وحيدةً كالفارس المارد .. تدخن المدينةُ أضلع صدرها الواسع سعة البحر . . وحيدةً كالغريب تتيه العيون الجافة .. تبحث زاحفة في بيداء شوارع ضيقة .. كانت في الأمس القريب مرتعا لأرجوحتي .. مدينتي الآن ليست مدينتي .. و لا تعرفني .. و لها أكثر من وجه .. حيث أنا تعلمت فن السباحة داخل أقفاص ماء السواقي .. غيمة كانت قبلتي الأولى إلى عوالم لعب الكبار قبل الصغار .. أرصفة مشروخة الوشم تعلوها التجاعيد .. أشجار صفصاف سامقة حبيسة شحوب المعاني القديمة .. كبّلتها مدخناتُ السجائر اللعينة .. أين بريق شعلة الدروب .. و رائحة الفوانيس العائمة في بياض البيوت الحجرية .. لماذا اعتقلتها دوريات الشرطة الوافدة ..؟
متى اختفت و صارت العبرةُ مجرد ذكرى .. و قد قيل سافرت على متن صهوة شوق الأهالي الجليل في ليلة ظلماء .. عبوسة الوجه إلى أمكنة بعيدة داخل أعماق الروح الهائلة .. حيث تم نفي مدينتي هناك في مخيمات واقفة كجبل حزين .. بهذا العبور الأزرق أرسمه صيفا يقطر حجرا .. لا ينتظر السقوط الآخر لجدار من قيم سوف يعود من سفر محتمل .. جميل هذا التهجير المعمد لحروف مدينة تقاوم الرمل .. كما كانت في أزمنة ولّت .. هو رملهم الغائر .. و ليس رمل بحرنا الواعد ..