لاشك أن عنوان المقال يحيل على موضوع مهم لم تفرّد له دراسات متخصصة تتناوله من زوايا مختلفة إلى جانب محاولة في التأصيل التاريخي، و يتعلق الأمر بالعلاقة القائمة بين الفلاح والأرض من جهة والسلطة القائمة من جهة أخرى، فمن خلال تفحصه للوهلة الأولى تتبادر لذهن القارئ عدة أسئلة من قبيل: لماذا أدرجنا عبارة الفلاح بين عبارتي الأرض والسلطة، وإن كان الهدف سلفا من الدراسة الكشف عن تاريخ فئة مهمشة في تاريخ المغرب "الفلاحون" في علاقتها بالأرض والسلطة؟ وما علاقة الأرض والسلطة بالفلاح أو بالأحرى كيف ساهمت في تحديد وضعيته وأدواره في مجتمع تقليدي يتكئ على ما تجود به الأرض؟ وإلى أي حد حسمت سلطة الأرض التمايزات الاجتماعية التي تخللت المجتمع الوطاسي وحددت مستوى عيش فئاته؟ وما علاقة الإسناد الغير مشروع للأرض في حسم تمايزات فئة الفلاحيين في فترة سياسية صعبة عاشها المغرب كانت الحاجة فيها ملحة لمن يتطوع لأعمال الفلح وبالتالي توفير القوت ؟ وهل تسمية الفلاح تطلق فقط على المالك للأرض أم تتجاوزه إلى الممتهن الغير مالك لها أو ما يعرف ب " فلاح بدون أرض"؟
هكذا إذا يعكس العنوان إلى حد بعيد الإشكالات التي سنجيب عليها في إطار علاقة من التفاعلات ذات البعد الاقتصادي والإجتماعي والسياسي، معتمدين في ذلك على منهجية هادفة بالأساس إلى إعادة قراءة ما جادت به بعض المصادر والمراجع على قلتها.
بلغت التحولات في المجتمع المغربي خلال الفترة الوطاسية مداها على جميع الاصعدة: الإقتصادية والإجتماعية والفكرية الثقافية بل وحتى العقلية. لقد كان للأزمات السياسية والكوارث الطبيعية أثرها الكبير في شيوع سلوكات و أنشطة وميولات واختفاء أخرى. أصبحت فيما بعد أشكال ممارسة وتفكير ساد المجتمع بكل فئاته و أفراده، منتجة بعض الصور والمواقف والتمثلات، سرعان ما باتت عقلية نظرت للأشياء وفق المتحكم فيها والراسخ، وانعكست على سلوك الأفراد وأفكارهم ومشاعرهم في مواقف التفاعل مع الآخرين(الأفراد) ومع الطبيعة، كما حددت منازلهم ومراتبهم مفرزة تمايزات إجتماعية صارخة إذ رفعت بعضهم فوق بعض درجات، وكان الفلاح الضحية الذي عانى من تسلط وتعسف الفئات النافذة، فإذا كان هو المدافع عن وحدة السلطة واستقرارها والضمان لموارد خزينتها، فإنه كان آخر من يعلم بحقوقه وما يدور في فلك السلطة الحامي لها. لقد كان فاعلا في مجريات الأحداث صانعا للتاريخ بجهده العضلي إلا أن وضعيته الإجتماعية ومستواه الثقافي لم يسعفاه في كتابته، وهو الأمر الذي تنبه إليه الباحث التونسي عبدالهادي التيمومي في أطروحته لنيل الدكتوراه سنة 1997 والموسومة ب "الاستعمار الرأسمالي والتشكيلات الاجتماعية ما قبل الرأسمالية: الكادحون الخمَّاسة في الأرياف التونسية (1861-1943)": "لقد كان العمال الخماسة والمزارعون عموما فاعلين اجتماعيين "صامتين"، وهذا عيبهم الكبير ، فلم يدر بخلدهم أبدا أن يدونوا تاريخهم بأنفسهم، ولم يكونوا قادرين على ذلك حتى ولو أرادوا نظرا إلى الأمية الدامسة التي كانوا يتخبطون فيها –خلافا لما كان يفعله أسيادهم-، فقد كان هؤلاء –وأغلبهم من الحضريين والمتعلمين- يهتمون بالتاريخ لأنفسهم وتدوين ذلك التاريخ ، فحققوا بذلك انجازات ثقافية كان لها من المناعة والصلابة ما مكنها من الصمود أمام غوائل التاريخ والبقاء إلى اليوم"[1].
- نبذة عن الفترة المدروسة:
يلخص أحمد بن خالد الناصري السلاوي ما أصاب البلاد من أزمات أيام بني وطاس وما أحدثته من أثر جسيم في نفوس الناس، في قول معبرا جدا وهذا بعضا مما جاء فيه؛ "واعلم أنه كان في صدر هذه المائة العاشرة أمور عظام منها ظهور الفرنج بالديار المغربية واستيلائهم على ثغورها بما لم يعهد مثله قبل ذلك لاسيما البرتغال والاصبنيول[...] ومنها ظهور الأولياء وأهل الصلاح من الملامتية، وأرباب الأحوال والجذب، في بلاد الشرق والغرب، لكنه انفتح به للمتسوّرين على النسبة وأهل الدعوى باب متسع الخرق ، متعسر الرتق، فاختلط المرعى بالهبل وادعى الخصوصية من لا ناقة له فيها ولا جمل، وصعب على جل الناس التمييز، حتى بين البهرج والإبريز، لاسيما العامي الغمر، الذي لا يفرق بين الحصباء والدر"[2].
يزكي ابن يجبش التازي وهو المعاصر، الصورة الواضحة التي قدمها الناصري في قول لا يقل تعبيرا عن النص السابق، هدف من خلاله استنهاض الهمم : "فلم فرغت من انشاء هذه الجملة ، التي تكون ان شاء الله سببا لتنبيه الخلق مما هم فيه من الغفلة تأملت حال الإخوان، وما هم فيه من الكروب والذلة والهون، نسأل الله العظيم أن يفك أسرهم ، وأن ييسر لسبيل النجاة أمرهم، فأدركتني عليهم شفقة الإيمان، وترنمت بين جوانحي بلابل الأشجان، وهطلت بواكف عبرتها العينان..."[3] .
هكذا تضافرت مجموعة من العوامل في إحداث خلخلة بنيوية عميقة مست كل الجوانب في مغاربة الفترة بما فيها النفسية والعقلية؛ كان لانتشار الفوضى بسبب ضعف السلطة المركزية والحروب الشبه الدائمة بين القبائل، إلى جانب الغارات البرتغالية والإسبانية وردود الفعل المغربية الناجمة عنها، ناهيك عن تفشي المجاعات والأوبئة الجارفة. سقوط المغرب في أزمة عامة وحادة جعلت المغاربة يشعرون بعدم الاطمئنان على أنفسهم وذويهم وممتلكاتهم. لذا أضحى الخوف من الموت حسب الأستاذ أحمد بوشرب أهم مشكل يواجه المغربي خلال الفترة، الأمر الذي تولدت عنه أزمة ضمير حادة تجلت بشكل واضح في التفسير الذي أعطاه المغربي لمشاكل عصره، وفي المواقف الذهنية التي وقفها منها، وأخيرا الحلول التي تصورها لتجاوزها أو على الأقل للتخفيف من حدتها[4].
2. الأرض والتمايزات[5] الإجتماعية : محاولة في التأصيل.
لماذا عبارة التمايزات في؛ "الأرض والتمايزات الإجتماعية" وليس "الأرض والطبقات الإجتماعية" مثلا ؛ اخترنا عبارة التمايز عوض الطبقة لأننا خصوصية المجتمع أنذاك تبدو بعيدة كل البعد عن خصوصية مجتمع طبقي بالمفهوم الحالي، ولذلك ارتأينا الى استخدام هذه العبارة إلى جانب التشكيلات وهي تحيل في هذا المقام على المراتب والمنازل، والأصناف حسب طرح الأستاذ محمد ياسر الهلالي في أطروحته مجتمع المغرب الأقصى خلال القرنين الربع عشر والخامس عشر: مساهمة في دراسة بعض مصطلحات التراتب الإجتماعي.
يعتبر موضوع حيازة الأرض في علاقته بالمجتمع خلال نهاية العصر الوسيط وبداية الحديث، من المواضيع الهامة التي لم تخصص لها بعد دراسة متفردة ومتكاملة، على الرغم من أهميتها في الكشف عن بعض الجوانب الهامة من تاريخ المغرب الإقتصادي والإجتماعي والسياسي، وذلك من منطق أن ملكية الأراضي الزراعية، وطرق استغلالها، ونظام إدارتها لا يضاهيها شيء في أهميتها بالنسبة لحياة الإنسان الإقتصادية وفي تأثيرها على التجمعات السكانية عامة، والمجتمع القبلي القروي على وجه الخصوص. نهدف من وراء إثارة هذه النقطة إماطة اللثام عن صفحة جديدة من تاريخ المغرب الإقتصادي والإجتماعي في الفترة الوطاسية، من خلال الوقوف على أهم التمايزات التي طرحتها ملكية الأرض على مستوى الفئات الإجتماعية المرتبطة بها، وأثر ذلك على الإنتاج والعلاقات الإجتماعية.
تخللت المجتمع المغربي تمايزات [6] وتدرج إجتماعي إستنادا إلى معطى الأرض، حيث كانت ملكية الأرض هي أساس العلاقات الإجتماعية لا من حيث الجاه فقط، بل وأيضا من أجل إكتساب الثروة وتبوء مكانة إجتماعية متميزة. وقيست هذه التمايزات بما تملكه الفئات المكونة للمجتمع المغربي. لقد شكل الإقطاع نظاما عقاريا بارزا خلال الفترة الوطاسية ترتب عنه بروز فئتين رئيستين تتمثلان في الإقطاعيين الذين كانوا يشكلون قلة عددية ،والفلاحون ومن يدور في فلكهم ، الذين كانوا يمثلون أكثرية كوانين المغرب الوطاسي، مستغلين من طرف الفئة الأولى في العيش على أتعابهم وطاقة عملهم.
أمكننا تصنيف هذه التمايزات على أساس ما تملكه كل فئة من الأرض على الشكل الآتي: (استندت لهذا التصنيف مراعيا خصوصية الفترة المدروسة ، منها أن السلطات اللامركزية لم تكن في كثير الأحيان أقل مكانة وحظوة من السلطة المركزية، بل على العكس من ذلك حقق إقطاعيو بعض الجهات ثراء فاحشا تجاوز ما اكتنزه صندوق خزينة الدولة، فحظوظ أفراد المخزن خلال الفترة كانت متساوية إلى حد قريب، عكس الفترات السابقة التي كان فيها مخزن المركز أكثر نفوذا من الهامش. إن عبارة الإقطاعيين المخزنيين جمعنا فيها كل أطياف المخزن. محاولين التخصيص بالنظر لشاسعة التقطيع الإجتماعي الذي عرفه المخزن بدوره.).
وجب التنبيه لبعض الأمور المهمة التي تخل برصانة الباحث؛ وأعظمها التنزيل والتأطير المفاهيمي لدراسته، ففي هذا الباب صادفنا في التقسيم التراتبي الذي وضعناه للتمايزات الإجتماعية، إشكالية تنزيل المفاهيم المؤطرة ومحاولة بلورتها وفق خصوصية الفترة المدروسة ، وما كان من ذلك إلا أن يفرض علينا بقوة -تماشيا مع منهجية البحث وخطته-، تأطيرا مفاهيما ينير درب الوصول إلى المبتغى ،ألا وهو تفادي الإسقاطات المحرجة لمفاهيم غير كفيلة بالتعبير عن فحوى المعنى الذي نخصه. ومعلوم أننا وجدنا من الصعاب الكثير في سبيل التخصيص والتنزيل إلا أننا حاولنا قدر المستطاع تحقيق المراد، رغم التعقيد الذي لحق بعضا من المفاهيم المفاتيح للمسألة التي نحن بصددها؛ والتي تبدو حاملة لمعالم الترادف والاشتقاق[7] تارة والاختلاف والتباعد إن لم نقل التناقض تارة أخرى، وتبقى النماذج المقدمة خير دال على ذلك، ومن المفاهيم المهيكلة التي طرحت نفسها بقوة نجذ:
- إقطاع:
كلمة إقطاع في اللغة من: أعطى، منح ، وهب ،أباح ، وكل لفظ يعطي معنى الهبة. والإقطاع مأخوذ من أقطع يقطع أي أعطى قطعة، وأقطعه قطيعة أي طائفة من الأرض[8]، والإقطاع يكون تمليكا وغير تمليك[9].
اصطلاحا: فالإقطاع هو ما يخص به الخليفة أو الإمام بعض الرعية ممن يراه أهلا لذلك من مال أو أرض. وأكثر ما يستعمل في الأرض، إما بأن يجعل له رقبتها وإما بأن يجعل له غلتها[10]، و الإقطاع بهذا المعنى يقضي بأن يملك الحاكم نوابهم أو بعضا من رعايتهم بشكل عام قطائع من الأرض على سبيل المنحة، والإقطاع بذلك يخول للمالك أن يتحكم في الأرض ومن فيها من الأفراد.
وجب التنبيه إلى أمرين اصطلاحين مهمين: الأمر الأول؛ ان مدلول الكلمة المستعملة عند العرب المسلمين، لم تكن واحدة، بل اختلفت من فترة لأخرى، مثلها في ذلك مثل الكثير من المصطلحات التي اختلفت مضامينها ومعانيها تبعا للزمن والظروف السائدة والمستجدات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. الأمر الثاني؛ ضرورة التمييز بين مصطلح إقطاع كما استعمل عند العرب المسلمين، وبين كلمة إقطاع كما استعملت في القرون الوسطى الأوروبية، فالمصطلحان يختلفان كثيرا من حيث مضمونهما وطبيعتهما، خاصة لجهة حقوق المقطع وواجباته ودوره.[11]
نشأ الاقطاع أو الإقطاعة قبل الفيودالية، واستمر حتى بعد تلاشي هذه الأخيرة إلى غاية القرن الثامن عشر في فرنسا على وجه التحديد. إنها وحدة للإنتاج الزراعي ولتوجيه البشر؛ ومعنى ذلك أن الإقطاع في أوروبا كان حاملا للتغيير، من حيث تطور قوى الإنتاج ، كالتقنيات وأساليب خدمة الأرض ونمو المردودية ، من جهة ، ومن حيث تحول علاقات الإنتاج، المتمثلة في تلاشي السخرة وتحول الريع من الصيغة العينية إلى الصيغة النقدية، من جهة ثانية. ثم لا ننسى مظهرا أخر من مظاهر الفيودالية ، ألا وهي التراتبية الإجتماعية الطبقية المتعارضة مع البنية القبلية التي ظلت سائدة في المغرب، والتي كانت أوربا قد قضت على بقاياها في العصر الفيودالي هذا[12] .
تعود أسباب ظهور وتنامي ظاهرة الإقطاع في الفترة الوطاسية إلى ضرورة اقتضتها ظروف المجتمع المخزني الوطاسي المغربي آنذاك ومن أهمها :
- ضعف السلطة المركزية الوطاسية وعجزها عن صد الهجمات الإيبيرية .
- محاولة بني وطاس استتباب الأمن بالمغرب وتوحيده ، بعدما ورثوا الفوضى أعقاب حروب السعيد؛ فكان السبيل لذلك نهج سياسية إرضاء القوى الحيوية آنذاك من الأعيان والمتصوفة. وهو الخيار الذي تبلور في ظاهرة الإقطاع بنوعيها المخزنية والدينية .
- ضعف المخزن وتنامي سلطة الأعيان من الأمراء والشيوخ والقواد بالموازاة مع تنامي شوكة القبيلة.
- بروز قوة السلطة الدينية "الزوايا والمتصوفة"، وانتقالها للعب الأدوار السياسية بالإضافة إلى الدينية والإجتماعية.
إن نظام الإقطاعي المغربي في الفترة تميز بطابع إنتاجه التقليدي، وكانت فيه مكانة طبقة اقطاعيو المخزن إلى حد ما توازي نوعا ما مع بعض الإختلاف الضفيف مكانة طبقة الإقطاعية الدينية، عكس النظام الإقطاعي الأوربي الذي كانت فيه طبقة رجال الدين القائمين على أمر الكنيسة والرهبان فوق طبقة الأسياد ملاك السلطة والأرض. هنا يبرز سؤال على الشاكلة الآتية : هل نحى الإقطاع في الفترة المدروسة منحى النظام الفيودالي الأوربي الذي يلغي مفهوم الدولة والمواطنة وبالتالي السلطة المركزية، وركز على إعطاء السيادة للإقطاعيين والأغنياء. رغم الفرق الشاسع بين المفهومين ومجالهما في البنيات السياسية الإقتصادية والإجتماعية وحتى الذهنية. تدفعنا بعض نماذج مغرب الفترة الوطاسية إلى الرد بالإيجاب، إلا أن التمعن في البنيات السالفة الذكر، يدفعنا إلى الإقرار بالطابع الإقطاعي الخاص للمغرب لا يصل حد النظام الفيودالي[13] البعيد عنه، ذو البنية المعقدة.
- الفيودالية[14]:
إن الشائع في أوساط الباحثين أنه نظام إقتصادي واجتماعي وسياسي، يلغي مفهوم الدولة والمواطنة ويركز على إعطاء السيادة للإقطاعيين والأغنياء من خلال مجموعة من العادات والتقاليد والأعراف و أساليب العيش. بيد أن مفهوم الفيودالية يغدو أعمق من ذلك بكثير حسب ما أورده أبرز المؤرخين الفرنسيين مارك بلوك في كتابه الشهير "المجتمع الفيودالي"[15]، اذ يعتبرها تلك البنيات الإقتصادية والاجتماعية والقانونية[16] التي أطرت المجتمع الأوربي ما بين القرن العاشر والقرن الثالث عشر، من اقطاعة[17] وعلاقات تبعية[18] وفروسية ، مع ما ارتبط بها من ممارسة سياسية على المستوى المحلي[19]. بينما صنفها "جورج دوبي"[20] أبعد من ذلك لتشمل طريقة عيش، سلوك اجتماعي ، وعقلية.[21] إستنادا إلى هذا التعريف، من الصعب الجزم بشيوع هذا النظام في هذه الفترة المتأخرة من تاريخ المغرب. على غرار أوربا في الفترة السابقة.
- الفلاح.
طرحت علينا هذه العبارة نفسها بقوة أثناء التصنيف الخاص بالتمايزات الإجتماعية، ولحسن حظنا تنبهنا لذلك تفاديا لما من شأنه أن يحدث لبسا. إن الفلاح بمعناه المتداول اليوم في لغة العامية ليس ذاك المعنى الخفي الدقيق. فعبارة الفلاح في لسان العرب من الفلح مصدر فلحت الأرض إذا شققتها للزراعة، وفلح الأرض للزراعة يفلحها فلحا إذا شقها للحرث والفلاح [..] وإنما قيل له فلاح لأنه يفلح الأرض أي يشقها وحرفته الفلاحة والفلاحة بالكسر الحراثة ؛ وفي حديث عمر رضي الله عنه قال، اتقوا الله في الفلاحين يعني الزّرّاعين الذين يفلحون الأرض أي يشقونها[22]، من خلال تعريف لسان العرب يبدو أن الفلاح هو كل شخص يمتهن شق الأرض وفلحها، إن كانت أرضه أو أرض غيره.
تحيل كلمة الفلاح إلى مالك الأرض الذي يتوفر على وسائل خدمة الأرض وعلى خبرة تدبير أمورها، كما توحي الى الشخص الغير مالك للأرض والذي غالبا ما ينعت ب الخماس ، وتذكر النصوص التاريخية نعوتا أخرى ذات دلالة هي أيضا، الحرّاث، والعامل الفلاحي الذي يملك عمل يده[23]، وقد اشتهروا هؤلاء العمال بامتهان تخصص واحد من داخل أنشطة الفلاحة كالشوالة والسقطة وغيرهم... ، جرت العادة أن تكون هذه المهن موسمية وغير دائمة؛ لقد ساعدنا الوقوف على تحديد مفهوم عبارة "الفلاح" في التصنيف الذي قدمنا.
- الأرض والفلاح والسلطة: مبحث في التمايزات الاجتماعية والإسناد الغير مشروع.
شملت هذه الفئة رجال المخزن الوطاسي سواء (المركزي) بالعاصمة فاس أمثال السلطان وأقربائه و وزرائه و باقي حاشيته، أو (المحلي) بباقي الحواضر والقرى والمداشر ممثلا في الأمراء و شيوخ القبائل والقواد وكبار موظفي المخزن، التي ربطتهم علاقة مصاهرة أحيانا[24]. كانت هذه الفئات[25] على إختلاف مشاربها تمثل السلطة المركزية بفاس، لها حرية التصرف في كل شيء مقابل استتباب سلطة المخزن حتى أنها اعتبرت في بعض الأحيان بمثابة السلطان(سلطان محلي)، وهو السائد في بعض القبائل التي لم تكن تعرف سواه، مقدمة له الطاعة وجميع صلاحيات التسيير السياسي. يعد الأمراء المحليين إلى جانب كل من المقدم بالمناطق الشمالية والشيخ بالمناطق الجنوبية من أبرز مظاهر هذه السياسة؛ فللشيخ مكانة[26] مهمة داخل القبيلة باعتباره الحاكم والقاضي والفقيه والمسير إلى حد أننا يمكن أن نعتبره سلطانا في قبيلته كما ورد ذلك في الوثائق التي تنعت بن يوسف الهنتاتي "سلطان وشيخ مراكش والقائد مولاي إبراهيم بالمنطقة الشمالية. لقد نتج عن تعزيز دور واتساع صلاحيات هؤلاء الشيوخ، بروز ظاهرة خطيرة جدا ميزت استقرار المغرب السياسي إبان عهد بني وطاس، إذ لم تعد القبائل مرتبطة بالأرض ،بل بالشخص المتربع على تسيير شؤونها ، تثور لعصيانه ، وتخضع لخضوعه، وأكثر من هذا تموت دفاعا عنه[27] إذ اقتضى الحال، وهو يتبع لهذه السلطة أو تلك حسب مصلحة القبيلة[28]. ويتصدى لأعمال الجهاد ويضع فرسانه تحت إمرة السلطان وطلباته، يضاف إلى تقديمه بعضا من الإتاوات والهدايا لخزينة الدولة تلويحا وتجديدا منه للوفاء الذي يكنه لسلطة فاس[29]. يستمد قوته من الإقطاعات الممنوحة من هذه الأخيرة ، فهو بذلك المسيطر والمالك لأهم وسائل الإنتاج (الأرض). فهذا رئيس جبل تنزيتة" صديق حميم لملك فاس يبعث إليه بهدايا عظيمة"[30].
تناسلت هذه الفئة وتعاظم نفودها أيام ضعف السلطة المركزية مستغلة القلاقل، المانحة إياهم سلطة أكبر على القبائل. التي أضحت دمى تحركها أيديهم في الاتجاه الذي يريدونه[31]. إلى جانب الأراضي التي احتفظ بها السلطان لنفسه أقطع أخرى لإخوته؛ إذ كانت ايرادات مدينة مكناس[32] وجبل كريكرة الواقع بين سهلين كبيرين بناحية السايس تعود لأحد إخوة السلطان الوطاسي ، ويغل كل سهل في المتوسط من السنين عشرة ألاف مثقال[33]. بينما جرت العادة لدى السلطان أن يوزع محصولات ناحية بني وارثين[34] على إخوته الذين لا يزالون صغارا[35]. كما أقطع ناحية السايس لسيد قصر فاس وعاملها[36]. كما أوكل السلطان في غالب الأحيان حراثة أراضيه الخصبة ورعاية ماشيته للقبائل[37] العربية [38] (الطائعة) المتعودة على الترحال وحياة الرعي فما سبق خاصة بالشاوية. هذا في الوقت الذي إنفرد فيه الأمراء[39] المحليين والشيوخ والقواد بأخصب أراضي المناطق الرعوية والزراعية (في إطار ازدواجية الملكية) التي يدرونها تحت لواء بني وطاس، تاركين لرعاياهم أراضي أقل أهمية ذات مساحات ضيقة، مستغلين في المقابل قوة عملهم.
لم تسلم القبيلة[40] هي الأخرى من التمايزات الصارخة ،حيث كان المجتمع القبلي يخضع لتدرج فئوي وفق تملك الأرض بالموازاة مع المكانة وشوكة بطن القبيلة المنحدر منه. إن شيخ الشيوخ وأميرها يوحي مباشرة إلى تدرج المراتب داخل القبيلة الواحدة، بمعنى أن الشيخ أو المقدم كان محاطا بشيوخ مساعدين له ومشاورين في اتخاذ القرار، مراتبهم محددة أساسا على ما يملكونه من أرض وكذا إنتمائهم لأقوى بطون القبيلة شوكة، فهم بدورهم استغلوا ما أقطع من طرف الدولة. يذكر الوزان أنهم في بعض القبائل كانوا من نفس الدرجة يتناوبون على السلطة[41]، وهذا الأمر كان ناتجا أحيانا عن انصهار القبائل بينها سواء العربية أو البربرية أو البربرية العربية في آن واحد في شكل اتحادات كبرى[42] أو ما نسميه "باللف القبلي"[43] كما حدث في باديتي سوس وصنهاجة، إلى حد أن القبائل العربية نسيت عاداتها العربية مثل قبائل أولاد عمران[44]. التي تكيفت مع باقي القبائل وتأثرت بظروف الإستقرار، لتعاطي الزراعة الى جانب نشاطها الرعوي.
غنية هي كتب الرحلات الجغرافية المواكبة للفترة بالأمثلة الحية عن التمايزات المذكورة. فمن حسناتها أنها صوبت إهتمامها لفئة الأعيان المستغلة للمساحات الواسعة من الأراضي المقطوعة لهم من طرف الدولة[45]. عمل فيها مجموعة كبيرة من الفلاحين وتارة قبائل على أساس الأنماط الإستغلالية المختلفة التي سبق الإشارة إليها. لم تكتفي هذه الفئة بقوة عمل الفلاح الصغير ، وإنما ألزمته بتقديم حصة من الإنتاج المخصص له في اطار الجبي المخزني المفروض الذي اضطر الشيخ تقديمه للسلطان . يضاف إلى أنها كانت تستفيد من أعمال السخرة والحماية المقدمة من طرف الفلاح، ومعلوم أن هذه الامتيازات اختلفت من منطقة لأخرى ومن إقطاعي لآخر تماشيا مع العلاقة التي تربطه برعاياه . عموما تبوئة هذه الفئة صدارة الهرم الإجتماعي بمغرب الفترة الوطاسية ، محققة ثراء فاحش في وقت فرغت فيه خزينة الدولة، وسار الفارق بينها وبين الفئات الأدنى شاسعا جدا. تنبه له كل من الوزان وكربخال واستدلوا عليه بالتمايزات على مستوى نوعية اللباس الفاخر وطرقية الارتداء، وكذا بمستوى معيشي جيد وبعلاقات إجتماعية مع الأقران من نفس الدرجة (الزواج).
شملت هذه الفئة الشرفاء والأولياء ومقدمي ومشايخ الطرق الصوفية وحظيت بمكانة متميزة في الهرم الإجتماعي المغربي ،لا تقل عن الفئة السابقة خاصة خلال الأيام الصعبة _والفترة المدروسة لا تخرج عن هذه الإطار_. تركزت عبر ربوع البلاد عددا من الزوايا الدينية، حتى لا تكاد قرى متجاورة تخلو من زاوية يلجأ إليها الناس، ويلتمسون من وليها أو صالحها البركة. وفي هذا الصدد يقدم لنا صاحب الدوحة مثال حي لذلك بخصوص عبد الله بن حسين الذي غادر تمصلوحت واستقر بوادي نفيس، فلما رأى أهل القرية ذلك حملوا نسائهم والتحقوا بالشيخ وقالوا والله لا رجعنا إلى ديارنا إلا إذا رجعت معنا[46]. ما كان من ظروف الفوضى والحوائج المتفشية إلا أن تزكي من مكانة رجال الزوايا و المتصوفة [47] لدى الحكام، حتى أصبح الوطاسيون يعملون على التقرب إلى الأولياء بالهبات والعطاءات، بل وإن أبواب القصر كانت مفتوحة في وجههم؛ فهذا علي بن أحمد الدوار الصنهاجي كان "يدخل ديار ملوك بني مرين (بني وطاس) فيتلقاه النساء والأولاد فيقبلون يديه وقدميه فلا يلتفت إلى أحد ، ويدفعون إليه الحوائج الرفيعة والذخائر النفيسة، ويلبسه السلطان من أشرف لباسه"[48]. تعود هذه المكانة التي خص المجتمع بها الأولياء والمتصوفة على حساب الفقهاء الذين همشوا وتراجعت مكانتهم ، إلى العلاقة الجدلية التي أصبحت تربط المجتمع بالوالي : فعلى الأول تلبية رغبات وحاجيات الوالي ، مهما كانت كثيرة ، بينما كان المنتظر من الثاني توفير حمايته المادية والمعنوية[49].
إتخذت مجمل الطرق الصوفية من البادية مجالا لها خلال الفترة المدروسة، إذ انعزل الشيخ الصوفي في الجبل للتعبد والزهد في مرحلة أولى، ليعمل فيما بعد على نشر تعاليمه وتأسيس طريقته تابعة. اقتضى الأمر منه للحصول على صفة الشيخ التحلي حسب الوزان ومارمول بصفات معينة تميزه عن العامة . وأكثر الصفات شيوعا آنذاك الشرف؛ أي الإنتماء للأسرة النبوية ، وفي حالة غياب هذا الانتساب قد يكون العلم[50] . لقد تأسست العلاقة التي ربطت الزوايا بالمجال الجغرافي الخاضع لها على أساس ولاء الأفراد مقابل الحماية المادية علاوة على الروحية -الرمزية. وجدير بالذكر أن هذه العلاقة توطدت في مجتمع الفترة الوطاسية بعد التدخل الأجنبي الإيبيري، وبفعل الحوائج التي اجتاحت المغرب آنذاك التي زادت إنسان الفترة توحشا وقسوة فبات الكل مقاوما من أجل البقاء في مرحلة أولى ثم هاربا في مرحلة ثانية إلى رباطات الزوايا طلبا للحماية والقوت[51] .
خلفت هذه الحالة أتباعا كثر بالنسبة للزاوية سيتحولون فيما بعد إلى ما يعرف ( بإسم الخدام)، وبالتالي أصبحت سلطتها أعظم غطت مجالا جغرافيا واسعا في ظل غياب سلطة مركزية قوية. والأهم هنا وجب التوقف عند ملاحظة رئيسية في شكل سؤال نبحث من خلاله عن الظروف والكيفية التي انتقل فيها المتصوف من جبل أو مرتفع المنطقة إلى مجال القبيلة الواسع؟ لا يكاد الباحثون يتعارضون حول مسألة توسيع دائرة انشغال المتصوفة من الديني في مرحلة أولى ليشمل السياسي في مرحلة ثانية، ومعلوم أن هذا الإنتقال ارتبط في بعض الفترات التاريخية السابقة واللاحقة بظروف الفوضى والحوائج المتفشية .إلا أن ما يميز الفترة الوطاسية: كان الخوف[52] قبل الفوضى والحوائج العامل الأساسي لدفع الطرق الصوفية للعمل في إطار ازدواجية المهام خاصة بعد التشجيع الذي لقيته من لدن سلطة فاس، وهكذا تعاظمت سلطة شيخ الزاوية لتشمل الديني والدنيوي ؛حتى أنه بمجرد تدخله في النزاع القبلي يتوقف ذلك النزاع[53][54] ،بل والأدهى من ذلك، غالبا ما يؤدى اليمين بإسم الوالي مؤسس الزاوية الشيء الذي أصبح له أهمية كبيرة في القانون العرفي[55]. يستفاد من الاشارات التاريخية التي وقفنا عليها خصوصا في كل من نزهة الحادي والاستقصا ثم ترجمة سيدي محمد بن سليمان في دوحة الناشر ؛أن شيوخ الزوايا من أتباع الطريقة الجزولية تصدو للقيام بدور أساسي في تنظيم شؤون القبائل وتوفير الأمن و الإستقرار ،في الوقت الذي أضحت فيه المناطق الجنوبية ضاحية من ظل الدولة ولم يبق للوطاسيين من نفوذ بها .
في مقابل الأدوار التي أدتها الزوايا حصلت من القبائل[56] على الولاء المادي، كون هذه الأخيرة كانت تؤدي واجب السنة الذي يطلق عليه الزيارة، وإكرام الشيوخ والشرفاء بالهدايا إذا ما حلوا بالقبيلة أو الدوار. غير أن تدهور الأوضاع وتغلل الفوضى الإجتماعية في معظم القبائل حول هذه الطرق إلى منظمات يشرف عليها في الغالب انتفاعيون (إقطاعيون) نصبوا أنفسهم وسطاء بين المخزن والرعية. ففي الوقت الذي لم تستطيع فيه السلطة الوطاسية حفظ الأمن ومقاومة المحتل، أوكلت الأمر للطرق الصوفية لاستتباب ما يمكن استتبابه من الأمن ودرء خطر الإيبيرين . لقد كرست هذه الوضعية نفوذ الزوايا، وما كان من إقطاعات السلطة في إطار ما يسمى ب "الهبات"[57] إلا أن يضاعف من قوتها ، مما ساعد على قيام نوع معين من "الإقطاعات الدينية"[58] تزعمتها الطرق الصوفية والشرفاء، الذين حظوا بقدر من التبجيل والتوقير والاحترام كما تزكي ذلك نوازل الفترة[59] .
هكذا حاز الشرفاء ورجال الطرق الصوفية[60] إقطاعات واسعة وقوة عمل (بين قوسين مجانية) . لم تختلف في كثير الأحيان عن الإقطاعات المخزنية، إلا في النسق الديني المقتطع على أساسه، ففي الأراضي التي كانت بحوزة رجال الزوايا، كان الفلاح يعمل تحت إشراف المقدم الذي كان بدوره يمثل الشريف أو شيخ الطريقة. وكان المقدم يمد الفلاح بالبذور ويشرف على عملية توزيع المحصول ، وعلى الفلاح أن يخضع للإلتزامات المفروضة مثل اقتطاع جزء من المحصول لحساب الشريف في إطار الضرائب الدينية كالعشور والزكاة، والإسهام في الهدية التي كانت تقدم للسلطان .إلى جانب القيام بأعمال السخرة الخاصة بالشيخ من حراثة وحصاد وخدمة منزلية وغيرها، لقد تطورت هذه العلاقة ليتداخل فيها الإجتماعي-الإقتصادي بالديني، على اعتبار أن المزارع أو الخماس لم يكن يبحث فقط عن حصة من الإنتاج الزراعي، ولكن أيضا عن نصيب من الحماية الدينية والدنيوية التي كانت تقدمها (يعتقد) الزوايا. فمكانة الأولياء والمتصوفة كانت باستمرار مهمة ، كما تؤكد ذلك كتب التراجم والمناقب المتعلقة بالقرون الوسطى، إلا أن هذه الفئة الإجتماعية لم يسبق لها أن عرفت مكانة إجتماعية ونفوذا سياسيا شبيها بما عرفته خلال هذه الحقبة، ومقابل هذه الخطوة وفرت هذه الفئة للمجتمع ضمانة وحماية حقيقية على الأقل في الميادين التالية: حماية من استبداد الحكام وممثليهم ، حماية من الغارات البرتغالية بتأطير الجهاد لتقاعس الوطاسيين عن القيام بواجبهم؛ حماية من الفتن التي اندلعت بين القبائل بسبب ضعف السلطة المركزية[61]. كرست هذه العلاقة في إطار الإعتقاد بنية ذهنية تعامل بها المغاربة مع الشرفاء والصوفية في الفترات اللاحقة.
واللافت للانتباه أن الزوايا حافظت على استقرار مواردها رغم ما خلفته الفترة من تحولات اقتصادية عميقة في المجتمع المغربي، فهل حققت الإقطاعات والعطاءات (الهبات) المخولة لها إكتفاء تضاعف أحيانا ليصل إلى ثروات ضخمة، كما هو الحال بالنسبة للطريقة الجزولية ليصبح دافعا ماديا لقلب الأوضاع على السلطة القائمة؟. كل القرائن توحي بذلك ، فغنى بعض الزوايا والأولياء منطقيا يفسر على هذا المقاس. وهكذا أصبح التصوف "حرفة مربحة" ، خصوصا في مرحلة عم فيها الكساد، وخيمت الأزمة على كل قطاعات الإنتاج ، وبالتالي باتت أعداد غير قليلة من المجتمع تعيش في رغد على حساب سذاجة العامي ، ويتجلى هذا التحول من خلال تكاثر عدد مريدي الزوايا، فلقد نسبت المصادر للجزولي حين تسميمه 12265مريدا[62].
3.3. الفلاحون-المنتجون الصغار[63].
كانت فئة الفلاحين أو المنتجين الصغار أقل حظا من الفئتين السابقتين بيد أنها شكلت السواد الأعظم من سكان المغرب الوطاسي خاصة بالبوادي، تأثرت كثيرا بظروف الفترة التاريخية الموسومة بالفوضى، وتصرفت في قطع أرضية ضيقة جدا، خاصة بالمرتفعات والمناطق الآمنة، البعيدة عن أطماع القبائل العربية وجور القواد والشيوخ، والغير الخاضعة لإتاوات السلطة المركزية. ويعزى ذلك إلى الظرفية السياسية الصعبة ، كما إلى ظاهرة التفتيت الناتجة عن الإرث[64] ،في مقابل طغيان ظاهرة الإقطاعات الكبرى التي لم تسمح إلا بمجالات ضيقة للفلاحين الصغار. ان اللافت للنظر بخصوص مصادرنا وفي ظل غياب وثائق بخصوص التميز بين الملكيات وفق التمايزات الإجتماعيةـ، فإننا نفتقد لمعيار التقسيم أو تصنيف الملكيات الكبرى التي كانت بحوزة الإقطاعيين و الملكيات الصغرى التي نالها المنتجون الصغار.
نتساءل: لماذا فئة المنتجون(الفلاحون) الصغار؟ لجأنا إلى هذا التقسيم أخذين بعين الإعتبار ظروف الفترة التاريخية المدروسة والتي بعد الإمعان في خصوصيتها تبين لنا أنها افتقدت لفئة وسطى بين هذه الفئة وفئة الإقطاعيين بصنفيها ، ولعل المصادر المتوفرة على قلتها تنبهت لهذه المسألة عبر تسليط أضواءها على الفئتين المذكورتين فقط[65] ، إذ ناذرا ما تورد فئة متوسطة بينهما، وإن تم ذلك إلا في حالات الرخاء وحسن الأوضاع المناخية؛ التي تحسن من وضعية الفلاحين الصغار بعد مردودية موسم محترمة. هكذا فإن أهم خاصية ميزة هذه الفئة هي أنها فئة "منتجة مشكلة من الذين ينتجون لكن من غير أن يكتفوا، ومن الذين يعملون ويتدبرون أمورهم لكن من غير أن يستغنوا".
ترتب عن ضيق ملكيات الفلاحين الصغار مشكلان أساسيين هما: الافتقار إلى حيوانات الجر[66] وإلى البذور، نظرا لأن المساحات الصغيرة لا تتيح عادة إمكانيات للحصول على فائض إنتاج يمكن أن يستمر خارج حاجة الكانون(الأسرة)، وقد تتعقد الأمور أكثر في المناطق الجنوبية وفي الواحات خصوصا حيث الأرض الصالحة للزراعة والرعي محدودة جدا[67] . هكذا لم كانت المساحات الخاضعة لهذه الفئة في أعم الحالات لا تفي بالغرض و لا تحقق مواردها نوعا من الإكتفاء الذاتي[68]. كان لابد من البحث عن وسائل أخرى للرفع من المداخيل ، فكان اللجوء إلى الشركة بمستوياتها المختلفة، سواء بين المالكين لبعض وسائل الإنتاج أو بينهم[69] وبين غيرهم من خماسة ورباعة ومن على شاكلتهم ، وكانت هذه أقرب الحلول العملية إنتشارا.[70] بإعتبارها إجراءات واقعية-وقائية للتغلب على مشكل صغر الملكية وتناثرها، ولضمان وسائل الإنتاج(وسائل الجر والنقل والبذور). لم يتوقف الإكتفاء الذاتي عند مدى قدرة الفلاحين الصغار على امتلاك وسائل الإنتاج، بل تعداه متأثرا بالكثافة السكانية وتوزيعها الغير المتكافئ خلال الفترة المدروسة مع المجال المنتج لأسباب معينة (سنخوض فيها في الفصل الموالي). إن إنخفاض الكثافة السكانية في بعض المناطق منها السهلية الأطلنتية وزاه نوع من الإكتفاء الذاتي ، على غرار الكثافة السكانية المرتفعة في المناطق الجبلية والواحات، التي خلفت في معظم الأحيان أزمات غذائية (مجاعات) وسوء أحوال إجتماعية . ولا أدل على ذلك منطقة الريف المعروفة بكثرة سكانها وضيق المساحات المزروعة فيها المهددة بإستمرار للتقسيم. لا تكاد الواحات والمناطق الهامشية بالمغرب الوطاسي المتميزة بقحولتها وجفافها ، تخرج عن هذا الإطار. لقد كرست هذه الحالة كذلك الضرائب الغير الشرعية التي كانت تثقل كواهل الفلاحين زمن الشدائد. حتى أن الوزان لا حظ أنه لم يكن هناك "سوى القليل من الفلاحين الذين يستطيعون توفير ما يلزمهم ضرورة من لباس وطعام ، لأن الملك يضع يده دائما على أموال أفراد الخصوصيين ، بحيث إن الذين يفترض فيهم أن يكونوا أغنى الناس هم في الحقيقة أفقر الناس بسبب جور الملك كما هو الحال في جبل بني ورياكل ، على سبيل المثال لا الحصر . وقد أكد المعداني بدوره الظاهرة ذاتها في القرن 11/17م ، إذ سجل أن أهل البادية ..يغرمون بالمغارم الكثيرة التي ابتلى بها الناس ، وهكذا تكون النصوص تكاد تتفق وتتكامل في تأكيد أن الفقر كان متفشيا على نطاق واسع بين شريحة كبيرة من سكان البوادي.[71]
نتج عن هذه الوضعية بحث فئة الفلاحين الصغار عن بدائل لتجاوز النقص الذي كان يطالهم. فلما كانت الموارد قليلا ما تكفي الفقراء من المنتجين المزارعين في القرى ، كان لابد من البحث عن وسائل أخرى للرفع من المداخيل ،فكان اللجوء إلى الشركة بمستوياتها المختلفة ، سواء بين المالكين لبعض وسائل الإنتاج أو بينهم وبين غيرهم من خماسة ورباعة ومن على شاكلتهم، وكانت هذه أقرب الحلول العملية إنتشارا. غير أن هذه الحلول يظهر أنها لم تكن ناجعة دائما ولا كافية لسد الحاجيات ولا تضمن التنوع في الإستهلاك ، لأنها إنما تهم الإنتاج الزراعي، وبالتالي كان لابد من البحث عن موارد أخرى تكميلية تساعد على تنويع الإنتاج الغذائي من أجل الإستهلاك وكذلك الظفر بدخل إضافي ، وقد تشكلت هذه الموارد بدرجة كبيرة من قطعان المواشي[72]التي أوكلت مهام رعايتها في معظم الأحيان للأطفال في إطار حركة إنتاجية انخرطت فيها كذلك النساء،[73] خاصة تحت ظرف الخصاصة والفقر.
إنطلاقا من النصوص الكثيرة التي أوردها كل من مارمول و الوزان ومن التحليل المقدم من طرف بعض الباحثين (محمد استيتو؛ عثمان المنصوري، أحمد بوشرب؛ حليمة بنكرعي )، نستشف أن وضعية الفلاحين الصغار أفرزتها عدة عوامل مفسرة؛ بداية بعامل الوضعية السياسية العامة وما يتبعها من فوضى وجور في فرض الضرائب الغير الشرعية مرورا بالتقسيم الغير العادل للملكيات وانتهاء بالحركات السكانية والكثافات السكانية[74] المتباينة التي عرفتها بعض الجهات، والتي لم يواكبها إرتفاع في الإنتاج[75] بالنظر أساسا لضيق مساحات ملكيتها المجهرية. ومهم يكن فإن أحوال هذه الفئة تبقى أفضل من أحوال أولئك الذين لا يملكون أرضا ولا وسائل أو أي شيء يسمح لهم بالإشتراك مع غيرهم في الإنتاج أو في نصيب منه ، وهؤلاء هم الذين كانوا يشكلون اليد العاملة و الأجراء بالنسبة لغيرهم من ملاك الأرض ومربي الماشية.
4.3. فلاحون بدون أرض-عاملون بأرض الغير.
إلى جانب الفئات السابقة الذكر، نجد فئة رابعة ارتبطت بالأرض أيام ارتباط، إلا أنها وتحت ظرف ما فقدت أراضيها[76][77]، غير أن هذا الطارئ لم يثنيها عن ذاك الإرتباط الوثيق، إذ نجدها تربط صلتها مرة أخرى بالأرض وإن عن طريق العمل فيها ولو لم تكن في حيازتها إما أجرا مشكلين فئة عمال "مياومين" ينشطون في أعمال الفلاحة.
سادت فئة العمال المياومين[78] في مغرب الفترة الوطاسية، وكما تعبر التسمية، فإن عملها خضع للموسمية، بالموازاة مع العمل ككل الموسوم بمواسم محدودة للغاية، إذ لم تكن دائمة ولا منتظمة ولا مربحة في حالات كثيرة. لقد نشطت هذه الفئة بشكل كبير في البوادي متخذة ظاهرة متميزة ألا وهي ظاهرة "الاستئجار" اليومي أو الموسمي ، ويبدو هذا جليا في كثرة حشود الشوالة في موسم الحصاد والمستأجرين لجني الغلل في مواسمها .
بإمكاننا إدراج فئة الخماسة ومن على شاكلتهم ضمن هذه الفئة، في حالة عدم توفرها على الأرض، ففي كثير من الأحيان كان الخماسة يزاوجون بين إستغلال أراضيهم وأراضي الغير. غير أن فترات انفلات السلطة من يد المخزن عجل بفقدان أراضيها تحت ظروف معينة، لتسخر بعد ذلك سواعدها فقط للانخراط في خدمة الأعيان فاقدة بعض امتيازات المخامسة. بيد أن العمل كان يخضع لموازين القوى بين الأغنياء والضعفاء، لاسيما في فترات تراجع هيبة سلطة المخزن، حيث يلاحظ أن القبائل القوية كانت تخضع غيرها من القبائل أو التجمعات السكانية الأقل قوة، وتستخدمها لخدمة مصالحها، وتفرض عليها سهما مما تنتجه سواعدها، في حالات أخرى كان من الضعفاء والفقراء من لا يجدون لدى القبائل القوية فرصا للعمل فقط، بل والحماية أحيانا. غير أن هؤلاء كانوا في حالات مماثلة، يكرهون على خدمة ممتلكاتهم لمصلحة تلك القبائل تحت الضغط والإكراه، وكان ذلك سببا في تفاقم أوضاعهم[79].
تجاوزت مهام فئة المشتغلين في أراضي الغير، الاشتغال بالأراض لتشمل بعض أعمال السخرة. فتكون بذلك وضعيتهم أكثر دنيوية بالمقارنة مع فئة الخماسة[80]، وصعوبة في ظل سلطة أوامر الأعيان التعسفية، وهكذا فوضعيتها كانت تشبه إلى حد بعيد (ولو بدرجة أقل) وضعية الأقنان في النظام الفيودالي الأوروبي. لم يسلم الخماسة من ثقل أعمال إضافية تكرست في الواقع مع الوقت. كأن يخدم شريكه في ماله وحطبه واستقائه وغير ذلك ، حتى جرت العادة في البادية أن يشترط عليه القيام بالبقر والاحتشاش له وحمل الحطب واستقاء الماء إن احتاج إليه[81]. كان لحالة الفاقة وهامش الخصاصة وسلطة الأعيان-الإقطاعيين دور كبير في تأزيم واقع هذه الفئة المعيشي، حتى اضطرت إلى دمج باقي أفراد كانونها في أعمالها على (غرار الفئة السابقة) ، لتحصيل موارد إضافية كتسخير أبنائه في أعمال رعي قطعان السيد إلخ... . على الرغم من هذه الوضعية الصعبة إلا أن الفئتين الأخيرتين في الوقت الذي اشتدت فيه الأزمات والأحوال ، التجأتا إلى الإحتماء بالأقوياء من شركائهم. لقد كان للعنف الذي يتعرض له جمهور الفلاحين، دور في تكريس علاقات الزبونية والتبعية . ذلك أن بعض المغلوبين على أمرهم من الفلاحيين، كانوا يضعون أنفسهم وما يمتلكونه، تحت حماية بعض هؤلاء الأقوياء لتجنب آثار التعدي والغصب وتجاوزات عمال الجبايات. وهي ممارسات اختلف بشأنها الفقهاء بين مبيح ومانع اعتبرها نوعا من الرشوة. وتندرج مثل هذه القضايا لدى الفقهاء عموما تحت عنوان "ثمن الجاه". ان الإحتماء بذوي النفوذ والسلطان لم يكن الحل الأمثل ، لكنه يبدو أكثر تحملا بالنسبة لمن لجأ إليه ، وإن كان لا يسلم حينها ، من الدخول في علاقات أقرب إلى السخرة[82].
بمنطق ثنائية التصنيف المتعارف عليها في تاريخ المغرب، كان المجتمع مصنفا إلى فئتين: الخاصة والعامة.؛ أما الخاصة فجمعت الإقطاعية بصنفيها المخزنية والدينية، بينما شملت العامة باقي الفئات بما فيها الفلاحين الصغار والمستأجرين[83]. إن المجتمع المغربي كان منتظما حول ثلاثية ملزمة: المقدس؛ والسلطة؛ والعمل، بمعنى آخر مرتبة خاصة الخاصة ومرتبة الخاصة، ومرتبة العامة. وتشمل مرتبة خاصة الخاصة الأفراد الأكثر احتراما ووقار في المجتمع ، وهم الشرفاء والفقهاء والصلحاء ، الذين يسهرون على المقدس ، يؤمنونه، ويخلدونه. بينما تشير الخاصة إلى السلطة السياسية المادية ، ويتعلق الأمر بالأعيان ، من قواد وكبار الملاك والتجار الذين تنعتهم المصادر بالأشباع وأولاد الدار الكبيرة. أما العامة فهم سائر الناس الذين يشكلون الغالبية العظمى في المجتمع من فلاحين وحرفيين، الذين كان عليهم أن يعملوا لكي يعيشوا[84].
بناء على ما سبق، لقد أفرزت الأرض تمايزات إجتماعية صارخة خلال الفترة الوطاسية ، لأنها كانت ببساطة محور الإنتاج ومصدرا للثروة والقوة بالنسبة لمن يملكها ، بينما كان الذين لا يملكون منها ما يكفيهم والمحرمون منها بالمرة فقراء[85] في معظم الحالات، خاضعين للفئات المالكة. لقد حققت فئة الإقطاعيين بصنفيها غنى وثراء فاحشا، تبرره كميات و نوع الأراضي الممنوحة، ويفسر في الوقت ذاته وضعية خزينة الدولة الفارغة من جراء فقدانها عوائد أجود الأراضي المقتطعة، والتي كان بإمكانها أن تخفف من وطأة الأزمة التي أصابتها بل وأن تشغل فئة واسعة من ساكنة البوادي. فعلى الرغم من التركيز الذي شهدته الإقطاعات الفلاحية إلا أنها لم تعرف زراعات كثيفة ذات مردودية جيدة، على غرار التفتيت الذي عرفته الملكيات العقارية. فإذا كانت الإقطاعات الممنوحة خلال الفترة الوطاسية قد عرفت نشاطا واسعا متخذة أوجه متعددة (صنفين)، فإن أهم الخلاصات التي سجلناها بخصوص الفترة الوطاسية أن الدولة ضحت بالخزينة مقابل تمديد أجلاها، وهو الأمر الذي لم يكن ليستقيم مع فارغ الخزينة، فالمال يشكل عصب الدولة وغالبا ما كان ضعف الخزينة المعجل بانهيارها. هي مقاربة خاطئة سقطت فيها السياسية الوطاسية من جملة أخطاء أخرى، فإلى أي حد تنطبق هذه الحالة على واقعنا اليوم.
[1] الهادي التيمومي، الاستعمار الرأسمالي والتشكيلات الاجتماعية ما قبل الرأسمالية: الكادحون الخمَّاسة في الأرياف التونسية (1861-1943)، ج1،دار محمد علي الحامي للنشر والتوزيع-صفاقس ، الطبعة الأولى،1999م.ص7.
[2] أحمد بن خالد الناصري، الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، الجزء الرابع، مرجع سابق. ص ص 163-164.
[3] راجع القصيدة التي نظمها ابن يجبش المعبرة عما أصاب البلاد . أبوبكر البوخصيبي، أضواء على ابن يجبش التازي، دار الثقافة، الطبعة الأولى، الدار البيضاء،1976، ص145.
[4] أحمد بوشرب، أزمة الضمير المغربي خلال القرنين السادس والسابع عشر، مرجع سابق، ص ص67-68.
[5]. راجع محمد حبيدة ،بؤس التاريخ ،دار الأمان ، الكرامة ،الطبعة الثانية ، 2016.ص114.
[6] لم تحسم الأرض لوحدها هذه التمايزات بل كان لها دور مهم في ذلك إلى جانب الإنتماء السلالي والوظائف الاقتصادية والسياسية والروحية.
[7] خاصة الإقطاع والفيودالية ؛ لذلك سنعمل على حصر كل نظام على حد، تفاديا للخلط القائم بينهما.
[8] حسن منيمة، نشوء الإقطاع في الاسلام، الخراج والاقطاع والدولة، مجلة الإجتهاد، العدد الأول،1988، ص294.
[9] محمد بن مكرم بن منظور، لسان العرب، الجزء العاشر، دار صابر –بيروت.ص153.
[10] حسن منيمة، نشوء الإقطاع في الاسلام، نفسه، ص294.
[11] نفسه،ص293.
[12] محمد حبيدة ، بؤس التاريخ ، مرجع سابق، ص111.
[13]كان الوطاسيون يعانون من بنية سياسية شبه فيودالية تضعف سلطاتهم. أوغست كور، دولة بني وطاس (1420-1554)، ترجمة محمد فتحة، منشورات كلية الآداب والعلوم الانسانية بالرباط،2010، ص58.
[14] تعتبر الكلمة تعريبا للمصطلح الفرنسي féodalité" الذي شرع في استعماله بفرنسا ابتداء من مطلع القرن السابع عشر ، في وقت أخدت تستعمل فيه بباقي أقطار أوربا مصطلحات مرادفة ثم اشتقاقها من الكلمة اللاتينية فيوداليس féodalis" أو من كلمة féodum" التى أصبحت الكلمة الأكثر تداولا في النصوص ابتداء من مطلع القرن الحادي عشر ، وتعني الفيف le fief "؛وهو قطعة أرض كان شخص يسمى سنيورا un seigneur يقدمها لشخص آخر ، فيصبح المستفيد من قطعة الأرض تابعا للمانح و يسمى فصلا ( un vassal ). يلتزم بتقديم خدمات و التزامات معينة للسنيور. و تنشأ عن عملية تقديم الفيف و عن تلك الالتزامات روابط خاصة بين الطرفين.
[15] M. Bloch ,La Société Féodale, Paris, Albin Michel, 1968.
[16]Ibid, pp114-194.
[17] Ibid,p263.
[18] Ibid,pp283-249.
[19]محمد حبيدة ،بؤس التاريخ ،دار الأمان ، الكرامة ،الطبعة الثانية ، 2016.ص110.
[20] Duby Georges. La Féodalité ? Une mentalité médiévale. In: Annales. Économies, Sociétés, Civilisations. 13ᵉ année, N. 4, 1958. pp. 765-771.
[21] محمد حبيدة ، مرجع سابق. ص ص110-11.
[22]https://www.maajim.com/dictionary/%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%88%D9%86
[23] محمد حبيدة ،نفسه ، ص104.
[24] أوغست كور، دولة بني وطاس (1420-1554)، مرجع سابق،ص68.
[25] نفسه،ص ص67-68 .
[26] جمع بين السلطتين الدينية والدنيوية .
[27] أحمد بوشرب ،دكالة والإستعمار البرتغالي إلى سنة إخلاء آسفي وآزمور (قبل 28غشت 1481-أكتوبر 1541)،دار الثقافة ،الطبعة الأولى، الدار البيضاء ، 1984 ،ص132.
[28] حليمة بنكرعي، العنصر العربي والمجال في مغرب 1459-1541م: بادية الواجهة الأطلنطية نموذجا، مطبعة دار السلام، الطبعة الأولى، 2000، ص208.
[29] لم تخرج مجمل قبائل الموالية لبني وطاس عن هاته القاعدة.
[30] الوزان، الوزان الحسن بن محمد الفاسي ،وصف افريقيا ،ترجمة محمد حجي ومحمد الأخضر، منشورات الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، دار الغرب الإسلامي ، الطبعة الثانية ، بيروت ،1983،ج1،ص173.
[31] أحمد بوشرب، مرجع سابق، ص466.
[32] الوزان،ج1،ص215.
[33] الوزان ،ج1،ص300.
[34] اختفى اسم بني وارثين من هذه الناحية ، ويظن أنها نجد بني سادن الحالي بين سبو و إيناون. الوزان ،ج1،ص298.
[35] الوزان ،ج1،ص298.
[36] اقتطع الملك هذه الناحية إلى سيد قصر فاس وعاملها. الوزان ،ج،ص299.
[37] لم يكلف السلطان لوحده بعض القبائل وفلاحي القرى في استغلال أراضيه الخصبة ، وإنما سارت على نهجه حاشيته.
[38] أصبحت بعض القبائل العربية في الفترة الوطاسية قبائل مخزنية ، وظفتها السلطة لخدمة مصالحها وفرض سلطتها.
[39] يذكر الونشريسي أن بعض الأمراء بفاس كانوا يحصلون أيضا على الرشاوي والهدايا المحرمة، وحققوا من وراء ذلك ثروات طائلة ، ولذا اعتبروا في نظر فقهاء المغرب من " مستغرقي الذمة "أي الذين أثروا واكتسبوا الأموال وامتلكوا العقارات بطرق غير مشروعة . كمال السيد، جوانب من الحياة الإجتماعية والإقتصادية والدينية والعلمية في المغرب الإسلامي من خلال نوازل وفتاوى المعيار للونشريسي. مركز الاسكندرية للكتاب، 1996،،ص50.
[40] بعد أن تعرضنا لإقطاعات أفراد المخزن المركزي ، سننتقل إلى الإقليمي (الهامشي الذي كان خارج حدود الدولة ، على الرغم من الخضوع الظرفي المعنوي فقط)
[41]تيدسي.. الوزان،ج1،ص119.
[42] غالبا ما تنشأ صراعات بين أمراء المدن وشيوخ وقواد القبائل ، والأمثلة متعددة في هذا الباب : لعل أبرزها صراع أميري مراكش وأنماي حول أحواز مراكش .. الوزان ،ج1،ص137.
[43] مثل لف الذي جمع قبائل افسفاس وقبائل إدوتنان ، ولف تكنت الذي جمع القبائل الجزولية بالقبائل المعقلية .
[44] حليمة بنكرعي، مرجع سابق، ص248.
[45] سعت الدولة الوطاسية إلى تقديم الأرض للأعراب تقية لشرهم كما حدث بالشاوية ، وأصبحوا مع ذلك يشكلون طبقة أسياد تخضع سكان القرى . حليمة بنكرعي، نفسه، ص210.
[46] ابن عسكر الشفشاوني، دوحة الناشر لمحاسن من كان بالمغرب من مشايخ القرن العاشر، تحقيق محمد حجي، دار المغرب للتأليف والترجمة والنشر، الطبعة الثانية، الرباط،1977م،ص107.
[47] اتسعت شهرة الطرق الصوفية والشرفاء خلال الفترة الوطاسية والفترة التي سبقتها . واستطاعت المصادر القليلة المتوفرة أن تصنف هذه الطرق ، متحدتا تارة عن مبدعين (عمر السياف بقلعة المريدين) وتارة أخرى عن رجال صلاح (محمد بن مبارك الأقاوي). كما لم تركن دوما إلى تسويد ملامح تصوف زمانها ؛ فهي تقدم أحيانا ، حالات عرفانيين لا يرمون التقويض والهدم والإفتتان ، بل يسعون إلى توطيد النسق السوسيو-سياسي والحفاظ على التوازنات السياسية بين القبائل والأحلاف اللفية من جهة ، وبين القبائل والمخزن المركزي من جهة أخرى.
[48] ابن عسكر، نفسه، ص81.
[49] أحمد بوشرب، مغاربة في البرتغال خلال القرن السادس، مرجع سابق، ص63.
[50] انطلاقا من الأمثلة التي وقفنا عليها في تاريخ المغرب غالبا ما كان الصوفي يجمع بين الشرف والعلم، في حالة افتقاده للأول ، يلجأ للادعاء بالنظر لما لهما معا من تأثير على معتقد المغاربة، وعوامل جذب للعامة.
[51] سنخوض في التفاصيل بخصوص هذا الموضوع في موضع لاحق.
[52] وان كان الخوف من أهم افرازات الفوضى وما لحق المجتمع المغربي من كوراث وحوائج .
[53] في الوقت الذي مررت فيه بهذه البلاد(ناحية جزولة) كان الآمر بهذه البلاد شيخ زاهد مشهور عندهم بالصلاح (محمد بن مبارك الأقاوي) ، وكان المسكين أعور لم أر منه في الواقع غير الصفاء والطف والإحسان. الوزان ،ج1،ص145.
[54] من أهم الوظائف التي انبرت لها مؤسسة الزاوية : وظيفة التحكيم.
[55] إذ هاجت فتن القبائل كان سيدي محمد بن مبارك يبعث لهم بالكف عن القتال ،فمن تعدى أمره عجلت عقوبته في الوقت وصار ذلك من الأمر التعارف عنه عند البعيد والقريب ،ثم أنه وضع أياما معلومة في كل شهر يسمونها أيام سيدي محمد بن مبارك، لا يحمل فيها أحد سلاحا ولا يقدر أحد على المشاجرة فيها ،ويجمع الرجل مع قاتل أبيه وولده وما يقدر أن يكلمه ودلك شائع عند قبائل العرب والبربر. محمد بن عسكر الحسني الشفشاوني ،دوحة الناشر لمحاسن من كان بالمغرب من مشايخ القن العاشر، مرجع سابق،ص114 .
[56] هناك من القبائل التي لم تهتم كثيرا بهذه المسائل (الروحية) . مارمول كربخال، ج2.ص25.
[57] راجع محور ، أحباس الزوايا.
[58] ارتأى بني وطاس من ورائها كسب المشروعية السياسية في الفوضى الضاربة أطنابها.
[59]"أن الفقهاء المغاربة أفتوا بوجوب احترام الأشراف والقيام بحق درية النبي الطيبة الطاهرة ومن انتسب إلى بيته الشريف". الونشريسي، الونشريسي أبي العباس أحمد بن يحي ، المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوي أهل افريقية والأندلس والمغرب، إخراج محمد حجي وأخرون، وزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية، دار الغرب الاسلامي،1981.
، ج2.ص ص 541-547-553.
[60] حقق من خلالها ثراء فاحش ، دفعهم جديا إلى محاربة الإيبيرين والتطلع إلى إقتسام مجال السلطة مع بني وطاس كمرحلة أولى ومن ثم الاستيلاء على مقالد الحكم في وقت كان فيه سبيل الوصول إليه ليس بالعسير.
[61] أحمد بوشرب، مغاربة في البرتغال خلال القرن السادس عشر: دراسة في الثقافة والذهنيات بالمغرب من خلال محاضر محاكم التفتيش الدينية البرتغالية، منشورات كلية الآداب- الرباط، مطبعة فضالة ،المحمدية ،ط2، 1996.ص ص59-60.
[62] أحمد بوشرب ، مغاربة في البرتغال خلال القرن السادس عشر، مرجع سابق. ص 61.
[63]هي فئة قريبة من التسمية التي أطلقها الباحث محمد استيتو على فئة فقيرة في مغرب القرن 16و17.وهي فئة :"فلاحون بين كفاف وخصاصة".
[64] خاصة بالواحات .
[65] غالبا ما يتحدث الوزان عن فئة البسطاء الفقراء وفئة الأعيان ، ولا يكاد مارمول يخرج عن هذا التصنيف .
[66]الفلاحون الصغار كانوا يعانون كثيرا من قلة وسائل الجر . وتكشف نوازل الونشريسي عن بعضها في هذا الشأن تتعلق غالبا : إما باشتراك أكثر من شخص في دابة ، كما في سؤال " عن عادة أهل سوس في شركة البهائم وغيره " عن دابة بين شريكين أنفق عليها أحدهما دون آخر. استيتو محمد ، الفقر والفقراء في مغرب القرنين 16و17م ،مؤسسة النخلة للكتاب وجدة ، الطبعة الأولى ،2004.، ص257.
[67] نفسه، ص253.
[68] في إطار فلاحة كفاف وخصاصة لم تكن بوسعها تغطية حاجات الكانون الواحد ، وبالتالي افتقاده لبذور الموسم الفلاحي القادم ، مما يضطر معه الفلاحين إلى الدخول في شركات مع طرف آخر.
[69] "شريكين لأحدهما الزريعة وللآخر الأرض والبقر ، والأرض بكراء." راجع الونشريسي،ج8.ص 140. راجع أيضا الصفحات 147-148الجزء الثامن.
[70] محمد استيتو ،نفسه،ص268.
[71] نفسه. ص252.
[72] محمد استيتو ، الفقر والفقراء في مغرب القرنين 16و17م، مرجع سابق. ص268.
[73] كان من عادة النساء الخروج للعمل في الفدادين . محمد استيتو ، مرجع سابق، ص271.
[74] يشكا الفلاحون القاعدة العريضة في البادية و هوامش المدن الفلاحية . وغالبا ما شكلة شريحة من الفقراء .
[75] ارتبط البحث في مثل هذه المواضيع بربط ما تنتجه الأرض بالوضع المعيشي الذي يجب أن يوازي بين ما تنتجه الأرض والأفراد الذين يقيمون أحوالها ، وهي مقاربة أخذها بعين الاعتبار الباحثين في مواضيع التي لها صلة بالمجاعات .
[76] حسب الباحث محمد استيتو ، كان معظم الفلاحين من سكان البوادي لا يمتلك الأرض ، أو يصعب عليه امتلاك رأس مال يمكنه من اقتناء وسائل الإنتاج الضرورية للأعمال الزراعية .ص141.
[77] كان من الطبيعي لحالة الفوضى أن تفقد بعض المستضعفين من الفقراء لأراضيهم ، في ظل حركات قبلية لم يعرف لها المغرب مثيلا . بل ولأن الظرفية كانت تلوح لتبدل الأحوال سياسيا .
[78] كتنوا يعاملون في أغلب الأحيان بمقابل نقدي عكس الخماسة الذين كانوا يعاملون بالمقابل العيني.
[79] محمد استيتو ، نفسه ،ص302.
[80] N. Michel, une économie de subsistance. Le Maroc précolonial, le caire,1997.p 328.
[81] محمد استيتو ، نفسه، ص263.
[82] محمد فتحة، ، النوازل الفقهية والمجتمع: أبحاث في تاريخ الغرب الإسلامي ( من القرن 6إلى 9ه/12-15م). منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية عين الشق-الدار البيضاء، 1999 ،، ص406.
[83] هذا التصنيف على أساس الأرض فقط.
[84] محمد حبيدة، كتابة التاريخ قراءات وتأويلات، مرجع سابق ، ص115.
[85] كان الفقر ناتجا خلال الفترة المدروسة عن التفاوت الإجتماعي بين الأغنياء وبين من هم دونهم ثروة، والمترتب بدوره عن التفاوت الحاصل في امتلاك وسائل الانتاج ؛ والأرض على رأسها.