مقدمة:
لقد ظهرت الحاجة إلى مكافحة الجريمة، عندما بدأ الإنسان ينظم حياته في إطار تجمعات بشرية، بدأت صغيرة متفرقة لتصبح على ما هي عليه الآن من التوسع والكثرة، وقد شكل تطور الإنسان والحضارة عبر التاريخ وتآلف الأفراد في مجتمعات ودول وقارات، علة وضع قوانين وأحكام أقرت حماية الحقوق، والتحمل بالالتزامات، فأدت إلى تجريم التصرفات التي لا تتوافق مع النظام العام، ولهذا أحدثت لهذه الغاية جهات مختلفة أنيط بها وضع القوانين، وإقامة الدعوى العمومية وتوقيع العقوبات والعمل على تنفيذها، في إطار ما يعرف بآليات السياسة الجنائية[1].
واعتبرت الجريمة منذ بروز البشرية، مشكلة مستعصية، لم توفر لها العقوبة إلا حلا جزئيا مؤقتا[2]، لذا تضافرت جهود دول العالم لإظهار معالم سياساتها الجنائية، في تشريعاتها، فهي التي تشكل في تلازمها وشموليتها مدى نجاعة السياسة الجنائية المتبعة لمكافحة الجريمة[3]، مع العلم بأنه من الحقائق الثابتة تاريخيا، أن الجريمة ظاهرة مادية في كل مجتمع إنساني، غير أن سبل محاربتها وطرق مجابهتها، تختلف من بلد إلى أخر وهو ما يتضح من خلال التعريف الذي أعطاه فيورباخ feurbach للسياسة الجنائية باعتبارها مجموعة الوسائل التي يمكن اتخاذها في وقت معين وفي بلد معين من أجل مكافحة الإجرام[4].
فالسياسة الجنائية لا تجمع كل الإجراءات التي تتصرف بها الدولة في مواجهة الجريمة، هذه الإجراءات نوعان قد تكون وقائية وقد تكون زجرية(أو ردعية).
فالسياسة الجنائية لا تخص الوقاية أي أنها لا تتضمن الإجراءات الوقائية، لأن هذه الأخيرة من اختصاص الدولة، والسياسة الوقائية مهما كانت جيدة، لا يمكنها بأي حال أن تقبر الإجرام، لهذا تجد الدولة نفسها أمام ضرورة ممارسة مهمتها الثانية والتي تتمثل في السياسة الجنائية لزجر ومعاقبة المجرمين[5]. هذه المهمة تظهر جليا ويعنى بها جيدا في الدول التي تميل سياساتها إلى الطابع السلطوي أو الاستبدادي ومن هنا تتبين العلاقة الوطيدة بين السياسة العامة والسياسة الجنائية للدولة بحيث الأولى ترسم الثانية.
ويعرف الاستبداد السياسي بأنه الإنفراد بالسلطة، ومعنى استبد به أي انفرد به، ويقال استبد بالأمر، يستبد به استبدادا إذا انفرد به دون غيره[6].
وفي أوربا كان يوجد صنفين من الدول؛ دول ذات توجه مثالي ديمقراطي وليبرالي من بينهم فرنسا وإنجلترا أساسا، ودول ذات توجه سلطوي(استبدادي) وهي إيطاليا ألمانيا وروسيا (الاتحاد السوفياتي سابقا)، ومن الأهمية بما كان ومن أجل الفهم الجيد لوضعية المشكل لتلك الدول في القانون الجنائي، لابد من إثارة بعض الأحداث التي طبعت السياسة العامة لهذه البلدان ذات التوجه السلطوي.
بعض هذه الأحداث جاء قبل الحرب العالمية الثانية، كالتحولات السياسية التي جاءت غالبيتها نتيجة التغيرات الاقتصادية، حيث ثم إنشاء التجمعات الصناعية والتجارية -والتي تميل إلى منافسة أقطاب التأثير- بالليبرالية إلى الهاوية، فكان التدخل وحده هو الذي سمح للدولة بمواجهة الإقطاعية الجديدة لحماية الفرد وحماية مصالحه المادية على حساب استقلاليته، وهكذا إعلان ميلاد ما يسمى بالاقتصاد الموجه[7].
بعد ذلك ولدت الدكتاتوريات في إيطاليا وألمانيا وروسيا من أجل منع فوضى مهددة، فسيادة الدولة تكون من أجل التحكم في تصفية الحسابات لكي لا يكون فعال عشوائيا فقط أو بيد الأقوى، وعليه فإن السيادة تهدف إلى إقامة النظام العام وإرساء الأمن لكنها لا تقوم بذلك إلا باستعمال القوة والعنف الذي يعتبر الزجر والردع إحدى صوره[8].
ميول السياسية الجديدة لهذه البلدان متشابهة، فهي تهدف في مجملها إلى تقوية قدرة الدولة وإخضاع الفرد للمنفعة العامة، لكن الذي يشكل الاختلاف في هذه الدول هو تنوع الوسائل التي تتوسل بها كل دولة من أجل تحقيق هذا الهدف المشترك الذي يرفع على أساسا المعطى الذي تختلف عناصره التاريخية والثقافية والحسية من إيطاليا إلى ألمانيا إلى روسيا.
إيطاليا الفاشية، ألمانيا الوطنية الاشتراكية، وروسيا السوفياتية تشترك في إرادتها الواعية ورسمها الممنهج لإنعاش الحس الجماعي. فإيطاليا الفاشية تريد إحياء روما الاستعمارية بمعايير عصرية، والأمر فيه تناقض لأنه إنما تم توحيد إيطاليا تحت راية الليبرالية، لكن الليبرالية في إيطاليا كما هو الشأن في فرنسا عبر التاريخ لم تكن إلا أزمة مرضية عابرة تعود إلى تأثير ثورة 1789، ويتضح هذا الغرض بجلاء في مقالة "موسوليني" عن الفاشية في "الموسوعة الإيطالية"، فهذا الأخير يرى أن الليبرالية في فرنسا لم تدم أكثر من 15 سنة تحت الملكية، وقد وصلت أوجها في سنة 1848 وسقطت مع الإمبراطورية الثانية، ويضيف أنه بالنسبة للوحدة الإيطالية، الليبرالية كانت لها جزئية بسيطة لما أضافت "مازيني" و"غاريبالدي" اللتين لم تكونا ليبراليتين خلال فترة 1870- 1915، كان كهنة "كريدو الجديد" يتوقعون أفول دينهم الذي صار محاصرا في الأدب بالسقوط وفي الممارسة بالنشاطية التي تعني الوطنية، المستقبلية، الفاشية...الآن الليبرالية هي على مقربة من إقفال أبوابها، لأن الشعوب بدأت تحس بعدم علميتها في الاقتصاد ولامبالاتها في السياسة والأخلاق وهذا يقود إلى إفلاس حقيقي للدول[9].
ومن هذا المنطلق يظهر لنا أن موضوع دراستنا المتمحور حول السياسة الجنائية في الأنظمة الاستبدادية، موضوع يضرب في جدور تاريخ تطور الأنظمة السياسية التي كانت قائمة في أوروبا وأسيا، ولعل أبرزها ما كان سائدا في فرنسا في القرن السابع عشر، وفي ألمانيا و إيطاليا وكذا روسيا، في بداية القرن العشرين، والتي اتخذت من الأفكار الفلسفية المساندة للحكم التسلطي أحد أهم مرجعياتها، والتي انعكست بشكل كبير على سياستها العامة، ومن تم الأسس القائمة عليها السياسة الجنائية، باعتبارها أهم المعايير التي تقاس بها مدى استبدادية هذه النظم السياسية.
وعلى ضوء هذا التحديد يمكننا طرح التساؤل التالي، ماهي الأسس التي نهلت منها هذه النظم سياستها العامة لإقامة النظام، وسياساتها الجنائية بصفة خاصة للمحافظة عليه؟
ومن خلال ما تقدم نقترح معالجة موضوعنا هذا حسب التقسيم التالي:
المبحث الأول: الأساس الفكري للسياسة الجنائية الاستبدادية.
المبحث الثاني: أبرز مظاهر الاستبداد تطبيقا في السياسة الجنائية.
المبحث الأول: الأساس الفكري للسياسة الجنائية الاستبدادية
اتضح لنا من خلال ما تقدم أن الفكر الاستبدادي لم يولد من فراغ وإنما يجد سنده في أفكار فلسفية قديمة نادت به، وقالت بنجاعته للحكم لما فيه من محاسن لقيام النظام الحاكم، على اعتبار أن الحاكم مقدس وما وجد المحكومين إلا للخضوع له والعمل لصالحه (المطلب الأول)، وقد ترتب عن هذه الأفكار الفلسفية والفكرية أن ظهرت بعض سمات أو مظاهر هذا النظام الاستبدادي -باعتباره سياسة عامة- على السياسة الجنائية المتبعة داخله (المطلب الثاني).
المطلب الأول: الأفكار الفلسفية الموجهة للفكر الاستبدادي
لما كانت السياسة الجنائية هي السياسة التشريعية في مجال القانون الجنائي، فإنها توجه المشرع بشأن اختياره للمصلحة التي سوف يشملها بالحماية ومضمون هذه المصلحة. وهي في هذا التوجيه تتأثر بفكر فلسفي معين، يعكس اتجاهاتها العامة[10].
وقد لوحظ أيضا أنها تتأثر بفكر سياسي يحدد نطاق هذه الاتجاهات، والفكر الفلسفي هو الذي يحدد أساس حق الدولة في العقاب ويمنع الجرائم ويحدد مضمونه، بينما يبين الفكر السياسي حدود ممارسة هذه السلطة بالنظر إلى شكل العلاقة بين الفرد والدولة. وبعبارة أخرى فإن الفكر الفلسفي يحدد الصورة النظرية للسياسة الجنائية، بينما يؤثر الفكر السياسي في صورتها العملية[11].
وبما أن الدولة يمكنها أن تتدخل للمساس بحرية الفرد بناءا على حقها في العقاب أو المنع، فإن أساس حق هذا الفرد في الحرية يكون وفق النظام القائم في هذه الدولة، ومدى درجة إيمان نظامها بهذه الحرية.
وقد اختلفت النظريات السياسية في تحديد مضمون الحرية وحدودها، مما استتبع اختلافا في النظريات القانونية لأنها تتأثر في آرائها عن الحرية بالنظريات السياسية، حيث يقتصر دور النظرية القانونية على صياغة الأفكار السياسية في مبادئ قانونية، والسياسة الجنائية بحكم توجيهها للمشرع لا بد أن تتأثر بهذه النظريات السياسية[12].
ولهذا فقد كان للفكر السياسي للنظام الاستبدادي التسلطي، تأثير كبير على السياسة الجنائية القائمة فيه، بحكم المرجعية الفلسفية التي تحمل الأفكار المؤسسة للحكم المطلق أو السيادي.
لقد كانت فكرة الاتجاه التسلطي تسلم بتفوق الدولة على الفرد، وقد بدأ هذا الاتجاه في كتاب الفيلسوف أفلاطون "الجمهورية"[13] حيث ضرورة قصر الاهتمام على خير المجتمع وتجاهل الحقوق الشخصية للأفراد، كما سلمت الفلسفة اليونانية بسمو المجتمع وإلغاء حقوق الأفراد، وهو ما يتحقق بإلغاء التمييز بين السلطات، وإلغاء استقلال القضاء وإشراف الدولة على كافة أوجه النشاط العام والخاص مع رقابة سياسية دقيقة لسير النظام[14].
كما أن الفيلسوف "جان بودان"[15]، وضع من جانبه أسسا للاستبدادية من خلال وضع نظرية للدولة السيادية وهي من المصادر الأساسية للتقليد الدستوري الفرنسي، وكان ذلك متضمن في مجموع كتبه "الجمهورية"[16]، والذي يتخذ فيه مواقف تتعلق بمذهبه الفكري السياسي الذي يتطابق بشكل كبير مع الحكم المطلق والاستبدادي[17].
ويرى "جان بودان" أن السلطة السيادية أو "صاحب السيادة"، هو الذي يستطيع فقط وضع القوانين، أما السلطات الأخرى التي تصدر أوامرها أو بعض القواعد وإن كنا ندعوها قوانين فإنها لا يمكن أن تصبح كذلك إلا بعد مرورها للبحث أو الدراسة "السيادية". هنا يميز بودان بين "محتوى" القوانين وبين "شكلها". فالمحتوى يمكن أن يحدد من خلال مستشارين قضائيين، التقاليد، العادات...الخ، بمعنى من خلال أشخاص لا ينطبق عليهم مفهوم السيادة، فهذا الأخير وحده يستطيع أن يعطي للقوانين شكلها أي قوتها المجبرة أو المرغمة. أما السلطة التنفيذية يمكنها أن تمتلك سلطة إعلان أو إصدار القوانين، تصحيحها وتفسيرها أيضا. ويعارض "بودان" حق التفسير للقوانين من قبل القضاة، بل يذهب في ذلك إلى الحد الأقصى، فما يرفضه هنا " معارضة أن تكون الهيئة القضائية مصدرا، أو على الأقل مصدرا شرعيا بنفسها للقانون". وكل "علامات" السيادة الأخرى هي في السلطة التشريعية.[18]
يضيف في كتابه "الجمهورية الأول"[19]، أن جميع القوانين الداخلية مهما كانت فهي لا تستطيع أن تقف أو تشكل صعوبة أمام القانون الصادر عن الملك.
ويبدو لنا أن كل من أفكار الفيلسوفين أفلاطون وجان بودان، تميل إلى جعل السلطة الكاملة في يد الحاكم من خلال جعل سياسة التجريم والعقاب حكرا عليه، وذلك راجع في نظرهم، إلى معرفته اليقينية بمصلحة المجتمع والدولة، متجاهلين حقوق الأفراد والمبادئ الأساسية التي تحكم العلاقة بين الأفراد والدولة، معتبرين إياها علاقة مبنية على الاستبداد حسب تعبيرهم(السلطة السيادية).
وكما جاء في كتاب الفيلسوف "توماس هوبز" "التنين"[20] في القرن السابع عشر، والذي أيد من خلاله هذا الفكر التسلطي، قائلا بأن سلطة الحاكم يجب أن تكون مطلقة لا تحتمل نزاع، وبرر قيام الحكم الاستبدادي المطلق بحيوانية الإنسان، التي لم تنجح المدينة في القضاء عليها، فهو يقول أن "القوة التي ستحكم بين الناس سيتم التعبير عنها من خلال عقد اجتماعي، هذا العقد سيكون فريدا بشكله ومحتواه، بمعنى أنه لن يحتاج إلى ضامن له، لأنه هو الضمان بحد ذاته. هذا العقد سيؤدي إلى قيام "سلطة مرئية" قادرة على " إقامة الاحترام بين البشر، يربطهم ببعضهم من خلال الخوف من العقوبة".[21]
ويرى الفيلسوف "ميكيافلي"[22] كذلك في كتابه "الأمير"[23]، عندما لا يحدث أي وهم فيما يتعلق بالطبيعة الإنسانية فإن رجل الدولة سيستطيع الحفاظ على الحد الأدنى من النظام الاجتماعي، وبما أنه لا يوجد في المجتمع سوى القوة، المصالح والأنانية، وليس هناك قيم للعدالة والأخلاق تسمح بإبقاء القيم في حالة تناغم مع المصالح، فإن المشكلة التي على رجل الدولة حلها هي الحفاظ وبشكل مصطنع على التوازن بهدف وضع حدود لتبادل المصالح، وكل فكرة تهدف لإقامة "العدالة" تركها ميكيافلي، أو في أحسن الأحوال تجاهلها[24]، فهو يقول في كتابه أنه "عندما لا تكفي القوانين، علينا ألا نتردد في استخدام القوة، وعلى الأمير أن يعرف استخدام هذه أو تلك"[25].
ومنه فإن ميكيافلي يؤكد على أن الغاية تبرر الوسيلة، فليس المهم ما يفعله رجل الدولة في مراحل اتخاذ القرار بل المهم هو نتيجة هذا القرار، إن كل أفكار ميكيافلي تتمركز ضمن هذا المنطق أو النظام.
أخيرا وفيما يتعلق بميكيافلي، نستطيع القول أن أفكاره السياسية ألقت إعجابا كبيرا من قبل أنصار الحكم الاستبدادي المطلق في مختلف الدول الأوروبية، فالملوك الذين ترددوا في السير خلف شعار "الغاية تبرر الوسيلة"، وجدوا في كتاباته الوسيلة التي حررتهم من هذا التردد، أما في القرن العشرين فحصلت أفكاره على قوة أكبر عند اليمين المتطرف كما عند اليسار المتطرف[26].
كما شارك الفيلسوف "مارتن لوثر"[27] في مساندة الأفكار الاستبدادية، وكانت قاعدة فكره هي القناعة أو اليقين العميق بأن دناءة الإنسان، شره، خطيئته، تجعل من الصعب التعايش والتعاون العفوي والسلمي بين البشر. والنتيجة أن تدخل الدولة يمكن أن يسمح بالحفاظ على النظام الاجتماعي، وهنا يلتحق لوثر مع ميكيافلي ولكن فقط في هذه النقطة.
فأفكار "مارتن لوثر" ساعدت في ظهور الملكية المطلقة في أوربا الشمالية في بداية القرن السادس عشر، ألمانيا اسكندنافيا وفي مناطق أخرى وبشكل أقل بكثير في إنكلترا[28].
كانت هذه أهم الأفكار الفلسفية التي جاءت بالفكر التسلطي والتي أثرت بدورها في السياسة العامة لهذه الأنظمة، وبالتالي في السياسة الجنائية، وقد كانت هناك مجموعة من المظاهر لهذا التأثر سنسرد أهمها في المطلب الموالي.
المطلب الثاني: آثار الأفكار الاستبدادية على السياسة الجنائية
لم تبقى الأفكار الاستبدادية في المجال الفلسفي النظري بل تمت بلورتها فيما بعد في شكل نظام أخذت به بعض الدول للحكم بشكل عام وللقوانين الجنائية بصفة خاصة، متأثرة في ذلك بهذه الأفكار، حيث تعمل الدولة بقواعد معيارية على مواجهة الجريمة والانحراف بدون تمييز وبدون حدود معتمدة في ذلك على شبكات للزجر أو الردع على اختلافها (الفقرة الأولى)، بالإضافة إلى إعطاء صلاحيات واسعة للسلطة التنفيذية على حساب باقي السلط (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: شبكات الزجر (الردع)
إن شبكات الزجر في النموذج الاستبدادي لا تتواجد فقط في الأنظمة السياسية ذات الإيديولوجية الشمولية إذ يصعب تحديد تلك الشبكات عبر الأنظمة السياسية الجنائية في بلد معين وانطلاقا من نموذج معين.
ويمكن تصنيف هذه الشبكات إلى ثلاثة أصناف تبعا لمنطق الزجر، فهناك من ناحية زجر معمم مستلهم من الإيديولوجية الشمولية ويتجلى في تحويل وتوجيه كل القانون الجنائي لضمان زجر مستمر لكل سلوك خارج عن المعايير في إطار قطاع جنائي استثنائي تحت إشراف عسكري أو بوليسي (مثل حالة الاستثناء).
وهناك زجر لا مزدوج يهدف إلى تنظيم نظام جنائي استثنائي يسمح بإعطاء مظهر لبرالي للقانون الجنائي العام المتغير.
أما الصنف الثالث للزجر فهو عندما تتطور شبكات الزجر والردع كما هو معروف في الدول الليبرالية عندما يتعلق الأمر بجرائم ذات طبيعة خاصة وخطيرة كالإرهاب، وعندما يتعلق الأمر بالجرائم الماسة بأمن الدولة.
ويبدو أن ما يجمع هذه الأصناف هو تمديد أو توسيع الإجابات الجنائية من الجريمة إلى الانحراف (بحيث تصبح السلوكات المنحرفة التي لا ترقى إلى الجريمة بمفهومها القانوني - أي تتطلب النص على كونها جريمة بمقتضى القانون- معاقبا عليها في هذه النماذج)، وهذا يتأتى بهذه التقنيات القانونية مثال:
· القياس
· التكييف الغامض غير الدقيق
· توسيع مفهوم المساهمة
· رجعية الجرائم و العقوبات بحسب الأحوال
وكذلك نجد تقنيات أخرى تستعمل على المستوى المسطري منها:
· نفي قرينة البراءة
· استعمال التعذيب للحصول على الاعتراف
· عدم ترك حرية اختيار المحامي
· انعدام المسطرة التواجهية والعلنية
· تمديد مدة الحراسة النظرية طويلة بدون قيد أو شرط
· الإخفاء القسري أثناء المسطرة والإعدام بدون حكم.[29]
يظهر لنا بشكل واضح من خلال ما سبق، عدم الاعتراف بدولة القانون، وذلك راجع بالأساس إلى هيمنة الجهاز التنفيذي على باقي الأجهزة الأخرى للدولة خاصة السلطة القضائية والسلطة التشريعية.
الفقرة الثانية: هيمنة الجهاز التنفيذي
يتضح لنا بجلاء من خلال ما سبق هيمنة تدخل الجهاز التنفيذي في هذا النمط الاستبدادي في مقابل تهميش الهيئات المجتمعية (ثانيا)، والآليات الأخرى للدولة (أولا).
أولا: بالنسبة لتدخل السلطة التنفيذية
يتعلق الأمر هنا بنهج إستراتيجية إقصائية، حيث يتم من خلالها الاعتماد بكثرة على عقوبة الإعدام، وتهميش الآليات الأخرى للدولة (القانون والسلطة القضائية) مع هيمنة وتقوية دور الهيئات التابعة مباشرة للسلطة التنفيذية (الشرطة، الجيش، الحزب السياسي الوحيد في السلطة).
مما يؤدي إلى إضعاف علاقة القانون وتهميش السلطة القضائية هذه هي الإشارة الأولى إلى الانتقال من شبكة جنائية (نمط الدولة الليبرالية) تخضع للقانون، إلى شبكة للزجر والردع (النمط الاستبدادي)، تتحايل على القانون وتستعمله لصالحها دون أي اعتبار لباقي شرائح وهيئات المجتمع.[30]
هذا الإضعاف قد يكون من طبيعة سياسية، فالقانون لا يصادق عليه من طرف البرلمان غالبا ولكن تمرره السلطة التنفيذية كيفما كانت المصطلحات المستعملة:
· قوانين
· أوامر
· مراسيم قوانين، دوريات، قوانين أساسية...
وتبقى الطريقة المثلى لهذا النمط هي المماثلة والقياس في التجريم والعقاب، والمثال الحي على ذلك هو ما تبناه هتلر، حيث أنه في ألمانيا الوطنية الشيوعية ثم إدخال مبدأ في قانون 18 يونيو 1935 يقضي بأن يعاقب على الجرائم المنصوص عليها في القانون الجنائي فإن تم إتيان أفعال غير منصوص عليها فيه تم البحث عن مماثلاتها من الأفعال القريبة لها الواردة في الجرائم المنصوص عليها في القانون الجنائي[31].
وكذلك الشأن بالنسبة للقانون الجنائي السوفياتي (في فترة ستالين) في المادة 16 يستعمل شكلا من أشكال القياس[32].
كما يتعلق الأمر بالتكييف الموسع وتوسيع سلطة القاضي في الملائمة مثال ذلك نشر أحكام تعبر عن الإخلال بالنظام العام أو الإخلال بالقوانين حسب الفصل 64 من نفس القانون أعلاه[33].
كما أنه من عيوب هذا النموذج أن القضاء الجنائي العسكري يختص أحيانا حتى في جرائم القانون العادي كما هو الشأن في بعض بلدان أمريكا اللاتينية[34].
كما يمكن الإشارة أيضا إلى وجود أجهزة خاصة على شكل بنيات إدارية بكل نظام كما هو الحال بالنسبة للإتحاد السوفياتي يوجد La procurature soviétiqe للسهر على حفظ ومراقبة الشرعية في كافة تراب الاتحاد السوفياتي، لها حق الرقابة على أعمال الإدارة والأحكام والقرارات القضائية، وكذا الدعاوي التي يقيمها الخواص، كما لها حق المتابعة وردع الناشطين السياسيين والهيمنة على هيئة المحاماة (غير مستقلة) والوصاية على الهيئات والمكلفين بالتحقيق[35].
ثانيا: إقصاء المجتمع المدني
تتمثل هذه النقطة المتعلقة بإقصاء المجتمع المدني أو مشاركته المقموعة في إقصاء بالنسبة للمجرم المنحرف بدون أدنى شك من حيث كثرة حالات الإعدام، انعدام حق الدفاع وغياب المناقشات التواجهية والعلنية.
أضف إلى ذلك التدخل في شؤون المحامين، كما هو الشأن بالنسبة للإتحاد السوفياتي حيث أن وزارة العدل تراقب هيئة المحامين بكافة دول الاتحاد ومدى احترامهم للقوانين، كما تحدد أشكال أداء المساعدة القضائية وشروطها وتقوم بنشر الإدانات الصادرة ضد المحامين[36].
تتمثل هذه النقطة المتعلقة بإقصاء المجتمع المدني أو مشاركته المقموعة في إقصاء بالنسبة للمجرم المنحرف بدون أدنى شك من حيث كثرة حالات الإعدام، انعدام حق الدفاع وغياب المناقشات التواجهية والعلنية.
المبحث الثاني: أبرز مظاهر الاستبداد تطبيقا في السياسة الجنائية.
ترتبط السياسة الجنائية بالوضع السياسي القائم في الدولة والذي يوجهها ويحدد إطارها فالدول التي تسيطر عليها الأنظمة الدكتاتورية تختلف عن غيرها من الدول ذات النظم الديمقراطية، فهناك إذن علاقة أساسية بين شكل الحكم السائد في الدولة والسياسة الجنائية، فالسياسة الجنائية تتأثر إما سلبا أو إيجابا بالفكر الذي تتبناه الدولة في نظامها سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو القانوني.
وقد تأثرت بهذا الفكر الاستبدادي العديد من أنظمة الحكم لعل أبرزها النظام الفرنسي للقرن السابع عشر والنظام الروسي-السوفياتي (المطلب الأول)، بالإضافة إلى النازية الألمانية والفاشية الإيطالية (المطلب الثاني).
المطلب الأول: السياسة الجنائية في النظام الفرنسي القديم وروسيا-السوفياتية
ترتبط السياسة الجنائية بالوضع السياسي القائم في الدولة والذي يوجهها ويحدد إطارها فالدول التي تسيطر عليها الأنظمة الدكتاتورية تختلف عن غيرها من الدول ذات النظم الديمقراطية، فهناك إذن علاقة أساسية بين شكل الحكم السائد في الدولة والسياسة الجنائية، فالسياسة الجنائية تتأثر إما سلبا أو إيجابا بالفكر الذي تتبناه الدولة في نظامها سواء أكان ذلك على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو القانوني.
وقد تأثر بهذا الفكر الاستبدادي العديد من أنظمة الحكم بحيث لم يقتصر تطبيقه على نظام دولتي ألمانيا وإيطاليا بل تعداه إلى أنظمة أخرى كالنظام الفرنسي(الفقرة الأولى)، والنظام الروسي (الفقرة الثانية)
الفقرة الأولى: في القانون الفرنسي القديم
من الأشكال البارزة للنظام الاستبدادي نجد الملكية المطلقة التي سادت في فرنسا في عهد الملك لويس الرابع وغيره من ملوك فرنسا في تلك الحقبة المظلمة من تاريخ البشرية، ولعل مقولته "أنا الدولة" تلخص المبدأ الأساسي للملكية المطلقة والتي تختزل الدولة وتضعها بيد فرد واحد، و بالتالي فإنه لا مجال للحديث في مثل هذه الأنظمة عن برلمانات تنتج القاعدة القانونية، ولا عن مؤسسات دستورية وحتى إن وجدت في بعض الملكيات المطلقة فإنها تكون صورية أو رمزية و ليس لها دور فعلي في سن قواعد التجريم والعقاب[37].
أمام هذا الاستبداد السياسي نتساءل عن السياسة الجنائية في النظام الفرنسي السائد في تلك الحقبة وخاصة خلال القرن السابع عشر سواء على مستوى التجريم والعقاب، فعلى مستوى التجريم فقد كان الأمر الملكي الصادر سنة 1670 بشأن تنظيم الإجراءات الجنائية لا يحتوي إلا على نصوص موجزة بشأن التجريم والعقاب[38].
ويستنتج من ذلك أنه تم حصر مهمة إنتاج القاعدة الجنائية في يد شخص الملك في شكل أوامر ملكية تصدر حسب أهواء ورغبات الملك، مستندا في ذلك على الحق الإلهي الذي يمنحه اختصاصات غير محدودة وأن رعاياه لا يملكون حق الحد من نفوذه، و كانت القوانين تفرض على الشعب بطريقة تعسفية بسبب غياب المؤسسات المختصة أصلا في القيام بذلك والسبب في ذلك أن الدكتاتور وطبيعته الاستبدادية لا تمكنه أن يتحمل فكرة أن هناك من ينازعه السلطات أو يعترض على طريقة حكمه أو يطالب بتغييرها أو تغييره وظلت قائمة العديد من الأفعال المعاقب عليها غير محددة، كما لم تتحدد كافة العقوبات التي يجوز توقيعها عن الجرائم.
وأصبح للقضاة سلطات واسعة لتحديد ما يجب تجريمه من الأفعال المنسوبة إلى المتهم واختيار ما يجب فرضه عليه من عقوبات، وعلى الرغم من القيود التي فرضتها التقاليد القضائية، فإن باب التحكم الفردي من جانب القضاة ظل مفتوحا على مصراعيه[39].
أما على مستوى الإجراءات المسطرية المتبعة في كشف الجريمة ومرتكبيها فقد أدى اعتماد القانون الفرنسي القديم على النظام التنقيبي للبحث عن المشتبه فيهم، والذي اعتنقته فرنسا منذ القرن الثالث عشر والذي كان الهدف من خلاله الوصول للحقيقة بأي ثمن كان ولو تأتى ذلك على حساب حرية المشتبه وحقوقه، ومن ثم سمح باتخاذ كافة الإجراءات التي من شأنها إثبات ذنب المشتبه فيه، الأمر الذي يتسنى معه القول بأنه قد افترض إذناب المشتبه فيه في كافة إجراءات التحري والتحقيق. فكان يسمح باستخدام التعذيب للحصول على الاعتراف بالتهمة، وكان الاستجواب يتخذ كوسيلة لإرباك المشتبه والتأثير عليه، وسمح بأن يتولى القاضي بنفسه مهمة الاستجواب خروجاً على ما توجبه العدالة من فصل بين سلطتي التحقيق والحكم، وكان المشتبه يكلف بأداء القسم خروجا كذلك على مقتضيات الحق في الدفاع.
وفي ظل هذا نظام لم يكن هناك مجال لإعمال قاعدة تفسير الشك لصالح المتهم طالما أن القاضي ملزم بأن يقضي بالإدانة طالما توافرت أدلة قانونية معينة، خروجا في ذلك على ما يجب للقاضي من حرية في تقدير الدليل، وإجمالا لم يكن يعرف القانون الفرنسي القديم افتراض براءة المتهم فيما يتعلق بالإجراءات الماسة بالحرية الشخصية، فالأصل فيما يسبق المحاكمة كان افتراض الإدانة في حق المتهم.
ولم يكن ينبع ذلك في حقيقته من نص قانوني بقدر ما يستنبط من طبيعة الوسائل المسموح باتخاذها في سبيل الوصول للحقيقة حول الواقعة الإجرامية ومرتكبيها[40]. أخيرا على مستوى العقاب فقد تميز القانون الفرنسي القديم بتطبيق عقوبات القاسية مثل الحرق، وبتر الأطراف والأعضاء، وفقء العيون، وتمزيق الأوصال، وقطع اللسان وقطع الرأس، والإسراف في توقيع عقوبة الإعدام، كما ظهر ذلك في السلطات الواسعة التي كان يتمتع بها القاضي في التجريم و العقاب أنداك.
وواضح مما تقدم أن هذه السياسة الجنائية لها طابع تسلطي، فهي تهدف بصفة أساسية إلى حماية المجتمع والنظام العام، وهي في سبيل ذلك تتجاهل حقوق الفرد تمام التجاهل ولا تقيم وزنا لمدى خطئه أو مسؤوليته، وقد ساهم في ذلك ما كان عليه المجتمع الأوروبي في هذه الآونة، فقد كان خاضعا للفلسفة الدينية التي تؤسس حق العقاب على فكرة التكفير بناء على أن الجريمة تعتبر مظهرا للإخلال بالتعاليم الإلهية[41].
الفقرة الثانية: في القانون الروسي القديم
السياسة الجنائية المدشنة في روسيا من قبل النظام السوفياتي هي كمثيلاتها سلطوية، وتشترك مع السياسية الجنائية الألمانية في ميولها إلى التصفية، الانتقائية، وأخيرا الخرافية[42]، إلا أن الاختلاف بينهما تجلى في كون الفاشية والنازية اعتنقت مبدأ سمو الدولة على الفرد، بينما اتجه الفكر السوفياتي إلى إلغاء الدولة قائلا بأن انهيار النظام الرأسمالي سوف يترتب عليه تحقيق الأمن الاجتماعي بين الناس والتقليل من الجرائم ثم اختفائها كليا، وأنه لا يمكن أن يتم هذا التحول بطريقة سلمية، بل لابد من استخدام العنف ضد الرأسمالية والقضاء عليهم حتى نصل إلى مجتمع بغير طبقيات، وبغير قانون، وبغير دولة، ولا يتسنى الوصول إلى هذه النتيجة إلا من خلال مرحلة تتقرر فيها دكتاتورية طبقة العمال والفلاحين أي دكتاتورية البروليتاريا. وتفترض هذه الديكتاتورية تنظيم العنف وهو ما يسمى" بالشرعية الثورية" التي تتطلب بصفة مؤقتة تأكيد سلطة الدولة[43].
وقد انعكس هذا الفكر التسلطي على السياسة الجنائية السوفياتية في هذه المرحلة وكان من أهم مظاهر هذا التأثير هو خضوعها لمبدأ المطابقة للغاية حماية الطبقة الحاكمة من العمال والفلاحين، وذلك بدلا من مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات. فإذا تبين للقاضي أن التجريم المنصوص عليه في القانون يخالف هذه الغاية فيجب أن يطرحه جانبا. ولم يكن التشريع السوفياتي لسنة 1919 محددا لأركان الجرائم، ولم يكن القاضي مقيدا بقائمة معينة للعقوبات، وكل ما يتقيد به هو احترام ما يسمى (بالضمير الاشتراكي للقانون)[44].
وكان الاتحاد السوفياتي يعاقب المجرم السياسي بعقوبة الموت رميا بالرصاص، وكانت هذه القوانين تتميز بالقسوة والتشدد في العقاب ضد كل من تسول له نفسه النيل من الثورة ومن القوانين الاشتراكية والماركسية، حتى أن بعض الجرائم (ذات الطابع الاقتصادي) كان يعاقب عليها بالإعدام وعقوبات أخرى قاسية جدا، وقد أنشأت روسيا محاكم خاصة لمحاكمة المجرمين السياسيين، وكان تعريفها لهذا الصنف من الجرائم واسعا فضفاضا بحيث يشمل كل من يعارض النظام السياسي القائم.
وجاء قانون العقوبات الصادر سنة 1926 فتوسع في مدلول الخطورة الاجتماعية وسمح باتخاذ تدابير احترازية ضد من توافرت لديهم هذه الخطورة وأجاز للقاضي القياس في التجريم عند عدم وجود النص.
المطلب الثاني: السياسة الجنائية الفاشية والنازية
تعتبر الفاشية في إيطاليا والنازية في ألمانيا في أوائل القرن العشرين من أهم النظم الاستبدادية، وهذا ما سنتناوله من خلال الفقرتين المواليتين.
الفقرة الأولى: في إيطاليا - الفاشية-
يعتبر مصطلح الفاشية (faxim) مشتق من الكلمة الايطالية (fascio)، وهي تعني حزمة من الصولجانات كانت تحمل أمام الحاكم في روما القديمة دليلا على سلطاتهم، وفي القرن 19 بدأت كلمة الفاشية تستخدم في ايطاليا لتسير إلى الجماعة أو رابطة سياسية عادة ما تكون من اشتراكيين ثوريين.
ارتكزت الفاشية في ايطاليا على أساس قانوني هو الدولة، حيث يرى "موسوليني" أن الدولة هي التي تخلق الأمة لذا يجب أن تتجه إرادات الأفراد نحو تمجيد الدولة ويعتبر أن الفرد لم يخلق إلا لخدمة الدولة، ويعتبر النظام النازي أن النظام الديمقراطي ضعيف لايخلق أمة مستعدة للكفاح والتضحية وإنما يجب خلق نظام ديكتاتوري قوي يخلق أمة مستعدة للكفاح والتضحية، وطاعة الزعيم هي واجبة لأنه معصوم من الأخطاء، والنظام الفاشي يؤمن بنقاوة الدم والعنصر، انطلاقا من مبدأ البقاء للأقوى، ويرفض مبدأ الحرية والمساواة بين الأفراد[45].
وهذا ما دفع بالمشرع الايطالي سنة 1930 إلى سن مدونة جنائية تكرس أهم مظاهر الأنظمة الاستبدادية[46]، سواء أكان ذلك على مستوى سمو الدولة أو حماية المجتمع.
لقد عمل المشرع الايطالي من خلال مجموعة من النصوص القانونية على حماية الدولة وزجر مرتكب الجريمة ضدها بعقوبات شديدة، وذلك من خلال تقديس حياة رئيس الدولة وإقرار عقوبات صارمة في حالة الاعتداء على شخصيته، كما جرم المشرع الايطالي مجرد نشر إشاعات حول الوضعية الداخلية للبلاد بالخارج، بالإضافة إلى العقوبة الشديدة التي أقرها في حالة إخلال الموظفين بواجباتهم سواء السياسية الدبلوماسية أو غيرها، كما أن مجرد التحضير لمثل هذه التصرفات يعاقب عليه القانون الجنائي الايطالي بالإعدام[47].
أما فيما يخص الجرائم الماسة بالأخلاق والأسرة فقد عمل المشرع الايطالي على حماية الأخلاق الحميدة والأسرة، وكذا ممارسة العقائد والديانات فإنه يقصد من ذلك أن المصالح المحمية في هذا الإطار هي ركائز أساسية للسمو الايطالي.
و تتلخص أهم هذه المصالح المحمية في:
حماية الأسرة والأجناس وكذلك حماية الدين المسيحي الكاثوليكي، ويمكننا اعتبار أن التصور الفاشي في هذا الإطار هو تصور غير مادي أي انه تصور روحاني، ويعتبر السلوك الذي يمس هذه المصالح هو سلوك يمس بالكرامة والتضامن العائلي.
كما أن مدونة 1930 خولت للقاضي في بعض الأحوال تعديل تنفيذ العقوبة من حيث مدتها وأسلوبها، كما اعتبرت أن الجرائم المعاقب عليها بالإعدام لا تخضع للتقادم لا هي ولا عقوبتها، وفيما يخص العفو القضائي فقد اقتصر على القاصرين فقط دون غيرهم، بالإضافة إلى ذلك لم يتضمن التشريع الفاشي أي مقتضى يتعلق برد الاعتبار.
خلاصة القول أن السياسة الجنائية في الفكر الفاشي المستبد كانت تتسم بـ[48]:
انحصار هدف السياسة الجنائية في مصالح الدولة و المتمثلة بالأساس في حماية الدولة والحزب الوحيد وشخصيتها الخارجية والداخلية وقيمتها الروحية التي تحميها وهي الأسرة والجنس البشري
أنها لا تحترم الحريات الفردية إلا في نطاق المصالح العامة.
إن السياسة العقابية تهدف إلى التخويف والتهديد وتحقيق الردع العام دون أن تهتم بإصلاح المجرم.
سيطرتها على وسائل الإعلام واستخدامها للتأثير في الرأي العام[49].
الفقرة الثانية: في ألمانيا-النازية-
تعتبر النازية عقيدة القوميين الاشتراكيين التي وضعها (هتلر) في ألمانيا وأرساها سنة 1923، وتجمع بين نزاعات العنصر الجرماني وضرورة توسيع المدى الحيوي لألمانيا، فالمبدأ الذي اعتمدته النازية هو سمو الدولة على الأفراد، وقد علل ذلك النظام النازي لسمو الدولة الألمانية بمميزاتها التاريخية والجغرافية وما يتميز به الجنس الألماني (الآري) من عقلية خاصة، بينما كانت الفاشية ترى أن الدولة هي التي تخلق الأمة، فإن النازية ترى أن الشعب هو الجوهر وأن الدولة ليست إلا مجرد شكل خارجي سطحي، وعلة ذلك أن أراضي الدولة الايطالية كانت تتمتع بحدود طبيعية تضمن وحدتها، بخلاف الأراضي الألمانية التي كانت تنقصها هذه الحدود الطبيعية مما جعل النازية تشعر بضرورة تعميق الوحدة الألمانية في الشعب الألماني وجنسه[50].
ولهذا حلت فكرة الشعب عند النازية محل فكرة الدولة[51]، فالنازية ترتكز على أساس بيولوجي وهو الجنس الألماني هذا الجنس في نظرهم يتفوق على سائر شعوب العالم من حيث الذكاء، القوة، الجمال، التقدم التكنولوجي، الصناعي والقوة العسكرية.
وتقوم النازية على نظام شمولي يتركز على حكم حزب واحد وزعيم واحد هو(هتلر)، ونادى النازيون بحكم مركزي اقتصاديا (سيطرت الدولة على المشاريع الكبرى)، ونظام مركزي سياسيا، وانعدام الحريات لا في الصحافة ولا في التعبير عن أرائهم في الشؤون العامة للدولة[52].
وتتجلي الأفكار التي جاء بها النظام النازي فيما يلي:
- إغلاق صحف المعارضة ومنع اجتماعات أحزاب المعارضة خاصة الشيوعيين والاشتراكين.
- احتراق مبنى البرلمان في (27/02/1933) قبل الانتخابات بأسبوع، ولكن من الواضح الآن أن التوقيت كان مشبوها لإلصاق التهمة بالشيوعيين والقيام بإجراءات تعسفية ضدهم نتيجة لذلك، أصدر هتلر أوامر تسمح باعتقال أعضاء البرلمان بغض النظر عن الحصانة البرلمانية، وتسمح بتفتيش البيوت والتصنت على المحادثات الهاتفية ومنع التجمعات[53].
- نقل هتلر صلاحيات من البرلمان إلى ديوان رئاسة الحكومة –إليه- فأصبح رئيس الحكومة يضع الميزانية ويصادق على الاتفاقيات الموقعة والمصادقة على تعديل القانون.
- اتخذت إجراءات قضت على الجهاز القضائي وأصبح تعيين القضاة يتم بناء على ميولهم السياسي. وتتدخل النازية في قرارات القضاة بشكل يخدم مصالحهم.
- إلغاء استقلال الكنيسة الكاثوليكية والبروتستانتية واعتقال رجال الدين الذين عارضوا أراء السلطة.
- حل الأحزاب المعارضة وإعلان الحزب النازي حزبا وحيدا في البلاد.
- في 1934 جمع هتلر وظيفة المستشار ورئيس الجمهورية في وظيفة واحدة وذلك بعد وفاة (هاندينرغ) ووظف نفسه فيها وأطلق على نفسه لقب الزعيم (الفهرر).
- وكان أخر مسمار في نعش الديمقراطية بالإعلان عن العقيدة النازية بأنها القانون الجديد الذي يحرر القاضي عن القوانين السابقة ويترك له قرار الحكم حتى بالإعدام حسب "شعوره الصادق".
وإذا كان من المعلوم لدينا جميعا أن هناك ارتباط وثيق بين السياسة العامة للدولة والسياسة الجنائية، فكيف أترث هذه الأفكار الاستبدادية-النازية على السياسة الجنائية؟
ما يثير الانتباه في السياسة الجنائية الألمانية خروجهم التام عن المبادئ الكلاسيكية للقانون الجنائي، فالمشرع الألماني ومن خلال قانونه الجنائي لسنة 1931 خصوصا المادة الثانية منه التي سمحت للقاضي الذي عرض عليه فعل يمس المجتمع الألماني دون أن يكون قد ورد فيه نص جنائي خاص يعتبر هذا الفعل جريمة ويوقع على مرتكبها العقوبة.
لقد اعتبرت النازية مبدأ "شرعية الجريمة والعقوبة" لا يصلح لمواجهة الضرورات الجماعية وأنه يؤدي إلى ضياع مصلحة الجماعة، ذلك أن نصوص القانون الجنائي تقتصر دائما على كل ما يخل بنظام الجماعة ومصالحها، وأن المجرمين يتفننون في الهروب من وقوع تحت سلطة النصوص الجنائية، ثم يعبثون كما شاءوا بمصالح الأفراد والجماعة ونظامها، وهم أمنون من العقاب، فإذا استصدرت قوانين لتجريم أفعال جديدة أدى ارتكابها إلى المساس بالمصلحة العامة، عاد المجرمون إلى التهرب من نصوصها القاصرة، وعادوا إلى جرائمهم آمنين من العقاب.
هذا ما أدى إلى فرض عقوبات قاسية تهدف إلى تنقية الجنس الألماني مما يعتريه من شوائب[54]، وكذلك التوسيع في حماية مصالح الدولة والمجتمع مع تقليص حماية مصالح الأفراد[55]، بالإضافة إلى إقرار المشرع الألماني ما يعرف بالجرائم المادية التي تقع بدون خطأ (انتفاء الركن المعنوي في هذه الجرائم)[56]. ومن خلال ما تقدم يبدو لنا جليا مدى التأثير الذي أحدته الفكر النازي في السياسة الجنائية الألمانية.
خاتمة
إن السياسة القمعية للدول المتسلطة التي تستمد شرعيتها من أنظمة خرافية لا يتقبلها العقل السليم، لايؤمن بالعاطفة حيث كان محركها الأساسي مبنيا على الكره والضغينة، الشيء الذي نبذه القانون الجنائي استنادا إلى قولة "أنا ولدت لأحب ليس لأكره". على اعتبار أن السياسة الجنائية في الدول الاستبدادية تعطينا دروسا في الواقعية والتضامنية والقسوة، فالواقعية تجسد الأحداث كما هي أو أقل كي تترجم عليها وسائلها، ربما القوانين القمعية قديمة، أو أنها وضعت بطريقة اصطناعية، أو أنها تطبق قوانين قديمة على أحداث جديدة، تلك القوانين مبنية على الأوهام.
وهذا النقد الموجه إلى الواقعية من حيث أنها مبنية على أوهام أو خيالية ما هو إلا سطحي يرتبط بما هو تقني، حيث يمكن معالجته بسرعة.
ما هو أعمق أو أشد هنا، هو أن الأمر يرتبط برديلة تعلقت بعمليات تجسد السياسة الجنائية، إنه كما هو الحال في الدول ذات الحكم الاستبدادي سمو المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، فالمصلحة العامة هنا هي التي يجب أن تحكم ممارسة الشأن العام وحدها، حيث أنها هي الكفيلة بشرعية العقوبة.
أما القسوة فتتمثل في أزمة القمع وكثرة العقوبات خاصة الإعدام الذي كان في بعض الأحيان بدون محاكمة.
لائحة المراجع:
المراجع باللغة العربية:
- أحمد فتحي سرور، أصول السياسة الجنائية، دار النهضة العربية، الطبعة 1972 .
- د .صالح علي نيّوف، مدخل إلى الفكر السياسي الغربي، الجزء الأول،بدون طبعة وبدون دار النشر .
- واثبة داود السعدي، الأسس النظرية لعلمي الإجرام و السياسة الجنائية، بدون طبعة وبدون دار النشر.
- عبد العزيز سليمان نورا، و عبد المجيد نعناعي، التاريخ المعاصر في أوروبا من الثورة الفرنسية إلى الحرب العالمية الثانية، دار النهضة العربية بيروت، طبعة 1973.
- أكرم نشأت ابراهيم : السياسة الجنائية - دراسة مقارنة- دار الثقافة وللنشر والتوزيع ط 2، 2011
- أدولف هتلر، كتاب كفاحي ، بدون طبعة و بدون دار النشر
المراجع باللغة الفرنسية:
- Olof kinberg : Les problems fondamentaux de la criminologie, Paris 1959
- Marc Ancel : La défense social nouvelle, Paris 1954.
- Le rôle du ministère public dans une société démocratique, Edition du conseil de l'Europe imprimé en Allemagne, 1997
- Henri donnedieu de vabres, La politique criminelle des états autoritaires : La crise moderne du droit pénal, Coll. : Bibliothèque Dalloz, Ed. Dalloz, 2009.
- Mareille delmas-marty, Les grands systèmes de politique criminelle, presses universitaires de France,
- 1992.
الموقع الالكتروني:
gro.aidepikiw.ra//:ptth
[1] - Le rôle du ministère public dans une société démocratique, Edition du conseil de l'Europe imprimé en Allemagne, 1997, p 35.
[2] - Olof kinberg : Les problems fondamentaux de la criminologie, Paris 1959, p 42.
[3] - أكرم نشأت إبراهيم : السياسة الجنائية - دراسة مقارنة- دار الثقافة وللنشر والتوزيع ط 2، 2011 ص 13.
[4] - ويعد الفقه الألماني فيورباخ أول من استعمل مصطلح السياسة الجنائية. أنظر أحمد فتحي سرور : أصول السياسية الجنائية، دار النهضة العربية، القاهرة 1972، ص13.
[5] - Marc Ancel : La defense social nouvelle, Paris 1954, p 14.
[6] - أنظر لسان العرب، مادة "بدد"
[7] - Henri donnedieu de vabres, La politique criminelle des états autoritaires : La crise moderne du droit pénal, Coll. : Bibliothèque Dalloz, Ed. Dalloz, 2009, p 4 et 5
[8] - Henri donnedieu de vabres , La politique criminelle des états autoritaires, Op, cit, p : 6
[9] - Henri donnedieu de vabres, La politique criminelle des états autoritaires, Op, cit, p : 7 et 8
[10] - أحمد فتحي سرور، أصول السياسة الجنائية، دار النهضة العربية، الطبعة1972، ص38
[11] - راجع بهذا الخصوص، أحمد فتحي سرور، مرجع سابق، ص 38 و39
[12] - راجع بهذا الخصوص، أحمد فتحي سرور، مرجع سابق، ص78
[13] - هو حوار سقراطي ألفه أفلاطون حوالي عام 380 قبل الميلاد، يتحدث عن تعريف العدالة، والنظام، وطبيعة الدولة العادلة والإنسان العادل. الجمهورية هي المؤلف السياسي الرئيسي لأفلاطون وأسماها "كاليبوس". الدولة المثالية من وجهة نظر أفلاطون مكونة من ثلاث طبقات، طبقة اقتصادية مكونة من التجار والحرفيين، طبقة الحراس وطبقة الملوك الفلاسفة. يتم اختيار أشخاص من طبقة معينة ويتم إخضاعهم لعملية تربوية وتعليمية معينة، يتم اختيار الأشخاص الأفضل ليكونوا ملوكا فلاسفة، حيث أنهم استوعبوا المثل الموجودة في علم المثل ليخرجوا الحكمة.
[14] - أحمد فتحي سرور، مرجع سابق، ص79
[15] - ولد الفيلسوف "جان بودان" في Anger، (1529-1596) كان ابن لتاجر غني ينتمي لعائلة من القضاة. عاش في باريس، "تولوز" و"نانت" (مدن فرنسية)، تعلم القانون ثم أصبح مدرسا له. بعد ذلك أصبح محاميا في البرلمان بباريس. نشر في عام 1566 كتابه
" "Methodus ad facilem historiarum cognitionem (منهج من أجل معرفة التاريخ بسهولة). تمت تسميته من قبل "شارل الرابع"، كان مفتشا في منطقة النورماندي. انتقل للعمل بعد ذلك للعمل مع أخ الملك هنري الثالث "ألينسون" وسافر معه إلى إنكلترا وهولندا.
[16] - صدر في عام 1986 عن دار نشر "فيارد" في باريس تحت عنوان "الكتب الست للجمهورية"، "الجمهورية" هو من أوائل وأهم كتب الفلسفة السياسية في العصور الحديثة (بالمعنى العلماني للمصطلح)، ويقدم نظرية دستورية كاملة. منهج جان بودان في هذا العمل هو منهج قانوني وتاريخي بشكل أساسي. في جوهر العمل،"الجمهورية" يقدم المبادئ التي يمكن أن تبنى عليها دولة ملكية قوية وموحدة، وفيها قانون وإدارة متجانسة. بداية سندرس النظرية العامة للدولة السيادية،ثم النظام الذي تمناه جان بودان لدولته فرنسا.
[17] - صالح علي نيّوف، مدخل إلى الفكر السياسي الغربي، الجزء الأول، بدون طبعة، وبدون دار النشر، ص 69
[18] - صالح علي نيّوف، المرجع السابق، ص70
[19] - كتاب "الجمهورية"، لجان بودان، هو في المجموع ست كتب، نشير إلى عناوينها "الكتب الست للجمهورية" هي كالتالي: الأول (تعريف الجمهورية ونظرية السيادة)، الثاني (الأنظمة السياسية)، الثالث (البنى الإدارية للدولة)، الرابع و الخامس (نظرية الأعراق والمناخات، دراسة التوازنات الاجتماعية، التطورات و الثورات)، السادس (قضايا خاصة تلمس الرقابة أو النقد،الأموال، العملة، الأنظمة السياسية، العدالة المتناغمة).
[20] - لقد كان هوبز معلما للملك انجلترا شارل الثاني في هذه الفترة، ولما تمكن الشعب بقيادة "أوليفر كروموبل" من القضاء على الملكية وإعدام الملك وإعلان الجمهورية لجأ هوبز إلى فرنسا حيث وضع كتابه "التنين "The Léviathan وضمنه فلسفته التي كانت حول الحكم المطلق والاستبدادي.
[21] - توماس هوبس، من كتابه "التنين"، الجزء الثاني، الفصل 17، الصفحة ،173 أوردها صالح علي نيّوف، المرجع السابق، ص77
[22] - ولد في فلورنسا وينحدر من عائلة قديمة في هذه المدينة الإيطالية. شغل أول منصب سياسي له في عام 1494. أما مهمته فكانت "سكرتير" (لجنة العشرة من أجل الحرية والسالم)، وهي شكل من أشكال وزارة الداخلية والحرب.خلال أربعة عشر عاما قضاها في خدمة الجمهورية تم تكليفه بالعديد من المهام الدبلوماسية في فرنسا وروما، أيضا عمل في المسائل العسكرية حيث حصل من حكومة فلورنسا على قرار بإنشاء جيش وطني دائم، شغل ميكيافلي ثلاث مرت مناصب رسمية هامة، في عام 5201، 1521 و 1525
[23] - كتاب "الأمير" لمكيافلي دراسة في الفقه السياسي أعدها نيكولو مكيافيلي سنة 1553 أثناء تواجده في قرية سانتاندريا بركوسينا مـُـبـْعـَداً إثر عودة عائلة ميديشي (1512) لاتهامه بالمشاركة في مؤامرة بيير باولو بوسكولي ضد الميديشيين. أهدى مكيافيلي هذا العمل إلى لورينزو الثاني دي ميديشي ابن بييرو الثاني دي ميديشي على أمل استعادة منصب أمين الجمهورية، وتم نشره سنة 1532 بعد وفاته، وهو بلا شك أكثر أعماله شهرة، واستحدث منه اسم "المكيافيلية" وصفة "المكيافيلي"
[24] - مكيافلي، "الأمير"، الفصل 18، صفحة 341، أوردها، صالح علي نيّوف، المرجع السابق، ص 18
- راجع بهذا الخصوص، صالح علي نيّوف، المرجع السابق، الصفحات63 إلى 66.
[25] - مكيافلي، "الأمير"، الفصل 18، صفحة 341، أوردها، صالح علي نيّوف، المرجع السابق، ص 18
[26] - وحتى في القرن التاسع عشر لاقت ترحيبا عندما يسميهم مؤرخ الأفكار السياسية " Philippe Nemo بأسياد الشك" ماركس ونيتشه، إلى منظري التوتاليتارية الذي أخذوا أيضا من أفكاره. واستخدمه كمرجع كل من الفلاسفة Pareto, Sorel , Maurras ، كما كان مشهورا في الأوساط الجامعية الفرنسية كمفكر سياسي كبير وخاصة عند المفكرين المقربين من الماركسية. ونذكر هنا أن المنظر الماركسي الإيطالي الشهير أنطونيو غرامشي اعتبر أن النظرية الميكيافلية في كتاب "الأمير" هي أول نظرية "للثورة"، وقد كانت "اليعقوبية" في فرنسا الثورة الفرنسية وروسيا البلشفية التجسيدات التاريخية الأولى لكتاب "الأمير"
[27] - درس لوثر القانون في جامعة Erfurt الألمانية، ثم درس علم اللاهوت وأصبح دكتورا في هذا التخصص في .Wittenberg وأعطى إشارات أولية بقدوم الإصلاح عندما عارض وبشكل علني في عام1517، بيع "صكوك الغفران" من قبل الكنيسة الرومانية. نشر بشكل متقطع منذ عام 1520 ما يسمى "الكتابات الإصلاحية الكبرى" : (الدعوة إلى النبل المسيحي للأمة الألمانية)، (الأسر أو العبودية البابلية للكنيسة)، (تحليل أو قراءة الحرية المسيحية). قدم ترجمة ألمانية رائعة للكتاب المقدس. بقي زعيما من غير منازع للكنيسة الجديدة حتى موته في عام 1546 .
[28] - راجع بهذا الخصوص، صالح علي نيّوف، المرجع السابق، الأفكار السياسية عند مارتن لوثر، الصفحات 67 و 68.
[29]- Mareille delmas-marty, Les grands systèmes de politique criminelle, presses universitaires de France, 1992, p :199
[30]- Mareille delmas-marty, Op, cit, p : 200
[31] - Le principe inscrit dans le Code pénal, par la loi du 28 juin 1935 « Sera puni quiconque commettra un délit que la loi déclare punissable ou qui méritera une peine en vertu des principes fondamentaux de la loi pénale et d’après le sain instinct du peuple. Si aucun texte légal ne s’applique au cas en question, l’acte sera puni conformément au texte dont l’idée fondamentale s’en rapproche le plus.»
[32]-Art 16 du code pénal soviétique de l’époque stalinienne retenait l’autre forme d’analogie « légale » : « Si un acte socialement dangereux n’est pas expressément prévu par le présent code, le fondement et les limites de la responsabilité encourue à son sujet sont déterminés conformément aux articles du code qui prévoient les délits dont la nature s’en rapproche le plus.»
- Mareille delmas-marty, Op, cit, p :201
[33] Mareille delmas-marty, Op, cit, p :202
[34] - كالبرازيل مثلا (1964و1974).
- Mareille delmas-marty, Op, cit, p :204
[35] -Mareille delmas-marty, Op, cit, p :205
[36] - Mareille delmas-marty, Op, cit, p :206
[37] - أنظر الموقع الإلكتروني http://ar.wikipedia.org، تم الإطلاع عليه بتاريخ 10/09/2016، على الساعة العاشرة صباحا.
[38] - أحمد فتحي سرور ، المرجع السابق ، ص80
[39] - أحمد فتحي سرور ، المرجع السابق ، ص80
[40] - واثبة داود السعدي ، الأسس النظرية لعلمي الإجرام و السياسة الجنائية، بدون طبعة، و بدون دار النشر ، ص130
[41] - أحمد فتحي سرور ، المرجع السابق ، ص81
[42] - Henri donnedieu de vabres, La politique criminelle des états autoritaires , Op, cit, p : 12 et 13
[43] - Henri donnedieu de vabres, La politique criminelle des états autoritaires, Op, cit, p : 12 et 13
[44] - واثبة داود السعدي ، المرجع السابق ، ص83
[45] - أحمد فتحي سرور، المرجع السابق ، ص 79
[46] - محمد أحمد المشهداني: أصول علمي الإجرام والعقاب، دار الثقافة للنشر والتوزيع، طبعة 2008، ص33
[47] - للتوسع أكثر في الموضوع راجع:
- Henri donnedieu de vabres , La politique criminelle des états autoritaires , Op, cit, p : 21 ,22, 23 et 24
[48] -Henri donnedieu de vabres, La politique criminelle des états autoritaires, Op, cit, p : 21 ,22
[49] - واثبة داود السعدي، المرجع السابق ، ص 139
[50] - عبد العزيز سليمان نورا، و عبد المجيد نعناعي، التاريخ المعاصر في أرويا من الثورة الفرنسية إلى الحرب العالمية الثانية، دار النهضة العربية بيروت، طبعة 1973 صفحة 93
[51] - محمد أحمد المشهداني، المجرع السابق، ص 33
[52] - أدولف هتلر، كتاب كفاحي ، بدون طبعة و بدون دار النشر ص 13 و 14
[53] - عبد العزيز سليمان نورا، و عبد المجيد نعناعي، المرجع السابق، ص 131
[54] - Henri donnedieu de vabres, La politique criminelle des états autoritaires, Op, cit, p:10 et suivants
[55] - Henri donnedieu de vabres, La politique criminelle des états autoritaires, Op, cit, p : 156.
[56] - Henri donnedieu de vabres, La politique criminelle des états autoritaires, Op, cit, p : 998.