ضاع العمر يا ولدي
عبارة نقشها الصبر على جدران الحقيقة،
مذ انتابني أول مخاض ؛
كي أضع الابتسامة جنينا معاقا،
لا يستوي على ملمح.
أقامت الدمعة حفل عقيق بحضور ما مات مني.
أما ما تبقى،
فقد كان عند براح المدينة الساخرة؛
حيث الوجوه تعاقر العصي التي وضعها الواقع عائقا،
في طريق عجلة الزمن.
كان حفل الحب كبيرا،
بما يليق بعصفورين بلا وطن ..
بلا حدود ترسم خارطة الامتداد.
العيش في قفص صديء.
وكنا وليمة العشق،
إلى أن نسفت نبضي قذائف الكذب ..
صار الحب معاقا ، يحتاج إلى كرسي متحرك
كي يجوب أروقة المتاهة.
قدري - منذ نعومتي- أن أكتب دون مقدمات،
أهذي كثيرا عند منتصف البوح ، أفر منطوية على آخر جرح؛
كي لا يزهر الصمت ، وتفوح رائحة الموت.
أدرك أني أدمنت كأس الهروب ،
وأن الهزائم تتعقبني،
أن عيونا بلورية هناك في الأفق - حيث امتدادي -
ترصد كل سكناتي،
كلما فكرت في تقسيم أشلائي بين ورثتي الطيبين ؛
لاح الذعر من بين شراييني
- التي جففها الانتظار- ليحتفل وحده بمأتمي،
اعتقادا منه أني الطريدة المبتغاة ؛
فلا تنازل عن رفاتي ،
مهما بكت الذكريات الظامئة في الزوايا ،
اهتزت الصدفات استجداء،
ومهما أعلنت على مرأى ومسمع العاصفة
توبة نبضي الجريح.
أحتاج دما لا يغادر صهوة الريح ؛
لأشعل الروح فيما تبقى مني.
ترى ماذا يشتهي طائر جريح ،
حين يصاب بأكثر من رصاصة ،
ولم تزهق روحه ،
غير العودة من العتمة ،
التواثب نحو النور ينطوي على أنينه ؛
عله يستجمع ذواته،
ليتحدى ركام العجز ، وعوائق الضعف ؟
كنت كاذبة جدتي ،
حين قلت إن الحلم طائر فينيق ،
مهما انجرح يستجمع نفسه،
ينهض من الرماد أقوى من ذي قبل!
ما بها أحلامي لا تغادر غرفة الإنعاش ،
ما به حضوري لا يبرحه الغياب ؟
وعيوني تحصد الأجوبة في غرفة باردة،
لا يدفئها غير تنفس اصطناعي-لا يسمن ولا يغني - ، لكنه يطيل المخاض،
من أجل حياة أدرك جيدا ،
أنها تحتاج المال والبنين ؛
لأنهما زينة الحياة .
لكني لم أقرأ في كتب الأنبياء:
كيف يموت المال ،
ويعتاش البنون على الجوع والظمأ ؟
كيف تموت الأبجديات ،
وترسم القصائد لوحات الحب ،
على جدران هدتها المنايا ؟
سقطت كل التفاصيل .
فقدت بوصلة كانت تقودني في دروب الغربة .
لا عاصم اليوم من الرحيل ؛
فقد انتهى زمن المعجزات.
جمعت ذكرياتي في حزمة كبيرة،
قبلت شجو العلاقة المنزوي في ركن الهزيمة ،
اتجهت نحو ثقب حفرته- منذ خيبة واستسلام -
في غرفة كنت فيها ذات وهم شهرزاد،
لأخرج من جلدي،
بعدما تخلصت من دمي في نحنحة اللامبالاة.
استنفذت كل قصائدي ،
وما أعددت من حكايا لصغار الحلم ،
الذين كانوا ينامون كل ليلة في حضني ،
شتلت الأماني على امتداد مسافات الاحتراق.
لكنها لم تستوشجرا ،
ولا أعطت ثمارا تغذي من عيون السهاد ؛
لتكون أرحم حين أختنق في مكعب الصمت ؛
حيث أدور ...والزوابع تقرضني في عتمة الدار.
من يشتهي قصيدة عمياء ،
تنهدها الأرق ، وهو يمتطي سريع الانسحاب ؟
وأحسنت شاعرة فاشلة صياغة ألوانها الغامقة ،
تزكية رائحتها الكريهة
التي أزكمت أنوف الأسراب المحلقة خلف الندى ؛ فأغمضت الغيوم عينيها ،
ابتلعت زخاتها؛
كيما تروي زهرة الصبير العنيدة
في صحراء العمر القاحلة.
المطبخ كما هو ، لا يتغير لونه ولا رائحته ،
وأنا جزء منه ،
بل أناتوابله التي تتراقص في الإناء
لتطلع الطبخة شهية ،
وليمة تليق بقناص
أجاد ترويض الكابوس ؛
لتصبح البندقية زهرة تناغي ما تبقى مني .
كل ليلة..تسقط الدمعة في راحته هدية ،
فيخضر الحزن ،
يزهر الوجع ،
وينتشي بلحظات مغلقة
بين قفلين لا مفاتيح لهما
غير كلمة سر .. تقول=
اسبحي في النار،
أينعي في اللهيب بين الصدى والخواء.
السرير في هدوء تام ،
خلص الأبجدية من أحجياتها ،
وانتهى رسم الذاكرة المغلقة
عند محطة فجر يجيد إمساك رجفته الغامضة ؛
لأسقط في يم الاعتياد،
وأنا أحضن صدفاتي التي
مازالت تحتفظ بشظايا الأمل
في قلوب كفوفهاالصغيرة.
سؤال الليل عادة ما يفضحه النهار
وهذا جواب الشمس يقول =
لا تختالي في منظومة الكذب
أيتها البومة العمياء
أنت عائدة إلى الوراء
مهما ترجمت نعيبك بالهديل ...
ومهما رصعت الندامة
بلؤلؤ الضحكات الصفراء....
مرصودة أنت في عدسات الحقيقة ...
رواية مجهولة الأوصاف ...
مهما أمعنت في انتقاء الكلام
لن يكفي ذلك مكياجا ؛
لتجميل ملامح سيدة
استنفذت سنابلها ...
وردها قربانا لآلهة لا تشفع !!