الحذاء ذو الأحرف الثلاثة – قصة : مصطفى طاهيري

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

أنفاسجلست على مصطبة اسمنتية انتظر قدومها ...
قيل لي :ستاتي عند السادسة؛ وربما تتأخر الى السابعة ..وقيل لي ايضا : اذا تاخرت اكثر ’ فما عليك
الا الانصراف او اللجوء الى وسيلة اخرى ان كنت مضطرا للسفر..
فسر كهل طويل القامة عريض الوجه ’ قائلا بلكنة امازيغية : الحافلة يا بني لا تنطلق من البلدة انها تمر منها وهي في طريقها الى المدينة ’ وان كانت مملوءة فلن تدخل الى هنا ..
شكرت للرجل شرحه ’ ونظرت الى ساعتي ’ اكيد انها تشمت بي ..
هي ذي بلدتك ومسقط راسك ؟ من يصدق ثلاثة ايام وانت تلف الدروب ’ تسال هنا وهناك .. اين خالك حمدان ؟ اين عمتك ميمونة ؟ واين هو الحاج ؟ والاكواخ ؟ والحقول ؟ اسماء ’ مجرد اسماء ..انمحى عالم وانبنى اخر’ كانك تحلم ...
شهر غشت والحرارة لا تطاق ’وكل ما اتمناه : مغادرة البلدة اللحظة وباسرع ما يمكن .. اعدت النظر الى ساعتي ’كان عقاربها لم تعد تتحرك فعلا ’ واتكات الى الخلف مغمضا عيني ’ فاثار انتباهي جرس سقاء يرن في عياء ’ وانشغلت بالاستماع الى رناته الرتيبة الحزينة ’ لكن الرنين ايقظ احساسي بالعطش’ فجف حلقي وضاقت انفاسي ..اين هو هذا السقاء؟ اين هو؟قلت : لن يكن الا وراء هذه الحيطان .

  وظهر الرجل’ وظهرت قربته تتدلى من جنبه كبطن بقرة ’ حزمها على كتفيه بأحزمة جلدية .. عجوز في السبعين ’ هيكل عظمي يكسوه جلد يصعب تحديد لونه ’ عينان ضيقتان مصفرتان ’ وانف حاد بارز كعظم محروق..
القربة  ثقيلة ’ والرجل يتحرك بصعوبة ’ والماء يقطر على ساقيه النحيفتين المكشوفتين .. احسست بالدوران وبانه يكاد يغمى علي ’ حركت راسي ونظرت صوب الرجل ’ فتراءئ لي ابي بجلبابه الكالح اللون قد حزم وسطه وراح يضرب الارض بفاسه ’ ويظهر الحاج يتبعه رجل قوي البنية ’ يتوقف ويصيح في اتجاه ابي : ضع فاسك ايها الخماس .
وضع ابي الفاس ونظر الي والدموع في عينيه وغاب..
ولم احس الا وانا انهض كالمجنون ’ لكزت الكهل الجالس الى جانبي سائلا : اين هو؟ اين هو؟ نظر الي الرجل نظرة غريبة ’ فابتعدت عنه  ’ وانطلقت اجري نحو باب المحطة  ’ غير بعيد كان السقاء يناول فتاة كوب ماء ’ كانت الفتاة ترتدي سروال ادجينز لاصقا بلحمها ’ شعرها الاحمر لايتعدى اذنيها ’ وكان الرجل يجهد بصره محملقا فيها وهي لاتعيره اهتماما .
ذهبت الفتاة وبقي الرجل يتتبعها ببصره ’ يحرك راسه يمنة ويسرو ..كذلك حرك ابي راسه ولم يقل شيئا للحاج ’ دمعت عيناه ’ ثم انحنى يقبل الارض التي اعطاها عمره.. قال ليلتها ’ عند الفجر سنرحل ’ وجلس كعادته جنب الكانون على الحصير الذي ينام عليه.
الجرس ما يزال يرن في يد العجوز’ وعدت اتامله ’ يضع على راسه طاقية رمادية تغطي راسه واذنيه وقفاه ’ على جسده جلباب  قصير تاكلت اطرافه وجفت بفعل الشمس والعرق والماء ’ ينتعل حذاء الفردة اليمنى لاتشبه الفردة اليسرى ’ وهما مرقعتان تغطيهما طبقة من الغبار وبقع الزيت.. ولفتت انتباهي بقعة صفراء لامعة على الفردة اليمنى  ’ وقلت : ربما تكون رقعة الصقت بالحذاء حديثا ’ وخطوت نحو الرجل’ حييته طالبا شربة ماء ’ ناولني الكوب النحاسي ’ واحنيت راسي اشرب وانظر الى الحذاء ’ لم تكن البقعة رقعة ’ كانت قطعة نحاسية عليها ثلاثة احرف USA.
اعدت اليه الكوب ومددت له قطعة نقدية ’ تناولها وقبلها ثم سالني: اليس معك صرف يا بني ؟
قلت: هي كلها لك يا عم . افرجت اسارير وجهه ’ فقبل القطعة ثانية وابتسم .
قلت: اريد ان اسالك ياعم ان سمحت .                    
قال : اسال ما شئت يابني .
قلت هذه القطعة الصفراء ما السر يا عم في لمعانها ؟
نظر الي ثم ابتسم وقال : انها قصة طويلة يابني . وملا كوبا ثانيا ’ مده الي واضاف :  لاتقلق ساحكيها لك  . ثم تنحنح وقال: اهداني الحذاء سائح من الذين يزورون البلدة’ وقد بليت الفردة ولم تعد صالحة لذلك استبدلتها بهذه كما ترى .
قلت : ولمذا لم تستبدل الحذاء كله ؟
قال: لاتتسرع يا ولدي ساحكي لك كل شيء . واردف :قال لي السائح وهو يبتسم في وجهي بعطف وشفقة بعد أن التقط لي صورا عديدة: سترتاح  رجلاك، ويرتاح بدنك، فتذكرني كثيرا كلما رأيت هذه العلامة .  وأصارحك أن ألم المفاصل خف عني منذ أن وضعت رجلي في الحذاء، كما أنه أصبح في مقدوري أن أدور في البلدة أكثر من ذي قبل، وحتى الدرهم يا بني لم يعد يفارق جيبي. ثم سكت وقد بدت على وجهه علامات التأثر، وخاطبني: ما أرحم ذلك السائح  أكلهم كذلك يا بني؟
تجاهلت سؤاله وقلت: وهل تعرف كلام السائح يا عم؟
رد على الفور: أبدا،  هو الذي يعرف كلامنا.
ثم بلل كفه بلعابه وانحنى يمسح العلامة.
أدرت رأسي حانقا واغمضت عيني ثم فتحتهما ’ فاذا ابي امامي راكع يقبل حذاء مخططا بالاحمر عليه ثلاثة احرف.
وكدوي الرعد صحت : لا’لا’لا... ورميت الحذاء بحجر ’ فخرج منه غراب وافعى وعقرب.. طار الغراب
وحط على راس ابي ’ انسابت الافعى واحاطت بعنقه ’ اقتفت العقرب اثرها وتمددت على شاربه ..
صحت وصرخت ’ ناديت اسماء الاهل والعشيرة ’ ولا من مجيب ’ واطل علي طفل من تحت الدماء ر قائلا:اهلك موجودون داخل الاقفاص ياكلون ويشربون وينامون ’ ولايحلمون . الرقم  23 الحي من البحر الى البحر .وغاب .
صحت : ايها الطفل ’ ايها الطفل ..
هز السقاء راسه سائلا : من تنادي يا بني ؟ من ..؟
لااحد’ لااحد ’ اجبت وسرت اردد العنوان .

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة