" إن التسامح ليس فقط مبدأ يعتز به ولكنه أيضا ضروري للسلام وللتقدم الاقتصادي والاجتماعي لكل الشعوب" [1]
المفارقة التي تتعلق بقضية التسامح في حياتنا اليومية أن من يتخذ التسامح كمبدأ في حياته يتبعه ويطبقه يقع ضحية لاتسامح الآخرين وأنه لكي يستعيد ما أضاعه يذهب إلى حل غير متسامح وبالتالي فهو في وضع إحراجي هش ومتناقض لكون التسامح هو المنطلق والمبدأ من جهة والمقصد والغاية من جهة أخرى ولكن الأرضية التي تقف عليها هذه القيمة الكونية المنشودة هي أرضية غير متسامحة ومتناقضة معها ومحاطة من كل جانب بالعنف والصراع.
كما لا يمكن التطرق إلى مسألة التسامح إلا إذا عانينا كثيرا من نقيضه وعايشنا اللاتسامح الديني والصراع الاجتماعي والتكالب على السلطة والاستغلال الاقتصادي والاضطهاد للأطفال والأجانب في الأعمال الشاقة والعنف على المرأة ولا يمكن التأكيد على هذه القيمة إلا من أجل زرعها أو استنباتها ومعايشتها على صعيد الواقع الملموس ليس كفضيلة أخلاقية ينصح بها بل كمؤسسة سياسية واجتماعية قائمة الذات تفعل في الفضاء العمومي وتفعل بشكل مستمر هذا المطلب في كل الأحوال ومهما كان الظروف.
لكن المفارقة التي تبرز للعيان والمتعلقة بوضعنا زمن العولمة التي بدأت رياح الأزمة تهب بنقاط ارتكازها وتعصف بمبادئها من ناحية المال والاقتصاد والتحررية هي أننا نتحلى ظاهريا بالتسامح ونحاول نشره والتعريف به ونتمسك بالثقافة والقيم والمبادئ التي تأمر بهذه الفضيلة السياسية والأخلاقية ونربي الناشئة عليها ولكننا في مقابل ذلك نخفي لاتسامحا لاشعوريا في ذاكرتنا العميقة ومخيالنا الجماعي تجاه أنفسنا والأغيار وأحيانا تجاه الحياة بأسرها وبالتالي هناك تسامح إكراهي إلزامي مفروض علينا من طرف الأنظمة المنبطحة والمطبعة والمعدلة والخاضعة بدورها لإيديولوجيات العولمة من أجل السلامة والنجاة من التنكيل والبطش وهناك في الداخل احتجاج على هذا التسامح وجنوح نحو التشدد والثأر والقصاص بسبب ما تتعرض له الملة من تهديد وتحرشات وبسبب المخاطر الكبيرة المحدقة بالأمة والتي تصل إلى حد منع الطبقة الناشئة من الاستعداد لصنع المستقبل، فهل يجوز الحديث عن التسامح في وضع غير متسامح؟ وهل يكتسب التفكير في التسامح معناه من معايشة السلم الاجتماعي والتعايش بين الملل والنحل أم من خلال تفجر الحرب وتكاثر أشكال العنف والتصادم في الفضاء الاجتماعي؟ ألا يبدو منطق المتسامح ضعيفا يشبه إلى حد كبير الحجة الكسولة عند الرواقيين أو تعليق الحكم عند الريبيين؟ أم أن منطق اللامتسامح هو منطق أهوج لا يمكن الاستمرار فيه إلى ما لانهاية ويجلب الكوارث والويلات وينم عن ضعف وجهل ومرض ينبغي المسارعة بمعالجته؟ لكن بادئ ذي بدء ماذا نعني بالتسامح اصطلاحا ومفهوما وسلوكا وممارسة؟ وماهي الشروط التي ينبغي أن تتوفر من أجل تحقيقه؟ وماهي حدوده ومآزقه والانزلاقات الخطيرة التي يمكن أن يقع فيها الإنسان المتسامح؟ كيف نتجاوز حالة اللاتسامح دون اللجوء إلى الإكراه والقوة وباحترام منطق التسامح نفسه؟
إن ما نراهن عليه هو تفادي السلوك المتعصب والأرعن الرافض للتسامح والمتجه إلى العنف واستعمال القوة بشكل مفرط والابتعاد عن السلوك المتساهل والمتنازل عن حقوقه وإنسانيته دون قيود ولا شروط والعمل على جعل المسالمة أو المسامحة هي الطريق الملكي للفعل البنائي في الساحة الثقافية والاجتماعية والتأثير التقدمي على مسرح التاريخ.
1- دلالات التسامح:
"إن التسامح يعني الاحترام والقبول والتقدير للتنوع الثري لثقافات عالمنا ولأشكال التعبير وللصفات الإنسانية لدينا"[2].
جاء في المعجم الفلسفي لالاند أن التسامح هو طريقة تصرف شخص يتحمل بلا اعتراض أذي مألوفا يمس حقوقه الدقيقة بينما في إمكانه رد الأذية... وهو كذلك استعداد عقلي أو قاعدة مسلكية قوامها ترك حرية التعبير عن الرأي لكل فرد حتى وان كنا لا نشاطره الرأي.
أما لسان العرب لابن المنظور فانه يتحدث عن عدة معاني يمكن أن نسندها إلى التسامح مثل الجور والضيافة وحسن الجوار والمتابعة والمسايرة والانقياد والمساهلة والرخص والتساهل والليونة وفعل أسمح يقال في المتابعة والانقياد وفعل لان يعني انقاد.
في حين تطرق قاموس روبارت إلى التسامح بمعاني عدم المنع وعدم الفرض والتحرر وحرية المعتقد والقدرة على التأقلم والتكيف على الرغم من الوجود في وضعية مغايرة ومختلفة ويفيد أيضا القدرة على التحمل والهامش بين النظرية والقياسات الدقيقة في الآلة أي المرونة وترك إمكانية للخطأ.
مجمل القول أن هناك عدة دلالات للتسامح أهما:
الدلالة الأخلاقية: وهو التحلي بالحلم والكيس والرصانة في السلوك والامتناع عن استعمال كل الوسائل العنيفة التي تسبب الضرر للآخر مثل العنف المادي والقدح والذم.
الدلالة الدينية: تساهل أهل الفرقة مع الفرق الأخرى والإيمان بحرية المعتقد واحترام الديانات الأخرى.
الدلالة السياسية: المشاركة في إبرام العقد الاجتماعي والالتزام ببنوده والتقيد بها والاحتكام إلى مبدأ الإنصاف الذي يحل محل التطبيق الصارم لمبدأ العدالة.
الدلالة القانونية: الرخصة التي يمنحها القاضي لكل الملل لكي تمارس شعائرها في جو من الأمن والسلام. نجد عند لالاند: أقصى انحراف يسمح به القانون مسبقا أو يقره العرف بالمقارنة مع إجراءات محددة بالأرقام.
الدلالة الفكرية: التسامح هو قبول الرأي المخالف والدفاع عن الفكر الحر والعمل على تقديم الأفكار دون فرضها بالقوة.
لقد جاء في إعلان المبادئ بشأن التسامح الذي اعتمده المؤتمر العام لليونسكو في دورته الثامنة والعشرين في باريس بتاريخ 16 نوفمبر 1995:"إن التسامح لا يعني المساواة أو التنازل أو التساهل بل التسامح هو قبل كل شيء اتخاذ موقف ايجابي فيه إقرار بحق الآخرين في التمتع بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية المعترف بها عالميا.[3]"
2- مظاهر اللاتسامح:
"إن النزاع بين الحضارات سيحل محل الأشكال الإيديولوجية وغيرها باعتبارها الشكل العالمي المهيمن للنزاع" صاموال هنتغنتون – صدام الحضارات
غير أن الحياة الإنسانية هي على خلاف هذه القيم لأن الذي يحدد العلاقات بين الناس ليس الفضائل والغايات والمثل بل الرذائل والوسائل والوقائع ولذلك يتغلب النزاع على التواصل والمصلحة على الحكمة والقوة على الحق ويسود اللاتسامح في العديد من المجالات أهمها:
- الرقابة على الفكر وتنميط العقول ومحاصرة الكلمة الحرة وتكميم الأفواه وحجب المواقع ومنع الصحف والكتب والمجلات من الوصول إلى القراء.
- استغلال الأطفال وإكراههم على الانقطاع عن الدراسة وإجبارهم على اقتحام سوق الشغل وإعطائهم أجورا زهيدة والمتاجرة بأجسادهم وبيع أعضائهم.
- التمييز بين الرجل والمرأة وممارسة العنف عليها وتعريض حياتها للخطر سواء بسوء المعاملة أو بإجبارها على القيام بأعمال شاقة والإنجاب بطريقة عشوائية وحرمانها من حقوقها الأساسية.
- بروز التوتر المذهبي وتفجر الحروب الأهلية وتعكر حالة الاحتقان الطائفي بسبب الاختلاف في العقائد والانتماء العرقي واللغوي والثقافي والنظر إلى المخالفين على أنهم غرباء وذميين والتمييز بينهم وبين السكان الأصليين.
- احتواء الدول القوية للدول الضعيفة وابتلاع المجتمع السياسي للمجتمع المدني وانفراد القلة بالحكم واحتكاره وتوريثه عائليا والعزوف عن التداول السلمي له وعدم تشريك القاعدة العريضة في اتخاذ القرارات التي تتعلق بالشأن العام ومصادرة الديمقراطية وحقوق الإنسان.
- ندرة فرص الشغل وانخفاض الأجور وندرة المواد الغذائية وارتفاع الأسعار بالنسبة للمحروقات والتلاعب بالأسواق المالية وتراكم الثروة في يد القلة وتحكم اللوبيات الاقتصادية في قانون العرض والطلب وفقدان الأغلبية السبل البسيطة لضمان العيش الكريم.
- بروز الدغماية الايمانية وانفراد طبقة من الاكليروس بشأن العقيدة وظهورهم أمام الرأي العام كناطقين باسم الحق الالهي وهو ما يؤدي إلى التدخل في ضمائر الناس والتفتيش بقناعاتهم والحكم على تصرفاتهم من زاوية فقهية ضيقة وإلصاق التهم والصفات بسبب إبداعاتهم وآرائهم الاجتهادية كما حصل لأدونيس ومدير المكتبة الوطنية الجزائرية مؤخرا. في هذا السياق يقول جون لوك في رسالة في التسامح:" الدين الحق المنجي هو الذي يقوم على الإيمان الباطن... وان من طبيعة العقل الإنساني أنه لا يمكن إكراهه بواسطة أي قوة خارجية...إن الآراء الدينية التي يعتنقها أولى الأمر هي من التعدد والاختلاف بحيث انه لابد أن يكون الطريق والباب المؤديان إلى الجنة ضيقين وليسا مفتوحين آلا لعدد قليل جدا من الناس".
فماهي الوسائل الضرورية لتجاوز حالة اللاتسامح والوصول إلى ترسيخ قيمة التسامح في القول والفكر والفعل على السواء؟
3- التسامح في حضارة اقرأ:
"إن المؤمنين لا يتركون مفرحا بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء أو قتل"[4]
صحيح أن حضارة اقرأ تعاني الآن معانة شديدة من تفشي اللاتسامح بين الأفراد الافتراضيين الذين يعيدون تشكيلها مع بعضهم البعض ومع العالم الخارجي وصحيح أن القبول بفكرة التسامح ليس قبولا طوعيا وتلقائيا بل هو قبول إكراهي ورغبة في المحافظة على البقاء وإنقاذ ما يمكن إنقاذه ولكن إذا عدنا إلى الوراء وتتبعنا النصوص التأسيسية فإننا نجد فكرة التسامح متأصلة في اللغة والاجتهاد والواقع ولكن بشكل متناثر وطارئ ومتقطع وليس بشكل دائم ومستمر على طول هذا التاريخ فكيف ظهرت قيمة التسامح لغة واجتهادا وتاريخا؟
أ- من حيث اللغة:
إذا عدنا إلى معجم الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري نجد كلمة التسامح تعني الإذن والإجازة وتسامح معه يعني أجازه وأذن له والفرق بينهما يحدد العسكري على النحو التالي:" الفرق بين قولك اجتزأ به وقولك اكتفى به: أن قولك اجتزأ يقتضي أنه دون ما يحتاج إليه وأصله من الجزء وهو اجتزاء الإبل بالرطب عن الماء وهي وإن اجتزأت به يقتضي أنه دون ما تحتاج إليه عنه فهي محتاجة إليه بعض الحاجة والاكتفاء يفيد أن ما يكتفي به قدر الحاجة من غير زيادة ولا نقصان تقول فلان في كفاية أي فيما هو وفق حاجته من العيش"الفقرة 50. ومن المعاني الأخرى نجد الإجابة والقبول والاستجابة والطاعة والإحسان والفضل والإنعام والنفع ويقول حول هذا الموضوع:" الفرق بين الإحسان والفضل: أن الإحسان قد يكون واجبا وغير واجب، والفضل لا يكون واجبا على أحد وإنما هو ما يتفضل به من غير سبب يوجبه"الفقرة 73.
ب - من جهة التاريخ:
إذا عدنا إلى الصحيفة التي كتبها الرسول لإعلان طبيعة الجماعة التي كونها وشكل العلاقة التي ينبغي أن تربط أفرادها وضرورة تكاتفها مع غيرها من الجماعات من أجل حماية المدينة من أي اعتداء خارجي فإننا نجد فيها عدة دلالات تشير إلى قيمة التسامح والتي يمكن أن نذكر من بينها الحلف والسلم والمسالمة والعدل والقسط والتناصر والفداء والأمن والأسوة والمعروف والإنفاق والايواء والجيرة والرضا والإذن والنصيحة والبر والإحسان والصلح والصرف وهذه المفاهيم التي تجنح إلى السلم وتنبذ الحرب هي في هذه المدونة أقل بكثير من مفاهيم البغي والتقاتل والعدوان والغزو والاشتجار واللعن والظلم والإثم.
يقول الرسول محمد صلعم:" إنهم أمة واحدة من دون الناس...وهم يفدون عانيهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين...إن ذمة الله واحدة يجير عليهم أدناهم وان المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس وانه من تبعنا من يهود فان له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصرين عليهم... وان بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم وانه لم يأثم امرؤ بحليفه وان النصر للمظلوم وان اليهود ينفقون مع المؤمنين ماداموا محاربين وان يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة وان الجار كالنفس غير مضار ولا آثم وانه لا تجار حرمة إلا بإذن أهلها، وانه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده فان مرده إلى الله عزل وجل والى محمد صلعم.[5]"
صحيح أن الصحيفة هي مجرد حلف ولم ترتقي إلى مرتبة الدستور ولكنها كانت الفعل الذي أصبح به الشعب شعبا كما يقول روسو وهي النص التأسيس لدولة المدينة التي أرداها النبي محمد صلعم أن تكون فوق القبائل والأديان.
ج- من جهة الاجتهاد:
الاجتهاد هو شغل الفقهاء في استنباط الأحكام بالقياس وتتبع العلة وتنقيح المناط وتحقيقه وقد حاول الفقهاء أن يحترم أهم صفة ارتبطت بالإسلام وهي اليسر ويبتعدوا عن العسر ولذلك اعتمدوا التيسير وأعطوا الرخص في العديد من الحالات وقد وجد فقه الاختلاف وأباحوا التعدد في مستوى النظر وروي عن الشافعي أنه قال:" رأيي صواب يحتمل الخطأ وخطا يحتمل الصواب" وهذا القول يعبر عن رحابة الصدر عند الفقهاء وسعة نظرهم ورجاحة عقلهم وتقيدهم بالاستطاعة عند التكليف والمقدرة عند العفو وقد عرفت اجتهادات أبي حنفية بأنها اجتهادات متسامحة لأنها تغلب روح الواقع والعقل وتِتأول النص حسب المصلحة وتبحث عما يجلب المنفعة ويبعد المضرة عن الناس.
كما أن الشعر العربي دعا إلى السلم ونبذ الحرب منذ ما قبل مجيء الإسلام وحرض على المروءة والجود والكرم والتوقف عن القتال في الأشهر الحرم وقد تواصل ذلك مع الشعر العربي المعاصر مع الراحل محمود درويش الذي دعا إلى الإحساس بالغير ونبذ الأنانية والتسلح بالقيم الكونية والتسامح، إذ يقول حول هذا الموضوع الاتيقي الإلزامي:
"وأنت تحرر نفسك بالاستعارات
فكر بغيرك، من فقدوا حقهم في الكلام
وأنت تفكر في الآخرين البعيدين
فكر بنفسك قل ليتني شمعة في الظلام"
لكن إذا كان جوهر حضارة اقرأ من جهة النص والتاريخ والاجتهاد يحث على التسامح لماذا انقلبت هذه القيمة إلى ضدها؟ هل لأنها وصلت إلى حدها والمسلمين غلب عليه الذل والخضوع والهوان والدعة فصارت القوة والبطش والسؤدد والعزة مجرد خواطر ومثالات يتمنونها في الأحلام؟
4- سبل مواجهة اللاتسامح:
" إن التربية يجب أن تهدف إلى تنمية التفاهم والتسامح والصداقة بين جميع الشعوب والجماعات"[6]
إن الأمر لا يتوقف على إعلان مبادئ بشأن التسامح في مؤتمر عالمي داخل أروقة اليونسكو ولا على تكوين شبكة عربية للتسامح فحسب تقوم بنشر أفكار سلمية وتكوين شخصيات متفهمة وتربيهم تربية عقلانية فحسب بل يرتبط بزرع نبتة الديمقراطية في كافة أرجاء المعمورة ونشر ثقافة حقوق الإنسان والتشجيع على التعددية السياسية كما فعل غاندي وتدعيم هيئات المجتمع المدني والتركيز على المنظومة التربوية وبرامج التعليم التي بمكانها احترام خصوصياتها والانفتاح على القيم الكونية وتقريب هذه المبادئ من الأفهام وتحبيبها إلى الأنفس مع تفادي الشكلنة والتعسف والاسقاط والتكرار المنفر.
بيد أن التسامح لا يعني الانبطاح والتفويت في الذات والامحاء في الآخر وجلد التراث والإلقاء به في مزبلة التاريخ بل يفيد عدم جدوى السلوك العنيف في استعادة الحقوق والاعتماد الكلي على السلوك العقلاني الراقي والحكمة المتبصرة من أجل التمدين والتطوير واستغلال الزمن وعدم إضاعة الفرص للحاق بركب الأمم المتقدمة والانفتاح على الآخر من أجل الاستفادة من خبراته وعلومه .
تسامح الأنا هو مرهون بتسامح الآخر وتوخي الهوية إستراتيجية هادئة وسلمية لبناء نفسها ومشروعها بشكل استشرافي لا يكون ذلك ممكنا إلا إذا اقترن مع استعداد الغيرية للتخلص من طابعها العنيف ونظرتها الاقصائية للغير وخروجها عن أنانيتها ومثليتها وساديتها ومازوشيتها وإلا يفقد هذا المبدأ قيمته وانعدم التواصل بين الطرفين و نسقط في الاستعمار والاستبداد والحرب الأهلية والتوتر الداخلي وسوء التفاهم مع العالم.
علاوة على ذلك يطلب إنهاء حالة حرب الكل ضد الكل التي تلقي بظلها على مستوى العلاقات الدولية وخاصة في ظل عودة الأشكال القروسطية من الغزو العسكري والاحتلال وإنهاء حالة صدام الثقافات وتفكيك نزعات التباغض والتشاحن بين العقائد والأديان والأعراق والاعتراف بحقوق الأقليات والاثنيات والخصوصيات وتمكينها من فرصة المساهمة في صناعة الحضارة والمشاركة في التمتع برحابة القيم الكونية المشتركة. علمنة الدين ودنيوة ( جعله أمر من أمور الدنيا) المقدس وخلع هالة القداسة عن الإيمان وإلغاء التمييز بين الأجناس والأعراق والجهات والدول والكف عن اضطهاد الأطفال والمرأة واعتماد سياسة حيوية تركز على السكان والصحة وأنسنة ظروف العمل وترشيد إنتاج وتوزيع واستهلاك الطاقة والغذاء والماء كلها سبل لمواجهة اللاتسامح وتجهيز أرضية للعيش السوي والتواجد البيذاتي التعميري الاستخلافي للكون.ألم يأمر رائد التنوير الغربي فولتير:" كن متسامحا جدا مع من خالفك في الرأي فان رأيه إن لم يكن صائبا فانك بتعصبك لرأيك تمثل كل الخطأ".
إن الحرية في الفكر والاعتقاد والسلوك هي الشرط الأول والأخير لجعل التسامح يرتقي من مجرد نصيحة أخلاقية وموعظة دينية إلى خلفية عقلية ومؤسسة سياسية واجتماعية يتم ترسيخها في الأذهان والعمل على تفعيل آلياتها في الأعيان، ودون وجود الحرية لا يمكن الحديث عن التسامح بشرط أن تكون ملزمة باحترام حريات الآخرين ومقترنة بامتلاكهم لحرياته ، أليس قدرنا أن ننشد حرية الآخرين إذا ما أردنا أن ننشد حريتنا؟ وأليست المسؤولية القانونية والأخلاقية تفرض علينا أن نكون متسامحين حتى إزاء غير المتسامحين ؟ أليس الأوكد علينا نحن العرب أن نكون متسامحين مع بعضنا البعض وأن نحتضن كل واحد منا الآخر من أجل الاستئناف الحضاري المنشود؟
كاتب فلسفي
من إعلان مبادئ بشأن التسامح[1]
من إعلان مبادئ بشأن التسامح [2]
من إعلان مبادئ بشأن التسامح [3]
ابن هشام الصحيفة من السيرة النبوية ص254[4]
ابن هشام الصحيفة من السيرة النبوية ص254- 255[5]
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، المادة 26[6]
1- دلالات التسامح:
"إن التسامح يعني الاحترام والقبول والتقدير للتنوع الثري لثقافات عالمنا ولأشكال التعبير وللصفات الإنسانية لدينا"[2].
جاء في المعجم الفلسفي لالاند أن التسامح هو طريقة تصرف شخص يتحمل بلا اعتراض أذي مألوفا يمس حقوقه الدقيقة بينما في إمكانه رد الأذية... وهو كذلك استعداد عقلي أو قاعدة مسلكية قوامها ترك حرية التعبير عن الرأي لكل فرد حتى وان كنا لا نشاطره الرأي.
أما لسان العرب لابن المنظور فانه يتحدث عن عدة معاني يمكن أن نسندها إلى التسامح مثل الجور والضيافة وحسن الجوار والمتابعة والمسايرة والانقياد والمساهلة والرخص والتساهل والليونة وفعل أسمح يقال في المتابعة والانقياد وفعل لان يعني انقاد.
في حين تطرق قاموس روبارت إلى التسامح بمعاني عدم المنع وعدم الفرض والتحرر وحرية المعتقد والقدرة على التأقلم والتكيف على الرغم من الوجود في وضعية مغايرة ومختلفة ويفيد أيضا القدرة على التحمل والهامش بين النظرية والقياسات الدقيقة في الآلة أي المرونة وترك إمكانية للخطأ.
مجمل القول أن هناك عدة دلالات للتسامح أهما:
الدلالة الأخلاقية: وهو التحلي بالحلم والكيس والرصانة في السلوك والامتناع عن استعمال كل الوسائل العنيفة التي تسبب الضرر للآخر مثل العنف المادي والقدح والذم.
الدلالة الدينية: تساهل أهل الفرقة مع الفرق الأخرى والإيمان بحرية المعتقد واحترام الديانات الأخرى.
الدلالة السياسية: المشاركة في إبرام العقد الاجتماعي والالتزام ببنوده والتقيد بها والاحتكام إلى مبدأ الإنصاف الذي يحل محل التطبيق الصارم لمبدأ العدالة.
الدلالة القانونية: الرخصة التي يمنحها القاضي لكل الملل لكي تمارس شعائرها في جو من الأمن والسلام. نجد عند لالاند: أقصى انحراف يسمح به القانون مسبقا أو يقره العرف بالمقارنة مع إجراءات محددة بالأرقام.
الدلالة الفكرية: التسامح هو قبول الرأي المخالف والدفاع عن الفكر الحر والعمل على تقديم الأفكار دون فرضها بالقوة.
لقد جاء في إعلان المبادئ بشأن التسامح الذي اعتمده المؤتمر العام لليونسكو في دورته الثامنة والعشرين في باريس بتاريخ 16 نوفمبر 1995:"إن التسامح لا يعني المساواة أو التنازل أو التساهل بل التسامح هو قبل كل شيء اتخاذ موقف ايجابي فيه إقرار بحق الآخرين في التمتع بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية المعترف بها عالميا.[3]"
2- مظاهر اللاتسامح:
"إن النزاع بين الحضارات سيحل محل الأشكال الإيديولوجية وغيرها باعتبارها الشكل العالمي المهيمن للنزاع" صاموال هنتغنتون – صدام الحضارات
غير أن الحياة الإنسانية هي على خلاف هذه القيم لأن الذي يحدد العلاقات بين الناس ليس الفضائل والغايات والمثل بل الرذائل والوسائل والوقائع ولذلك يتغلب النزاع على التواصل والمصلحة على الحكمة والقوة على الحق ويسود اللاتسامح في العديد من المجالات أهمها:
- الرقابة على الفكر وتنميط العقول ومحاصرة الكلمة الحرة وتكميم الأفواه وحجب المواقع ومنع الصحف والكتب والمجلات من الوصول إلى القراء.
- استغلال الأطفال وإكراههم على الانقطاع عن الدراسة وإجبارهم على اقتحام سوق الشغل وإعطائهم أجورا زهيدة والمتاجرة بأجسادهم وبيع أعضائهم.
- التمييز بين الرجل والمرأة وممارسة العنف عليها وتعريض حياتها للخطر سواء بسوء المعاملة أو بإجبارها على القيام بأعمال شاقة والإنجاب بطريقة عشوائية وحرمانها من حقوقها الأساسية.
- بروز التوتر المذهبي وتفجر الحروب الأهلية وتعكر حالة الاحتقان الطائفي بسبب الاختلاف في العقائد والانتماء العرقي واللغوي والثقافي والنظر إلى المخالفين على أنهم غرباء وذميين والتمييز بينهم وبين السكان الأصليين.
- احتواء الدول القوية للدول الضعيفة وابتلاع المجتمع السياسي للمجتمع المدني وانفراد القلة بالحكم واحتكاره وتوريثه عائليا والعزوف عن التداول السلمي له وعدم تشريك القاعدة العريضة في اتخاذ القرارات التي تتعلق بالشأن العام ومصادرة الديمقراطية وحقوق الإنسان.
- ندرة فرص الشغل وانخفاض الأجور وندرة المواد الغذائية وارتفاع الأسعار بالنسبة للمحروقات والتلاعب بالأسواق المالية وتراكم الثروة في يد القلة وتحكم اللوبيات الاقتصادية في قانون العرض والطلب وفقدان الأغلبية السبل البسيطة لضمان العيش الكريم.
- بروز الدغماية الايمانية وانفراد طبقة من الاكليروس بشأن العقيدة وظهورهم أمام الرأي العام كناطقين باسم الحق الالهي وهو ما يؤدي إلى التدخل في ضمائر الناس والتفتيش بقناعاتهم والحكم على تصرفاتهم من زاوية فقهية ضيقة وإلصاق التهم والصفات بسبب إبداعاتهم وآرائهم الاجتهادية كما حصل لأدونيس ومدير المكتبة الوطنية الجزائرية مؤخرا. في هذا السياق يقول جون لوك في رسالة في التسامح:" الدين الحق المنجي هو الذي يقوم على الإيمان الباطن... وان من طبيعة العقل الإنساني أنه لا يمكن إكراهه بواسطة أي قوة خارجية...إن الآراء الدينية التي يعتنقها أولى الأمر هي من التعدد والاختلاف بحيث انه لابد أن يكون الطريق والباب المؤديان إلى الجنة ضيقين وليسا مفتوحين آلا لعدد قليل جدا من الناس".
فماهي الوسائل الضرورية لتجاوز حالة اللاتسامح والوصول إلى ترسيخ قيمة التسامح في القول والفكر والفعل على السواء؟
3- التسامح في حضارة اقرأ:
"إن المؤمنين لا يتركون مفرحا بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء أو قتل"[4]
صحيح أن حضارة اقرأ تعاني الآن معانة شديدة من تفشي اللاتسامح بين الأفراد الافتراضيين الذين يعيدون تشكيلها مع بعضهم البعض ومع العالم الخارجي وصحيح أن القبول بفكرة التسامح ليس قبولا طوعيا وتلقائيا بل هو قبول إكراهي ورغبة في المحافظة على البقاء وإنقاذ ما يمكن إنقاذه ولكن إذا عدنا إلى الوراء وتتبعنا النصوص التأسيسية فإننا نجد فكرة التسامح متأصلة في اللغة والاجتهاد والواقع ولكن بشكل متناثر وطارئ ومتقطع وليس بشكل دائم ومستمر على طول هذا التاريخ فكيف ظهرت قيمة التسامح لغة واجتهادا وتاريخا؟
أ- من حيث اللغة:
إذا عدنا إلى معجم الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري نجد كلمة التسامح تعني الإذن والإجازة وتسامح معه يعني أجازه وأذن له والفرق بينهما يحدد العسكري على النحو التالي:" الفرق بين قولك اجتزأ به وقولك اكتفى به: أن قولك اجتزأ يقتضي أنه دون ما يحتاج إليه وأصله من الجزء وهو اجتزاء الإبل بالرطب عن الماء وهي وإن اجتزأت به يقتضي أنه دون ما تحتاج إليه عنه فهي محتاجة إليه بعض الحاجة والاكتفاء يفيد أن ما يكتفي به قدر الحاجة من غير زيادة ولا نقصان تقول فلان في كفاية أي فيما هو وفق حاجته من العيش"الفقرة 50. ومن المعاني الأخرى نجد الإجابة والقبول والاستجابة والطاعة والإحسان والفضل والإنعام والنفع ويقول حول هذا الموضوع:" الفرق بين الإحسان والفضل: أن الإحسان قد يكون واجبا وغير واجب، والفضل لا يكون واجبا على أحد وإنما هو ما يتفضل به من غير سبب يوجبه"الفقرة 73.
ب - من جهة التاريخ:
إذا عدنا إلى الصحيفة التي كتبها الرسول لإعلان طبيعة الجماعة التي كونها وشكل العلاقة التي ينبغي أن تربط أفرادها وضرورة تكاتفها مع غيرها من الجماعات من أجل حماية المدينة من أي اعتداء خارجي فإننا نجد فيها عدة دلالات تشير إلى قيمة التسامح والتي يمكن أن نذكر من بينها الحلف والسلم والمسالمة والعدل والقسط والتناصر والفداء والأمن والأسوة والمعروف والإنفاق والايواء والجيرة والرضا والإذن والنصيحة والبر والإحسان والصلح والصرف وهذه المفاهيم التي تجنح إلى السلم وتنبذ الحرب هي في هذه المدونة أقل بكثير من مفاهيم البغي والتقاتل والعدوان والغزو والاشتجار واللعن والظلم والإثم.
يقول الرسول محمد صلعم:" إنهم أمة واحدة من دون الناس...وهم يفدون عانيهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين...إن ذمة الله واحدة يجير عليهم أدناهم وان المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس وانه من تبعنا من يهود فان له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصرين عليهم... وان بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم وانه لم يأثم امرؤ بحليفه وان النصر للمظلوم وان اليهود ينفقون مع المؤمنين ماداموا محاربين وان يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة وان الجار كالنفس غير مضار ولا آثم وانه لا تجار حرمة إلا بإذن أهلها، وانه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده فان مرده إلى الله عزل وجل والى محمد صلعم.[5]"
صحيح أن الصحيفة هي مجرد حلف ولم ترتقي إلى مرتبة الدستور ولكنها كانت الفعل الذي أصبح به الشعب شعبا كما يقول روسو وهي النص التأسيس لدولة المدينة التي أرداها النبي محمد صلعم أن تكون فوق القبائل والأديان.
ج- من جهة الاجتهاد:
الاجتهاد هو شغل الفقهاء في استنباط الأحكام بالقياس وتتبع العلة وتنقيح المناط وتحقيقه وقد حاول الفقهاء أن يحترم أهم صفة ارتبطت بالإسلام وهي اليسر ويبتعدوا عن العسر ولذلك اعتمدوا التيسير وأعطوا الرخص في العديد من الحالات وقد وجد فقه الاختلاف وأباحوا التعدد في مستوى النظر وروي عن الشافعي أنه قال:" رأيي صواب يحتمل الخطأ وخطا يحتمل الصواب" وهذا القول يعبر عن رحابة الصدر عند الفقهاء وسعة نظرهم ورجاحة عقلهم وتقيدهم بالاستطاعة عند التكليف والمقدرة عند العفو وقد عرفت اجتهادات أبي حنفية بأنها اجتهادات متسامحة لأنها تغلب روح الواقع والعقل وتِتأول النص حسب المصلحة وتبحث عما يجلب المنفعة ويبعد المضرة عن الناس.
كما أن الشعر العربي دعا إلى السلم ونبذ الحرب منذ ما قبل مجيء الإسلام وحرض على المروءة والجود والكرم والتوقف عن القتال في الأشهر الحرم وقد تواصل ذلك مع الشعر العربي المعاصر مع الراحل محمود درويش الذي دعا إلى الإحساس بالغير ونبذ الأنانية والتسلح بالقيم الكونية والتسامح، إذ يقول حول هذا الموضوع الاتيقي الإلزامي:
"وأنت تحرر نفسك بالاستعارات
فكر بغيرك، من فقدوا حقهم في الكلام
وأنت تفكر في الآخرين البعيدين
فكر بنفسك قل ليتني شمعة في الظلام"
لكن إذا كان جوهر حضارة اقرأ من جهة النص والتاريخ والاجتهاد يحث على التسامح لماذا انقلبت هذه القيمة إلى ضدها؟ هل لأنها وصلت إلى حدها والمسلمين غلب عليه الذل والخضوع والهوان والدعة فصارت القوة والبطش والسؤدد والعزة مجرد خواطر ومثالات يتمنونها في الأحلام؟
4- سبل مواجهة اللاتسامح:
" إن التربية يجب أن تهدف إلى تنمية التفاهم والتسامح والصداقة بين جميع الشعوب والجماعات"[6]
إن الأمر لا يتوقف على إعلان مبادئ بشأن التسامح في مؤتمر عالمي داخل أروقة اليونسكو ولا على تكوين شبكة عربية للتسامح فحسب تقوم بنشر أفكار سلمية وتكوين شخصيات متفهمة وتربيهم تربية عقلانية فحسب بل يرتبط بزرع نبتة الديمقراطية في كافة أرجاء المعمورة ونشر ثقافة حقوق الإنسان والتشجيع على التعددية السياسية كما فعل غاندي وتدعيم هيئات المجتمع المدني والتركيز على المنظومة التربوية وبرامج التعليم التي بمكانها احترام خصوصياتها والانفتاح على القيم الكونية وتقريب هذه المبادئ من الأفهام وتحبيبها إلى الأنفس مع تفادي الشكلنة والتعسف والاسقاط والتكرار المنفر.
بيد أن التسامح لا يعني الانبطاح والتفويت في الذات والامحاء في الآخر وجلد التراث والإلقاء به في مزبلة التاريخ بل يفيد عدم جدوى السلوك العنيف في استعادة الحقوق والاعتماد الكلي على السلوك العقلاني الراقي والحكمة المتبصرة من أجل التمدين والتطوير واستغلال الزمن وعدم إضاعة الفرص للحاق بركب الأمم المتقدمة والانفتاح على الآخر من أجل الاستفادة من خبراته وعلومه .
تسامح الأنا هو مرهون بتسامح الآخر وتوخي الهوية إستراتيجية هادئة وسلمية لبناء نفسها ومشروعها بشكل استشرافي لا يكون ذلك ممكنا إلا إذا اقترن مع استعداد الغيرية للتخلص من طابعها العنيف ونظرتها الاقصائية للغير وخروجها عن أنانيتها ومثليتها وساديتها ومازوشيتها وإلا يفقد هذا المبدأ قيمته وانعدم التواصل بين الطرفين و نسقط في الاستعمار والاستبداد والحرب الأهلية والتوتر الداخلي وسوء التفاهم مع العالم.
علاوة على ذلك يطلب إنهاء حالة حرب الكل ضد الكل التي تلقي بظلها على مستوى العلاقات الدولية وخاصة في ظل عودة الأشكال القروسطية من الغزو العسكري والاحتلال وإنهاء حالة صدام الثقافات وتفكيك نزعات التباغض والتشاحن بين العقائد والأديان والأعراق والاعتراف بحقوق الأقليات والاثنيات والخصوصيات وتمكينها من فرصة المساهمة في صناعة الحضارة والمشاركة في التمتع برحابة القيم الكونية المشتركة. علمنة الدين ودنيوة ( جعله أمر من أمور الدنيا) المقدس وخلع هالة القداسة عن الإيمان وإلغاء التمييز بين الأجناس والأعراق والجهات والدول والكف عن اضطهاد الأطفال والمرأة واعتماد سياسة حيوية تركز على السكان والصحة وأنسنة ظروف العمل وترشيد إنتاج وتوزيع واستهلاك الطاقة والغذاء والماء كلها سبل لمواجهة اللاتسامح وتجهيز أرضية للعيش السوي والتواجد البيذاتي التعميري الاستخلافي للكون.ألم يأمر رائد التنوير الغربي فولتير:" كن متسامحا جدا مع من خالفك في الرأي فان رأيه إن لم يكن صائبا فانك بتعصبك لرأيك تمثل كل الخطأ".
إن الحرية في الفكر والاعتقاد والسلوك هي الشرط الأول والأخير لجعل التسامح يرتقي من مجرد نصيحة أخلاقية وموعظة دينية إلى خلفية عقلية ومؤسسة سياسية واجتماعية يتم ترسيخها في الأذهان والعمل على تفعيل آلياتها في الأعيان، ودون وجود الحرية لا يمكن الحديث عن التسامح بشرط أن تكون ملزمة باحترام حريات الآخرين ومقترنة بامتلاكهم لحرياته ، أليس قدرنا أن ننشد حرية الآخرين إذا ما أردنا أن ننشد حريتنا؟ وأليست المسؤولية القانونية والأخلاقية تفرض علينا أن نكون متسامحين حتى إزاء غير المتسامحين ؟ أليس الأوكد علينا نحن العرب أن نكون متسامحين مع بعضنا البعض وأن نحتضن كل واحد منا الآخر من أجل الاستئناف الحضاري المنشود؟
كاتب فلسفي
من إعلان مبادئ بشأن التسامح[1]
من إعلان مبادئ بشأن التسامح [2]
من إعلان مبادئ بشأن التسامح [3]
ابن هشام الصحيفة من السيرة النبوية ص254[4]
ابن هشام الصحيفة من السيرة النبوية ص254- 255[5]
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، المادة 26[6]