لا يجرؤ الحبر أحيانا على الانطلاق، تتشتت الأفكار وتصطدم مع بعضها، تبحث لها عن منفذ تنسل منه هاربة من جحيم سجنها؛ فتعود لتسقط في دائرة اليأس. أنفض غبار التشاؤم عني، أحاول التكيف مع الانكسارات، أراوغ طموحاتي وآمالي، أكبت كل توجهاتي المتمردة؛ فلا يبرح القلم غمده. أخط حروفا مغتصبة، أرغمها على الوجود، أحاول لملمة شتاتها لعلها تسمو إلى كلمات تلامس ما يخالجني؛ فإذا بها مجرد أشباح تتراقص فوق ورقتي البيضاء.
أعود إلى صرة ذاتي، أبحث، وأكتشف، وأقلب ركام ذلك المخزون المنسي من ذاكرتي، لعلني ألتقي فرحة تائهة تنير حيرتي وتلجم هواجسي، أو حتى دمعة تزلزل كياني وتعيد نظم حبل تطلعاتي.
أهرب من ظلام حجرتي المزمن في عز النهار وأفتح نافدتي؛ فإذا بالظلام يتكرس. أتفحص السماء، أبحث عن الشمس حبيبة معتقداتي، لا أثر. أتساءل عن نورها الغائب وعن دفئها المهاجر، أتفحص الأفق من جديد، فإذا بطائر كاسر يحجبها عني بأجنحته الأزلية، أتطلع إليه من خلف الستار فيتأهب لمهاجمتي، أغلق نافدتي مفزوعا وأعود لمناجاة ظلمتي وإيقاظ قلمي.