أزيز كصوت قطار، يعزف وسط صمت ليلي رسائل محملة، يختزلها عنفوان ليل شتوي .
السماء العالية ،تختزل مداها نجوم متلالئة في ليل شتوي، معتق بقطرات الماء العالقة ،التي يعتليها التثاؤب .
بضع كلمات شاردة تحوم حول المكان، ترسم معالمه الكئيبة،غير قادرة على البوح بما يسبح فيه .
ليالي الصمت المثقلة بالسهاد ، عابثة بالجمال ،تأخذ لها صورا حية مع سكون الليل ،المار من منحدرات تخمد الأصوات المتعالية ،لا شيء يسطع في تلك السماء ،غير النجوم التي نظر إليها، محاولا أن يتذكر،ما قال معلمه ذات يوم عن أسماء الكوكبات في الفلك :
كوكبة الدّب الأصغر ،كوكبة الدّب الأكبر ،كوكبة التنين ،كوكبة الدجاجة ....
لا أظن أنه سمى إحدى النجوم المتجمعة ،بأسماء الحيوانات والطيور، كهاته الأسماء التي تذكرت .
لماذا سمى تفاصيل بحوثه ،بأسماء الحيوانات والطيور ، أو الكائنات الحية ؟
أسئلة حسبته يطرحها على نفسه، في عالم كئيب ،تنحته ليلى التي ذهبت ،وسكنت في سجى الليل ، علا الشجى المكان ،فسمت الموسيقى بمن حولها وما حولها ، وانصهر الكلام ،وضاع بين الأرجاء .
أمام سكون المكان، الذي يغيب في صمت ليل موغل في الاختلاف ،الطبيعة ترفض كل جديد ،ترفض الأنوار المعلقة بأعمدة باسقة ، ترفض الورق والبلاستيك،والمعادن غير المتأكسدة ،التي برزت على السطح بفعل فاعل .
قيل : " الناس معادن "
لكنهم استخرجوا معادن أخرى لإقامة محافل لحياة أفضل.
البلاستيك الأسود ، النشاز الذي يعلو البسيطة ،خاله كطيور الغربان منتشرة تنخر الجيَف،منظر مفزع ،يتراءى من أكياس امتلأت الأرض بها ،وولى الإنسان هاربا منها ،كالهارب من غربان جائعة ،تطارد الأحياء كأنهم.....
الذي كان يشغله، لم يكن إلا أغنية شاء أن يغير كلماتها،لتستقيم وعالمه الجديد .
علا الصدأ الأوتار، التي عزفت للأيام سمفونيات لكلمات خالدة ، لم يهتم أحد للرجل الذي أفنى أيامه ليمهد الطريق أمام الآلات الموسيقية ، التي تضع ترتيبات للحن يسطع بأمره .
كثيرة هي الكلمات التي سمعها المؤلف، وهو يضع حجر الأساس في عالم الأصوات المتحررة ،التي تقول كل شيء،تنطق بكل ما لا يقال ،و كل ممنوع من الصرف والتصريف ، بعض الأفعال المبنية للماضي ، نعدل عن ذكرها ، تلك التي تنسب إلى الأشخاص ، وترمز للأحداث العالقة .
شيء يدعوه إلى بناء مقطوعة موسيقية ،تنطق بالكلمات والجمل والحروف ،ولا تقف عند الحدود ، وتتعدى المجالات ،وتتخطى الحواجز ...
اخترقت عالمه غير آبه بما قد يكون منه ، أخذت الورقة التي كُتبت عليها سمفونيته المخبوءة ، منعني من ذلك .
لكنني ،قررت أن أتمكن منها ،وأعلن ماهيتها .
فعلت دون أن أخبر أحدا ،علا صوت الموسيقى بما تخفيه الأصوات ، تفاجأ الجميع بجديتها ، وجميل موسيقاها ، خلتهم سيهتفون بألحانها إلى حين .
خمدت الأصوات من جديد في عالم لا ينفع معه شيء،كان عالما تستهويه الحفر،يتحدث فيها بأنين متكرر أصبح أنيسه المهموم ، الذي يسكن إليه، كنغم شارد ألِفَه ،فأضحى أنشودته المفضلة.
قال لي : أفعلتها ؟
أجبت :فعلتها ،ويا ليتني لم أفعل ، لأنك كنت أعلم مني بأن هذا العالم لا يصلحه شيء .
قال : ألم أقل لك ،إنها سمفونية لا تستهويها الحفر؟