لو استيقظ كارل ماركس من مرقده الأبدي وخرج إلى الشارع وتجول في مراكز الأحزاب الماركسية العربية لبصق في وجوه بعض القيادات ،وعاد غير آسف إلى مثواه السرمدي لماذا؟
لأن خيبة الماركسيين العرب ونقصد البعض الأعلى صوتا فيهم هي أكبر من الاحتمال ،والصدمة فيهم أكبر من أي تصور ،هناك شيوعيون في العراق أيدوا الغزوالانجلو أميركي وبقاء الاحتلال ،وهناك شيوعيون في الاردن ايدوا حكومات شكلها بريمر واعوانه ،كما ان في مصر شيوعيون أيدوا تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني ولم يستحوا اطلاقا بل هم الذين شكلوا مابات يعرف بجماعة كوبنهاجن الرامية الى "ترطيب"العلاقات بين الشعب العربي والصهاينة ،،ولكي نضع النقاط على الحروف نتوقف عند المحطات التالية:
اولا :أن الماركسيين العرب خاضوا نضالات عظيمة في سالف الايام من اجل الديمقراطية والعدالة كما شاركوا في المقاومة في ساحة الصراع مع العدو الصهيوني وقدموا مئات بل الاف الشهداء ،ولاينكر الا جاحد عطاءات الشيوعيين العرب وتضحياتهم في السجون لاسيما في المشرق العربي وبخاصة في مصر والعراق والسودان.
غير أن أبرز وأبقى ماقدمه الماركسيون العرب لأمتهم –في اعتقادي-هو العطاء الثقافي ونشر ثقافة المقاومة ضد الملكية والاستبداد العسكري وضد الاحتلال الخارجي أو الداخلي،وضد الرأسمالية المتوحشة التي ابتلينا بها في الوطن العربي ،لذلك فأن أي سقطة للماركسين لاسيما في المجال الثقافي والفكري تكون بطعم الكارثة،وتؤثر على اجيال تربت على ثقافة المقاومة.
ثانيا:هناك تأثيرات قوية ترتبت على تفكك الاتحاد السوفيتي وتراجع الدولة "القاعدة"للنضال ضد الامبريالية على الحركات والاحزاب الماركسية،وهذه مسالة جدلية وطبيعية،لكن المشكلة تكمن في أن عددا من رموز الاحزاب الماركسية انقلبت من الموقف المعادي للاستعمار الى تأييد الاستعمار والاشتراك مع اعوانه،وهذا مالايمكن فهمه ولاقبوله.
فالحزب الشيوعي العراقي الذي رفع على تضليل شعاره المشهور "لا للحرب- لا للدكتاتورية"سرعان ماتخلى عنه بمجئ المحتل و من ثم وقعت فضيحة مشاركة الشيوعيين في مجلس الحكم ،وموقفهم من الانتخابات. وقد صدرت أو عادت الى الصدور جريدة طريق الشعب ، وهي جريدة الحزب الشيوعي العراقي بتمويل أميركي في العراق، وبحماية مباشرة من قوات الاحتلال.
وتمادى الحزب الشيوعي العراقي في غيه عندما صار يروج لبقاء قوات الاحتلال لمدة أطول من أجل "تفادي الحرب الأهلية". وسقط الحزب الشيوعي الأردني هو الاخر في مستنقع الترحيب بالاحتلال او بالاحرى بماترتب على الاحتلال فكان أول من أصدر بيانا رحب فيه بتشكيل مجلس الحكم العميل في العراق في تموز/ يوليو2003 وكرس جريدته "الجماهير" للاشادة بهذا المجلس والتبشير به، ويعرف الشيوعيون العرب جيدا أن قيادة الحزب الشيوعي الاردني كانت تتسلم أموالا ـ من وراء ظهرالامين العام يعقوب زيادين ـ من مؤسسات اميركية، وأن الوثائق أكدت أن قيادة هذا الحزب قد تسلمت أموالا طائلة من خزينة المخابرات الاميركية عن طريق الشيوعي العراقي العميل فخري كريم زنكنه.
لقد كانت ممارسات بعض قادة الحزب الشيوعي الاردني سببا في انسحاب المناضل الدكتور يعقوب زيادين الأمين العام السابق للحزب الشيوعي الاردني من صفوف الحزب مع ثلة من رفاقه وتشكيل حزب شيوعي آخر هو حزب الشغيلة الشيوعي الاردني؟لقد رفض زيادين الانخراط في مايسمى اليوم البراجماتية الماركسية،التي تستفيد من الواقع من أجل ترتيب امتيازات تفيد بعض الماركسيين لأن هذا المنهج يعني تخريب العقل اليساري،وضربه من الداخل.
والواقع أن هذه الملاحظة تنطبق على تيار واسع من اليساريين العرب داخل وخارج الأحزاب الشيوعية العربية من الذين يرفضون بل يناهضون العمليات الاستشهادية وينادون بالتعايش مع الصهاينة في فلسطين تحت شعار الدولتين أو غيرها، وممن يعتبرون في الآن عينه أن المشروع السياسي لتيار الإسلام الجهادي لا يقل سوءاً، برأيهم، عن المشروع الأمريكي في المنطقة.
وأشير هنا الى مفارقة رصدها المفكر القومي العربي ابراهيم علوش حين كتب (من المنظور الوطني والقومي، تتميز مواقف بعض اليساريين في القضايا المطروحة على الساحة العربية بأنها:
أضعف مما يجب تجاه الغزاة الصهاينة في فلسطين وتجاه الأطراف المستعدة لعقد الصفقات معهم،
وأنها أقسى مما يجب تجاه تيار الإسلام الجهادي الذي يقارع الطرف الأمريكي-الصهيوني في فلسطين وغيرها.)
لقد وقع فريق من الماركسيين العرب في خطأ وهو أنه لا يرى في العداوة بين الشعوب مبررا حتى ولو اعتدى بعضها على بعض، واحتل بعضها أراضي البعض،وهو التيار الذي يدعو إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني،ومع علاقات خاصة مع واشنطن ، فالسلام خيار استراتيجي، وهو يعتقد أن إسرائيل وجدت لتبقى. وان اكبر دولة عربية- مصر -عقدت معها معاهدة سلام في 1979 وبينهما اعتراف متبادل فلم يعد هناك داع لمعاداة إسرائيل طبقا للقانون الدولي أو لتهريب السلاح من أنفاق غزة أو دعم "الإرهاب" الفلسطيني أو الانشغال بالقضية الفلسطينية برمتها، يكفي أربع حروب دخلتها مصر بسببها.وهذا الفريق الماركسي الذي تبلور مع كتابات لطفي الخولي ومحمد سيد أحمد ومراد وهبة وعلى سالم وامين المهدي ووصل إلى حد قيام الفنان التشكيلي جورج البهجوري بزيارة الكيان الصهيوني لايميز بين العنف المشروع لتحرير الأوطان وبين إرهاب أعمى وغير مشروع،وقد روج التطبيعيون الماركسيون إلى أنه لا ضير في الاتجار مع الصهاينة ، وتوريد الاسمنت والرمل والحديد لبناء الجدار العنصري أو المستوطنات أو بيع الغاز الطبيعي أو النفط الذي تسير به العربات المصفحة والطائرات. فالتجارة شطارة. والكسب لا يفرق بين عدو وصديق، ولا ضير من الاستفادة من الكيان الصهيوني في زراعة الصحراء بما لديه من خبرات في التعمير والاستيطان والري واستصلاح الأراضي بصرف النظر عن شائعات الأوبئة.
والاكثر من ذلك أن هؤلاء الماركسيين سقطوا في اوهام ،بأن إسرائيل نموذج يحتذى به في العلم والتحديث والتقدم خاصة وأن مجموع العرب أقل منها. والتطبيع قادم قادم فلم التأخير والإبطاء. فقد يتجاوز الزمن العرب. فيعيش العرب في زمان غير زمان العالم. ويظلون في زمانهم قابعين، وعقارب ساعتهم واقفة على زمن قديم مثل أهل الكهف.
ويصف المفكر الاسلامي حسن حنفي هذا الفريق الماركسي( بأنه مناهض للواقع والتاريخ. يجعل الجلاد ضحية والضحية جلادا، والمعتدى عليه هو المعتدي، والمظلوم ظالما، والظالم مظلوما. يظن أن توقف العرب عن الحركة في الزمان دائم) وهو بالتالي غير قادر على رصد ارهاصات التغيير التي تجري في أرض الواقع ،بل أن هؤلاء الماركسيين الذين تحالفوا مع سلطات الاحتلال وأعوانه في المنطقة هم عائق ضد التقدم والنهضة،وهم ساهموا بدرجة أو أخرى في منع محاولات عديدة لبناء جبهة اليسار العربي في مصر والوطن العربي.
ومن البديهي أن هذه الرؤية النقدية لا تتناول اليساريين الذين يمارسون العمليات الاستشهادية، ككتائب الشهيد أبو علي مصطفى مثلاً، كما أنها تستثني بالضرورة اليساريين من أصحاب التوجه القومي الذين يميلون عادةً للتركيز على نقاط الاتفاق مع التيارات الأخرى المعادية للإمبريالية حتى لو اختلفوا عنها أيديولوجياً، والذين يناضلون اليوم ضد سلطة مبارك في مصر وانخرطوا في حركة "كفاية" وفي معظم الجبهاتة الوطنية الداعمة لحق الشعب العربي في فلسطين ولبنان والعراق في النضال من اجل تحرير الارض المحتلة أما الذين يروجون للاحتلال والحكومات العميلة له، فهم ليسوا ماركسيين ولكنهم إخوان الشيطان.
وتمادى الحزب الشيوعي العراقي في غيه عندما صار يروج لبقاء قوات الاحتلال لمدة أطول من أجل "تفادي الحرب الأهلية". وسقط الحزب الشيوعي الأردني هو الاخر في مستنقع الترحيب بالاحتلال او بالاحرى بماترتب على الاحتلال فكان أول من أصدر بيانا رحب فيه بتشكيل مجلس الحكم العميل في العراق في تموز/ يوليو2003 وكرس جريدته "الجماهير" للاشادة بهذا المجلس والتبشير به، ويعرف الشيوعيون العرب جيدا أن قيادة الحزب الشيوعي الاردني كانت تتسلم أموالا ـ من وراء ظهرالامين العام يعقوب زيادين ـ من مؤسسات اميركية، وأن الوثائق أكدت أن قيادة هذا الحزب قد تسلمت أموالا طائلة من خزينة المخابرات الاميركية عن طريق الشيوعي العراقي العميل فخري كريم زنكنه.
لقد كانت ممارسات بعض قادة الحزب الشيوعي الاردني سببا في انسحاب المناضل الدكتور يعقوب زيادين الأمين العام السابق للحزب الشيوعي الاردني من صفوف الحزب مع ثلة من رفاقه وتشكيل حزب شيوعي آخر هو حزب الشغيلة الشيوعي الاردني؟لقد رفض زيادين الانخراط في مايسمى اليوم البراجماتية الماركسية،التي تستفيد من الواقع من أجل ترتيب امتيازات تفيد بعض الماركسيين لأن هذا المنهج يعني تخريب العقل اليساري،وضربه من الداخل.
والواقع أن هذه الملاحظة تنطبق على تيار واسع من اليساريين العرب داخل وخارج الأحزاب الشيوعية العربية من الذين يرفضون بل يناهضون العمليات الاستشهادية وينادون بالتعايش مع الصهاينة في فلسطين تحت شعار الدولتين أو غيرها، وممن يعتبرون في الآن عينه أن المشروع السياسي لتيار الإسلام الجهادي لا يقل سوءاً، برأيهم، عن المشروع الأمريكي في المنطقة.
وأشير هنا الى مفارقة رصدها المفكر القومي العربي ابراهيم علوش حين كتب (من المنظور الوطني والقومي، تتميز مواقف بعض اليساريين في القضايا المطروحة على الساحة العربية بأنها:
أضعف مما يجب تجاه الغزاة الصهاينة في فلسطين وتجاه الأطراف المستعدة لعقد الصفقات معهم،
وأنها أقسى مما يجب تجاه تيار الإسلام الجهادي الذي يقارع الطرف الأمريكي-الصهيوني في فلسطين وغيرها.)
لقد وقع فريق من الماركسيين العرب في خطأ وهو أنه لا يرى في العداوة بين الشعوب مبررا حتى ولو اعتدى بعضها على بعض، واحتل بعضها أراضي البعض،وهو التيار الذي يدعو إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني،ومع علاقات خاصة مع واشنطن ، فالسلام خيار استراتيجي، وهو يعتقد أن إسرائيل وجدت لتبقى. وان اكبر دولة عربية- مصر -عقدت معها معاهدة سلام في 1979 وبينهما اعتراف متبادل فلم يعد هناك داع لمعاداة إسرائيل طبقا للقانون الدولي أو لتهريب السلاح من أنفاق غزة أو دعم "الإرهاب" الفلسطيني أو الانشغال بالقضية الفلسطينية برمتها، يكفي أربع حروب دخلتها مصر بسببها.وهذا الفريق الماركسي الذي تبلور مع كتابات لطفي الخولي ومحمد سيد أحمد ومراد وهبة وعلى سالم وامين المهدي ووصل إلى حد قيام الفنان التشكيلي جورج البهجوري بزيارة الكيان الصهيوني لايميز بين العنف المشروع لتحرير الأوطان وبين إرهاب أعمى وغير مشروع،وقد روج التطبيعيون الماركسيون إلى أنه لا ضير في الاتجار مع الصهاينة ، وتوريد الاسمنت والرمل والحديد لبناء الجدار العنصري أو المستوطنات أو بيع الغاز الطبيعي أو النفط الذي تسير به العربات المصفحة والطائرات. فالتجارة شطارة. والكسب لا يفرق بين عدو وصديق، ولا ضير من الاستفادة من الكيان الصهيوني في زراعة الصحراء بما لديه من خبرات في التعمير والاستيطان والري واستصلاح الأراضي بصرف النظر عن شائعات الأوبئة.
والاكثر من ذلك أن هؤلاء الماركسيين سقطوا في اوهام ،بأن إسرائيل نموذج يحتذى به في العلم والتحديث والتقدم خاصة وأن مجموع العرب أقل منها. والتطبيع قادم قادم فلم التأخير والإبطاء. فقد يتجاوز الزمن العرب. فيعيش العرب في زمان غير زمان العالم. ويظلون في زمانهم قابعين، وعقارب ساعتهم واقفة على زمن قديم مثل أهل الكهف.
ويصف المفكر الاسلامي حسن حنفي هذا الفريق الماركسي( بأنه مناهض للواقع والتاريخ. يجعل الجلاد ضحية والضحية جلادا، والمعتدى عليه هو المعتدي، والمظلوم ظالما، والظالم مظلوما. يظن أن توقف العرب عن الحركة في الزمان دائم) وهو بالتالي غير قادر على رصد ارهاصات التغيير التي تجري في أرض الواقع ،بل أن هؤلاء الماركسيين الذين تحالفوا مع سلطات الاحتلال وأعوانه في المنطقة هم عائق ضد التقدم والنهضة،وهم ساهموا بدرجة أو أخرى في منع محاولات عديدة لبناء جبهة اليسار العربي في مصر والوطن العربي.
ومن البديهي أن هذه الرؤية النقدية لا تتناول اليساريين الذين يمارسون العمليات الاستشهادية، ككتائب الشهيد أبو علي مصطفى مثلاً، كما أنها تستثني بالضرورة اليساريين من أصحاب التوجه القومي الذين يميلون عادةً للتركيز على نقاط الاتفاق مع التيارات الأخرى المعادية للإمبريالية حتى لو اختلفوا عنها أيديولوجياً، والذين يناضلون اليوم ضد سلطة مبارك في مصر وانخرطوا في حركة "كفاية" وفي معظم الجبهاتة الوطنية الداعمة لحق الشعب العربي في فلسطين ولبنان والعراق في النضال من اجل تحرير الارض المحتلة أما الذين يروجون للاحتلال والحكومات العميلة له، فهم ليسوا ماركسيين ولكنهم إخوان الشيطان.