجاعة وغلاء عمت كل مناطق المغرب سنة 607/1210م[12]
- أزمات سياسية: واجهت الدولة الموحدية في عهد محمد الناصر عدة مشاكل سياسية منها عدة ثورات كثورة قبيلة غمارة البربرية في الأطلس وثورة يحيى بن غانية في أفريقية، إلا أنه تم القضاء على هذه الثورات[13]
من خلال هذه المعطيات يمكن أنستنتج أن هذه الأزمات التي واجهت الدولة الموحدية قد أثرت على وضعيتها الاقتصادية قبل معركة العقاب
نعتبر هذه المحددات كعوامل غير مباشرة، لأن الموحدون تفوقوا على مستوى عدد الجيش والعتاد الحربي كما تذكر المصادر
- الجيشان:
1. قوة الجيش الأيبيري:
_عودة الصليبيبن المنهزمين في فلسطين إلى مسارح القرصنة والارتزاق في البحر الأبيض المتوسط
_تحالف ألفونسو الثامن ملك قشتالة(1158-1214) مع فرسان الهيكل[14]هؤلاء الفرسان عادوا من المشرق[15](الحروب الصليبية) وشاركوا في المعركة
نستنتج من هذا استفادة القشتاليين من فرسان الهيكل الذين كانت لهم الخبرة والدراية في مواجهة الجيوش الإسلامية
_مشاركة بعض المحاربين الفرنسيين الصلبيين في صف القشتاليين [16]، تميز هؤلاء الفرسان الفرنسيين في القتال على السهول)، ونحن نعلم أن المعركة قد وقعت في منطقة سهليةlas navas
ما يمكن أن ضيفه إلى هذا أن هذه القوة كانت نتيجة لتضافر هذه العوامل فيما بينها تحت لواء تطور فن الحرب(تطور الفروسية الأوروبية قطعت أشواط مهمة+الاتحاد ولو كان تحت لواء ديني لكننا نراه انه كان لنتيجة وعي+سلاح فرسان الهيكل)
2. ضعف الجيش الموحدي:
_وجود مرتزقة في صف الجيش الموحدي من الكتائب القوطية التي دسها ملوك و أمراء القوط، حيث أول فرقة انهزمت وانضمت وحداتهم المنهزمة لجيش العدو[17]
_غياب تجانس في الجيش الموحدي [18]
_وجود متاعب اقتصادية ومالية[19] نرجح أن هذه المتاعب تسببت فيها تلك الأزمات التي عانت منها الدولة
فيما يرى بعض المؤرخين أن من أسباب الهزيمة:
_افتقار وجود قيادة عسكرية في جيش الموحدين
_فقدان الانسجام بين السلطة والأندلسيين وعدم وجود تنسيق حربي كامل وهيئة قيادية مسئولة[20]
_ هذا من جانب من جهة أخرى سبقت المعركة عدة أمور من بينها أن الناصر قطع مسافة طويلة للعبور للأندلس ثم حصاره للبرج.... قبل المعركة،،،،،مما أدى إلى إجهاد للجيش الموحدي(تحتاج لإحالة)
نخلص من هذا كله أن واقعية الحركة والوعي داخل المجتمع الأوربي عامة والأيبيري خاصة قد ساهم في انتصار الأيبيريين لأن موازين القوة بدأت تتغير بتطور الأوربيين عن الموحدين، فكانت هزيمتهم تبعا لصيرورة تاريخية انعكست في ميدان المعركة، بالإضافة أن هذا التغير ساهم في بلورة مجموعة من الشروط و العوامل الموضوعية المتداخلة التي مهدت لهزيمة العقاب609ه/1212م.
هذه الهزيمة تمخضت عن بداية لشرخ بين حضارتين حكمتهما إنتاجات مختلفة. فهذا الشرخ كان وليد لتحولات متدرجة ولم يكون وليد للحظة وحيدة ولا لحدث واحد.فكانت معركة العقاب إذنا بنهاية أوربا الأندلسية واستكمال للجغرافية القوطية التي ستدخل في مخاض عسير وصراع مرير مع الوعي الإنسي وبدايات تجليات عقلية التفوق العلمي لأوروبا
[1] محمود سعيد عمران: حضارة أوربا في العصور الوسطى،دار المعرفة الجامعية،1998،ص212
[2] الأستاذ نجيب زبيب: الموسوعة العامة لتاريخ المغرب والأندلس،تقديم أحمد بن سودة،ج:2،دار الأمير،بيروت،ص388
[3] نفسه،ص391
[4] نفسه،ص391-392
[5] مارمول كاربخال:إفريقيا،ج.1،ترجمة عن الفرنسية:محمد حجي،محمد زنبير وآخرون،مكتبة المعارف للنشر والتوزيع،ص369
[6] الحسين أسكان،"المالية الموحدية".ضمن كتاب:وقفات في تاريخ المغرب،دراسات مهداة للأستاذ بوطالب،تنسيق:عبد المجيد القدوري،منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط،،ط1،مطبعة النجاح الجديدة،الدار البيضاء 2001،ص82
[7] أميروسيو هويثي ميراندا:التاريخ السياسي للإمبراطورية الموحدية،ترجمة:عبد الواحد أكمير،ط:1،2004،منشورات الزمن،ص465
[8] الأستاذ نجيب زبيب،مرجع سابق، ص374
[9] نفسه،ص391-392
[10] عبد الإله بنمليح:الرق في بلاد المغرب والأندلس،الانتشار العربي،ط:1،2004،ص135
[11] نفسه،ص138
[12] محمد مغراوي:الموحدون وأزمات المجتمع،ط1،جذور للنشر،الرباط،2006،ص165
[13] بروكلمان.تاريخ الشعوب الإسلامية.صص329-330
[14] الأستاذ نجيب زبيب،مرجع سابق،صص 395-396
[15] نفسه،ص 397
[16] نفس المكان
[17] نفسه،ص398
[18] نفس المكان
[19] نفس المكان
[20] نجيب زبيب، مرجع سابق،،صص398-399