السرد الذي يحمل قيمة الشعر دون زخرفة لغوية أو إيقاعية واضحة هو التقنية الأهم ومفتاح الحالة الإنسانية التي يخلفها بداخلك الديوان الذي يجعل من القارئ/منا شركاء فى الديوان الذي يتحدث عن حالاتنا العادية وإنهزاماتنا البسيطة ظاهريا الكارثية داخليا ومعنويا التي تستطيع أن تقبض عليها في ديوان حارس الفنار العجوز الصادر عن الدار في القاهرة كديوان خامس للشاعر عزمي عبد الوهاب حيث صدر له من قبل.. النوافذ لا اثر لها عن صندوق التنمية الثقافية في مصر.. والأسماء لاتليق بالأماكن عن المجلس الأعلى للثقافة في القاهرة..وبأكاذيب سوداء كثيرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب في القاهرة ...و بعد ذلك خروج الملاك مباشرة عن دار ميريت للنشر والمعلومات في القاهرة.
إننا نقرأ حكايات/قصائد عزمي عبد الوهاب التي يعلن فيها عن فقده لأشياء كثيرة سواء كانت هذه الأشياء حسية أو معنوية أو حتى فكرية وأيديولوجيه كما يتجلى ذلك في قصيدة (شيوعيون.. كنا ) الديوان ص 27 .....
على الرغم إن الديوان يحمل صفة قصيدة نثر بسماتها المعروفة ويعبر عن ذات الشاعر إلا أن هذه الذات تتقاطع شعريا مع ذواتنا جميعا مما يجعل الديوان يتحول في مواضع كثيرة إلى صوت جمعي وهذا ليس بقصدية الشاعر الذي يعبر عما يحدث داخل الذات ثم علاقتها بالعالم المحيط ومن هنا كان تقاطع وتماس ذاته الفردية مع ذواتنا مما يدخل الديوان قصرا إلى الالتفاف الجماعي حول صوت الشاعر ويتجلى هذا في قصيدة (القتلة) التي يهديها إلى أطفال قانا رغم أنف قصيدة النثر –الديوان ص 127 ..ساعد في ذلك اللغة العربية الفصحة البسيطة ظاهريا العميقة فنيا وشعريا حتى إن هذه اللغة لا تجد مفرا من استخدام بعض الألفاظ العامية المصرية التي لا بديل عنها في بنيان القصيدة .. كما كان الشاعر بعيدا تماما عن وسائل الإبهار اللغوي والزخرفة الشعرية تمام أو إحضار مفردات معجمية تعطى للقصائد بعض القداسة حتى انك من فرط متعة هذه اللغة تشعر انك لا تقرأ ديوان بل تستمع إلى صوت شاعر يجلس بجوارك وزاد هذا الأمر وضوحا الإيقاع السريع للجمل والاختزال الشديد في التعبير
ان الديوان يحدث حالة دائمة من الحوار المفتوح مع الذات داخليا ومع كل المحيط خارجيا حتى ان الفعل قال يأتى فى الديوان على هيئات لغوية متعددة فى حالات المضارع والماضى وفى شكل ذكري وانثوي كما يصنع الديوان فضاء شعريا له خصوصية الشاعر يحتوى هذا الفضاء ..الاصدقاء القتلة..الشرطى الفقير.. كوبري قصر النيل..الاوبرا..الهناجر..فلاح عجوز..ساعى البريد..زاهية التى تعبر عن الفلاحة الجميلة فى الذاكرة الشعبية ....رؤساء العمل وعلاقته بهم التى هى شديدة السوء التى يعبر عنها بشاعرية شديدة الثراء كما تحضر القاهرة بكل اماكنها وشوارعها فى الديوان وهذا الملمح يعبر عن التمازج الكامل مع المكان بعد مرور اكثر من عشرسنوات من انتقال عزمى من قريته التابعة لمحافظة للدقهلية وحياته واستقراره فى القاهرة .
عزمى عبد الوهاب شاعر قصيدة نثر تخرج من رحم ايديولوجيه كاملة هى الشيوعية وعندما اكتمل عوده الفكرى انهارت الايديولوجية امام عينيه وانهارت حوله اشياء كثيرة فكان ميلاد قصيدة النثر داخلة كخلاص أخير واعادة اكتشاف الذات والعالم من خلال هذا النمط من الكتابة ولكنه دائما سيظل يحمل احلامه والهم الجمعى للوطن والناس وهذا مايسفر عنه الديوان .