كان يقرأ خاطرتي الجديدة " عذابات خيال" ... كان يقرأها بصوته العذب الشّجيّ : " نقشت رسمك في البال... بأبهى ألوان الخيال...توجّتك أميرا في الحال... على مملكتي في عالم الجمال! " .
كان يقرؤها ، وعلامات الإعجاب على محياه تتلألأ :"عبرت معك بحرا من الأهوال ... وركبنا كل صعب محال..." ...
كان يقرأ ويتذوّق كلّ عبارة ويتأمل كل صورة ... كان مستمتعا بما يقرأ: " لكن هل تدوم متاهات الخيال ؟ لا يا صديقي هذا محال " ... ما إن قرأ تلك الكلمات الأخيرة حتى أطرق صامتا مذهولا... ثمّ انتفض من مكانه وأخذ يدور في أرجاء الغرفة كالطّير المذبوح ، ويهذي باسمها " سامية ... سامية ... سامية" ...
خشيت عليه من الجنون ،فهرعت إليه : " محمد...محمد...محمد " . فتنبّه إليّ وأنا أنادي عليه ...أطرق هنيهة... ثمّ توجه إلى كرسيه بخطى ثقيلة وارتمى فيه وهو يردّد: " لكن هل تدوم متاهات الخيال ؟ لا يا صديقي هذا محال ! " ...
ثمّ راح يسرد لي حكايته:
" كان لي يا عزيزتي صرح من خيال ... بنيته مع ساميتي أميرة الجمال ... شيّدناه في ليال طوال ... لكن عصفت به الأهوال...فهوى وضاعت معه كلّ الآمال!
من زمان ، وأنا طفل صغير ، كانت لي رفيقة رقيقة ... كان اسمها سامية... سامية رفيقة الصّبا ... سامية ابنة الجيران ... أنا وسامية تربّينا سويّا... كنا نلعب معا... كنا نتسابق دوما...كنا نغنى ... ونفرح ونمرح... كـنـّّا وكـنـّّا...
كانت تسكن مع أمّها وأبيها في قبو بنايتنا ... كان والدها واحدا من العسكر المكلّف بحراسة الحدود في الصّحراء ... فكان يغيب عن عائلته من حين إلى حين ... ولكنـّه ما إن كان يعود من سفره حتـّى كانت أجواء البهجة والحيويّة تعود معه إلى البيت من جديد ... أجل كنت أرى ذلك في ملاكي الحبيب ... كنت أرى ذلك في سامية ... فقد كانت تزداد فرحا وحبا وسحرا كلّما عاد إليها والدها المحب... أجل كانت تبدو أكثر تألّقا وبهاء ... حقـّا كان شغوفا بها وبزوجته!!!
أما والدة سامية... فكانت شابّة رقيقة لطيفة ... كانت تعمل سكرتيرة في إحدى المؤسسات التّجارية ... وكانت امرأة في حالها ... فلا خلطة بينها وبين جاراتها ... ولم يكن لها من المعارف أو الأقارب أحد ... فقد جفاها أهلها ، بعدما فعلت فعلتها ... أقصد أنهم قاطعوها ونبذوها لأنها خالفت رغبتهم وآثرت أن تهرب وتتزوج دون موافقتهم !
أمّا سامية ... فلا أدري كيف كانت ؟! ... كانت نسمة رقيقة ... وردة نديّة ... بل ملاكا طاهرا ... سامية رفيقة دربي ... لم يكن لها من الرّفاق سواي ... كـنـّا نكبر ، وكانت صداقتنا تكـبر معنا ... كـنـّا نكبر وكان الحبّ ينمو بيننا ! كـنـّا نكبر وكانت الحياة تنبض فينا!
ما زلت أذكر أيّامي الحلوة مع أجمل أميرة ... ما زلت أذكر كلّ ساعة عشناها معا ...ما زلت أذكر أيّام الهوى ...ما زلت أذكر قصائدي في أميرة الحبّ والهوى...ما زلت أذكر أيّام ساميتي... ما زلت أذكرها وهي تؤنسني بأغاني الحب والهيام ... ما زلت أذكر رنـّة صوتها العذب الفتـّان ... ما زلت أذكر وأذكر ... ما زلت أذكر أيّامي الحلوة مع ملهمتي أميرة الخيال! ما زلت أذكر ساميتي رفيقة صباي ... ما زلت أذكرها ، وأذكر كل ما رسمنا من آمال!
لكن ... آه من الخيال... آه من الأهوال ... فلن تدوم متاهات الخيال ... ويا لضياع الآمال!
وما زلت أذكر تلك الليلة المشؤومة ، إذ هرعت سامية إليّ لاهثة مذهولة ... ما زلت أذكر حالتها وقتئذ... كانت تهذي بكلمات مبتورة ... كانت تبكي وتنتحب مقهورة ... كانت تتأوّه وتنادي على أمّها ... وكانت تصرخ لوالدها ... كانت تبكي وتحكي ... لا بل كانت تبكي وتهذي ."!
وهنا أطرق ثانية وقد اغرورقت عيناه بالدّموع ... حاول أن يخفي عني ذلك ...لكـنـّّه ما استطاع...فأجهش بالبكاء...وعاد يناديها ثانية:" سامية...أين أنت ؟!... ِلمَ رحلت وتركتني وحدي...سامية خذيني إليك !".
حاولت أن أهدئ من روعه... فاستكان وهدأ ... ثمّ تنهّد تنهيدة عميقة وعاد يتابع حديثه فقال : " جاءتني في تلك اللّيلة في حال يرثى لها ... جاءتني وكأنـّها قد أصيبت بمسٍّ أو جنون... جاءتني تندب وتنتحب ... حاولت أن أخفف عنها ... حاولت أن أهدّئ من روعها ... لكـنـّها ما استكانت أبدا ... ثم سقطت بين يديّ مغشيا عليها بعدما أجهدها البكاء والنـّحيب... وحاولت أن أوقظها من غيبوبتها ... وكان ما كان ... لكنّها عادت لهذيانها من جديد... فحِرت في أمري ... وفقدت صوابي ... وكدت أبكي معها ... لكنّي استعنت وقتها بجارنا الطّبيب حيث كان الحلّ في حقنة مهدئة خوفا عليها من انهيار عصبي شديد!
وما زلت أذكر كيف مرّت عليّ تلك اللّيلة ... مرّت عليّ مرور سنة بأكملها لشدّة ما كابدتُ من الأرق ... فقد حاصرتني الهواجس والأفكار ... وداهمني ألف سؤال واستفسار ... كنت أحاول أن أفسّر ما جرى ... لكنّي عجزت ... فتملّكني الخوف على أميرتي... وكدت أجنّ من شدّة القلق." .
وما إن بزغت خيوط الصّباح حتّى هرعت إلى بيت سامية ... هرعت إليها لأتفقــّدها ، وعلّني أفهم من والدتها حقيقة ما جرى ... لكنّي ما وجدت أيّ جواب ... لم يكن أحد هناك...ولم تفتح لي سامية الباب ... فهرعت إلى الطّبيب أسأله عن ساميتي ...وأخبرني أنّها ما زالت تحت تأثير الحقنة.
فخرجت يائسا ، أمشي في الشّارع ... ولمحت في إحدى الجرائد صورة امرأة أعرفها ... حدّقت في الصّورة ... أجل هي والدة سامية ... أخذت الجريدة ... ورحت أقرأ بلهفة ... ماذا ؟! قام أحد المجرمين بإطلاق النـّار عليها وعلى مديرها في الشـّّركة ... ولقد تمّ العثور على جثتيهما بعد مرور خمس ساعات على قتلهما !!! وهرعت إلى سامية.
طرقت الباب بشدّة... ناديتها ... سألت عنها ... فما وجدتها!
أجل لم أجدها ...لقد كانت ساميتي الرّقيقة قد فارقت الحياة ... أجل فكيف لنسمة رقيقة أن تحتمل هذه الصّاعقة ... وكيف لقلبها الطّاهر أن يتكبّد آلام هذه الجريمة البشعة...
رحلت سامية ...ورحلت معها كلّ أحلامي وآمالي...فارقتني ساميتي ، وفارقتني معها لذة الحياة...رحلت سامية وهوى معها صرح حبّنا المتعال ... رحلت وتركتني هنا وحدي أهيم في عالم من خيال!
وبعد أيّام تقدّم والد سامية إلى القضاء ... واعترف أنـّه القاتل ... أجل قتل زوجته بعدما تيّقن من خيانتها... قتل حبيبته ليغسل عاره ... قتلها ثأرا لحبّه وكرامته ... قتلها وقتل معها كل أحلامي وآمالي ... قتلها وقتل معها ساميتي ... قتلها وقتلني أنا أيضا!
آه من عذابات الخيال... آه لضياع الآمال ... محال يا صديقتي وألف محال ... محال أن تدوم متاهات الخيال ...
كانت تسكن مع أمّها وأبيها في قبو بنايتنا ... كان والدها واحدا من العسكر المكلّف بحراسة الحدود في الصّحراء ... فكان يغيب عن عائلته من حين إلى حين ... ولكنـّه ما إن كان يعود من سفره حتـّى كانت أجواء البهجة والحيويّة تعود معه إلى البيت من جديد ... أجل كنت أرى ذلك في ملاكي الحبيب ... كنت أرى ذلك في سامية ... فقد كانت تزداد فرحا وحبا وسحرا كلّما عاد إليها والدها المحب... أجل كانت تبدو أكثر تألّقا وبهاء ... حقـّا كان شغوفا بها وبزوجته!!!
أما والدة سامية... فكانت شابّة رقيقة لطيفة ... كانت تعمل سكرتيرة في إحدى المؤسسات التّجارية ... وكانت امرأة في حالها ... فلا خلطة بينها وبين جاراتها ... ولم يكن لها من المعارف أو الأقارب أحد ... فقد جفاها أهلها ، بعدما فعلت فعلتها ... أقصد أنهم قاطعوها ونبذوها لأنها خالفت رغبتهم وآثرت أن تهرب وتتزوج دون موافقتهم !
أمّا سامية ... فلا أدري كيف كانت ؟! ... كانت نسمة رقيقة ... وردة نديّة ... بل ملاكا طاهرا ... سامية رفيقة دربي ... لم يكن لها من الرّفاق سواي ... كـنـّا نكبر ، وكانت صداقتنا تكـبر معنا ... كـنـّا نكبر وكان الحبّ ينمو بيننا ! كـنـّا نكبر وكانت الحياة تنبض فينا!
ما زلت أذكر أيّامي الحلوة مع أجمل أميرة ... ما زلت أذكر كلّ ساعة عشناها معا ...ما زلت أذكر أيّام الهوى ...ما زلت أذكر قصائدي في أميرة الحبّ والهوى...ما زلت أذكر أيّام ساميتي... ما زلت أذكرها وهي تؤنسني بأغاني الحب والهيام ... ما زلت أذكر رنـّة صوتها العذب الفتـّان ... ما زلت أذكر وأذكر ... ما زلت أذكر أيّامي الحلوة مع ملهمتي أميرة الخيال! ما زلت أذكر ساميتي رفيقة صباي ... ما زلت أذكرها ، وأذكر كل ما رسمنا من آمال!
لكن ... آه من الخيال... آه من الأهوال ... فلن تدوم متاهات الخيال ... ويا لضياع الآمال!
وما زلت أذكر تلك الليلة المشؤومة ، إذ هرعت سامية إليّ لاهثة مذهولة ... ما زلت أذكر حالتها وقتئذ... كانت تهذي بكلمات مبتورة ... كانت تبكي وتنتحب مقهورة ... كانت تتأوّه وتنادي على أمّها ... وكانت تصرخ لوالدها ... كانت تبكي وتحكي ... لا بل كانت تبكي وتهذي ."!
وهنا أطرق ثانية وقد اغرورقت عيناه بالدّموع ... حاول أن يخفي عني ذلك ...لكـنـّّه ما استطاع...فأجهش بالبكاء...وعاد يناديها ثانية:" سامية...أين أنت ؟!... ِلمَ رحلت وتركتني وحدي...سامية خذيني إليك !".
حاولت أن أهدئ من روعه... فاستكان وهدأ ... ثمّ تنهّد تنهيدة عميقة وعاد يتابع حديثه فقال : " جاءتني في تلك اللّيلة في حال يرثى لها ... جاءتني وكأنـّها قد أصيبت بمسٍّ أو جنون... جاءتني تندب وتنتحب ... حاولت أن أخفف عنها ... حاولت أن أهدّئ من روعها ... لكـنـّها ما استكانت أبدا ... ثم سقطت بين يديّ مغشيا عليها بعدما أجهدها البكاء والنـّحيب... وحاولت أن أوقظها من غيبوبتها ... وكان ما كان ... لكنّها عادت لهذيانها من جديد... فحِرت في أمري ... وفقدت صوابي ... وكدت أبكي معها ... لكنّي استعنت وقتها بجارنا الطّبيب حيث كان الحلّ في حقنة مهدئة خوفا عليها من انهيار عصبي شديد!
وما زلت أذكر كيف مرّت عليّ تلك اللّيلة ... مرّت عليّ مرور سنة بأكملها لشدّة ما كابدتُ من الأرق ... فقد حاصرتني الهواجس والأفكار ... وداهمني ألف سؤال واستفسار ... كنت أحاول أن أفسّر ما جرى ... لكنّي عجزت ... فتملّكني الخوف على أميرتي... وكدت أجنّ من شدّة القلق." .
وما إن بزغت خيوط الصّباح حتّى هرعت إلى بيت سامية ... هرعت إليها لأتفقــّدها ، وعلّني أفهم من والدتها حقيقة ما جرى ... لكنّي ما وجدت أيّ جواب ... لم يكن أحد هناك...ولم تفتح لي سامية الباب ... فهرعت إلى الطّبيب أسأله عن ساميتي ...وأخبرني أنّها ما زالت تحت تأثير الحقنة.
فخرجت يائسا ، أمشي في الشّارع ... ولمحت في إحدى الجرائد صورة امرأة أعرفها ... حدّقت في الصّورة ... أجل هي والدة سامية ... أخذت الجريدة ... ورحت أقرأ بلهفة ... ماذا ؟! قام أحد المجرمين بإطلاق النـّار عليها وعلى مديرها في الشـّّركة ... ولقد تمّ العثور على جثتيهما بعد مرور خمس ساعات على قتلهما !!! وهرعت إلى سامية.
طرقت الباب بشدّة... ناديتها ... سألت عنها ... فما وجدتها!
أجل لم أجدها ...لقد كانت ساميتي الرّقيقة قد فارقت الحياة ... أجل فكيف لنسمة رقيقة أن تحتمل هذه الصّاعقة ... وكيف لقلبها الطّاهر أن يتكبّد آلام هذه الجريمة البشعة...
رحلت سامية ...ورحلت معها كلّ أحلامي وآمالي...فارقتني ساميتي ، وفارقتني معها لذة الحياة...رحلت سامية وهوى معها صرح حبّنا المتعال ... رحلت وتركتني هنا وحدي أهيم في عالم من خيال!
وبعد أيّام تقدّم والد سامية إلى القضاء ... واعترف أنـّه القاتل ... أجل قتل زوجته بعدما تيّقن من خيانتها... قتل حبيبته ليغسل عاره ... قتلها ثأرا لحبّه وكرامته ... قتلها وقتل معها كل أحلامي وآمالي ... قتلها وقتل معها ساميتي ... قتلها وقتلني أنا أيضا!
آه من عذابات الخيال... آه لضياع الآمال ... محال يا صديقتي وألف محال ... محال أن تدوم متاهات الخيال ...