يقول الخبراء إن اعتراف الولايات المتحدة بسيادة الرباط على الأراضي المتنازع عليها قد يزعزع استقرار المنطقة ويعبر عن تشاؤم من أنه سيؤدي إلى حل طويل الأمد.
أدى دعم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المفاجئ لمطالبة المغرب بالسيادة على الصحراء الغربية المتنازع عليها إلى ضياع سنوات من الإجماع الدولي، لكن هل سيؤدي ذلك إلى كسر الجمود أو إشعال الصراع؟
لنلق نظرة على كيف أن النزاع الذي غالبا ما يطلق عليه "الحرب المنسية" أثار انتباه العالم فجأة - وماذا يعني ذلك بالنسبة للمنطقة.
منذ ما يقرب من ثلاثة عقود، كان هناك وضع صعب ولكن مستقر في الصحراء الغربية.
تمتلك المستعمرة الإسبانية السابقة، التي يقطنها أقل من مليون نسمة، موارد قيمة بما فيها مياه المحيط الأطلسي الغنية بالأسماك والفوسفاط واحتياطيات النفط المحتملة، وبالنسبة للرباط ، فهي طريق استراتيجي جنوبا لأسواق غرب إفريقيا المربحة.
ويسيطر المغرب على ثلاثة أرباع المنطقة الصحراوية التي تعادل مساحتها مساحة بريطانيا، ويمنحها الحكم الذاتي لكنه يصر على السيادة. تدفقت الاستثمارات، وفتحت عدة دول قنصليات هناك.
أما البقية الواقعة خلف حاجز رملي طوله 2700 كيلومتر، فتديرها جبهة البوليساريو، وهي جماعة مؤيدة للاستقلال عن المغرب تدعمها الجزائر وتطالب بإجراء استفتاء تشرف عليه الأمم المتحدة.
ومع ذلك، تعثرت العملية السياسية التي تدعمها الأمم المتحدة، مع بقاء منصب مبعوث الأمم المتحدة شاغرا لأكثر من عام.
في الشهر الماضي، انهار وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه عام 1991 بعد أن أرسل المغرب قواته إلى منطقة عازلة تخضع لدوريات الأمم المتحدة لإعادة فتح الطريق إلى موريتانيا، التي أغلق تها مجموعة من الانفصاليين.
وزعمت جبهة البوليساريو منذ ذلك الحين أن تبادلا لإطلاق النار وقع بشكل متكرر، على الرغم من أن التفاصيل غامضة في منطقة محظورة إلى حد كبير على الصحفيين.
ثم في 10 ديسمبر، اتخذت الولايات المتحدة خطوة غير مسبوقة تمثلت في الاعتراف رسميا بمطالب المغرب بالصحراء الغربية، وهي صفقة مقايضة للرباط التي أعلنت أنها "تستأنف" العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل.
هل توصل ترامب إلى حل المأزق؟ بالنسبة للرباط، فقد أشادت بالإعلان الأمريكي ووصفته بأنه "اختراق تاريخي"، معتبرة أنه ضامن للاستقرار في المنطقة. على إثر ذلك، ردت البوليساريو بغضب. وقال مسؤول كبير إن إعلان ترامب "انتهك ... قرارات وتسويات جميع الهيئات الدولية".
وقالت الأمم المتحدة - التي تنشر أكثر من 400 فرد في بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية - إن موقفها "لم يتغير".
وقال هاميش كينير محلل استشارات المخاطر فيريسك مابليكروفت إن الاعتراف لن يبسط الوضع المعقد للإقليم، حيث لا تزال الأمم المتحدة تصنفه على أنه "إقليم غير متمتع بالحكم الذاتي".
منذ تصريحات ترامب، قال وزير الخارجية مايك بومبيو بدوره إن الولايات المتحدة لا تزال تفضل حلا دبلوماسيا.
من المتوقع أن تغير دول قليلة موقفها. وسرعان ما نددت روسيا العضو في مجلس الأمن الدولي بخطوة ترامب، في حين قالت فرنسا، التي كانت تستعمر المغرب في الماضي القريب، إنها ملتزمة بـ "حل سياسي".
لكن، ما نوع المخاطر التي يمكن أن تنتج عن هذا الاتفاق؟ ظاهر للعيان ان البوليساريو تبدو كقزم أمام الجيش المغربي، لكن الجبهة تتمتع بدعم قوي من الجزائر، المنافس الإقليمي للرباط. وقد تعهدت البوليساريو بمواصلة كفاحها "حتى الانسحاب الكامل" للقوات المغربية.
وأضاف كينير: "ستؤدي الإعلانات إلى تفاقم الوضع". "المغرب، الذي شجعه ما عرف بأنه تأييد أمريكي، سيشعر بكل حرية في مواصلة جهوده الحربية ضد جبهة البوليساريو، التي قد تدعو إلى تدخل الجزائر، الداعم الأجنبي الرئيسي لها".
بالنسبة لجبهة البوليساريو، كانت الخطوة الأمريكية بمثابة "نكسة كبيرة"، على حد قول ريكاردو فابياني، خبير مجموعة الأزمات الدولية.
وهناك من الخبراء في مجال العلاقات الدولية من ذهب إلى أن قوات البوليساريو مع إيمانها بعملية السلام بالفعل في أدنى مستوياته على الإطلاق، يمكن لها أن ترى هذه الخطوة كمبرر إضافي لاستئناف الأعمال العدائية وقد تؤدي إلى تصعيد".
وإذا حدث ذلك فهو يتوقف إلى حد كبير على الجزائر، حيث أنشأت البوليساريو قواعد خلفية وأقامت مخيمات لإيواء عشرات الآلاف من اللاجئين الصحراويين.
وحذر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون من أن "الجزائر قوية" مشيرا إلى "مناورات خارجية" تهدف إلى زعزعة استقرار البلاد.
وبما ان الصحراء الغربية تقع على حدود المناطق التي تجذر فيها تمرد إسلامي متباين في السنوات الأخيرة، فقد قال عبدي يغانه، الدبلوماسي البريطاني السابق الذي يعمل الآن في "الدبلوماسي المستقل"، وهي مجموعة غير ربحية تدعم جهود السلام: "عدم الاستقرار في المنطقة وقود للمتطرفين".
تعد الصحراء الغربية أيضا نقطة انطلاق للمهاجرين السريين من إفريقيا جنوب الصحراء الذين يجازفون بالعبور البحري الخطير إلى أوروبا، وخاصة إلى جزر الكناري الإسبانية.
وأضاف يغانه أن "حل نزاع الصحراء الغربية يجب أن يهم أوروبا".
من جهة أخرى، حث الاتحاد الأفريقي جميع الأطراف على الجلوس إلى "طاولة المفاوضات".
لكن الصحراء الغربية تشكل تحديا شائكا لهذه الهيئة القارية التي انضم إليها كل من المغرب وجبهة البوليساريو تحت اسم الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية.
لذلك من المرجح أن تكون أي مفاوضات مدفوعة من قبل الولايات المتحدة والأمم المتحدة. ومع ذلك، فإن النقاد متشائمون بشأن احتمالات اتخاذ إجراءات سريعة من جانب الأمم المتحدة، مع انقسام مجلس الأمن حول القضايا الرئيسية.
وقال ريتشارد جوان من مجموعة الأزمات الدولية: "هذه واحدة من تلك الحالات المؤسفة التي من غير المرجح أن تحل في ظلها الأمم المتحدة الصراع، لكن وجودها قد يساعد في منعه من التصعيد مرة أخرى".
بالنسبة للرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن، فإن الصحراء الغربية ستكون في أسفل قائمة المشاكل التي يواجهها. لكنه قد يجد صعوبة في إلغاء إعلان ترامب، لأن ذلك قد يعرض للخطر التزام المغرب بالاتفاق الإسرائيلي.
بالنسبة إلى يغانيه، يجب أن تكون الخطوة العملية الأولى هي تعيين مبعوث خاص للأمم المتحدة.