عندما يبدأ باحث في تاريخ الفكر الاقتصادي في قراءة كتاب "العلم المرح"، فإنه لا يتوقع بالضرورة العثور على مادة للتفكير العميق في إحدى الأسئلة المركزية للاقتصاد السياسي. غير أننا نجد ضمنيا بين سطور "العلم المرح" وكذلك في كل كتابات نيتشه إشكالية العمل مطروحة كنشاط اقتصادي واجتماعي. إذا كان نيتشه يستحضر هذا الموضوع، فلأنه بلا شك شاهد على التغييرات التي أحدثتها الثورة الصناعية الثانية.
تزامن صدور كتاب "العلم المرح" عام 1882، بعد نشر الجزء الأول من "رأس المال"، مع ظهور قطاعات ذات كثافة رأسمالية عالية وتتطلب إعادة التجميع تدريجيا للعمال في وحدة إنتاج: السكك الحديدية، الكيماويات، الإنتاج الميكانيكي للكهرباء أو حتى محرك الاحتراق الداخلي. كان نيتشه أيضا معاصرا لظهور النتيجة الطبيعية لـ "الثورة الصناعية"؛ ألا وهي المسألة الاجتماعية.
بعد أقل من عقدين من الزمن على ماركس وإدانته لنظام التصنيع، تبنى نيتشه بدوره موقفا نقديا تجاه العمل الحديث.
يتمثل الرهان في هذه السلسلة من المقالات في فهم محتوى هذا النقد. ولكن قبل أن ندخل في صلب الموضوع، تكون بعض الاحتياطات ضرورية طالما أن نيتشه هو أحد الفلاسفة الذين أثاروا معظم التعليقات والتحليلات والخلافات.
اولا، الإشكالية الأولى التي تواجهنا هي أهمية دراسة وتعبئة كتابات نيتشه في إطار الاقتصاد، بل الأكثر من ذلك في إطار تاريخ الفكر الاقتصادي.
اعتمادا على كتاب Backhaus و Drechsler الأساسي المعنون ب" فريدريك نيتشه: الاقتصاد والمجتمع" (2006)، قام Lapied و Swaton بالكشف عن أربع صعوبات رئيسية (لابيد وسواتون (Lapied et Swaton 2013a, 44).
اولا وقبل كل شيء، لا يوجد سوى عدد قليل من الإشارات إلى نيتشه في تاريخ الفكر الاقتصادي (Senn 2006). وهكذا يمكننا أن نلاحظ، على سبيل المثال، أن Schumpeter، في كتاله "تاريخ التحليل الاقتصادي"، لم يذكر نيتشه إلا للإشارة إلى أنه "مثال سيئ" على الفكر المناهض لكل من الديمقراطية والفكر إلى حد أن "تعاليمه لا تشكل شكلاً نقيا بدرجة كافية من هذا الخط الفكري" الذي كان تأثيره عليه "أضعف مما يعتقد المرء أحيانا".
وأكد Charles Gide وCharles Rist أن "نيتشه يكاد يكون فيلسوفا ومفكرا أخلاقيًا على وجه الحصر تقريبا"، و "ممثلا للمذاهب الفردانية"، وأن تطور أفكاره لا يجد مكانا في كتابهما "تاريخ المذاهب الاقتصادية" (1944، 686).
ثانيًا، "لم يكن نيتشه قارئا جيدا للمؤلفات الاقتصادية"، لذلك، ثالثا، لا نجد عنده سوى تأملات اقتصادية قليلة (لابيد وسواتون 2013: 44).
أخيرا، ألقى نيتشه نظرة "نقدية بالأساس" على العلوم، وخاصة الاقتصاد (المرجع نفسه).
رغم ذلك، كما سوف نبين، نعتقد أنه انطلاقا من موضوع العمل يكون فكر نيتشه مفيدا وثمينا من وجهة نظر تاريخ الفكر الاقتصادي.
تضاف إلى هذه الصعوبات الأربع الأساسية، في رأينا، الخلافات وردود الفعل المتناقضة التي ولّدها عمل نيتشه بين الاقتصاديين والفلاسفة المهتمين بالاقتصاد السياسي.
من ناحية، يجعل Hayek
من زرادشت توضيحا لـ "عقلية النظام الجماعي"، التي تتعارض مع "التصور الفرداني للشخص البشري"، ويقودنا هكذا على "طريق العبودية" (Hayek، 2010، 151).
في الطرف المقابل، ألقى التقليد الماركسي أيضا نظرة نقدية على عمل نيتشه، من Lukács (١٩٤٣) إلى Losurdu (٢٠٠٢) مرورا ب (Clouscar (٢٠٠٤). تمرد هذا الأخير ضد نقده "الأرستقراطي" والفرداني بالمصادفة للعمل (2014، 14). وإذا لم يطور نيتشه فكرا منهجيًا حول الاقتصاد، فإنه مع ذلك اجتذب غضب المفكرين من جميع المذاهب والمعتقدات.
أما بالنسبة للصعوبة الأخيرة التي تواجهنا على هذا المسار، فهي تتعلق بالوحدة والطابع اللاحق لفكر نيتشه. كثيرون هم من جعلوه مفكرا غير سياسي وافترضوا أنه منفصل عن المشاكل الاجتماعية في عصره. ومع ذلك، عند قراءة مساهماته، وخاصة تلك المتعلقة بموضوع العمل، فإننا نؤيد بالأحرى أطروحة Renault (٢٠٠٤)، المأخوذة من أطروحة Losurdo (2002)، التي تؤكد على تماسك عمل نيتشه.
كتب رينو بهذا الخصوص قائلا: "خلافا للنظرة التي كثيرا ما نطلقها على نيتشه كمفكر "لاسياسي"، وصف الفيلسوف الإيطالي [لوسوردو] نيتشه بأنه كاتب "سياسي بالكامل" عبرت كل كتاباته عن موقف محدد من المشاكل الاجتماعية والسياسية في عصره، وخاض، ك"متمرد أرستقراطي"، المعركة ضد ما شعر هو والعديد من معاصريه بأنه التهديد الرئيسي في عصره (رينو 2004 ، 147.)
يندرج هذا التهديد الرئيسي عند نيتشه في مفهوم: الحداثة. "كل ما هو عصري يرفضه، سواء تعلق الأمر بمفاهيم الحرية أو التقدم، بالنزعة السلمية أو بالنزعة القومية" ( Baudin
1947 ،7) . وبالتالي فإن نظرته النقدية للعمل هي جزء من هذا الرفض الشامل للحداثة، التي تتميز بميول مثل الديمقراطية، الرومانسية، المساواة، الاشتراكية، الليبرالية وكذلك "الفوضى"(Krulic 2001).
يعتبر نيتشه بشكل فعال أن الحداثة، في ظل زخم الحركة الديمقراطية، تجلب في أعقابها "شكلا من أشكال انحطاط التنظيم السياسي" و "تتفيه" الإنسان (نيتشه 2008، 612). وبهذا المعنى، فهو ينتمي أيضا إلى تقليد "الحداثات الممزقة" . لذلك فإن أطروحتنا هي كما يلي: انتقادات نيتشه للعمل هي انتقادات تتعلق بظروف العمل، والأشكال التي يتخذها العمل والمكانة الذي يحتله العمل كقيمة في عصر الحداثة.. بهذا المعنى، فإن النظرية النقدية لنيتشه كرؤية نقدية، قريبة نسبيا من تلك التي نفذها ماركس. ومما يزيد الأمر سوء إذا اعترف المرء بأن الأخير يصوغ "نقدا ينصب على العمل في ظل ظروف الرأسمالية" بدلاً من "نقد الرأسمالية من وجهة نظر العمل (كما هو الحال في الماركسية التقليدية، (Postone 2009, 154)
ومع ذلك، إذا كانت مقاربة ماركس النقدية لظروف العمل تبدو وكأنها تشكل وحدة متماسكة، فهذه ليست الحالة القبلية مع عمل نيتشه. هذا النقد ذو شقين بالفعل. من ناحية أخرى، يتعلق الأمر بالأهمية التي يأخذها العمل في الحياة الاجتماعية ويالتحولات الاجتماعية التي يولدها. هذا الجانب من النقد - الذي نسميه اجتماعيا تاريخيا - هو الذي جعل نيتشه أقرب ما يكون إلى ماركس.
علاوة على ذلك، فإن تحليلاتهما الخاصة لعواقب تقسيم العمل أو المكننة أو دور الدولة تقدم العديد من الأمثلة على هذا التقارب في الرؤية النقدية.. لكن، من ناحية أخرى، يقدم نيتشه أيضا ما يسمى نقدا "أرستقراطيًا" للعمل والذي بعد ذلك يبعده بشكل أساسي، إن لم يكن عن ماركس، على الأقل عن الماركسيين (لوسيردو، 2002). إذا كان مفكرون مثل دولوز قد خلقوا نيتشه يساريا، أقرب إلى الجانب النقدي الأول، فسيكون ذلك من خلال توليف ماركس وفرويد ونيتشه. ومع ذلك، فإن هذا التوليف ليس سوى "توليفة زائفة" وفقًا للفيلسوف الماركسي Clouscard. سوف يعتمد على الانحراف المزدوج: فكر ماركس وفكر نيتشه، والذي من شأنه أن يوفر قبل كل شيء نقدا أرستقراطيًا للعمل (كلوسكار 2014، 98-9). ولكن بعد ذلك، أي من هذين الانتقادين له أهمية قصوى في عمل وفكر نيتشه؟
في مواجهة هذه النقاشات، التي لا نتظاهر بوضع حد لها، نود دراسة عمل نيتشه فيما يتعلق بموضوع العمل بطريقة فردية. تقليديا، يتم توضيح مقترحات نيتشه بشأن العمل فيما يتعلق بفلسفته ككل.
وهكذا يعتقد لوكاتش أن فلسفته تلتقي حول نقطة مركزية: "الهجوم المضاد على الاشتراكية" (2006، 75)، بحيث يكون قادرا فقط على تصور ما يسمى بالنقد الأرستقراطي للعمل من قبل نيتشه. من أجل تجنب تحليل اختزالي مسبق، من خلال الأخذ بالاعتبار لتحليلات نيتشه حول العمل اعتمادا على الفكرة المأخوذة عن فلسفته، سنختار النهج المعاكس. بمعنى: كيف تسمح لنا مقترحات نيتشه بشأن العمل بفهم فلسفته السياسية؟ إنها بالفعل، وفقا لنا، طريقة تحليل تجعل من الممكن فهم أفضل لكيفية قيام نيتشه بإلإعطاء بظهره لليبرالية والاشتراكية.
للقيام بذلك، سوف ندرس النقد الاجتماعي التاريخي الذي قام به نيتشه في الجزء الأول. في الجزء الثاني، سوف نركز على الجانب الأرستقراطي في نقده للعمل الحديث. في كل مرة، ستكون مسألة وضع ملاحظات نيتشه في منظورها الصحيح فيما يتعلق بتاريخ الفكر الاقتصادي.
أخيرا، في الجزء الثالث والأخير، سنبين أن هذا التوفيق بين هذين النقدين النيتشويين للعمل هو ما يسمح لنا بفهم رفضه للإيديولوجيتين الاقتصاديتين والسياسيتين العظيمتين للحداثة: الاشتراكية والليبرالية. وهكذا سنتمكن من استيعاب عناصر الرؤية التي يدعمها نيتشه. بالنسبة إلى الأخير، النقد ليس هدف الفلسفة ولكنه الأداة التي تجعل من الممكن تحقيق خلق قيم جديدة (تيتشه 2008c, 634).
فيما يتعلق بتحليل الاحتياجات. يقول في مخطوطاته عام 1844:
"يكرس كل إنسان نفسه ليخلق للآخر حاجة جديدة لإجباره على تضحية جديدة، ووضعه في تبعية جديدة ودفعه إلى نمط جديد من المتعة، وبالتالي إلى الخراب الاقتصادي".
لكن هناك بيانا يتعلق بالعلاقة بالمال في المجتمع الحديث، ويربط أيضا نقد نيتشه بنقد العديد من مفكري الاقتصاد السياسي. كثيرون هم أولئك الذين طرحوا بالفعل فشل البرجوازية في السعي وراء المال من أجل المال. استنكر أرسطو، منذ العصور القديمة، كسب المال بالتجارة. يعتبر كينز أن "حب المال كموضوع للامتلاك" هو "شغف سيء". هنا يدين ماركس، بمساعدة مفهوم رأس المال الوهمي، الفكرة التي وفقا لها "تقدر القيمة نفسها"، بعيدا عن أي وساطة من خلال عملية الإنتاج، وبالتالي فهو يهاجم ما يسمى الآن عقلانية المضاربة، التي تحكم الأسواق المالية.
يشارك نيتشه بشكل كامل في نقد هذا الشغف بالمال. إنه يسعى إلى إظهار عدم جدوى هذه الرغبة في التملك من ناحية، ومن ناحية أخرى، خلوها من المعنى: "أكثر العصور حماسة حيال العمل من كل العصور- عصرنا - لا يمكنه فعل أي شيء بتحمسه لعمله الهائل وماله، باستثناء المزيد من المال والمزيد من التحمس للعمل".
في نهاية هذا المطلب، نفهم أن نيتشه يتعامل مع النقد الذي يؤثر على حماقة عواقب الحماسة في العمل، لا سيما فيما يتعلق بالعلاقة بالمال لدى "الطبقات الوسطى" الناشئة، التي ليست فئة أخرى. من البرجوازية الجديدة. بهذا المعنى، يشير هذا النقد إلى ما سمي بعد الحرب العالمية الثانية "بالنقد الثقافي للمجتمع الاستهلاكي"، والذي مع ذلك ورثه أساسا عن ماركس.
ولكن أبعد من ذلك، فإن رؤية نيتشه للعمل تركز أيضا على المكانة التي يحتلها العمل كقيمة أساسية في المجتمع الحديث.
بعد تحقيق مطلب العمل وعلاقته بالحاجة، ننتقل الآن إلى مطلب التحمس للعمل، على أن ننطلق من اقتباس شهير لحنة ارندت من كتابها "أزمة الثقافة"، ينص على أن الجماهير "لا تريد الثقافة بل الترفيه فقط". بعبارة أخرى، يسعى معظم الأفراد للترفيه عن أنفسهم بالمعنى الباسكالي للمصطلح، أي الابتعاد عن الأساسي.
يشرح نيتشه جزئيا التحمس للعمل لأن هذا النشاط الأخير هو بالتحديد شكل من أشكال الترفيه. ويرى هذا الفيلسوف أننا "نستمر في العمل لأنه ممتع. لكن يجب الحرص على ألا تكون وسائل الترفيه متعبة للغاية".
من هذا المنظور، يعتبر العمل بالنسبة لنيتشه بمثابة خدعة تهدف من ناحية إلى جعل محاربة الملل ممكنة، ومن ناحية أخرى إلى تحويل الإنسان عن مرضه، ولا سيما المعاناة.
ويرى نفس الفيلسوف أن "السعار الأعمى من أجل العمل، على سبيل المثال، هذه الفضيلة للآلة النموذجية، يتم تقديمه على أنه الطريق المؤدي إلى الثروة والشرف، باعتباره الترياق الأكثر فائدة ضد الملل والمحن. غير أننا نسكت عن خطره، وضرره الأكبر".
من المسلم به أن هذه الحماسة يمكن أن تكسب بشكل فعال "الثروة والشرف"، وفقا لنيتشه، لكنها تدمر "في نفس الوقت أعضاء البراعة التي تسمح للفرد بالاستمتاع بالثروة والشرف" ( المرجع نفسه، 77).
هكذا نصادف مرة أخرى عدم جدوى البحث عن المال من أجل المال. ونفس الأمر ينطبق على العمل كعلاج للملل.
أخيرا، يرى نيتشه أن العمل يقلل من قدرة الجسم والعقل على التأثر، خاصة في مواجهة "المحفزات الجديدة" ( المرجع نفسه، 77). يتم السعي إلى العمل، باعتباره "نشاطا ميكانيكيًا"، من خلال ما يسمح به "لتخفيف المعاناة" بتشغيل "الوعي بالنشاط المستمر" (نيتشه 2002، 160-1).
بعبارة أخرى، هذا الحماس للعمل هو شكل متجدد من الأخلاق التقشفية التي يهاجمها نيتشه باستمرار باعتبارها فلسفة مريضة وليست فلسفة حياة.
هناك مثال ممتاز يشرح تفسير نيتشه للحماس للعمل، جاء بعد مرور قرن على نيتشه، وتم تقديمه من خلال شهادة مدير شركة للصلب، رواها جالبريث (1968، 163)، عندما تساءل عن الأشخاص الذين تتلخص حياتهم في عملهم..
تقول الشهادة: "بدلاً من الاسترخاء في المساء لقراءة رواية بوليسية، أعمل حتى الساعة الحادية عشرة، ثم أقول في قرارة لنفسي أخيرا: ليذهب كل ذلك إلى الجحيم، سوف احتسي الويسكي وأذهب إلى الفراش! ، لكنني أبقى في حالة تأمل حتى الساعة الثانية عشرة والنصف أو الواحدة ظهرا. […] ما يرفع معنوياتي هو العودة إلى حمام الأخبار والأعمال".
يطور نيتشه أيضا مفهومه عن ضرر الحماس المفرط في العمل على موضوع الإيمان. "شهوة العمل"، لدى بعض الأفراد، "تذيب الغرائز الدينية" وبالتالي تهيء لـ"عدم الإيمان" (نيتشه 2008 ج، 538-9). الأفراد الذين ينشغلون فقط بعملهم هم أفراد "يكتفون بتسجيل وجودهم في العالم في نوع من الدهشة المذهلة" (المرجع نفسه).
يمكننا بعد ذلك تلخيص نيتشه بإعادة صياغة نثر ماركس واستبدال العمل بالدين، فنقول: العمل هو "تنهيدة المضطهد، هو قلب عالمٍ لاقلب له، مثلما هو روح عصر بلا روح. إنه أفيون الشعوب". يقيم نيتشه، علاوة على ذلك، علاقة صريحة بين التحمس للعمل وإحدى الديانات الأوروبية العظيمة: البروتستانتية.
وهنا يقول إن "الغالبية العظمى من البروتستانت الألمان من الطبقة الوسطى ينتمون اليوم إلى هؤلاء الأشخاص غير المبالين، لا سيما في المراكز الكبرى للتجارة والتبادل حيث لا يعرف العمل فترة توقف".
إذا كان تأثير فكر نيتشه على فكر ماكس ويبر موضوع نقاش معقد وأنه يمكن للباحث أن يلاحظ وجود "اختلافات حساسة" (فلوري 2005)، تظل الحقيقة أن هذا الاقتراح يلخص التحليلات المنهجية التي اقترحها فيبر في "الأخلاق البروتستانتية أو روح الرأسمالية (1964) .
إن الأخلاق البروتستانتية تقدر العمل كقيمة بالفعل، بمعنى أن كل ساعة لا تعمل لا تساهم في مجد الله. ومن هنا جاءت إدانة وقت الفراغ، الشيء الذي يعني، وفقا لنيتشه، موت كل روح.
يقول شلدارحا: "إن سباقهم الجامح نحو العمل - نقيصة العالم الجديد - بدأ بالفعل، عن طريق العدوى، في جعل أوروبا العحوز متوحشة ورشها بغياب مذهل للروح. إننا نشعر اليون بالعار من الراحة. الاستغراف في التأمل يسبب الندم".
أدرك نيتشه الأهمية المعيارية للروح البروتستانتية، التي أصبحت الروح الحديثة، والتي تجعل العمل قيمة أساسية للمجتمع الحديث والثقافة الأوروبية. ويشدد في هذا الصدد على الانعكاس الحقيقي للقيمة الذي حدث في العصر الحديث، بمعنى أن "العمل لا يتوقف عن احتكار كل ضمير صالح" بينما "في الماضي كان العكس" ( المرجع نفسه، 302) ).
في الواقع، منذ القرن الثامن عشر بدأ بناء مفهوم العمل وانعكاس قيمته (ميدا 2013، 68).
سنعود إلى هذا الانقلاب على القيم، بقدر ما يُنظر إلى الإدانة الحديثة لوقت الفراغ التي يأسف لها نيتشه على أنها الجانب الأرستقراطي - أو الرجعي باللغة الماركسية - من نقده. لكن دعونا نؤكد أولاً وقبل كل شيء أنه يمكننا بالفعل أن نرى بزوغ فجر ما يمكن أن يوحد نقد الاخلاق البرجوازية المتعلقة بالعمل والنقد الأرستقراطي للعمل، والذي يتم توجيهه إلى العمال بقدر ما هو موجه إلى الطبقات المحظوظة.
ثانيًا، يقدم نيتشه المعضلة التالية: العمل أم التفكير؟ يبدو أن المجتمع الحديث قد حسم المسألة. نجد هذه المعضلة أيضا مصوغة من قبل الكاتب دوستوفسكي الذي نال إعجاب نيتشه: "ثقل ذهني معين هو، على ما يبدو، وصف لا غنى عنه إن لم يكن لأي رجل نشط، فعلى الأقل لأي صانع نقود جاد".
أخيرا، ويتعلق الأمر بتطوير هذه النقطة، فإن النقد السوسيوتاريخي الذي قام به نيتشه يحمل في نهاية المطاف عواقب المكانة التي تحتلها هذه القيمة المعطاة للعمل.
بعدما تحدثنا باختصار عن التحمس للعمل، ننتقل الآن إلى مطلب آخر وهو العمل والتسارع الاجتماعي. ويجب ألا ننسى أننا بصدد مناقشة موقف نيتشه من العمل في المجتمع الحديث، لهذا نورد هذا المقطع الصغير الذي يقول فيه: "نفكر والساعة في اليد، كما نتناول وجبة الغداء، ونحن نحدق في نشرة بورصة الأسهم ، - نحن نعيش كإنسان "يمكن أن يفوت شيئا ما. افعل أي شيء بدلاً من لا شيء .
تؤكد كلمات نيتشه هاته من ناحية على سرعة الحياة الحديثة ومن ناحية أخرى على الفكرة ذات الصلة التي تفيد بأن الحياة الحديثة هي سلسلة مستمرة من الأحداث المهمة التي لا ينبغي تفويتها.. بعبارة أخرى، تتكثف إيقاعات الحياة وخيوط الأخبار. يمكننا أن نلاحظ أن هذا الاهتمام بإيقاع الحياة الاجتماعية من قبل نيتشه ينضم إلى نقد العمل كقيمة لا ينبغي لنا أن نضيع وقتنا وفقا لها.
لا يمكن لهذه الفكرة إلا أن تذكرنا بكلمات هارتموت روزا، الذي يفسر بدقة الحداثة من حيث التسارع الاجتماعي. ووفقا له، فإن هذا التسارع يتجلى بشكل خاص على مستوى التقنيات وإيقاعات الحياة والأشكال الاجتماعية والثقافية.
علاوة على ذلك، يحافظ روزا على مصطلح "الحداثة" - وليس مصطلح الحداثة الثانية أو ما بعد الحداثة بحيث أن الاتجاهات التي ظهرت في القرن التاسع عشر لم تعمل سوى على أن تتسارع.
نيتشه هو إذن أحد الممثلين، إلى جانب غوته أو حتى بودلير، لأولئك الذين استوعبوا جزء من هذه الظاهرة أثناء ظهورها، كما قال روزا. وإذا كان مؤلف كتاب "فاوست" ممزقا بين الحماس للتقدم التقني والقلق حيال إيقاع العالم الحديث، فقد لاحظ نيتشه تدمير الطبيعة بواسطة الآلة وعبر عن مخاوفه من فقدان القوة التأملية، كما أوضح روزا.
يقول نيتشه: "هجين اليوم هو موقفنا الكامل تجاه الطبيعة، والعنف الذي نقوم به تجاه الطبيعة بمساعدة الآلات والإبداع عديم الضمير لتقنيينا ومهندسينا."
ويقول كذلك: "إن التسارع الرهيب للحياة يعود العقل والنظرة على رؤية، على حكم متحيز وكاذب. […] بسبب انعدام الهدوء، تقود حضارتنا إلى بربرية جديدة. لم يكن الناس العمليين، أي القلقين، أكثر احتراما في أي وقت من الأوقات. من التقويمات الضرورية التي يجب القيام بها لإضفاء الطابع الإنساني على الطبيعة تقوية العنصر التأملي إلى حد كبير".
لذلك يستنكر نيتشه خضوع الناس لمنطق الساعة وما يتولد عنه من فقدان الروح. ومع ذلك، فإن أصل هذا التسارع موجود في المكانة المعطاة الآن للعمل. من ناحية، يكون الحقل المعجمي الذي يصاحب المصطلح في عمل نيتشه هو دائما حقل التسارع: "السباق المحموم"، "الحركة"، "السرعة"، "المزيد من الوقت". من ناحية أخرى، يكون غزو الوقت من صميم الرأسمالية.
أدرك ماركس وإنجلز ذلك عندما أكدا أن "البرجوازية لا يمكن أن توجد دون الإخلال المستمر بأدوات الإنتاج، إذن بعلاقات الإنتاج، إذن بمجموع الظروف الاجتماعية" (ماركس وإنجلز، 1965، 164).
إضافة إلى ذلك، مع الحداثة التي حللها ماركس ونيتشه انتقلنا، كما قال فيشباخ، "من عمل غير منتظم أساسا في الزمن [...] إلى عمل منتظم، منظم ومنضبط".
في هذا الصدد، أدرك نيتشه جيدا تأثير النشاط الاقتصادي على ظاهرة تسريع الزمن الاجتماعي.
بحسب نيتسه، يجبر العيش في البحث عن الربح الإنسان باستمرار على بذل مجهود عقلي مرهق لأجل الإخفاء والخداع واكتساب السرعة باستمرار.
لم يقتصر نيتشه فقط على امتلاك رؤية دقيقة للتسارع الاجتماعي أثناء العمل ضمن العمليات الاقتصادية، ولكن، وفقا له، يركض الأفراد أنفسهم وراء السرعة. مثل الحماسة في العمل، فإن هذا البحث المستمر هو وسيلة أخرى للسماح للناس بنسيان المعاناة، المعاناة الضرورية مع ذلك من أجل التمتع بأقوى الأفراح. هنا يجب التذكير بأنه في مفهوم نيتشه "السعادة والتعاسة شقيقان توأمان يكبران معًا". لهذا يتوجه، من خلال زرادشت، إلى معاصريه ليعظهم: "أنتم جميعا الذين تحبون العمل الجاد وكل ما يسير بسرعة، كل ما هو جديد وغير معروف، - أنتم لا تدعمون أنفسكم، واجتهادكم ما هو إلا لعنة وإرادة لنسيان أنفسكم".
صاغ روزا مفهوم "جزيرة التباطؤ" لتحديد الأماكن أو الأنشطة التي تظهر كرد فعل لظواهر التسارع الاجتماعي. ومع ذلك، فقد أظهر أن هؤلاء أنفسهم يتعرضون للغزو بشكل متزايد من خلال المنطق المتسارع، مثل الكتابة، مثلا، الخاضعة لمبادئ التبرير. ما يهمنا هنا حسب هذا الباحث في الفلسفة، هو أن نيتشه يدرك تماما وزن "ضغط الوقت" الذي يمارس على الأفراد المعاصرين، وهو ضغط يقضي في النهاية على أي إمكانية لوقت الفراغ، ليس بمعنى الترفيه كما قصده باسكال، ولكن بالمعنى الذي يأخذه عند نيتشه، أي وقت مكرس للأنشطة النبيلة، للثقافة.
يقول هذا الأخير: "الفضيلة الحقيقية اليوم هي القيام بشيء ما في وقت أقل مما يستغرق الآخر. وهكذا لا توجد سوى ساعات قليلة جدا نسمح فيها لأنفسنا بالصدق: لكننا متعبون ولا نود أن "ندع أنفسنا تسير" فحسب، بل نرغب في التملص بكل طولنا، بكل عرضنا وبكل وزننا".
لا يمكن لأي شخص كان قادرا على خوض تجربة العمل المتسلسل في مصنع إلا أن يرى استحالة قراءة بضع صفحات من الكتاب الذي لا يزال يأسره. استحضر روزا مثال التلفاز، الذي لم يكن نيتشه يعرفه، لكنه يواجه الشخص الذي غالبا ما يكون "منغمسًا فيه". وهذا يسمح له بتسليط الضوء على " التناقض المؤكد بين ما يقول الممثلون أنهم يحبون القيام به وما يفعلونه بالفعل". هذه النقطة التي أثارها روزا مثيرة للاهتمام بشكل خاص لأنها ستسمح لنا بفهم كامل للتحول من النقد الاجتماعي التاريخي للعمل الذي قام به نيتشه إلى نقده الأرستقراطي للعمل، وبالتالي اتخاذ المقياس الكامل لانتقاداته ضد الحداثة.
يشرح روزا، مثلا، أنه يمكن للمرء أن يعتقد أن "كتابة رواية هي بلا شك أكثر الأنشطة جديرة بالاهتمام من جميع الأنشطة، وينتهي الأمر ببدء لعبة فيديو على الرغم من أن المرء كان على وشك الشروع في كتابة مخطوطة".
لا يتعلق الأمر هنا بمشاركة وجهة نظر الفيلسوف الألماني حول هذه الأنشطة، بل بالأحرى، كما أدرك هو نفسه، فهم أن هذا النقد للتسارع الاجتماعي وتأثيراته ينطوي بالضرورة على "القليل من النقد الثقافي"، كما ذهب إلى ذلك روزا. ومع ذلك، وفقًا له، "من يرغب في إنشاء تشخيص للانحدار الثقافي" - وهذا هو بالضبط موضوع عمل نيتشه - يجب أن يسهب بدقة في "بُعد الزمن".
ذلك إذن، كما كشفنا للتو، أحد الأبعاد الأساسية لأطروحات نيتشه، ولا سيما في "العلم المرح".
قبل الانتقال إلى الجانب الأرستقراطي من نقد نيتشه للعمل، والذي يبدو أنه مرتبط جزئيا بنقده الاجتماعي التاريخي، يجب توضيح نقطتين. أولاً، قد يعتقد القارئ أن منظور التسارع الاجتماعي المتعلق بالحداثة مقيد بقدر ما يكون زمن التاريخ بطيئا. نيتشه يدرك ذلك. بيد أن الحقيقة تتمثل في كونه رأى اتجاهات معينة للتسارع الاجتماعي انبثقت بعد الثورة الصناعية. يشير روزا نفسها أيضًا بشكل مناسب جدا إلى أن التسارع الاجتماعي لا يمنع شكلاً من أشكال التباطؤ التاريخي و"تحجر المجتمع".
ثانيا، إذا قمنا، من بعض النواحي، بالموازاة بين فكر نيتشه وفكر ماركس، فإننا لم نجعل نيتشه ماركسيا مقنعا. من المسلم به أن هذين المؤلفين يتلاقيان حول نقد سلوك البرجوازية، حول المكانة التي يحتلها المال في المجتمع الحديث أو فيما يتعلق بعواقب معينة للرأسمالية الحديثة، مثل التسارع الاجتماعي. وكما اكد نيتشه مع ذلك، فإن ما يهم قبل كل شيء ليس ما يجمع بين اثنين من المفكرين ولكن ما يفصل بينهما. بخلاف ذلك، فإننا نفقد خصوصية الفكر. لذا فهي مسألة تقديم النقد الثاني لنيتشه، والذي يشكل، في رأينا، مع الأول، أصالة فكره فيما يتعلق بموضوع العمل.
يمكن تلخيص الجزء الأول من النقد الأرستقراطي للعمل عند نيتشه باستخدام عبارة "النقد الفني" للعمل، الموجود بالفعل بشكل ضمني في اللغة. يمكننا أن نسلط الضوء بشكل فعال على وجود فعل "عمل" (labourare, labou, arbeiten ) من ناحية، ومن ناحية أخرى على وجود فعل "عمل-صنع" (facere, work, werken). من هذا التمييز اللفظي ينشأ التمييز بين العامل والفنان أو الحرفي (الصانع التقليدي).
غير أننا نجد بالفعل، عند فقيه اللغة الألماني، تعارضا بين هذين الصورتين. يقدم الفنان الخصائص المعاكسة للعامل. الفنانون هم "رجال نادرون" يهربون بشكل ملحوظ من منطق الساعة و"النضال ضد التسكع" الخاص بالحداثة.
"هؤلاء الرجال صعوب المراس، الذين يصعب إرضاؤهم، لا فائدة لهم في الحصول على أجر جيد إذا لم يكن العمل في حد ذاته أجرا لجميع الأجور. ينتمي إلى هذا النوع الاستثنائي من الرجال الفنانين والمتأملين من جميع الأنواع، [...]. إنهم لا يخشون الملل بقدر ما يخشون العمل الخالي من المتعة: بل إنهم بحاجة إلى الكثير من الملل للنجاح في عملهم".
الملل، وملكة عدم الاستسلام لقوة موعد الاستحقاق أو حتى المتعة في الإبداع، هي بالتالي كلها سمات خاصة بالفنان تجغله في تعارض مع العامل المعني فقط براتبه - تحت تأثير علاقة الإنتاج الرأسمالية، كما اوضح ماركس. إلى جانب ذلك، لا يمكن أن تكون وتيرة خلق العمل الفني هي وتيرة الإنتاج الرأسمالي. يتطلب الفن بالتحديد أخذ الوقت الكافي. حتى أن هناك اقتصاديين يستنكرون توغل العقلانية الاقتصادية والسوقية في مجال الفن أثناء إجراء نقد جمالي للمجتمع الصناعي، مثل Galbraith (1968 ، 352).
ولكن في القرن التاسع عشر ، أعجب نيتشه بالكتاب، الذين أشادوا أيضا بـالمقولة الفرنسية: "الفن من أجل الفن من أجل الفن"، مثل غوغول ودوستويفسكي اللذين حكوا عن الاختلاف الموجود بين العمل والإبداع، بين الإنتاج والعمل. هكذا، في قصة "بورتريه" حكى غوغول، هذا "الشاعر العظيم"، عن الانحطاط الفني لتشارتكوف. تخلت الشخصية الرئيسية في هذه القصة القصيرة عن التعبير عن موهبتها الفنية لإنتاج سلسلة من اللوحات التي تم بيعها باسعار مرتفعة للمجتمع الراقي في بطرسبورغ.
دعونا نتوقف عند هذا المقطع من قصة غوغول: "توقف عقله عن الإبداع والتأمل. لم يعد لديه القوة أو الوقت: حياته الضائعة، المجتمع الذي حاول فيه أن يلعب دور رجل في العالم - كل هذا قاده بعيدا عن العمل والتفكير. […] لم يستطع بعض الذين عرفوا تشارتكوف في الماضي أن يفهموا كيف يمكن للموهبة أن تتخلى عنه [...]. باختصار، كانت حياته قد اقتربت بالفعل من الفترة التي يتلاشى فيها كل شيء لديه أي زخم في الإنسان، عندما لم يعد القوس القوي يمارس أكثر من ضغط ضعيف على الروح ولم يعد يسحب الأصوات المخترقة من القلب، [...] ولكن حيث تكون المشاعر الباردة أكثر سهولة للوصول إلى الصوت الذهبي، تستمع بمزيد من الاهتمام إلى موسيقاها المغرية وتدع نفسها تتلطف شيئا فشيئا بها بعيدا عن كل المشاعر".
من منظور نيتشه، يكون الاختلاف الجوهري بين المبدع والعامل كما يلي: الأول نشط وتوسعي ويعبر عن إرادته، بينما يظل الثاني في النهاية انفعاليا فقط (Porcher 2010, 376).
هذه النظرة إلى الفنان باعتباره يحظى بنبل يسمو به في نهاية المطاف على العامل هي بلا شك أحد الأسباب التي أدت إلى رؤية نيتشه على أنه "متمرد أرستقراطي". ومع ذلك، فإن هذا الأخير يحتقر الفنان بمجرد أن يصبح خادما للرعاة والأقوياء.
مهما كان الأمر، يمكننا تحديد التعارض الأول بين الإبداع والعمل. لا تتعلق المسألة بالجهد المبذول ولكن بالقيود المفروضة على النشاط. لا يظهر العمل فقط كوقت مقيد في مقابل الوقت الذي يقضيه الفنان في الإبداع، ولكن العامل مقيد أيضا بالإنتاج بطريقة ما وليس بطريقة أخرى خلال هذا الوقت الضيق. بعبارة أخرى، يظهر الفنان كنموذج مثالي للحرية داخل حداثة تحكمها عقلانية اقتصادية وأداتية. الفنان هو من يبدع، علما بأن الإبداع هو أحد القيم المركزية في فلسفة نيتشه. وهذه الاعتبارات المتداولة في كتاباته ليست قديمة بأي حال من الأحوال.
أظهر كتاب مثل Boltanski وChiapello بشكل فعال أن هذا النقد الفني للرأسمالية، والذي لا يشكل إذن بطبيعته خصوصية موقف نيتشه من لعمل، تم دمجه واستعادته ضمن النظام الأيديولوجي ذاته الذي يدافع عن الرأسمالية والحداثة الراهنة. يبدو أحيانا أن هذين الكاتبين، بالإضافة إلى قسم من علم اجتماع العمل يجعل الفنان نموذجا قابل ومدعو لتطبيقه على العمل المأجور، يرحبان بذلك- وهو أمر ينتقده لوردون بشدة (2010، 162) . بحسب هذا الأخير، يُنظر إلى الفنان على أنه شخصية استقلالية في الأيديولوجية النيوليبرالية من أجل الحصول على انخراط أفضل في مجتمع العمال.
في هذا الصدد، يثير لوردون مفارقة أولى. إذا كان الفنان العامل هو بالفعل النموذج الحقيقي الذي يجب أن نناضل من أجله، فإننا نشهد الاعتراف الضمني بـ "تفوق العمل غير المقيد". ولكن بعد ذلك "تقترب المقاولة من إنكار نفسها كبنية تراتبية" (لوردون 2010 ، 16) - نظرًا لأنه من المسلم به أن جوهر علاقة الأجور يكمن في علاقة التبعية. ومن جهة ثانية، يحذر من هؤلاء المفكرين الذين يفترضون بسذاجة أن استقلالية العمال قد زادت.
يقول لوردون: "أمام دهشتهم، بل أمام حماستهم في بعض الأحيان، لاكتشاف هذا الالتقاء غير المتوقع بين العامل والفنان أو، بدرجة أقل، هذا الظهور لأشكال جديدة من العمل ومتطلباته لمزيد من الاستقلالية، نسيت بعض التحليلات ذلك، وما أضافته الخطب الإدارية نفسها وضيق نطاق شريحة المأجورين المعنيين بالأمر". (نفس المرجع).
دعونا نعود إلى صلب موضوعنا بعد هذا الاستطراد الذي يظهر موضوعية أسئلة نيتشه. يركز نقد نيتشه للعمل هنا على فكرة الإكراه في مواجهة الروح الحرة التي يمثلها الفنان. إنه ينطلق من التعارض بين الدافع المفيد والجميل، بين الدافع النفعي والدافع النبيل. لم يعد يهاجم فقط عبث التحمس للعمل عند الطبقات التي تبرجزت ولكن كل أولئك الذين يبيعون أنفسهم ومواهبهم في نهاية المطاف. المثل الأعلى لنيتشه هنا هو الحرية فيما يتعلق بالعلاقات الاقتصادية الحديثة.
في هذا الصدد، يخاطب القارئ بعبارات أكثر وضوحا: "لا تنسَ أنه طالما تم الثناء عليك، فأنت لست على طريقك بعد، بل على طريق آخر". الاستكانة المحيطة التي تتمثل في قبول مهنة تخلق، وفقا لنيتشه، كتلة يسود فيها الممثلون - "يندمج جميع الأوروبيين تقريبا مع دورهم"، متناسين "مقدار الصدفة والفكاهة والتعسف التي تم التخلص منها عندما تقرر"مهنتهم".
ومع ذلك، فإن حكم الفاعلين، على حساب قادة المشروع، لا يسمح ببناء حضارة أو مجتمع، الأمر الذي يتطلب "الشجاعة لوضع خطط طويلة الأجل".
من الواضح تماما أن الرجال الذين ينحنون لقبول أي وظيفة ليسوا، بالنسبة لنيتشه، جزء من مجموعة الرجال العظماء الذين يعملون من أجل إنشاء حضارة جديدة حاملة لقيم جديدة.
تفتضي مواصلة الحديث عن هذا الموضوع تناول إشكالية تحددها العلاقة القائمة بين العمل والراحة (utium) والثقافة الراقية، فنقول: يتم الجمع بين النقد الفني للرأسمالية، عند نيتشه، مع التعارض المنهجي بين العمل ووقت الفراغ، ليس بمعنى الترفيه بل بمعنى الأوتيوم . ومن الجدير بالذكر، في هذه النقطة، أن ضد المصطلح اللاتيني otium هو neg-otium؛ أي الأعمال .
يدين نيتشه، كما رأينا في القسم الأول من هذه الدراسة، بانتظام الحماسة للعمل نظرا لتأثيره على العقل ووقت الفراغ. كما أنه يعتبر العمل الجسدي - أو على الأقل بعض أشكال العمل الجسدي - "مرهقا". ومع ذلك، وبسبب انعكاس القيم، فإن "العمل" الذي "كان شيئا حقيرا" أصبح ذا قيمة اجتماعية.
يقول نيتشه: "لم يعد لدينا الوقت أو القوة للاحتفالات، للانعطافات نحو اللطف، وللفكر أثناء المحادثة، وللأوتيوم بشكل عام،". بعبارة أخرى، فإن اختفاء الأوتيوم، بمعنى الترفيه التثقيفي، يولد وفقا لنيتشه شكلاً من أشكال الانحدار الثقافي والحضاري.
يتميز اللوتيوم بالفعل، وهذا منذ كتابه الحامل لعنوان "Considérations Inactuelles"، بكونه يتصدر ولادة كل الأشياء الرائعة والجميلة ، أي ما يساهم في ظهور "الثقافة الراقية (كروليك،2001، 307).
هكذا نكتشف تماما المضمون الأرستقراطي لنقد نيتشه، من حيث أنه، أولاً، يحكم على الثقافات بواسطة مقياس محدد من القيم، في حين أن الاتجاه الخاص بالحداثة، كما تشهد على ذلك بعض السوسيولوجيات، هو على عكس النسبية الثقافية.
ثانيًا، تظهر أيضا السمة الأرستقراطية لفكره عندما يُظهر كيف أن الأوتيوم ليس أو لا يمكن - بله لا ينبغي - إلا أن يكون امتيازا لشخص ما فقط - امتيازا وأرستقراطية يتحددان بشكل متبادل في الفكر الحديث.
في الفقرة التي تحمل عنوان "الحضارة والطبقة الاجتماعية"، يكتب نيتشه قائلا: "لا يمكن أن تنشأ حضارة متفوقة إلا عندما تكون هناك طبقتان متميزتان في المجتمع؛ هما طبقة العمال وطبقة المتعطلين القادرين على قضاء وقت فراغ حقيقي؛ أو بعبارات أقوى، طبقة العمل الشاق وطبقة العمل الحر".
يبدو أن مدح الحياة التأملية يرافقه عند نيتشه نقد للطبقة العاملة غير الصالحة لقضاء وقت الفراغ. وهكذا يمكن للمرء أن يعتقد أنه يمتدح الكسل من خلال مقابلة العمال بالمتعطلين، ويكون بالتالي على طرفي نقيض من أحكام فيبلن المذكورة سابقا.
ومع ذلك، فإن الفارق المهم عند نيتشه هو ذلك الذي يقابل "العمل الشاق" ب"العمل الحر" . هذا ما لم يره بعض الماركسيين وما دفعهم إلى تصنيف نيتشه ليس فقط على أنه "متمرد أرستقراطي" (لوسوردو، 2002) ولكن أيضا باعتباره رجعيا (لوكاتش، 1943). وعندما يشير هذا الأخير إلى أن الحداثة تستلزم، من وجهة نظر نيتشه، "تقليد أوروبا" ، يقدم تأويلا يبدو مبررا تماما. وبنفس الطريقة، يلخص على أتم وجه فكر نيتشه بالإشارة إلى أنه يستنكر "اللامبالاة العميقة تجاه جميع القيم" التي تصاحب "القضاء على عدم المساواة" (لوكاتش، 1943).
غير أنه من المشكوك فيه أن هدف نيتشه، كما يؤكد لوكاتش، كان هو "شرح التقسيم الاجتماعي للمجتمع إلى طبقات اجتماعية من خلال قوانين الطبيعة "البيولوجية الأبدية" (نفس المرجع، 33).
بالنظر إلى موضوع العمل، تمكنا من ناحية من رؤية أن نيتشه يفسر سلوك الطبقات الاجتماعية المختلفة على الرغم من أنه لا يقدم تفسيرا لهذا التقسيم الطبقي. من ناحية أخرى، لا يمكن للمرء أن يعتبر أنه يبرهن من منظور القوانين البيولوجية، حتى لو استخدم مصطلح العرق - كما يوضح المثال التالي: "الثروة تنتج بالضرورة أرستقراطية عنصرية". ذلك أن بقية حجاجه ليست سوى تفسير سوسيولوجي لإعادة الإنتاج الاجتماعية، وهي ليست أبدية، كونها عرضية بالضبط..
يعتبر نقد نيتشه أرستقراطيا على وجه الخصوص لأنه يرفض العمال والبرجوازيين على التوالي، بينما يدعو إلى شكل جديد للإنسان قادر على قضاء وقت فراغ لائق. وبهذا المعنى، فإن موقف الاقتصاديين مثل كينز أو جالبريث يذكرنا مرة أخرى بموقف نيتشه الذي لا يستنكف عن اللجوء إلى أحكام القيمة، بل على العكس تماما.
يتضح الجانب الأرستقراطي من فكر كينز بشكل خاص في كتابه "الآفاق الاقتصادية لأحفادنا"، حيث يقول: "ربما يقدم رجال المال النشيطون والحازمون على ان يجرونا جميعا معهم إلى حضن الوفرة الاقتصادية. ولكن سيكون الأشخاص الذين يعرفون كيفية الحفاظ على فن العيش ورعايته إلى حد الكمال، والذين لا يبيعون أنفسهم من أجل الكفاف، هم الذين سيتمكنون من الاستمتاع بالوفرة عندما تأتي".
إن إدانة العمل الشاق كنشاط مزدر والثناء على شكل معين من أوقات الفراغ تذكرنا أيضا بمضمون النقد الرأسمالي لكاتب رئيسي آخر في تاريخ الفكر الاقتصادي: ثورستين فيبلن، أحد الآباء المؤسسين للنزعة المؤسساتية الأمريكية التاريخية.
مثل نيتشه، يسخر فيبلن (1899)، بعد مرور عشر سنوات على الأول، من المحاولة البرجوازية التي تتمثل في تزيين نجاح المرء بذوق الثقافة. ومثل نيتشه، يستنكر فيبلن عدم أخلاقية وعدم جدوى الإنفاق البرجوازي. مثل نيتشه دائما، يعتبر فيبلن أن العمل في عصر قوى الصناعة الكبرى "طريقة تفكير ضيقة وميكانيكية". مثل نيتشه مرة أخرى، يلاحظ فيبلن انعكاس القيمة الذي حدث في زمن الحداثة فيما يتعلق بالعمل.
وتعليقا على نظريته الشهيرة حول طبقة المترفين، لاحظ جالبريث: "في الحضارات البدائية، يرتبط العمل، في العادات العقلية للرجال، بالضعف والخضوع للسيد. ولذلك فهو علامة على الدونية، غير جديرة بإنسان في حالة جيدة. لكن المدرسة التقليدية منحت للعمل هالة العمل الشريف. لم يقدم فيبلن على هذا التنازل حتى".
وهكذا، رأينا أن النقد الأرستقراطي لنيتشه يمكن تعريفه على أنه مطلب لثقافة راقية مرتبطة بازدراء معين للمهام الدنيئة. إنه نقد للأعراف الحديثة.
إلى جانب ذلك، وجدنا اسذكارات لما يسمى بالنقد الأرستقراطي لدى بعض الكتاب العظماء في تاريخ الفكر الاقتصادي، مثل فيبلن وكينز وجالبريث. ثم أدركنا بعد ذلك تماما ما الذي يجعل هؤلاء الاقتصاديين، وخاصة نيتشه، في تعارض مع ماركس.
بكل تأكيد، يقوم مؤلف كتاب "رأس المال" بمعاينة مماثلة مفادها أن العمل له مركزية أساسية. لكن جوهر نقده للرأسمالية الحديثة، وتجاوزها المحتمل، يقع على وجه التحديد في مسألة العمل وعلاقات الإنتاج، في حين أن الجانب الأرستقراطي لنقد نيتشه، مثل نقد فيبلن وكينز وجالبريث، يسعى للتأكيد على أهمية شكل معين من الثقافة خارج مسألة العمل والمنطق الاقتصادي والنفعي.
وبقدر ما يعلق جزئيا الإشكالية الاقتصادية الأساسية للعيش لاستبدالها بمشكلة الثقافة، يمكن أن يُنظر إلى نيتشه بحق على أنه نخبوي. لأنه - مسألة تافهة ولكنها حاسمة - من ينتج إذا كان جميع الأفراد مهتمين أو يجب أن يهتموا، أو يكرسوا أنفسهم للثقافة، التي تتطلب وقت فراغ بالمعنى القوي للوقت غير المقيد؟
تقودنا هذه الإشكالية إلى واحد من أكثر الموضوعات إثارة للجدل في عمل نيتشه؛ ألا وهو موضوع العبودية، وهو الموضوع الذي يعتمد عليه الماركسيون في رفضهم لفلسفة نيتشه (رينو 2004).
إن لوسوردو، الذي حاول في كتابه إظهار أن المفكرين الليبراليين الغربيين كانوا من أشد المدافعين عن العبودية (لوسوردو 2013) ، تناول أيضا موضوع العبودية عند نيتشه. قارن موقف الفيلسوف الألماني بموقف توماس كارلايل، "المناهض المتحمّس لإلغاء عقوبة الإعدام والذي، مع ذلك، قدّم أوصافا مذهلة للظروف المعيشية البائسة لبروليتاريي لندن" (رينو 2004، 158). وهكذا اعتبر رينو، تماشياً مع لوسوردو، أنه ليس بسبب انتقاد نيتشه لظروف العمل في المجتمع الصناعي لم يمكن له ألا يكون من أنصار العبودية، كما اقترح "المدافعون" عن نيتشه (رينو 2004، 156).
ناضل هذان المؤلفان من أجل تفسير حرفي لنيتشه، الذي قدم مرارا تصريحات مؤيدة للعبودية (رينو 2004 152). فضلا عن ذلك، كان معظم المفكرين الذين هاجمهم نيتشه بعناد من دعاة إلغاء عقوبة الإعدام (رينو 2004، 158).
غير أن قراءتنا لكتابات نيتشه تدعونا إلى إعادة النظر في وجهة النظر هذه، خاصة إذا وضعنا ملاحظاته حول العبودية في منظورها الصحيح مع نقده للعمل الحديث من ناحية ومع رؤيته للعبودية من ناحية أخرى. مكان آخر.
أولاً، في نقده لظروف العمل الحديث، قارن نيتشه العبد بالعامل وأكد أن وضع الأول يكون أحيانا أفضل. يجب أن يقال أنه عندما يتحدث نيتشه عن العبد، يبدو أنه يفكر في العبودية بشكلها المتخذ خلال العصور القديمة، في اليونان، ولم يفكر في تجارة الرقيق من قبل العالم الغربي والعربي الإسلامي. إلى ذلك، سعى إلى التأكيد على أن العمل المأجور هو شكل من أشكال العبودية، بمعنى أن العامل يعمل لحساب شخص آخر .
يقول نيتشه بهذا الصدد: " كوننا نعطي قيمة أكبر لإرضاء الغرور أكثر من أي شيء آخر (الأمن، المأوى، ملذات كل فضاء) يظهر بإحدى الدرجات مدعاة للسخرية من حيث أن الجميع (بغض النظر عن الأسباب السياسية) يرغبون في إلغاء العبودية ويرفضون بفزع فكرة وضع الرجال في هذه الحالة؛ ومع ذلك، يجب على الجميع أن يدرك أن العبيد يتمتعون من جميع النواحي بحياة أكثر أمانا وسعادة من العامل الحديث، وأن عمل العبيد قليل مقارنة بعمل العامل".
(نيتشه 2014 ، 294)
الشيء الوحيد الذي لم يكن لدى الأجير في زمن نيتشه والذي كان يمتلكه العبيد في اليونان القديمة - على الأقل البعض منهم - هو الأمان المادي للوجود، كما يوضحه لفيلسوف المطرقة مثال ديوجين ( المرجع نفسه ). ويرى أنه بدافع الغرور الخالص نفضل المساواة في المكانة، وبالتالي المساواة بحكم القانون، حتى لو كان ذلك يعني العيش في وضع أسوأ بحكم الأمر الواقع .
من ناحية أخرى، هاجم نيتشه مرة أخرى الشغف بالمساواة. ومن ناحية أخرى، ذكر بحالة الذل التي يعيشها الأجير، والتي ربما لا تكون أفضل من حالة العبد. لكن هذا لا يعني أنه يمدح هنا العمل بالسخرة في مواجهة العمل المأجور. تساءل نيتشه عما إذا كان من الأفضل أن تكون دون المستوى من الناحية القانونية أم لا، ولكن في وضع مادي أقل بؤسا من أن تكون متساويا قانونا ولكنك تعيش في فقر مدقع.
بالإضافة إلى ذلك، فإن هذه الفكرة التي بموجبها يتم تقديم العمل المأجور في نهاية المطاف كشكل من أشكال العبودية، بمعنى أن الأجير يعمل لحساب شخص آخر، موجودة أيضا تحت يراع ماركس.
يقول صديق إنجلز: "العبودية، لكونها فئة اقتصادية، وجدت دائما في مؤسسات الشعوب. لقد عرفت الشعوب الحديثة فقط كيفية إخفاء العبودية في بلادهم، وفرضوها دون تمويه على العالم الجديد". (ماركس 1950، 131)
الفكرة التي تهمنا هنا هي أن العبودية هي "فئة اقتصادية". يُفترض أن ماركس يعني أن العبودية كانت موجودة دائما على مدار التاريخ بشكل أو بآخر، كما يوحي تحليله لأنماط الإنتاج عبر التاريخ. لقد أقام بانتظام، في "رأس المال"، التماثل بين العامل العبد الذي يواجه السيد الرأسمالي. من منظور مماثل، رأى نيتشه أن العالم الاجتماعي يتميز دائمًا بالنضالات، ولا سيما "نضال المرضى ضد الأصحاء" (نيتشه 2002، 146).
وبما أنه انطلق من منظور قريب بالتأكيد ولكنه أكثر تطرفا من منظور ماركس، الذي يبدو أحيانا أنه تعرض للهجوم من قبل نيتشه دون أن يذكر ذلك، فإنه قدم نظرة مختلفة عن العمل وفكرة الاستغلال بشكل عام. . يتسم العالم الاجتماعي بالضرورة بالنضال والاستغلال. من الغباء أن نجعل هذه الفكرة تختف.
يقول نيتشه: نشعر اليوم بالإثارة في كل مكان، ونذهب إلى حد أن نلف أنفسنا في تنكرات علمية، حول الحالات المستقبلية في المجتمع حيث يجب إلغاء "طابع الاستغلال": - الشيء الذي يعيد نفس الصوت إلى أذني كما لو كان يتعين الوعد باختراع حياة تمتنع عن كل الوظائف العضوية. لا ينتمي "الاستغلال" بشكل صحيح إلى مجتمع منحرف أو غير كامل وبدائي: إنه ينتمي بشكل صحيح إلى جوهر الحياة، باعتباره وظيفة عضوية أساسية، إنه نتيجة للإرادة الحقيقية للسلطة، والتي هي على وجه التحديد إرادة الحياة
(نيتشه 2008 ج، 718).
اكتست مقترحاته أهمية أساسية من وجهة نظر تاريخ الأفكار. لقد أظهرت مرة أخرى كيف أن المسلمات الوجودية-الأنثروبولوجية أساسية في العلوم الاجتماعية. فقط من منظور الفكرة التي بموجبها يكافح الناس باستمرار يمكن للمرء أن يفهم مقترحات نيتشه فيما يتعلق بموضوع العبودية التي ليست بأي حال من الأحوال المثل الأعلى عند نيتشه.
ببساطة، حسب قوله، هناك رجال يعانون أقل من العبودية (أو العمل المأجور) من غيرهم. قد يكون هذا هو سبب رفض البعض للمواقف التي يقبلها الآخرون. هذا هو السبب في أن الكثيرين يصفون نقد نيتشه بأنه أرستقراطي، بمعنى أن الأقلية تبدو وكأنها ترى نفسهانحتفظ بشرف الثقافة والحياة التأملية. ومع ذلك، هناك الكثير من البرجوازيين الذين يستبعدون أنفسهم من هذا المجال بسبب تحمسهم للعمل وقبولهم بمنطق الساعة.
من جهة أخرى، كان نيتشه واضحا تماما فيما يتعلق بتوزيع العمل في ما يمكن أن يكون مجتمعه المثالي: "مدينتي الفاضلة - في افضل نظام للمجتمع، سيتم إسناد الأعمال الشاقة والرتيبة في الحياة لمن يعاني منها بنسبة أقل، بدء من الأكثر غباء، وهكذا دواليك بدرجات وصولا إلى من هو اقدر ولوجا إلى أكثر الأنواع تهذيبا من المعاناة، والذي يظل بالتالي، يعاني حتى في أكبر ارتياح للحياة".
يبدو المثل الأعلى الاجتماعي لنيتشه تقريبا كسياسة أهون الشرين، أي أن العمل يجب أن يقع على عاتق أولئك الذين سيعانون منه بشكل أقل. بوصفه ناقدا لبنثام، يرتبط على نحو مفارق يشكل من أشكال النفعية يقوم على تقليل العقوبات على نطاق المجتمع. بيد أن الأمر يتعلق بالنفعية باعتبارها "إجراء قرار" وليس "معيار قيمة".
بالطبع، لا يسع المرء إلا أن يعتقد أنه، من جيل إلى جيل، هناك دائما نفس الأشخاص الذين يعانون أقل من العمل الشاق. يبدو أن نيتشه مدرك أيضا لعملية إعادة الإنتاج الاجتماعي (Nietzsche 2014، 310)، بالمعنى الذي قصده بورديو (1970). لسوء الحظ، لا يقدم حلولا لمقاومة ذلك، أو على الأقل على المستوى المؤسسي، بصرف النظر عن تغيير العقليات المحتمل حدوثه باتباع مثال الرجال العظماء. ومع ذلك، يبدو لنا أنه من الخطأ، كما فعل لوسوردو (2002) ورينو (2004) ، تعبئة النقد النيتشوي للتعليم المعمم، "المرحلة التحضيرية للشيوعية" وفقا لنيتشه، لجعله مدافعا عن الأرستقراطية. أو بشكل عام عن طبقة وريثة للمحظوظين.
يعتقد رينو (2004، 153-9) أن نيتشه مثل توكفيل أو كوستان، غير مواتٍ لـ "تعليم الفقراء" لأنه يخاطر "بتحدي التراتبيات الاجتماعية". لكن نيتشه لا يبدو من ناحية مواتياً للتراتبيات الاجتماعية في عصره، كما يوضح نقده اللاذع للبرجوازية. من ناحية أخرى، شجب "التلاعب السياسي والاقتصادي بنظام التعليم" (Reinert & Reinert 2006b 120).
أخيرا، يمكننا أن نفهم رفضه، مع جورج سيمل (2006 وكارل ياسبرز (1986، 265 )، لواقعة خوفه من التسوية. هنا يجب ألا نغفل عن مسألة الغايات والوسائل. إن تعليم الفقراء ليس سيئا بحد ذاته بالنسبة لنيتشه. إنه أمر سيء من حيث أنه قد يؤدي إلى تدهور العقول والثقافة، "مزيد من المساواة يعني عبقرية أقل. (Reinert & Reinert، 2006b)
باختصار، يصعب القول إن نيتشه ناقد لأشكال العمل الحديثة مع جعله منافحا عن مجتمع العبيد. إذا قارن بين العامل والعبد، فهذا لا يعني مدح موقف الثاني بل إظهار كيف يمكن أن يكون وضع الأول أسوأ. لإقناع المتشككين في موقف نيتشه النقدي من العبودية كخضوع، تكفي حجتان. أولاً، يعتبر نيتشه أحد أكثر المنتقدين المتحمسين للديمقراطية، التي يتهمها بحق بأنها تؤدي إلى مجتمع من العبيد: "دمقرطة أوربا هي في نفس الوقت تنظيم يعمل بشكل لا إرادي على تربية الطغاة، - بكل معاني الكلمة، بما فيها المعنى الروحي" (نيتشه 2008c 686). ينتج عن الديمقراطية سلوكات القطيع، "إفراط في التجمع" (مولر-لوتر 1999، 126)، وبالمناسبة تسوية ثقافية، فقدان للقيم الأساسية.
ثانياً، إن الإنتاج الصناعي في عصر الآلة يجعل العامل عبداً، بمعنى أنه ليس سيده. لذلك، من منظور نقدي، يستخدم نيتشه المصطلح، كما يشهد على ذلك تحليل ياسبرز:
"الآلة قاتلة. إنها تغير العالم الذي نعيش فيه. الأشياء التي نهتم بها القيام بها تصبح غير مبالية بنا على هذا النحو. لأن الآلة غير شخصية، تزيل من منتوج العمل كبرياءه وصلاحه وعيوبه الفردية، في شبكتها الإنسانية . في الماضي، صارت الأغراض والملابس المنزلية نوعًا من رمزية الاحترام المتبادل والتجانس الشخصي، بينما يبدو أننا اليوم نعيش فقط في وسط عبودية مجهولة وغير شخصية". (ياسبرز 1986، 246).
ليس لأن نيتشه قام بنقد لاذع للاشتراكية نجده انغمس في مدح الأيديولوجيا التي تعارضها تقليديا، أي الليبرالية. يمكن تشبيه نقده للاشتراكية، دون فحص قبلي لجانبي نقده للعمل، بإعلان الحرب ضد الطبقة العاملة. إلا أننا رأينا كيف ادان أيضا الطبقة البرجوازية، وبالمناسبة الأيديولوجية الليبرالية التي تحملها. يشدد ياسبرز،، من جانب آخر،، على أنه انتقد الطبقتين، وبالتالي الأيديولوجيتين المرتبطتين بهما، بناءً على القواسم المشتركة بينهما: تقليل المعاناة وتكثير الرفاهية المادية.
رأينا سابقا أن عدم قدرة البرجوازيين على العيش بشكل متواضع هو الذي يدعم ظهور الاشتراكية. وهذا العجز أيضا هو الذي يجعلهم، وفقا لنيتشه، مثل الاشتراكيين.
يقول نيتشه: "إن العلاج الوحيد ضد الاشتراكية [،هو] ان تعيشوا بتواضع وصبر، وأن تمنعوا، في حدود إمكانياتكم، أي استعراض للرفاهية، وأن تساعدوا الدولة عندما تريد أن تفرض ضرائب باهظة على ما هو رفاهية وفائض. هل أنتم لا ترغبون في هذه الطريقة؟ لذا، أيها البرجوازيون الأثرياء الذين تدعون أنفسكم "ليبراليين"، اعترفوا بأنفسكم بأن عقليتكم هي التي تجدونها مريعة ومهددة للغاية بين الاشتراكيين، لكنكم، في قرارات أنفسكم، تمنحونها مكانة معتبرة، كما لو انها ليست نفس الشيء. إذا لم يكن لديكم، كما أنتم، ثروتكم واهتمامكم بالحفاظ عليها، فإن هذه العقلية ستجعلكم مثل الاشتراكيين: بينكم وبينهم، الحيازة وحدها هي التي تصنع الفرق (نيتشه 2014، 490).
وهكذا، يكون لدى الليبراليين البرجوازيين نفس عقلية حفظ - وليس تأكيد الحياة - التي يتمتع بها الاشتراكيون، مع اختلاف بسيط يميزهم. إذا كان هذا الاختلاف هو أساس التحليل التاريخي لماركس، فإنه لا يهم نيتشه الذي أجرى في النهاية نقدا لعقليات وأعراف هاتين الطبقتين، اللتين تفتقران إلى أخلاق النبلاء ونبل أخلاقهم.
ذكرنا سابقا عدم جدوى الحماسة في العمل والنفقات التي استنكرها نيتشه. في الشذرة المقدمة قبل قليل، يتساءل عن فكرة كون الحيازة مرادفة لـ "الرفاه الحقيقي" ( المرجع نفسه، 490). لأنه وفقا له، إذا كان هذا الازدهار "رفاهية حقيقية"، فعندئذ "سيكون أقل خارجية وسيثير قدرا أقل من الحسد، سيكون فيه مزيد من الإحسان، ومزيد من الاهتمام بالعدالة، وسيكون أكثر فائدة" ( المرجع نفسه ).
لذلك يقترح نيتشه أن الرفاهية الحقيقية تولد الإرادة لنشرها. أي سلوك أناني وحسد لا يمكن إلا أن يكون علامة على الغياب والتعبير عن النقص .
إن افتقار البرجوازية الناشئة إلى الفكر والقيم الليبرالية، الذي يفسره نيتشه على أنه نقص في الفكر المثقف، يجعل "الثروة خطرا عاما" (نيتشه، 2014، 492). وبعد التأكيد على "الأصل البائس" للثروة الذي يحاول أصحابه إخفاءه وراء "قناع الثقافة والفن"، تترتب عنه اضطرابات اجتماعية، لا سيما من حيث أنه يثير الغيرة "لدى الأكثر فقرا والأميين" (المرجع نفسه).
يقودنا ما يسمى بالموقف الليبرالي للبورجوازية إلى الاعتقاد بأن "المال فقط هو المهم" بينما يعتقد نيتشه، على العكس من ذلك، أنه "إذا كان المال مهما بنسبة قليلة، فإن العقل أكثر أهمية" ( المرجع نفسه، 493). وإذا قاد الأخلاقيون الفرنسيون العظماء - مونتيني ولاروشفوكو ولابرويير، الذين أعجب بهم نيتشه حتى قبل نشر "مولد التراجيديا" (دونيلان 1979، 303)، نقد المجتمع الحديث، ففي رأينا أنه كان الأخلاقي الذي أفسد أعراف المجتمع البرجوازي.
بهذا المعنى، قد نتساءل عما إذا كان فيبلن قد قرأ الفيلسوف الألماني أم لا قبل أن يحرر كتاب "نظرية الطبقة المرفهة"*، طالما أن النغمات النقدية بين المفكرين متشابهة جدا. وهكذا يسخر نيتشه من الأقنعة والاحتفالية التي يزين بها الليبراليون أنفسهم ببيان طويل:
"شققكم، ملابسكم، عرباتكم، متاجركم، احتياجاتكم من طعام المائدة، حماسكم الصاخب للحفل الموسيقي وللأوبرا ، وأخيراً نسائكم، المشكلة والمنمطة، ولكن من معدن خسيس، مذهبة ، ولكن دون ترديد صوت الذهب، اللواتي اخترتهن كقطع عرض، يقدمن أنفسهن كقطع عرض.
(نيتشه 2014، 491).
تُفسَّر معارضته لليبرالية أيضا برفضه للنفعية، وهي أخلاق مرتبطة بها ارتباطا وثيقا، لا سيما في شكلها البنثامي (بورشر 2010، 370). لنلاحظ أن هذا يسمح لنا أيضا بفهم رفضه للاشتراكية، بحيث ان أعمال ماركس، المؤسسة على كتابات سميث وريكاردو، وريثة هذه الأخلاق الإنجليزية.
لقد عتقد نيتشه بالفعل أن "هناك مشاكل أسمى من مشاكل اللذة والألم والشفقة. وأي فلسفة تختزل إلى ذلك وحده هي سذاجة" (نيتشه 2008 ج، 657).
اعاب مؤلف "العلم المرح" على الليبرالية، كما على الحداثة الديمقراطية، ميلها إلى تسوية القيم. يلوم الليبراليين على عدم تمييزهم الأفراح النبيلة عن تلك المبتذلة، بنفس الطريقة التي لا يميزون بها الثروة المادية عن الرفاهية الحقيقية، على غرار كل المناهضين للحداثة (كمبنيون، 2016) . لم ينتقد نيتشه المبادئ والقيم الليبرالية فحسب، بل هاجم أيضا عواقبها على تحول الأعراف والتصورات.
باختصار، بموازاة مع النقد المزدوج الموجه للعمل كقيمة وتحت الأشكال التي يتخذها في العصر الحديث، قام نيتشه بنقد الطبقتين، وبالتالي، الأيديولوجيتين اللتين ظهرتا حينذاك: البرجوازية والبروليتاريا. يلخص ياسبرز بشكل مثالي الفكر النقدي لنيتشه حول هذا الموضوع: "لم يعد الناس يعرفون كيف يميزون المرتبة. لم يعد عامة الناس يؤمنون، كما في السابق، بالقديسين وأبطال الأخلاق، ولم يعد البرجوازيون يؤمنون، كما هي الحال من قبل، بنوع أعلى من الطبقة المهيمنة "(ياسبرز 1986، 266).
وعلى الرغم من أن مؤلف "هكذا تكلم زرادشت" غالبا ما يستحضر فكرة النبالة والأرستقراطية، لكنه لا يدعو إلى ما يمكن أن يكون عودة إلى النظام القديم: إنه يفكر صراحة في تداول النخب (نيتشه 2014، 284). غالبا ما جعل نابليون أحد أعظم رجال التاريخ. لذلك يظهر كمفكر غير محافظ فيما يتعلق بتحليله لمكانة العمل في المجتمع والأيديولوجيات التي تبني الحداثة. هذا الرفض المزدوج لليبرالية والاشتراكية، كأيديولوجيتين، يجد مفتاح فهمه، ضمن هذه الدراسة، في حقيقة أن نيتشه يتعامل بشكل أساسي مع الأعراف التي تولدها الرأسمالية، كنظام اقتصادي. الآن، يتعامل مع هذه العادات، التي ورثها الليبراليون والاشتراكيون بشكل مشترك، كخبير أخلاقي. كان ذلك ما توقعه بودان، دون تقديم حجة مفصلة ومقنعة، في كتيبه غير المعروف عن مكانة نيتشه في تاريخ المذاهب الاقتصادية .
ختاما، نود أن نؤكد على المساهمتين المحتملتين لهذه المحاولة البحثية. أولاً، من خلال الاهتمام بمسألة العمل عند نيتشه، سمح لنا ذلك بإضاءة وإبراز الانتقادين اللذين انجزا، واللذين لم يتم بشكل عام التفكير فيهما مجتمعين.
ومع ذلك، فمن خلال معالجة هذا النقص، تمكنا كذلك من توضيح فكره السياسي والاجتماعي وإدراك ان ما يبدو بداهة كتناقض - نقد الاشتراكية والليبرالية - ليس كذلك. إن دراسة نقد ظروف العمل والأشكال التي يتخذها العمل والعمل كقيمة عند نيتشه جعل من الممكن استكمال الدراسات المكرسة لرفضه الشديد للحداثة الديمقراطية وأيديولوجياتها. نعتقد أيضا أنه فقط من خلال الأخذ في الاعتبار مسألة العمل هذه - كما يتضح من فقرة "مدينتي الفاضلة"، المأخوذة من "إنساني مفرط في إنسانيته" - يمكننا أن نفهم من زاوية جديدة رسم المشروع الثقافي الذي طوره نيتشه.
ثانيًا ، يمكننا أن نعتبر - وبحق - أن الفلسفة الاقتصادية "تسكن في النظرية الاقتصادية"، وأنها "مخبأة فيها، ومدفونة، ومغطاة بالنظرية" (مارديلا 2013، 8). لكننا نرى، بمساعدة هذه الدراسة، أن الفلسفة الاقتصادية موجودة أيضا في الفلسفة نفسها. وهكذا، بالطريقة نفسها التي لا "يشرح بها المنظرون الاقتصاديون" الفلسفة الاقتصادية أحيانا ( المرجع نفسه.)، ولا يُفصح عنها بالضرورة من قبل الفلاسفة السياسيين. سيشك البعض بلا شك في أن نيتشه أنجز عملا في الفلسفة الاقتصادية، بقدر ما يكون المعنى المعطى لهذا التعبير ملتبسا في بعض الأحيان. لكن إذا تم اعتبار الافتراض التالي مقبولاً، فإن نيتشه له مكان في الفلسفة الاقتصادية وبالمصادفة في تاريخ الفكر الاقتصادي.
يقول مارديلا: "لتحديد موقع الفلسفة الاقتصادية للمؤلف في نص أو نظرية، من الضروري ممارسة الفلسفة الاقتصادية بطريقة صريحة، هناك شرط، أي أنه من الضروري أن تكون في علاقة مع كبار الكتاب في الفكر الاقتصادي والفلسفي، أولئك الذين تم تعميق تفكيرهم في المفاهيم الأساسية لهذا المبحث: العمل، الاستهلاك، الإنتاج، الثروة ، الهبة، التبادل، القيمة، المال ، السعر، إلخ.،".
لقد أتاحت مقالتنا بالفعل وضع فكر نيتشه، فيلسوف نهاية القرن التاسع عشر ، مع فكر اقتصاديي القرن العشرين في منظوره الصحيح، مثل فيبلن أو كينز أو جالبريث.
قد نعتقد أن إدخال المؤلفين الذين ليس لديهم بالضرورة تأثيرات متبادلة في الحوار أمر عقيم. على العكس من ذلك، نعتقد أن هذه المقارنات من المرجح أن توضح فهم العمل. يمكن لنا أن يعتقد أنه من الخطإ منهجيا دراسة فكرة موجودة في العديد من المؤلفين الذين لم يسبق لهم أبدا أن تحاوروا. لكننا نعتقد أن هذا سيكون خطأً في الأفهوم ذاته للفكرة والفكر. الأفكار والمعرفة ليست ملكا لأي شخص أو مبدعع ، بل لاستخدام كلمات فيلبن، هي مخزون جماعي متراكم ومنتشر داخل مجتمعاتنا.
________________________
(*) في عام 1899، لاحظ الاقتصادي ثورستين فيبلين أن ملاعق الفضة وأنواع محددة من الملابس تعد علامات على المكانة الاجتماعية للنخبة.
وفي نظرية فيبلين الشهيرة التي تعرف باسم "نظرية الطبقة المرفهة"، صاغ مؤلفها عبارة "الاستهلاك الملحوظ"، ليشير بها إلى الأشياء المادية التي يعتد بها كمؤشرات على المكانة أو الموقع الاجتماعي.