أوّلُ أيام الشتاء. أجلس خلف نافذتي مستنشقا طعمَ الغيوم. للغيم نكهة الحبق المذوّب في الحليب. سأحتفل بأوّل أيّام الشتاء – تلك عادةُ الطير الكناري و ذئبِ الجبال – أطفئ ضوءَ الكهرباء و أشعل شمعة ... يُضيء المكانُ ! أعبّئ كَأسَيْ كريستال نبيذا فاخرا. أشرب كأسِي و كأسَ الخريف الذي قد مضى. أسحبُ قـُرصًا ليزريا من جوف مكتبتي: كونشيرتو التشيلـّـلو الأوّل لهايدن. أضعُ القرصَ على الجهاز. تنحني إبرةُ التشغيل في رهبة. تتدفـّق موسيقى البيان / يلتمعُ البرق ............
لا شيءَ يحدث الآن !
وحدي أنا هاجعٌ خلف نافذتي. لا شيءَ يعكـّر صفوي، مثلَ قوقعةٍ مضمومة على مجاهلها. أنا هادئ هذا المساء. أرائكي الخمسُ هادئة ٌ، عوارض السقف، وسائد القطن، مكتبتي و طاولتي و لوحة الزيتِ ( مات صاحبها). أنا الآن صاحبها....
لا شيء يحدث الآن !
مازلتُ خلف نافذتي. أراقبُ برجَ الحمام عند السطح. لو كنت حمامة (أقول في سرّي). لا شيء يعكـّر صفوي.أدندنُ اللحن الحزينَ محافظا على رشاقة الأسلوب، فيحملني الإيقاع صوْب غابةِ سنديانٍ داكِن. الغابةُ حائط أشجار و نباتٍ. لا بابَ لأدخله أو دربَ لأسلكهُ، فالغابة محض جدارٍ. لكنّ الأمرَ بسيط جدا: آخذ جرعَة من نبيذٍ فاخر، فيتـّضحُ الطريق (شبه دربٍ ضيّق تحفـّهُ الأجمات). أخوضُ في الأعشاب و الطحْـلب المغمور بالضوء و الأملاح مقتفيا خطوةَ عابرٍ سابق – لا أعرف إن كانت خطوة إنسان أو حيوان بري - ...... ........ لا زلتُ أمشِي.
يتغيّر الإيقاعُ. كونشيرتـُو التشيللو صار أكثر خفة. أتخيّلُ بيير فورنييه واقفا في الظل، أصابعَهُ العشرُ تنقر أقراص البيان، متتبـّعا تسلسل الناي و الكمنجاتِ السريعة.
تـُمطرُ فجأة ......
تلتـمُّ الحمامات في برجها القرميد – تلتـمُّ مثل صندوق كمنجةٍ – ألتـمُّ مثل تـُويجةٍ برّية. أصغي لصوت الرعد يَشطرُ امرأة في البعيد. الرعدُ يشطر صفصافة نبتت في حديقة منزلي. أشمُّ رائحة الماء و الكبريتِ (لو كنتُ صفصافة)، أقول في سرّي، لانتبهتُ للتجاعيد في صورة الضوءِ و في مسار الريح.
لا شيْء يحدث الآن، سوى أنني خلف نافذتي، أحتفل بأوّل أيام الشتاءِ وحيدا، كذئب الجبال الوحيد ..........
البيانو يلعبُ آخر النوتاتِ. تؤدي الكمنجَاتُ تسلسل النـّغم الأخير. يخفتُ الناي / تنتهي الاسطوانة. ترتفع الإبرة ُ ممسوسة بالوحي. تعودُ إلى مهدها / يسكتُ الرعد.
تمّحِي غابة ُ السنديان !
لا شيءَ يحدث الآن .............................. ............................. !!!!!
تـُمطرُ فجأة ......
تلتـمُّ الحمامات في برجها القرميد – تلتـمُّ مثل صندوق كمنجةٍ – ألتـمُّ مثل تـُويجةٍ برّية. أصغي لصوت الرعد يَشطرُ امرأة في البعيد. الرعدُ يشطر صفصافة نبتت في حديقة منزلي. أشمُّ رائحة الماء و الكبريتِ (لو كنتُ صفصافة)، أقول في سرّي، لانتبهتُ للتجاعيد في صورة الضوءِ و في مسار الريح.
لا شيْء يحدث الآن، سوى أنني خلف نافذتي، أحتفل بأوّل أيام الشتاءِ وحيدا، كذئب الجبال الوحيد ..........
البيانو يلعبُ آخر النوتاتِ. تؤدي الكمنجَاتُ تسلسل النـّغم الأخير. يخفتُ الناي / تنتهي الاسطوانة. ترتفع الإبرة ُ ممسوسة بالوحي. تعودُ إلى مهدها / يسكتُ الرعد.
تمّحِي غابة ُ السنديان !
لا شيءَ يحدث الآن .............................. ............................. !!!!!